قراءة أردنية في بيان قمة عمان

ت + ت - الحجم الطبيعي

بيان الاربعاء : انتهت أعمال القمة العربية في العاصمة الأردنية عمان بين معبر عن ارتياحه لما تم فيها وداعياً لمواصلة العمل على تنفيذ بنود البيان الختامي الذي اعتبر خطوة متقدمة في الاتجاه الصحيح، وبين مشير إلى أن القمة لم تستطع كسابق القمم العربية على تقديم حلول عملية وواضحة للقضايا والأزمات التي يعاني منها الوطن العربي، وعلى رأسها القضية الفلسطينية و العلاقات العربية العربية في إشارة إلى ما بات يعرف بالحالة العراقية الكويتية. الفريق الأول يؤكد بأن القمة استطاعت تحقيق تقدم ملموس سواء على صعيد القضية الفلسطينية التي لوحظ ان القادة العرب لم يكونوا على خلاف حولها، في حين يشير هؤلاء إلى أن ملف العلاقات العربية العربية أحرز العديد من النجاحات سواء على المسار الفلسطيني السوري أو حتى في الحالة بين العراق والكويت. ويؤكد هؤلاء على أن القادة العرب لا يحملون بأيديهم عصا سحرية وان ما تم حتى الآن يمكن البناء عليه. أما الفريق الثاني فيرى أن القمة لم ترتق إلى مستوى التطورات الراهنة على الأرض الفلسطينية، حيث انه كان هناك الكثير مما يمكن عمله على مختلف الأصعدة. وإذا كانت القمة العربية قد أنهت أعمالها وغادر القادة العرب العاصمة الأردنية في انتظار عودتهم السنة المقبلة إلى بيروت فإن المراقبين والمحللين السياسيين فتحوا دفاترهم انتظارا للبدء في تسجيل ما تنفيذ ما تم الاتفاق عليه في عمان. فهل سيعود هؤلاء السياسيون و المراقبون إلى بيروت بصفحات بيضاء، و هل نجحت مؤسسة القمة في التعامل مع الأوضاع في الأراضي العربية المحتلة، ولماذا لم يعقب العرب على الوعيد الإسرائيلي للفلسطينيين أثناء القمة، والذي تأكد بعد ساعات من اختتام أعمال القمة بأنه وعيد حقيقي؟ و ما الفرق بين قمة القاهرة وعمان في الموضوع الفلسطيني؟ وما سر الدعوة إلى ضرورة التقاء الطرف الفلسطيني والإسرائيلي لبحث بنود أمنية، وهل حققت قمة عمان شيئاً على صعيد الحالة العراقية الكويتية بعد أن تخلى الطرف الكويتي عما تم الاتفاق عليه في القمة، وما هو النجاح الذي حصل في هذه الحالة؟ وهل أن فتح الملف العراقي الكويتي كان توجها صحيحا؟ وفي مقابل كل ذلك فان العديد من السياسيين يؤكدون بأن حالة من الفوضى باتت تتهدد المنطقة بعد البطش الإسرائيلي ضد الشعب الفلسطيني، وأين العرب من كل ذلك، وما هي السيناريوهات المطروحة؟ واخيرا ما هو المطلوب في الوقت الراهن من الدبلوماسية العربية؟ البيان التقت كلا من وزير الداخلية الأسبق خالد مدادحة، و وزير شئون الأرض المحتلة قبل فك الارتباط مع الضفة الغربية الأستاذ مروان دودين، ونائب رئيس المجلس الوطني الفلسطيني، ونقيب المحامين الأسبق حسين مجلي، والمحامية نائلة الرشدان وتيسير قبعة نائب رئيس المجلس الوطني الفلسطيني ومحمد الخرابشة عضو البرلمان الأردني وعبداللطيف عربيات الامين العام لحزب العمل الإسلامي، حيث استعرضت معهم هذه التساؤلات فتم تسجيل الآراء التالية: ـ مدادحة: في البداية احب أن أسجل تأكيدي بأن القمة العربية استطاعت دفع مؤسسة العمل العربي المشترك بصورة جيدة، بمعنى أنها قامت بالبناء على ما تم على صعيد العمل العربي المشترك وهذا أمر في غاية الأهمية، ولا يجب التقليل من شأنه حتى وان كان مؤتمر القمة لم ينجح في النهاية إلى الوصول إلى صيغ معقولة بين الأطراف العربية في أهم الملفات التي تم التعامل معها. هذا جانب، أما الجانب الآخر فهو انه ونظرا لأسباب قاهرة فقد فشلت القمة العربية في وضع خطة كاملة سياسية وعسكرية واقتصادية وإعلامية ودبلوماسية للتعامل مع الأمرين الطارئين في عملية السلام وهما الإدارة الأمريكية الجديدة وما ظهر حتى الآن من سلبياتها في التعامل مع الغطرسة الإسرائيلية والتراجع في صنع عملية السلام، أما الأمر الآخر فهو الحكومة الإسرائيلية الجديدة برئاسة شارون وعودة إسرائيل لسياسة القوة واستخدام العصا الغليظة مع الجانب الفلسطيني. وترجع الأسباب التي وقفت خلف فشل الدول العربية في تحقيق التوجهات التي كانت الشعوب العربية تطمح لتحقيقها إلى جملة من العوامل الموضوعية، هذه العوامل التي دفعت كلا الإدارة الأمريكية من جهة وحكومة الحرب الإسرائيلية بقيادة شارون من جهة أخرى للاطمئنان بأنها ستعمل على إبراز الإخفاق بدلا من النجاح في القمة ومن هذه العوامل الخلافات العربية، وخاصة فيما يتعلق بالحالة العراقية الكويتية. ويكمن السبب الثاني في الضعف العربي العام وانعدام الخيار العسكري كليا في ظل الأوضاع العربية الراهنة، وهذا ما يدركه المحتل الإسرائيلي. ولا شك في مقابل ذلك أن الضغوط الأمريكية عملت في السابق على تراجع في دعم السلطة الوطنية الفلسطينية والانتفاضة خلال الفترة ما بين القمتين العربيتين في القاهرة وعمان. ولعل النجاح الوحيد الذي تم تسجيله تحت عنوان عملية السلام والذي تم تحقيقه خلال القمة هو الموافقة على عودة الحياة إلى مكتب المقاطعة العربية الرئيسي في العاصمة السورية دمشق. الأمر الذي سيؤدي حتما إلى وقف تطبيع العلاقات العربية الإسرائيلية ويوجه رسالة مهمة لحكومة إسرائيل بان خيار السلام لم يصبح خيار استسلام وان لدى الجانب العربي خيارات كثيرة لإرغام إسرائيل على التراجع عن سياسة استخدام القوة والعودة لطاولة المفاوضات، دون أن يقوم الجانب العربي باستعمال الخيار العسكري. ولم يقتصر نجاح القمة في هذا الإطار على ذلك فقط بل إن قرارها الداعي إلى ترابط وتلازم المسارات الثلاث السورية والفلسطينية واللبنانية