الملف السياسي ــ الأكاديمي الفلسطيني إحسان الأغا: حُرمنا من المساعدات العربية بسبب فساد السلطة

ت + ت - الحجم الطبيعي

أكد البروفيسور إحسان الأغا عميد البحث العلمي حالياً وعميد كلية التربية في الجامعة الإسلامية (ان طبقة الفساد عندنا واسعة أكثر من الدول الأخرى وأن الكل يريد أن يستغل الأوضاع الفلسطينية المختلفة ولو بطريقة سيئة على اعتبار ان تفكيرهم يقول إنها مرحلة مؤقتة والكل يريد الاستفادة من الوضع). وانتقد بشدة القيادة والمسئولين الفلسطينيين على اعتبار انهم يُصدّرون الفساد ويحاولون ما أسماه (تطبيع الفساد) في الوقت الذي يعيش فيه المجتمع الفلسطيني حالة القبلية وعدم وجود نظام قانوني لمقاومة الفساد. وشدد في حديث خاص لـ (الملف السياسي) أن العلاج يحتاج إلى البدء من الصفر مع طول وقت نظراً لتآكل القيم التي كانت موجودة بفعل التوجه السلطوي والسياسي للمتنفذين في سلطة الحكم الذاتي. وفيما يلي نص الحوار: قال البروفيسور إحسان الأغا إن طبقة الفساد عندنا واسعة أكثر مما هي في العديد من الدول, ذلك أن الكل يريد أن يستغل الأوضاع الفلسطينية الراهنة على اختلاف أنواعها وأن تفكيرهم ينصب في أن هذه مرحلة مؤقتة وموجة لن تدوم لذلك يريدون الاستفادة من الوضع ولو بطريقة سيئة. وأضاف أن الفساد له بيئة ينمو من خلالها وله تنوع في أسبابه ونتائجه فإذا كانت الحرية زائدة ينمو نوع منه, اما في ظل الديكتاتورية والاستبداد فينمو نوع آخر للفساد غير مشابه له كالتحرر الأخلاقي وما إلى ذلك في النوع الأول والظلم والعدوان والهيمنة والإحباط في النوع الثاني. وأشار د. الأغا إلى وجود ما يسمى (حالة تطبيع الفساد في فلسطين) أي ان بعض الناس يحبون ان ينتشر الفساد والفاحشة في سلوكهم وهذا ما حاول بعض رجال السلطة الوافدين من الخارج حيث يعتبر الفساد ممارسة يومية عادية ومجتمعنا لا يتقبلها حاولوا نشرها بشكل طبيعي في المجتمع الفلسطيني وعندما فشلوا حاولوا التجمع في مناطق جغرافية معينة حتى تكون المهمة اسهل. وأضاف ان الفساد يكون أكثر ضرراً عندما يكون المسئول هو بذاته فاسداً لأن الأمل أن يكون هو معول للقضاء على الفساد وهدم مقوماته وأشكاله وبيئته لا تغذيته وتفعيله والتغاضي عنه. وتابع: هناك (12) ظاهرة اجتماعية للفساد في المجتمع الفلسطيني وهي مرتبطة ببعضها البعض. وللأسف الجميع في النهاية يدفع الثمن ولنضرب مثالاً على ذلك ما يدور حول الاختلاسات والانفاق غير المشروع والاستيلاء على أموال ومقدرات الشعب الذي بات يعاني, حتى أسر الشهداء والجرحى لا تصلهم المعونة والتبرعات ونحن حرمنا هذه المساعدة العربية بسبب فساد السلطة وان هذا في النهاية يشكل عدواناً من السلطة على المواطن البسيط الذي لا حول له ولا قوة وفي الوقت نفسه أضر بالذين يمثلون هذه السلطة والكارثة تأتي على رؤوس الجميع وأنا أشبه ذلك الفساد في نتائجه كالقصف الاسرائيلي الذي لا يميز بين مواطن وآخر حتى أن الله سبحانه وتعالى كان يأخذ القرى عندما يكون الزعماء فاسدين. وحذر البروفيسور الأغا من ان استمرار الفساد على الحالة الراهنة قد يسبب رد فعل يأتي احياناً في صورة ارهاب من بعض الناس حيث