هو قرار إيجابي وصائب وممتاز، لأنه سيساهم في بث الروح في المفاوضات العربية وتزويدها بالقوة اللازمة وآفاق الضغط المطلوب، وسيؤدي في المقابل إلى موقف عربي موحد. هذا إلى جانب بروز بعض النجاحات على هامش المؤتمر من قبيل اللقاء الذي تم بين الرئيس الفلسطيني ياسر عرفات والرئيس السوري د. بشار الأسد، هذا اللقاء الذي سيدعم ارتباط أو تلازم المسارين بالصورة التي نريد منذ زمن. ولو تم اتباع هذا الأسلوب منذ بداية المفاوضات بعد مؤتمر مدريد لكنا قد اختصرنا دون مشاكل عدم التنسيق بين الأطراف العربية التي ظهرت فيما بعد وأدت إلى لعبة التسابق العربي على المسارات وبينها، هذه اللعبة التي نجح المحتل الإسرائيلي في دعمها بموافقة من راعي السلام الإدارة الأمريكية في حينها، مع الأسف. الضغط الامريكي ـ قبعة: لا يمكن أن نفصل القضية الفلسطينية عن باقي قضايانا العربية، وان أي فصل ميكانيكي ليس لمصلحتنا كفلسطينيين أو كعرب، وطالما أن القضايا العربية لم تحل كافة اشكالاتها سنبقى نحن في موقف ضعيف. ولان القمة لم تحل هذه القضايا لم تتمكن من حل أزمة الانتفاضة ولا اتخاذ موقف حازم بضرورة دعم الانتفاضة سياسيا وماديا ومعنويا. وقد جاءت قرارات القمة هزيلة بالنسبة لدعم الانتفاضة أو للموقف الأمريكي المنحاز كليا إلى جانب اسرائيل، حيث أن بوش قام بإعطاء ضوء اخضر لشارون لشن حرب إبادة ضد الشعب الفلسطيني. بل أنها جاءت على استحياء بلوم أمريكا على تنفيذ الفيتو على الحماية الدولية. وفي هذه المناسبة أكدت زيارة شارون إلى واشنطن على مدى العلاقة بين الولايات المتحدة في عهد إدارتها الجديدة وإسرائيل من اجل تجنب بوش للدخول في معارك مع قادة اللوبي الصهيوني، فشارون لم يكن ليحظى بمواقف مؤيدة له من طرف كلينتون كما حصل مع الإدارة الأمريكية الراهنة. ولم تترك هذه الإدارة للقمة العربية سواء أثناء انعقادها أو بعد ذلك أي مساحة للتنفس فيما واصلت صمتها لما يجري في الأراضي الفلسطينية المحتلة من قمع إسرائيلي وتحريض اسرائيل ضد سوريا وانتقاد تل ابيب لمصر وسوريا لعدم ارسال سفيرها لاسرائيل ومطالبة واشنطن بوقف المساعدات لمصر. ان هذه التطورات الخطيرة تضع الدول العربية أمام مسئوليات تاريخية، تحتم على العرب اتخاذ سياسة واضحة لا تقتصر على الخطب الرنانة داخل الغرف المغلقة، وانا اجزم انه بدون اتخاذ سياسة نفطية واضحة تجاه أمريكا فلن تقوم واشنطن بتغيير سياستها. إضافة إلى ذلك فان القمة العربية لم تغير سياستها تجاه العراق الذي عمل باستمرار لصالح نضالنا الفلسطيني ونضال الأمة العربية، وارى أن القمة رغم أهمية تثبيت دوريتها إلا أنها جاءت مخيبة للآمال الفلسطينية والعربية، فرغم سفر كولن باول إلا أن ظله كان حاضرا بقوة في اجتماعات القمة. وقد وضع العرب في قمتهم بموقف صعب للغاية ولكن لم يتم التعامل معه بالصورة المطلوبة وهذا الموقف هو تحدي شارون للقادة العرب من خلال شنه لحرب إبادة ضد الشعب الفلسطيني بعيد القمة مباشرة، أما لماذا فان هذا السؤال لا يستطيع الإجابة عليه إلا القادة العرب أنفسهم. ويجب أن يتذكر الجميع المثل القائل «أكلت يوم أكل الثور الأبيض» وإذا اعتقد أي شخص بأن الشعب الفلسطيني يقاتل دفاعا عن نفسه فقط فانه يجهل طبيعة العدو، وآلية عمله وماذا يريد، وكل هذه حقائق كالشمس لا نحتاج لبرهانها، فاسرائيل ليست خطرا على الشعب الفلسطيني بل على مجمل الأمة العربية. ومن هنا نعتقد كفلسطينيين انه لا فرق بين نتائج قمة القاهرة وما آلت إليه قمة عمان. وقد اتخذت اللعبة السياسية منحى حزينا، بعد أن تحولت الدول العربية إلى مجرد وسطاء بين الفلسطينيين وإسرائيل، هذه كارثة كبرى، بينما الولايات المتحدة تقف لدعم إسرائيل والى جانب إسرائيل. وفي الحقيقة لست أرى أي نافذة يمكن أن نستنشق منها الهواء غير الفاسد إلا عبر شعبنا الفلسطيني الصامد، والجماهير العربية التي تعبر كل يوم عن رفضها لما يجري، وقد رأينا في مصر مثلا كيف أن الشعب المصري العريق والأبي يعبر عن سخطه، للإرهاب الصهيوني ضد الإنسان الفلسطيني، والأمثلة على ذلك تطول. واحب أن أؤكد انه يجب أن يكون معلوما لدى الجميع ان الرضوخ للمحددات الأمريكية والتهديدات الصهيونية والمصالح الآنية الصغيرة لن يتيح المجال لأي تقدم عربي نحو النهضة والوحدة والتعاون، فبعض العرب على ما يبدو ما زالوا غير مستعدين لتفهم الواقع المرير الذي تعيشه أمتهم. وكان على القمة التقدم بخطوات جادة نحو تحقيق طموحات الشعوب العربية والاستجابة لدعواتها، وكيف سنرى أي تقدم إذا ما بقينا نقيس كلماتنا ومقترحاتنا ومواقعنا بمقياس الموافقة الأمريكية والرضوخ لتوجيهات واشنطن. عملية تجميل ـ الخرابشة: رغم كل المحاولات التي جرت لتجميل القمة العربية إلا انه كان من الواضح ان النتيجة بالنسبة للشعوب العربية وطموحاتها لم تكن في المستوى المطلوب، بل انه يمكن وصفها بأنها كانت قمة رفع العتب أو قمة براءة الذمة. فقد تنصلت القمة من كل القضايا الأساسية التي كان عليها بحثها. أما فيما يتعلق بالتسوية فما هو الموقف الذي تم اتخاذه في هذا الموضوع من خلال القمة العربية، وإذا كانت لم تتخذ أي قرار صريح وواضح بخصوص ما يجري على الأرض الفلسطينية، فأين هو التقدم الذي يتحدث عنه البعض. والشاهد الأكبر لما أقول هو ما يجري على ارض فلسطين من قتل و إرهاب للشعب الفلسطيني وقمع الشعب الاعزل بمواجهة الآلة العسكرية واستخدام كافة أنواع الإرهاب والقوة ضد هذا الشعب فما هي إذا مقررات القمة العربية لمواجهة هذه الحالة، أو على الأقل لوقف العنف والارهاب الذي يمارس على الشعب الفلسطيني، أو لحصوله على حقوقه وحق تقرير مصيره في إقامة دولة على أرضه، حيث أن كل ما يجري حاليا يتنافى وابسط حقوق الإنسان التي يفترض أن تصان بموجب مواثيق الأمم المتحدة. وفي مقابل كل ذلك هل كان العرب على حجم المسئولية حين قامت الولايات المتحدة برفع الفيتو في وجه حماية الشعب الفلسطيني من البطش الإسرائيلي، حتى أنها لم تكترث باحراج القيادات العربية أمام شعوبها. ولم تجد واشنطن ضرورة لتأجيل انعقاد مثل هذا القرار ضد إرسال قوات لحماية الشعب الفلسطيني الأعزل، وبالتالي فان القمة كانت بعيدة كل البعد عن أهداف وطموحات الأمة العربية ولم يتم الارتقاء بقراراتها أو بنتائجها إلى الحد الأدنى من الطموحات التي كان من المأمول أن تحققها القمة وتحديدا في اتخاذ موقف صريح وواضح فيما يتعلق بما يجري على الأراضي المقدسة. وكما نذكر ان قمة القاهرة كانت قد اتخذت قرارا بدعم الفلسطينيين ماليا، إلا أن الواقع وعبر شهور عديدة أكد أن العرب ليسوا مستعدين لتقديم حتى مثل هذا الدعم، حيث أن التأثير الأمريكي كان صريحا وواضحا في القمة، وقد ظهر ذلك من خلال جولة وزير الخارجية الأمريكي كولن باول إلى المنطقة قبل انعقاد القمة وكان التأثير الأمريكي بذلك واضحا على القيادات العربية. ولا أستطيع أن اقول ان القمة كان لديها موقف حاسم فيما يتعلق بعملية السلام الذي تراها الدول العربية الخيار الاستراتيجي لها، أو من توجهات التسوية الموجودة دوليا والتي تقودها الولايات المتحدة. ورغم أن كل الصحف العربية جملت خطابات القمة إلا أنني أؤكد انه حتى في موضوع الخطابات لم ترتق القمة إلى المستوى المطلوب، ولم يقال ما يمكن أن يعبر عن مشاعر الأمة العربية. قاعدة واحدة ـ مجلي: إن انعقاد قمة عمان افضل من عدم انعقادها على الإطلاق الا انه يجب اعتماد معايير تحدد نجاح أو إخفاق هذه القمة ولكن اللعب من اجل المشاركة لم يعد جوابا مقنعا، وفي المقابل، لا يمكن فصل النتائج الإيجابية أو الإخفاقات التي أفرزتها القمة العربية التي عقدت في عمان عن مسيرة القمم العربية السابقة من عام 1946 حتى الآن أي عبر اكثر من نصف قرن. بالإضافة إلى انه لا يمكن القول وخصوصا في ظل العمل العربي الماضي والحالي بان هناك مجموعة من القضايا التي سجلت فيها القمم اخفاقات وأخرى أحرزت فيها نجاحات. فالقاعدة العربية التي تتعامل مع قضية مثل القضية الفلسطينية هي القاعدة نفسها التي يتم التعامل بها مع باقي القضايا، ومن المنطق القول بإن نجاح العرب في تحقيق تقدم حقيقي في القضية الفلسطينية يعني بالتأكيد نجاحهم في التقدم في الملفات و القضايا الأخرى لكونها القضية المركزية في عملنا ومدى نجاحه. وإذا لم يكن هذا القول من قبيل الحقيقة فعلى الأقل هو أمر معاش اختبرناه منذ أول قمة عربية. وإذا أ ردت التفصيل أقول أن القمم العربية لم تفعل شيئا منذ أيام الرئيس الراحل جمال عبد الناصر، لقد استطاعت القمم العربية بنجاح أن تخرج العرب من وحدة الهدف إلى وحدة الصف، ولهذا المطلوب حاليا هو العودة في الاتجاه المعاكس أي من وحدة الصف إلى وحدة الهدف. أضف إلى ذلك أننا لو استعرضنا بصورة سريعة القرارات أو البيانات الختامية التي خرج بها عدد من القمم وخصوصا التاريخية منها سنجد أنها لا تختلف كثير عن باقي القمم، وهنا أسجل مفارقة غريبة وهي اهتمام الصحف العربية بالبيانات الختامية للقمم ومشاريع هذه البيانات. فمثلا في قمة أنشاص التي عقدت عام 1946 نجد أن البيان الختامي شدد على أن قضية فلسطين قلب القضايا القومية، وعلى مساعدة عرب فلسطين بالمال وهذا ما حصل في قمة بيروت لعام 1956 التي اعتبرت أن قيام اسرائيل خطر أساسي يجب دفعه سياسيا واقتصاديا وإعلاميا، كما أقرت في المناسبة دورية اجتماع القادة، بالإضافة إلى تصفية الجو العربي. ودعوات مشابهة اقرها مؤتمر القمة العربي الثاني في الإسكندرية عام 1964 ومؤتمر الدار البيضاء الثالث والخرطوم الرابع 1967م، وإذا أردت استعراض جميع القمم فلن تجد أي قرارات ذات اثر إيجابي في الواقع العربي أو في حماية الأمن القومي العربي أو التكامل الاقتصادي العربي. إذا لماذا فشلت مؤتمرات القمم العربية التي انعقدت على مدى ما يزيد عن نصف قرن، الجميع يطرح مثل هذا السؤال والجميع يعتقد أن لديه الإجابة ولكن ما العمل؟ إن خلاصة ركام الانتصارات والهزائم من التجارب الصحيحة والخاطئة تؤكد بان على الأمة العربية التحرك بصورة فاعلة من اجل ايجاد حل ما إلا أن مثل هذا التساؤل لا يمكن الإجابة عليه بهذه السهولة على ما اعتقد. ومن اجل ذلك أيضا كنت في السابق قد دعوت إلى ضرورة وضع حجر الأساس لبناء التنظيم العربي الفكري الواحد الذي يضم قادة الفكر في الأمة العربية من خلال مؤتمر فكري يسعى إلى إيجاد مساحة فكرية لتوحيد الإرادة والعمل الجاد للخروج من المحنة السياسية. وحسب فهمي للتاريخ المعاصر للامة العربية فان الرأي العام العربي المنظم هو الحل بما يعنيه ذلك من حركات وتنظيمات وأحزاب إقليمية كل ذلك أن بدأ العمل من اجله بصورة واعية وجادة سيشكل قاعدة الدولة القومية الواحدة. ـ دودين: حتى الآن لم يختلف المراقبون على مجريات الأمور في قمة عمان منذ اختتام اجتماعاتها من حيث الشأن الفلسطيني الذي جاء في المقدمة بدون منازع، وتمثل ذلك في التأييد السياسي والمعنوي لفكرة المقاومة الشعبية التي لا تختلف مع السعي في تحقيق السلام العادل فجاءت القرارات كلمات وعبارات تؤكد هذا المعنى وتشد من أزر المقاومة الفلسطينية ممثلة بانتفاضة الأقصى