وقع عليهم ظلم لم يستطيعوا مقاومته بصورة علنية فيلجأون الى طرق خاصة بعضها مشروع وبعضها غير مشروع. وأضاف: أعتقد ان الفساد يأتي من المسئولين ومن حولهم إذ يعتقدون أنهم أذكياء يستطيعون ان يستفيدوا دون ان يتأثروا لكن شيئاً فشيئاً يصبحون متورطين في الفساد. واعتبر عميد البحث العلمي في الجامعة الإسلامية مشكلة السلطة ان الشعب الفلسطيني واعٍ والمنطقة الجغرافية ضيقة وأيضاً ضيق ذات اليد يجعل أي نوع من الاستغلال محط أنظار وقد تكون بعض الدول الغنية فيها فساد أكثر من عندنا, لكن لأن الكل لديه الحد الأدنى لا ينظر الى غيره. وأضاف: من ناحية اخرى كانت توقعات الفلسطينيين عالية في وصول السلطة والمناضلين وتولي زمام الأمور وتحقيق طموحاتهم الوطنية والقومية... الخ. لكن ساءهم الكثير ان تكون السلطة القادمة اليهم فاسدة ومستغلة. ونوه الى ان المقلق ان المسئولين يسيرون في عملية سيكولوجية نفسية لتبرير السوء وجعله امراً مبرراً ومقبولاً لدى المجتمع وهذه في ذاتها دعوة صريحة لتبرير الفساد والإمعان فيه. وأوضح ان المتنفذين هم في غير موضوعهم الحقيقي كالولد الذي اصبح عقيداً والموظف الصغير الذي اصبح مسئولاً رفيعاً حيث ما زال في طموحاته وأعماله صغيراً لكنه يتبوأ مركزاً كبيراً. وأبدى البروفيسور الأغا القلق على الوضع الفلسطيني بقوله إن الخطر الواقع نتاج أمرين أولهما أن دائرة الفاسدين تتسع, ثانيهما طول الفترة من الظروف الصعبة التي يعيشها سكان أراضي الحكم الذاتي. وحذر من أنه بعد مدة ليست بعيدة سوف يستفحل الفساد ويصبح من الصعب مقاومته, مؤكدا انه من السهل ان تقاوم دبابة الاحتلال الاسرائيلي, لكن من الصعب مقاومة فساد شخص بدرجة السهولة نفسها. وقال: لا يمكن ارجاع حالة الفساد في فلسطين الى عامل واحد بل جملة من العوامل هي: الفاسدون القادمون مع اتفاقات أوسلو ــ المعيشة الضنكة ــ الاحتلال الاسرائيلي ــ الاستهداف الخارجي ــ طول مدة معاناة الشعب. وأضاف: هذه العوامل كلها اجتمعت معاً ونفذت ظاهرة الفساد عندنا أما لو كان الأمر هو فساد السلطة فقط لاستطاع الناس مقاومتها لكنني لا أقلل من اهمية عامل فساد السلطة في ظاهرة الفساد لأن أغلبهم متنفذين فاسدين. وتابع الأغا: هناك اتصال ما بين انتشار الفساد والمسئول الكبير والممول الخارجي. وأعطى مثالاً على ذلك انه في هذا الظرف الصعب في محافظات غزة من حرب تدميرية والقيود, هناك 25 قيادياً من غزة ذهبوا لدورات تعقد لمدة أيام في أمريكا. وتساءل الأغا: هل نحن عندنا فعلاً هذا العدد من القيادات المجتمعية؟ ويجيب: ان المسألة هي عملية تطبيع وزراعة أفكار أجنبية ومهاجمة القيم بصورة منتظمة ومدبرة, وان هناك تقبلاً فلسطينياً لذلك. وأوضح ان استعدادنا للتعامل مع الأجانب جعلنا نتنازل عن الكثير من أخلاقنا وقيمنا مقابل تأكيد متوقع لكنه لم يحدث وبالتالي اصبحنا ضعافاً وأصبح عندنا استعداد للفساد الموجه من الخارج, مشيرا الى ان حاجتنا إلى الدعم السياسي والإنعاش الاقتصادي والتأييد العالمي وإرضاء المجتمع الدولي جعلتنا نتقبل بعض الأفكار اعتقاداً من السلطة والقيادة في فلسطين انه يمكن الوصول فيما بعد لأهدافنا