وتتمنى لها أن تستمر حتى تخلق معادلة ذاتها في العودة إلى طاولة المفاوضات مجددا مع إسرائيل. ومن ناحية أخرى فقد دعمت قرارات القمة العربية انتفاضة الأقصى والشعب الفلسطيني والسلطة الوطنية الفلسطينية ماديا ومعنويا وان تفهمت اكثر من أي وقت مضى عنصر اللحاق وسرعة الحركة في تأمين الحد الأدنى المطلوب من التحويلات المادية. صحيح ان اللغة العامة في بيان عمان وفي المقررات حافظت على لجهت من الاعتدال، ولكنها أيدت في المقابل وبشدة حق الفلسطينيين وفي ابتداع الوسائل المتاحة في مقاومة الاحتلال على أوسع نطاق جماهيري. استبعاد الخيار العسكري ـ الرشدان: يمكننا القول بان لقاء القادة العرب كان نقطة تحول للعمل العربي المشترك وكذلك في توحيد الجهود والموارد من اجل الانتفاضة الفلسطينية، وفي رفع سلاح المقاومة الاقتصادية لإسرائيل والحاجة لإعادة تفعيل هذه الوسيلة المشروعة لمجابهة العدوان الإسرائيلي على العرب. وفيما قدمت قمة القاهرة للفلسطينيين الدعم المادي دون تنفيذ، بدا في قمة عمان ان قرارا بالإجماع قد اتخذ للالتزام بهذا الدعم، وهذا تقدم عربي جيد ينتظر التنفيذ. ومن الملاحظ عربيا أن استراتيجية السلام مع إسرائيل لا تزال هي السياسة الوحيدة التي يفكر بها العرب على الرغم من تهديدات شارون والتي ما أن انتهت اجتماعات القمة حتى بدأ بتنفيذها والقيام بأعمال ارهابية عنيفة كانت على اشدها ولا تعبر عن ذرة من النوايا الحسنة تجاه العملية السلمية، بل تعكس زيادة في التعنت والغطرسة والارهاب ومزيد من القتل والاعتداءات على المدنيين والعسكريين والمسئولين على حد سواء.فالدول العربية في هذه الفترة سواء التي وقعت معاهدات سلام مع إسرائيل أو تلك التي لم توقع بعد باتت تتخذ توجها يقضي بانهاء موضوع الخدمة العسكرية في حين أن بعضها يعمل حاليا على ا لتخفيف منها مثلما تقوم به الحكومة اللبنانية، وهذا مؤشر عملي يؤكد استبعاد الدول العربية للخيار العسكري. في الحقيقة كنت أتوقع من القادة أن يقوموا بالمطالبة بإعادة القرار رقم 3379 وهو أول قرار يصدر عن الجمعية العامة ويساوي بين الصهيونية والعنصرية واعتبرها أحد أشكالها وهو الذي أثار غضب أمريكا وإسرائيل فيما بعد، وعملوا على إلغائه حيث حددت إسرائيل عام 1990 موعدا أقصى للقضاء عليه (وتم إلغاؤه عام 1991 قبل مدريد) والصهيونية رغم نجاحها في إلغاء القرار سابق الذكر بقرار مضاد من الجمعية العامة فإنها لم ولن تستطيع إخفاء عنصريتها. أن أول ما تقوم به إسرائيل من اقتحام مناطق السلطة الوطنية الفلسطينية ومنع أفرادها والمسئولين من الاجتماع أو السفر بل واغتيال الشخصيات الفلسطينية واختطافهم وآخرهم قائد البحرية الفلسطينية وأفراد من عناصر حراسة الرئيس عرفات وكذلك ضرب المدن والقرى الفلسطينية بالدبابات والأسلحة الثقيلة ومواجهة أطفال الحجارة بالذخيرة الحية وقوافل الشهداء المستمرة يوميا، إضافة إلى عشرات الألوف من الجرحى والذين تحدث بهم الإصابات إعاقات دائمة، كل ذلك يكرس العنصرية التي كان يجب أن يكون هناك مطالبة بإعادة هذا القرار والعمل على تأكيد ذلك في المحافل الدولية لتأييده. ان قرار القمة القاضي بتقديم العون المادي للانتفاضة هام جدا كي تستطيع الصمود والتصدي والاستمرار. أما فيما يتعلق بالفيتو الأمريكي بخصوص إرسال قوة دولية لحماية الفلسطينيين فموقف القمة منه جاء على استحياء فان توقيت الفيتو قد عبر بحق عن تحد للمطالب الفلسطينية العربية العادلة إلا أن ما نرجوه أن لا يتوقف هذا الاستنكار والرفض العربي للفيتو الأمريكي عند هذا الحد، بل أن تقوم كل الجهات العربية بالاتصال مع الإدارة الأمريكية واتخاذ الخطوات العملية التي تعبر عن الاحساس بالمرارة بين الرأي العام العربي تجاه المواقف الأمريكية المنحازة كليا إلى اسرائيل، والتي تتناقض مع قرارات ومواقف الشرعية الدولية. والقضية التي تبرز بوضوح في الخطاب العربي أنه صاحب عين واحدة تتجه نحو الحل السلمي دون غيره من الحلول ولذلك فان هذا الخطاب لا يريد أن يقوم بأي خطوة من شأنها أن تدفع إلى قتل عملية السلام. وحسب ما أرى فان على الدول العربية على الأقل أن لا تعتبر أن الحل الوحيد هو في الخيار السلمي فقط ولكن لا يعني ذلك أن الخيار الثاني مباشرة هو خيار الحرب. وفي مقابل الثقافية السلمية التي تحرص الدول العربية على إبلاغها للرأي العام لديها لم تفعل أي من الحكومات الإسرائيلية بخطوة واحدة من اجل إقناع الإسرائيليين بثقافة السلام بل أنها عملت على تكريس ثقافة العنصرية وأكدت ذلك في مناهجها التربوية كما أن أمريكا دعمتها في هذا الاتجاه، لهذا نحن نرى أن فلسفة السلام لم تكن مفعّلة تربويا وإعلاميا إلا لدى الدول العربية. وقد ثبت ذلك من خلال تنامي الأحداث بعد القمة العربية وتغول الإسرائيليين تجاه الفلسطينيين ومجموعة الأحداث التي جرت ومازالت متلاحقة حتى يبدو للمراقب انه لا يستطيع ملاحقتها تباعا. ومازلنا في هذا الصدد نسمع التصريحات الوحشية من قبل عدد من المسئولين الإسرائيليين التي تنادي كما صرح به مؤخرا وزير الدفاع الإسرائيلي إلى ضرورة رفع حدة القتال درجة إضافية، وهذا يعني انهم يبنون على العنف والقتل والحرب لا على ثقافة السلام. الحالة الواقعية الكويتية انتقل الحديث إلى ما عرف خلال القمة بالحالة العراقية الكويتية حيث تناول المشاركون في الندوة هذا الموضوع كل من زاويته. ـ مدادحة: اعتقد أن الملوك والرؤساء والقادة العرب لم يخطئوا عندما أولوا اهتمامهم بهذا الملف خصوصا وان هناك العديد من الأسباب التي دفعتهم إلى ذلك ومنها ارتباط لهذا الملف الدقيق بملف مسيرة السلام في المنطقة، وهذا ما أشار إليه العديد من المسئولين العرب والمحللين السياسيين، إضافة إلى أن إغلاق هذا الملف سيؤدي إلى عودة التضامن العربي ويضع حدا للخلافات العربية العربية التي يراهن عليها الجانب الإسرائيلي منذ حرب الخليج الثانية. الأمر الآخر هو ان عودة العراق بقوته السياسية والنفطية والاقتصادية للصف العربي سيؤدي حتما إلى تعزيز أوراق الضغط والتفاوض لدى الجانب الفلسطيني ولدى الأطراف العربية الأخرى في مواجهة الغطرسة الإسرائيلية. ولكن في المقابل احب أن أشير إلى ان بعض الآراء تتحدث عن كون القادة والزعماء العرب قاموا بصرف وقت أطول مما يجب على هذا الملف، والذي جاء على حساب الملف الآخر المتعلق بدعم السلطة الوطنية الفلسطينية والانتفاضة، مما دفع إلى التأثير إلى نتائجه، إلا أنني أؤكد بأنه كان يجب على القادة العرب أن يبحثوا في الحالة العراقية الكويتية، ورغم عدم تحقيق (انتصارات) في هذا الجانب إلا أن مجرد البحث كان ضروريا، رغم خلو البيان الختامي للقمة من حلول لهذا الملف، وإن مجرد فتحه بالتفصيل ووضع نقاطه على طاولة البحث لأول مرة منذ اكثر من عشر سنين سيؤدي حتما إلى التمهيد لفتح الطريق أمام وفد المصالحة الذي سيكون برئاسة جلالة الملك عبدالله الثاني والذي سينجح إن شاء الله في إغلاقه نهائيا بعد أن تم تذليل كثير من العقبات خلال فتح الحالة في قمة عمان، وهذا الأمر نفسه هو من عمل القمة العربية. ـ قبعة: أريد أولا أن أسجل أن الشعوب العربية وفي طليعتها الشعب الكويتي والعراقي يطمح إلى عودة التضامن العربي والسياسة العربية الواحدة تجاه قضايا الأمة. ولا بد أن تعمل هذه ال شعوب على حسم هذه التوجهات والعودة إلى طموحاتها وآمالها وآلامها. أما حول فتح الملف العراقي الكويتي فإننا كفلسطينيين نعتقد انه يجب أن يتم فتحه وحله نهائيا، ويجب أن يوقف الحصار عن العراق، وفي المناسبة الحصار المفروض على العراق ليس أمريكيا وإنما عربي. أما من حيث القمة فإنها فشلت في التعامل مع هذه القضية لسبب أو لآخر، أما القول بأنها نجحت في التقدم ولو خطوة بسيطة في الاتجاه الصحيح فأنا لست مع هذا القول، فالوقائع ومجريات الأمور سواء أثناء انعقاد مؤتمر القمة أو ما بعد ذلك يشير إلى أننا لم ننجح في تسجيل أي تقدم. طموح الأمة ـ الخرابشة: كانت الأمة العربية بأسرها تطمح في أن يتم الإعلان من عمان عن قرار رفع الحصار عربيا على العراق وان يتم هناك موقف واضح للقيادات العربية من خلال القمة، وإذا القمة لم تتطرق إلى البحث ما يجري في العراق وفلسطين فما هو فائدتها ولماذا عقدت في الأصل. ليس كما يقال ان القمة نجحت في تحقيق التضامن العربي وتحقيق المشروع العربي في العمل المشترك، وهذه شعارات فارغة تقال بين الحين والآخر وتستعمل كمحاولة لإجراء عمليات تجميل على القمة ونتائجها. فالموقف من العراق كان يجب أن يكون شفافا، لان الأمة العربية تدرك أن هناك ترابط مباشرا بين ما يجري على الأرض الفلسطينية وما يجري على الأرض العراقية. وان الحصار الذي يتعرض له الشعب العراقي والقصف اليومي الذي تقوم به الطائرات الأمريكية والبريطانية هو استهداف لارادة الأمة العربية واستهداف للأراضي العربية ولارض العراق التي هي دعامة أساسية لابناء الأمة العربية وقرار الوطن العربي المستقل.إ ضافة إلى أن أزمة العراق محاولة لالهاء الأمة العربية ولاشغال العرب عن قضيتهم المركزية والاساسية، حتى تتوزع الجهود وتتشتت الأفكار والرؤى التي تخص الأمة العربية والمصالح العربية والأرض العربية. ومحاولة استمرارية الحصار العراق، تهدف إلى إعادة القضية الفلسطينية إلى الصفوف الخلفية في العقلية العربية، والى الصفحات الداخلية من الاهتمامات العربية. واؤكد هنا انه لا يمكن القبول بأقل من الحد الأدنى من طموحات أبناء الأمة. وقد كنا نأمل أن يكون هناك قرارا موحدا برفع الحصار عن العراق وان يكون قرارا صادرا من عمان وبالتعاون مع جميع القيادات العربية وكنا نأمل أيضا أن يتم تشكيل وفد من هذه القيادات للمبادرة في كسر الحصار عن العراق من خلال بعض هذه القيادات كوفد ممثل لهذه القيادات، إلا أن ما جرى خذل الأمة العربية وتحديدا في قضاياها الأساسية التي هي قضايا لا يمكن في أي حال من الأحوال أن يتم التغاضي عنها. مقاصد الأمريكان ـ مجلي: كل السياسيين والمحللين والمراقبين يجمعون على أن الحالة العراقية الكويتية التي أفرزتها حرب الخليج الثانية لم تكن يوما مفصولة عن القضية العربية المركزية وهي القضية الفلسطينية. إن أهم المقاصد والأولويات سواء لإدارة كلينتون أو للإدارة الأمريكية الحالية كانت في إبقاء فرض الحصار على القطر العراقي مهما أدى هذا الحصار من ويلات انسانية اعترف بها العدو قبل الصديق. واعتقد في هذا الجانب أن السبب الرئيسي في الإصرا ر الأمريكي الصهيوني من اجل إبقاء حصار العراق على رأس سلم الاجندة السياسة الخارجية الأمريكية إشعال العالم العربي بعيدا عن القضية الفلسطينية وهذا الهدف للأسف استطاع تسجيل حتى الآن نجاحات كبرى. حيث أن الاهتمام العربي على القضية الفلسطينية سيضعف من سيطرة واشنطن والعدو الصهيوني عليه سيطرة كاملة. فالمطلوب أمريكيا رأس القضية الفلسطينية وليس العراق، ومن هنا أقول انه لا يمكن الفصل الرابط عضوي ومباشر. وإذا كان ذلك كذلك فان المعاينة وتسجيل الإخفاقات والنجاحات التي تمت في القمة العربية مرتبطة بالقضية الفلسطينية اكثر من ارتباطها بما انشغلت به وسائل الإعلام العربية