المنشودة. وألمح إلى أن من الظواهر كذلك الفردية في السلوك الفلسطيني المعاصر, وقد أصبح عندنا العمل الجماعي ضعيفاً جداً وان تجمع المقاومين للفساد غالباً ما ينتهي بالتفتت وهذه جعلت للفلسطيني المعاصر سمات جديدة كالنزعة الفردية وأن في هذه تطغى المادة على حساب العلاقات الاجتماعية والتجمع الى حد ان اصبح فلسطيني اليوم ليس هو ذاته فلسطيني الأمس رغم انه من المؤكد وجود 89% من الناس متعلمون لكن لا توجد هذه النسبة نفسها تحمل القيم الفلسطينية. وحمّل الأغا المسئولين عن الارشاد الديني والثقافي والأكاديمي وغيره المسئولية. وقال إن الأسلوب المتبع من جهات الإرشاد المختلفة لا يصل الى الناس ولا يرضيهم لأنه غيرمناسب وغير واقعي بل ان بعضهم غير معني بالمساعدة في القضاء على الفساد ونشر وتعميق القيم. واعتبر انه يوجد الآن انفصال بين العبادات والسلوك وهذا مظهر للفساد وأن ذلك ضمن ترتيبات وضعتها السلطة والمتنفذين في أراضي الحكم الذاتي. وأشار البروفيسور الأغا إلى نقطة أخرى وهي أن صبغة المجتمع الفلسطيني كانت تتمثل في التكامل والترابط ومع وجود الأحزاب السياسية والسلطة والتيار الديمقراطي لم تخلق بدائل لمجتمعنا وقيمنا العشائرية في معظمها وحصل ان تركت الأخلاق والامتيازات في القيم القبلية والعائلية في الوقت نفسه ان مراكز القوة لم تجد البديل فالأحزاب قبائل جديدة ولا توجد مؤسسات ديمقراطية. وعن النظام القانوني الذي يعالج الفساد الفردي والمنظم في فلسطين, اعتبر البروفيسور الأغا أن النظام القانوني غير موجود وهو لم يعد نظاماً لأن المعايير لمحاسبة المسئولين والمواطنين غير موحدة ومتعددة والحاصل ان يختار المسئول ما يناسبه منها, فالمواطن يأخذ الفاتورة بيده وآخر يعتقد انه يجب اللجوء للشرطة وثالث له معيار مختلف كاستباحة السلطة... الخ. وأضاف أنه عند حدوث أي خلاف مع السلطة تعلو على الفور الاحتجاجات مثل اشعال الاطارات وإغلاق المحال التجارية والاعتداء على المسئولين العسكريين أو المدنيين ولو بالسلاح وأن البعض يعتبر ذلك (نضالاً) وبعضهم يعتبره (جهاداً) فيما تصفه الشرطة وأجهزة السلطة بأنه خروج على القانون وهذا دليل أن لكل معاييره حتى داخل المجتمع المدني فهذا يسلك طريق الواسطة لنيل حقوقه الاساسية كمواطن, وثانٍ يمتنع عن الواسطة, وثالث يلجأ الى وسائله الخاصة للحصول على تلك الحقوق وهكذا. وشدد الأغا على ان العلاج لظاهرة الفساد في المجتمع الفلسطيني رغم خطورتها واحتياجها الى خطط وبرامج وعمل لسنوات طوال في تصحيح المفاهيم والقيم وضبط أنماط السلوك قال: الأساس أن نبدأ من الصغار بأن نعلمهم القرآن الكريم والقيم الوطنية محذراً من أن سلوك السلطة اصبح مدرسة وان مصادرة الحريات في المجتمع الفلسطيني كانت بوعي وخطة ونظرة مستقبلية. وأضاف: يجب ان نبدأ من نقطة الصفر وتعليم الفلسطيني جيلاً بعد جيل, وانتقد المنهاج الفلسطيني على اساس انه (لا يعالج القضايا والقيم المهدرة فلا تجد فيه قيما أخلاقية ولا وطنية مأمولة). كما انتقد وسائل الإعلام الفلسطينية التي تصرف الملايين مقابل هيمنة السلطة وليس تقديم الخدمات للمواطنين. أجرى الحوار: ماهر إبراهيم

Email