في الحديث عن الحالة العراقية وهل توصل الأطراف المتنازعة إلى حل أو صيغ توافقية أم لا. وهذا مؤشر قوي على أن الواقع العربي الرسمي السابق ما زال قائما حتى اليوم، وان أوضاع التجزئة والاستغلال والتخلف والتي كونت أهم دعامات قيام إسرائيل وتوسعها في الماضي كانت ولا تزال قائمة حتى اليوم. ومن اجل ذلك كنا وما زلنا نقول أنه كان على الاخوة الأشقاء في كل من العراق والكويت العمل على تناسي الجراح التي خلفتها أزمة حرب الخليج الثانية، فالخطر والتصفية التي تتم حاليا للقضية ال فلسطينية، خصوصا وان هذا الخطر لا يتهدد الشعب الفلسطيني لوحده وإنما يتهدد جميع الأمة العربية وان كان الشعب الفلسطيني وضعته الأقدار في هذا المحك. مصطلح مخفف ـ دودين: الحالة العراقية مصطلح مخفف نجحت الضغوط العربية والإسلامية في اللجوء إلى استخدامه كمرحلة أولى من تخفيف لغة التخاطب العراقي الكويتي في مرحلة مقاربة حل ما لآثار الزلزال المدمر على العلاقات العربية العربية الذي أحدثه الاحتلال العراقي للكويت في اغسطس 1990 إذا فلا يظن أحد أن الاستخدام الموفق لعبارة الحالة العراقية الكويتية ليس بحاجة إلى عمل وشاق ودؤوب للاقتراب من منظومة من القرارات يتخذها العراقيون والكويتيون ويباركها العرب جميعا حتى يصبح بالإمكان نسيان ما يمكن نسيانه من أثار هذا الزلزال وتركها وراء الأمة، في مسعا للنظر إلى المستقبل دون التوقف المؤلم عند آثار الماضي القريب. ولعمري فقد نجحت الدبلوماسية العربية ورأس حربتها الدبلوماسية الأردنية النشطة منذ اكثر من ثلاثة اشهر على انعقاد القمة في الدخول إلى حوار معمق وجاد ومسئول في خضم هذه المعضلة وقد وصل هذا الجهد المبارك إلى مرحلة تبنت فيها ست عشرة دولة عربية بما في ذلك الكويت والسعودية مشروع قرار في رأيي كان يمكن للدبلوماسية العراقية أن توافق عليه ومن ثم تحاول أن تبني عليه، حتى يصبح أساسا معقولا لفتح صفحة جديدة من العلاقات العربية العربية من ناحية والعراقية الكويتية من ناحية، والعراقية الخليجية من ناحية ثالثة، ولكن مع الأسف، توقفت الدبلوماسية العراقية عند بعض التشبث بالرأي الذي اصبح معروفا الآن أن أول تداعياته سحب الكويت لموافقتها المبدئية على مشروع القرار العربي الذي سبق ذكره. وكان الملك عبدالله الثاني عاهل الأردن والمكلف بهذا الملف سيبدأ جهده الموكل إليه من القمة بموقف اصعب مما كان سيكون عليه لو أن العراق ابقى الباب مفتوحا بالموافقة على مشروع القرار أو على الأقل الموافقة على اعتباره أساسا لمزيد من التباحث، والخيرة فيما اختاره الله. ـ الرشدان: كان واضحا أن الاجتماعات التي بدأ بها وزراء الخارجية العرب تتقدم في الاتجاه الصحيح وقد عقدت الامال الكبيرة على هذه التحركات الخيرة واصبح الجميع يتوقع أن تنفرج الأزمة الا أن المحاولات في نهاية المطاف أخذت مسارا مغايرا عما بدأت به وكان يبدو انه كلما وافق طرف على أمر رفضه الطرف الآخر. وبالرغم من أن البنود التي تم التوصل إليها لاحقا تبشر بالخير وتدعو إلى الأمل حيث أن القمة العربية لم تغلق الباب على نفسها في هذه الحالة بل أبقته مفتوحا ليتولى الملك عبدالله الثاني المهمة، إلا أن قرار الكويت الأخير الذي تخلى عن ما تم التوصل إليه في القمة كان مخيبا للامال وندعو الله أن تنجح المساعي التي من المنتظر أن يقوم بها الملك عبد الله الثاني في تضييق الهوة بين الطرفين. من جهة أخرى أنا ضد من يقول ان التركيز الكبير على الحالة العراقية الكويتية كان على حساب القضية الفلسطينية، بل أن القادة العرب كانوا يسيرون في الاتجاه الصحيح ولو انه استمر الضغط على الجانبين مدة اطول لحلت الحالة بصورة مريحة على الأقل مرحليا. وكان و اضحا من التحركات أن المأمول كان لصالح إصدار قرار بانهاء الحصار على العراق ومساعدته من الخروج من المأزق، وهو ما دعا إليه معظم القادة العرب. مستقبل المنطقة المحور الثالث والاخير كان في سؤال «البيان» عن مستقبل المنطقة المنظور. ـ مدادحة: هناك العديد من السيناريوهات إلى يتم وضعها حاليا للمنطقة ولتصفية القضية الفلسطينية، وهذه التوجهات لا تغيب عن القادة والزعماء العرب. إلا أن المهم أن يتعاون الطرف العربي مع القضية الفلسطينية من خلال ما لديه من أوراق ضغط وقوة. وهي على سبيل المثال لا الحصر: تنقية الاجندة العربية من الخلافات وتصفية المعوقات التي تعرقل العمل العربي المشترك الذي سيصب بالتأكيد في مصلحة القضية الفلسطينية، بالإضافة إلى العمل على دعم المقاومة الفلسطينية ـ وهو تعبير أفضله على كلمة الانتفاضة ـ كما أن وقف التطبيع مع الاحتلال الإسرائيلي، من شأنه أن يفهم المحتل بان ما يريده شيئا مستحيلا وانه سيعيد المنطقة إلى مربعها الأول، لهذا فإنني أرى ضرورة تخفيض مستوى العلاقات والاتصالات الدبلوماسية للعمل على إسقاط حكومة الحرب برئاسة شارون، والعمل على مساعدة المجتمع الإسرائيلي ليدرك بان البطش الذي يتمتع به شارون ليس الحل من اجل تحقيق أمن أفراده وأمن دولته. بالإضافة إلى ضرورة دفع الأصدقاء في روسيا والاتحاد الأوروبي إلى التحرك من اجل الوقوف إلى جانب الحق العربي وتطبيق الشرعية الدولية، وتنفيذ خيار السلام والعدالة. وهنا اعني أوروبا بشكل خاص التي تشارك المنطقة ومنطقة المتوسط منذ مؤتمر برشلونة للشراكة عام 1995م، بأوروبا يجب أن لا تبقى صامتة عن ما يجري في المنطقة من تصعيد خطير، وعليها للتحرك سياسيا وعلى جميع الصعد والتخلي عن سياسة المراقبة والتشجيع باعتبارها شريكا سياسيا واقتصاديا للمنطقة العربية والمتوسطية، كما انه من الضرورة إضافة إلى هذا الجانب تحرك الدبلوماسي العربي لدى الإدارة الأمريكية بقيادة بوش الابن والكونجرس وجماعات السلام والأصدقاء للتحذير من سياسة شارون التي ستؤدي إلى إشعال الحرب والدمار والإرهاب في المنطقة. وسطاء ليسوا شركاء ـ قبعة: ان مستقبل المنطقة يخضع لمجموعة من العوامل والمعطيات العربية والدولية إلا أن التحرك العربي الفاعل وكف الدول العربية عن التعامل مع القضية الفلسطينية على أساس انهم وسطاء وليسوا شركاء سيشكل عاملا مهما في تحقيق الغايات المنشودة للشعوب العربية. فلسطينيا، لم يعد هناك أي متسع لاي تنازل وقد وقفت السلطة الوطنية الفلسطينية على خط احمر لا يمكن أن تتخلى عنه. فالحرية والاستقلال والدولة الفلسطينية المستقلة وعاصمتها القدس و بدون مستوطنين وبسيادة كاملة، وحق اللاجئين في العودة. وأنا متأكد من القول بأنه ليس لدينا كمسئولين فلسطينيين شيء لنتنازل عنه، نحن نريد إجماع عربي وطني حول مطالبنا. أما من حيث الموقف العربي فلا بديل عن الدعم العربي المغيب حتى الآن لكل قضايانا العادلة سواء كان هذا الدعم سياسي أو مادي أو معنوي. وأتساءل عن سر ما يجري خصوصا في المرهلة الراهنة، حتى أننا بتنا نشعر بأنه حتى الدعم المعنوي لم يعد موجودا فقد تم اقفال جميع المرئيات عن مشاهد الانتفاضة، أما إذا كان المقصود من الدعم المعنوي خطابات داخل الغرف المغلقة ليس دعما، انه مجرد خطاب في غرفة مغلقة. ـ الخرابشة: حاليا أمريكا والصهيونية هي التي ترسم السيناريو وليس أي من الأطراف العربية، وبكل الاتجاهات وهي التي تملي ما يمكن اتخاذه سواء كان ذلك في الوضع الحالي أو الوضع المستقبلي لذلك أنا اعتقد أن القرار فيما يتعلق بمنطقة الشرق الأوسط والمنطقة العربية قد غادر هذه المنطقة منذ زمن طويل ولم يعد للمنطقة أي دور في إصدار القرارات أو حتى التأثير فيها أو التدخل في اصدارها. ومن هنا نقول أن ما يجري حاليا هو كسر للارادة العربية ودفع الصهينة على ارض العرب سواء على ارض فلسطين والعراق. فالموقف الأمريكي مازال موقفا عدائيا جدا سواء للقيادات أو للشعوب أيضا وكما قلت ان الإدارة الأمريكية لم تراعي أي من الاعتبارات الأخلاقية ولا الإنسانية ولا الدبلوماسية من خلال استعمال حق الفيتو، أثناء انعقاد القمة التي كانت من الناحية المكانية ملاصقة للشعب الفلسطيني الذي مازال يتعرض لأبشع أنواع التعذيب والقتل من الغرب أما من الشرق فيما يجري في العراق. واكتفى الجميع بإطلاق الشعارات التي خلت حتى من المضامين الكبرى أو المعاني الواضحة التي يمكن الاعتماد عليها مستقبلا لتطويرها ليقال ان هناك مبادرات ستتم من خلال هذا المؤتمر لتحقيق بعض من الطموحات العربية. وفي المقابل من ذلك فان الشعوب العربية لم تكن في مستوى طموحات نفسها، وإلا لما استطاعت بعض القيادات العربية بان تنادي بضم اليهود إلى جامعة الدول العربية وان يتم القول من خلال بعض القيادات العربية بأنه لا معنى من القدس ولا فائدة منها، فإذا لم يكن من فائدة للقدس فما فائدة الشعوب العربية والأ مة الإسلامية أيضا. وإذا كان بعض القادة العرب يريدون التخلي عن القدس. واعتقد انه لو كان البعض تدرك بأن هناك شعوبا حية قادرة على التحرك لما رفعت مثل هذه الشعارات. لا بد أن يكون هناك تحرك عربي من الشارع العربي ولابد أن تبادر الشعوب العربية باخذ زمام المبادرة لكي تثأر لكرامتها المهدورة ووضع آلية للارتقاء بالعمل العربي المشترك، وتدعيم مؤسسات العمل العربي المشترك بشكل فاعل وتطبيقي بعيدا عن الشعارات التي لم ترتفع إلى مستوى الطموحات. النصر لنا في النهاية ـ مجلي: أنا أؤمن أن الصراع العربي الإسرائيلي مآله اندحار العدو عن كامل فلسطين وليس ما تصفه الدبلوماسية العربية عن كامل الأراضي المحتلة في إشارة إلى أن يافا لم تعد لنا. هذا إضافة إلى مسلمة تأتي لصالحنا وهي أن العدو الصهيوني مهما تعملق وطال تعملقه هذا فانه يبقى صغيرا سواء بتعداده السكني أو في المنطقة التي يحتلها من ارض فلسطين، وإذا كان المستقبل المنظور لصالح العدو لظروف موضوعية عديدة فان المعطيات ونواميس التاريخ يؤكدان أن المستقبل المتوسط والبعيد لصالحنا نحن العرب. إنه صراع بين القومي العربي والصهيوني ولن يطلب مني أحد أن اصدق أن العصفور يبلع الأسد، مهما بدى أن الأسد ضعيفا، ومهما تعملق هؤلاء الصهاينة فان تعداد العرب في مدينة القاهرة اكثر منهم. التحركات الأمريكية والصهيونية في الوقت الراهن تعمل على أولوية ضرب الانتفاضة، وإذا اعتقد جازما انه إذا ما اردت الانتفاضة البقاء والاستمرار بقوة وزخم كبيرين فان ما عليها سوى تغيير تحالفاتها مثلما فعل حزب الله في الجنوب اللبناني. الأمر الآ خر والذي يجب أن يتزامن مع تحرك تغيير التحالفات هو تغيير القيادات أيضا. والمتطلب الأساسي لمواجهة المشروع الصهيوني في المنطقة هو أن يتصدى له جسم عربي كبير وليس من الضروري أن يكون هذا الجسم عددا من الدول العربية بل تكفي دولة واحدة ذات علاقات سياسية متشعبة ومتعددة لتقوم بالمساهمة باسناد المقاومة في فلسطين مثلما فعلت سوريا مع حزب الله. ـ كأنك بذلك تقصد سوريا؟ ـ أنا مع الرأي القائل بإن القمة العربية يجب أن تسمى قمة الأسد وتكامل الرؤيا السورية اللبنانية. وعموما أن الظرف الراهن تبشر بقيام تحالف عراق سوري وإذا قام بالفعل وتصلبت جذوره فإنني اعتقد أنه سيعمل على حماية المنطقة من الاحتواء الإسرائيلي. أما إذا بقي الأمر منوطا بالدبلوماسية العربية فإنها تمثل ببساطة الإقليمية العربية الفاشلة وتسويق إفرازات التوجه العربي الرسمي. مصدر للالهام ـ دودين: يبدو مستقبل منطقتنا مرتبطا، مع الأسف، باستمرار الصراع العربي الاسرائيلي، وعدم التوصل ولو جزئيا إلى تحقيق حالة افضل من العلاقات العربية العربية وخصوصا على مستوى العراق والكويت إلا انه من غير الممكن أن يمر تحرير جنوب لبنان بالطريقة التي تم تحريره فيها وبالاداء المدهش للمقاومة اللبنانية وعلى رأسها حزب الله دون أن يكون فيه الهام كبير لنا جميعا إن السلام لا يتحقق بمجرد التفاوض وان المقاومة يجب أن تفعل حتى تجعل من السلام خيارا تقبله إسرائيل مرغمة أو غير مرغمة.إن تحالف شارون بيريز هو درس آخر لنا في استمرار صراع امتنا مع الصهيونية فها هو مجرم حرب تدفع به أصوات ناخبي شعب إسرائيل إلى سدة رئاسة الحكومة وها هو ممثل حزب العمل صاحب نظرية الشرق الأوسط الجديد، حامل ثلث أو نصف شهادة نوبل للسلام يلتحم التحاما عضويا بالاتجاه المتطرف، ويبرر ذلك بأنه اختيار شعب إسرائيل اختيار صندوق الاقتراع. لعل في ذلك الإلهام وفي تلك العبرة ما يدفعنا إلى الاقتناع مجددا بأنه حتى وان جهدنا في السعي إلى تحقيق التسوية السلمية فان صراع امتنا مع هذا الوجود غير الطبيعي في قلب ارض العرب لابد انه صراع بغير نهاية إذ لا يمكن أن يقبل عقل عربي واحد، أن تسير الأمور على النحو الذي تسير عليه بحيث تصبح إسرائيل هي القوة الإقليمية العظمى في منطقتنا. بالتأكيد لا أبناء جيلي الذي تقدم في السن ولا أبناءنا من الأجيال المقبلة سيقبلون بوضع غير طبيعي كهذا. أما خيار الحرب فانه للسنوات العشر المقبلة غير مطروح لأنه غير ممكن بالنظر إلى الجانبين والذي يريد الحديث عما هو ابعد من عشر سنوات قادمات فهو بالتأكيد منجم وليس سياسياً. خطان متوازيان ـ الرشدان: ليس من أحد ينفي أن العرب يسعون إلى السلام وان نظرتهم إلى عملية السلام نظرة استراتيجية، إلا أن المشكلة في العقلية الإسرائيلية أن خطابها المتصل بعملية السلام مختلف في معناه ومفهومه عن الخطاب العربي فهي تفهم السلام الذي يحقق لها أمنها على حساب أمن الدول العربية أو الفلسطينيين، رغم أنها تعلم ويعلم حلفاؤها بأنها قوة أولى في المنطقة العربية. ان التحركات والممارسات الإسرائيلية اليومية وعلى ارض الواقع تدل بصورة واضحة بأنها لا تريد السلام بل السيطرة على مقدرات الشعب العربي الفلسطيني والتحكم في قياداته. واعتقد هنا أن المطلوب وضع خطة للاستعداد والسير بخطين متوازيين والتحضير لكل ما يستجد على الساحة من أحداث والعمل على تفعيل قرارات مؤتمر القمة وعلى رأسها السعي نحو تفعيل قرار المقاطعة العربية والعمل جديا لرفع الحصار الظالم عن الشعب العراقي.واكثر من ذلك أن المطلوب اتخاذ قرارات عربية صرفة تعمل لمصلحة الأقطار العربية تلك التي لا تستجيب للضغوطات الأجنبية. دون المستوى المطلوب د. عبداللطيف عربيات الامين العام لحزب جبهة العمل الاسلامي اشار إلى ان توقعات الشعوب العربية وامالها وطموحاتها واضحة وعالية، وان واقع ما صدر عن مؤتمر القمة في عمان كان دون المستوى المطلوب من طموحات الشعوب، فالشقة لاتزال واسعة بين ما هو متوصل اليه، وما هو معمول به، موضحا بأن الحالة العربية الراهنة يمكن النمر اليها من محورين رئيسيين هما محور القضية الفلسطينية ومحور قضية العراق. وقال د. عربيات ان محور القضية الفلسطينية اصبح يستدعي مراجعة حقيقية، فعملية السلام وصلت إلى طريق مسدود، ما يستدعي فتح طريق جديد، فالقمة لم تعني بهذا الامر ووضع البديل لما هو موجود ومهدوم، ومغلق في عملية السلام. وتابع القول انه لم يأت جواب من مؤتمر القمة على هذا الامر بل ابقت القمة على هذه الامور على ما هي عليه، ونحن نتساءل هنا عن البديل، فكلمات الزعماء ـ والقول لعربيات ـ اكدت على ان السلام خيار استراتيجي، ولكن ما هو البديل الاستراتيجي امام عدم التوصل لهذا السلام، وما هي البدائل المطروحة امامنا كأمة في حال ان وصلت عملية السلام إلى طريق مغلق ومسدود كما هو حاصل الان، واضاف ان كل ما يجري على الارض الان يؤكد ان ما يسمى بالسلام الاستراتيجي وصل لنقطة النهاية ونقطة اللاعودة، واجتماع الزعماء العرب في قمتهم في عمان لم يجب عن تلك الاسئلة. اما موضوع القرارات الخاصة بالقضية الفلسطينية وبالشعب الفلسطيني الذي يتعرض لابادة جماعية فان القرارات التي صدرت كانت اقل مما هو مطلوب من القمة واقل مما كان يطمح اليه الشعب الفلسطيني خاصة والشعب العربي عامة. وفي المحور العراقي اوضح د. عربيات بان الامر كان دون التوقعات الشعبية العربية ومطالبها، فان عشر سنوات من الحصار اضافة إلى موقع العراق ومكانته لم تشفعا للعراق بان يتخذ القادة العرب قرارا عربيا برفع الحصار العربي عنه، فلم تتوصل القمة العربية إلى شيء من هذا بل ان الفرصة كانت مفتوحة امام الزعماء العرب لاستخدام لهجة رافضة للحصار اقوى على الاقل من تلك اللهجة الوديعة التي استخدمها البيان الختامي لاسماع الغرب بأكمله بموقف الامة العربية الواحدة، وعلى لسان زعمائها رفضهم لاستمرار الحصار الجائر على العراق. واكد عربيات على ان ما يجري على الساحتين العراقية والفلسطينية وهما محوران متلازمان لم يحظيا بما يجب في قرارات الزعماء العرب ولم يحظيا بأي اهتمام وعناية وفقا لمطالب الشعب العربي، ووفقا للتوقعات. عربيات قال ان من باب الانصاف القول ان اجتماع القمة العربية بعد انقطاع طويل يأتي في الجانب الايجابي، وهي خطوة يحسب لها حسابها، والهدف الان يجب ان يكون دعم مؤسسة القمة وتنميتها للامام.

Email