بيان الاربعاء ــ وزيران يدفعان عن لبنان تهمة الفساد, آليات المحاسبة متوفرة من خلال قرار سياسي

ت + ت - الحجم الطبيعي

دافع وزير الاعلام اللبناني غازي العريضي عن لبنان, ووصف الاتهامات الدولية بالفساد بأنها غير دقيقة وغير صحيحة, اما وزير الاصلاح الاداري فؤاد السعد فقد نفى ما تردد من ان لبنان يعد في طليعة الدول التي تتفشى فيها ظاهرة الفساد مؤكدا ان آليات المحاسبة متوفرة من خلال قرار سياسي مركزي. وفي حديثهما لـ (البيان) قال الوزير العريضي ان قانون الانتخابات يسمح للبنانيين باختيار ممثليهم بحرية وديمقراطية, فيما قال الوزير السعد ان الفساد تحول الى مشكلة رئيسية تهدد المجتمعات مضيفا ان العمل جار بصورة حثيثة باتجاه صياغة خطة وطنية لمكافحة الفساد في لبنان. يقول الوزير العريضي محددا حجم الفساد بصورة عامة, وخاصة على المستوى اللبناني, : ( لا شك في ان الفساد اصبح ظاهرة دولية تكاد تكون مواجهتها صعبة, وهي تستولد مع الوقت ظواهر لا تقل خطورة واثرا سلبيا عنها في حياة الشعوب والمجتمعات والامم, ولا شك ان طبيعة النظام السياسي القائم هنا او هناك هي العنصر الاساس في تعميم الفساد او تعزيز القدرة على مواجهته, ولا اقول على استئصاله, لان ذلك لم يتحقق حتى الآن في اي مكان في العالم على رغم التجارب والامثلة الكثيرة الماثلة امامنا, وعلى رغم المعارك التي خيضت وحققت نجاحات كثيرة ومكلفة. فالمهم ان تبقى ارادة مواجهة هذه الظاهرة ثابتة, وان تعزز آليات المواجهة, وتتوافر الحمايات المطلوبة لها سياسيا واداريا وامنيا وشعبيا, وهذا ما يستحق فعلا العمل على استنفار كل الطاقات والامكانات والمنظمات الدولية لتلعب دورها في هذا المجال. * كيف يمكن تقويم التجارب اللبنانية في مكافحة الفساد؟ ــ (مجيبا): لقد كافح لبنان الفساد دون شك طيلة عقود من الزمن قبل الحرب وبعدها, ولا سيما خلال السنتين الماضيتين. فالنظام السياسي اللبناني نظام طائفي, اي نظام لا يقر العدالة والمساواة الحقيقيتين بين اللبنانيين وبالتالي يفتح مباشرة باب الفساد لانه كرس التمييز الطائفي والمناطقي بينهم, وعزز افراد وقوى على حساب قوى وافراد آخرين, ووفر الحماية المطلوبة لمستفيدين منه, والمدعين حمايته على حساب آخرين ينتمون الى طوائف مختلفة, وبالتالي فمن رحم الطائفية ولدت ظواهر ــ مثل الفساد ــ تظلم غالبية اللبنانيين في مختلف الطوائف اللبنانية, وعوض ان يتوحد اللبنانيون حول مشروع مكافحة كل الظواهر التي تعيق تطور مجتمعهم ونظامهم السياسي وتحافظ على خصوصيته في هذه المنطقة من الشرق, وتضمن لهم دورا مميزا رائدا يتلاءم مع قدراتهم وامكاناتهم البشرية والمادية وحضورهم, فان الطائفية وللأسف كانت اقوى, والالتفاف حول الرموز التي تشكل عماد هذه الآفة, وتحت عناوين الخوف والقلق والغرق في تجارب التاريخ القريب والبعيد من دون محاولة استخلاص الدروس والعبر منها كان الاساس, فهذا الامر مع غيره من الاسباب السياسية الداخلية المعقدة, والمترابطة مع الظروف والاسباب الخارجية والمعادلات الخارجية الاقليمية والدولية التي كانت تظلل دائما المعادلة اللبنانية, ادى الى مزيد من الانقسام حول الثوابت والمصالح الاساسية للبنانيين والى ما شهده لبنان من توتر وهزات وحروب لاحقا. من اين لك هذا؟ * هل جرت محاولات لبنانية جادة لمحاربة ذلك الفساد بمختلف اوجهه؟ ــ لا شك انه جرت محاولات لمكافحة ظاهرة الفساد عندنا, وقد قام رموز مثل كمال جنبلاط وريمون اده في حقبة معينة بحرب عليها, بفاعلية في اقرار قانون: من اين لك هذا؟ لكنه لم يأخذ طريقه الى التنفيذ بسبب تركيبة النظام السياسي الطائفي بل تعرض الرجلان وكل من يفكر مثلهما الى نوع من محاولات الحصار الدائم والضغط المستمر تحت عنوان: من أين لك هذه الافكار؟ والى اين تريد ان تصل بها؟ وسقطت محاولات الاصلاح الاداري بالرغم من استحداث مؤسسات في الادارة اللبنانية في مرحلة معينة كانت لو اتيح لها العمل وتوافرت لها الحماية المطلوبة قادرة على التأسيس لمناخ من العمل الوظيفي المنتج والنظيف, لكن قوى النظام المستفيدة كانت دائما اقوى من الاصلاح الحقيقي داخل وخارج الادارة اللبنانية. * الى اي مدى كانت للحرب الاهلية, سواء لجهة اسبابها, وبالتالي مسبباتها ونتائجها, من دور في تكبير ظاهرة الفساد على الصعيد المحلي؟ ــ يمكن القول بشكل بديهي ان لبنان عاش انواعا مختلفة من الفساد في الحرب, لقد انتهى جيل وجاء جيل جديد. وانتهت مرحلة وبدأت مرحلة جديدة مختلفة, وازدادت الحلول تعقيدا, كنا في نظام طائفي, اقتربنا احيانا من امكانات التغيير, وتكون مناخ صحي في البلاد في هذا الاتجاه, اسقطته الحرب او اضعفته, فأصبحنا في نظام كرس الطائفية في النص, وكرسها في الممارسة ايضا حتى تجاوزها ليس الى حال افضل بل الى مذهبية اكثر خطورة, تتفرع منها الفئوية والشخصانية, وكل ذلك وفر حمايات لقوى ورموز واصحاب نفوذ, وجعل الفساد مستشريا اينما كانت. لقد وصلنا الى مرحلة وللاسف ظهرت فيها مصالح الطوائف والمذاهب مهددة او معرضة للاهانة, مع ما يعني ذلك من استنفار مشاعر واستحضار مخاطر, اذا جرت عملية نقل موظف من موقع الى موقع او عملية محاسبة موظف هنا او هناك, فاسقطت هذه الممارسة كل امكانات المراقبة والمحاسبة وعطلت آليات الاصلاح داخل المؤسسات وخارجها, ولا شك في ان الازمة الاقتصادية والاجتماعية الخانقة الناجمة عن الحرب وفي ظل هذا المناخ فاقمت الفساد, وافرزت عوامل وظواهر جديدة في المجتمع دفعت بكثيرين الى اعتماد مبدأ (الحاجة تبرر الوسيلة), فارتكبت مخالفات ولا سيما ان أحد افرازات الحرب المباشرة وغير المباشرة من خلال الازمة الاقتصادية والبطالة وغيرها تفشي ظاهرة اللجوء الى المخدرات في اوساط الشباب اللبناني وانعكاسات ذلك الخطيرة. وتوفرت الحماية السياسية والمالية للمرتكبين من مراكز القوى الاساسية في البلاد التي تريد حماية مصالحها, والقادرة على خلق كل المبررات لها في ظل صراع الهواجس وانفجار القلق هنا او هناك تحت عناوين مختلفة, وفي ظل عدم الوصول الى توافق حقيقي حول الوطن ودوره ومستقبله!! هكذا باتت المعالجة اكثر صعوبة وتعقيدا, واصبحت المشاكل اكثر عمقا ورسوخا في بنية النظام اللبناني. لكننا لا نسلم بأن هذه المعالجة مستحيلة والا لكان كل واحد منا استقال من دوره ومسئوليته في الحياة عموما وليس في المواقع الرسمية فحسب التي هي في نظرنا مواقع لخدمة الناس وليس لاستخدامهم. * تتحدث عن معالجات تمت لمكافحة الفساد خلال العامين الماضيين, فما هي الابرز منها, وكيف تمت, والى اية نتائج آلت؟ ــ حصلت معالجات, خاصة لجهة ان تتوافر لها الحماية المطلوبة والضرورية, وعلى الاخص الحماية من الاستنساب, وذهنية تصفية الحساب, ومن الاستقواء بالسلطة, لان ذلك قد يطيح بالهدف المنشود والآمال المعلقة عليه. ومع ذلك يجب ان يستمر الجهاد في مكافحة هذه الافة, وهو جهاد يستحق كل المعاناة. لكن يجب الا تكون لدينا عقد او اوهام في الوقت ذاته في سياق البحث عن المعالجات. فلبنان ليس الدولة الوحيدة التي تعيش مثل هذه الحال, بل فان اكبر الديمقراطيات في العالم تعاني منها ولا تحميها عناصر القوة الاخرى التي تمتلكها, كما لا يجعلها في موقع اعطاء الدروس للدول النامية او الاستقواء عليها, ان الدول التي تتحدث عن حقوق الانسان والديمقراطية, ومكافحة الفساد والارهاب وترفع شعارات كبيرة في هذا المجال وتحاول من خلالها حصار شعوب ودول وامم, هي نفسها وفرت الحماية لانظمة فاشية وديكتاتورية مارس قادتها كل انواع الفساد, كما وفرت الحماية لتنظيمات وقوى وانظمة عممت كل انواع التهريب وزراعة وتجارة المخدرات هنا وهناك, واباحت تجارة الاسلحة واستخدمت اخطرها وافتعلت حروبا للسيطرة على موارد وثروات شعوب وامم, ورفضت التوقيع على معاهدات لانشاء محاكم للجرائم الدولية ومعاهدات تتعلق بنزع الالغام, كل الالغام, واتهم كثيرون في هذه الدول بعمليات فساد خطيرة. * وماهي الخطوات المطلوبة لتعزيز اليات مكافحة الفساد؟ ـ هناك آليات عديدة يجب ان تتوافر ولعل الابرز فيها النقاط الاساسية التالية: 1ــ قرار سياسي مركزي باصلاح متدارج للادارة اللبنانية لا يمكن ان يتم الا بخطوات متدرجة نحو الاصلاح السياسي. ــ قانون انتخاب يفسح المجال امام اللبنانيين لانتخاب ممثليهم في حرية وديمقراطية من ضمن الواقع اللبناني المعروف وبمحاسبة هؤلاء الممثلين. 2ــ تعزيز دور المجتمع المدني. 3ــ حماية الحريات الديمقراطية النقابية والاعلامية, لتتكامل ادوار ومهام الادوات السياسية والنقابية والوسائل الاعلامية في تنوير الرأي العام وكشف المرتكبين. 4ـ تعزيز استقلالية القضاء فعليا. 5ــ اضافة الى الدور المهم جدا والمؤثر, والذي يمكن ان يقوم به الاعلام. لكنه يبقى قاصرا عن تحقيق الغايات المرجوة اذا لم تتوافر الامكانات والمناخات الضرورية. الوزير السعد اما وزير الدولة لشئون التنمية الادارية المحامي فؤاد السعد فيؤكد ان قرار الحكومة الحالية بتحقيق الاصلاح الاداري قد اتخذ: عبر بيانها الوزاري على الاقل, والذي نالت على اساسه ثقة مجلس النواب. وهو يضيف معتبرا: ان جميع الوزراء ملتزمون بذلك, لقد اتخذنا خطوات اولية ونأمل باستتباعها, بما هو اكثر ومطلوب. * اين ترى دور وزارتك بالذات في هذا الاطار؟ ــ وزارة التنمية للشئون الادارية غير معنية مباشرة في الاصلاح, بل جميع الوزارات معنية, وعليه, فان التنمية ما تفترض من ورشة عمل تقوم بها الوزارة لجهة اعادة تنظيم الادارات وقوانينها وتطويرها وتحديثها باتجاه المكننة وشبكات المعلوماتية لاشك من انها تساهم في تنقية وضع الادارة في لبنان, وفك الارتباط بين المواطن صاحب المعاملة والموظف المسئول عن هذه المعاملة, ذلك انه اصبح بين الاثنين آلة تعطي الجواب للسؤال المطروح وللمعاملة المطلوبة. ان من شأن ذلك, اذا ما تحقق, ان يساهم الى حد بعيد وبطريقة غير مباشرة في عملية الاصلاح, الا اني اعود واقول ان مهمة الاصلاح تقع اساسا على عاتق اجهزة الرقابة اي: مجلس الخدمة المدنية, التفتيش المركزي, ديوان المحاسبة والمجلس التأديبي, وليس من مهمة وزارة التنمية مباشرة. ان اعادة تأهيل واعداد الموظفين ومن ثم توجيههم الى ادارات اخرى تقع على عاتق هذه الاجهزة. * هل من آليات محددة تتخذها الحكومة, او تعتزم اتخاذها على ذلك الصعيد؟ ــ الواقع ان قضية معالجة الفساد تتشعب, ذلك ان الفساد موضوع واسع, ومن الممكن, لا بل من المؤكد ان يشمل ايضا الانتخابات النيابية, ذلك انه بات من الضروري الوصول الى قانون انتخابي يساوي بين جميع الفئات وجميع المناطق وبحجم المناطق وبتوزيع المقاعد عليها. كما ويجب ان يكون هناك اعلام متكافىء ومتساو ان يكون قطاع الاعلان الانتخابي ايضا متكافئا ومتساويا فلا تستغل السلطة اجهزة الاعلام وتسخرها لصالحها, كما جرى في الانتخابات الاخيرة, ولا ان تستغل الامكانات المادية الهائلة لتشويه العملية الانتخابية وشراء الناخبين, كل هذه الامور تندرج تحت عنوان الفساد. هناك فساد سياسي كما ان هناك فساداً ادارياً واجتماعياً. ويمكن ان اشير في هذا الاطار الى ان الفساد تحول, على الساحتين المحلية والدولية, الى مشكلة رئيسية تتهدد استقرار وامن المجتمعات من كل النواحي السياسية: اقتصادية واجتماعي. ومع تنامي العلاقات بين الدول وتحول العالم الى سوق واحدة بفضل الاتفاقات الدولية والتطور المتسارع في تكنولوجيا الاتصالات, اتخذ الفساد ابعادا تتخطى الحدود الاقليمية, ولهذا تحركت الامم المتحدة, بناء على طلب عدد من الدول الاعضاء, في محاولة لتقديم الدعم الفني لهذه الدول, عبر المركز الدولي للوقاية من الجريمة الذي يتميز بأنه قاعدة مركزية لخبرات دولية في مكافحة الجريمة والقضاء الجزائي وكيفية اصلاح القوانين الجزائية. وكان لبنان في مقدمة الدول التي استجابت للبرنامج الذي اطلقه المركز الدولي للحد من الفساد, اذ وقعت الحكومة اللبنانية ممثلة بمكتب وزير الدولة لشئون التنمية الادارية في اكتوبر من العام 2000 بروتوكول تعاون مع المركز, كما انشأت في الشهر ذاته (اللجنة الوطنية لمكافحة الفساد) هيئة مستقلة اولتها مسئولية الاشراف على تنفيذ البروتوكول وما يتضمنه من نشاطات. وقد قام مكتب وزير الدولة لشئون التنمية الادارية بدور اساسي في مجال مكافحة الفساد, فكانت الورشة الاولى حول (الفساد وطرق مكافحته) في العام ,1997 ثم قاد الحوار مع المركز الدولي للوقاية من الجريمة وشارك في اعداد واقرار البروتوكول المذكور, كما اقام بالتعاون مع المركز ورشة عمل في نوفمبر 1999 حول (طبيعة الفساد ووقعه على المستويين المالي والاداري) بمشاركة جهات رسمية محلية ودولية منها البنك الدولي ومنظمة الشفافية الدولية ومجلس الخدمة المدنية والتفتيش المركزي. كما ان العمل جار الآن حثيثا لصياغة خطة وطنية لمكافحة الفساد في لبنان, اذ يعد المركز الدولي للوقاية من الجريمة سلسلة ندوات لهذا الغرض يشارك فيها مكتبنا مع مؤسسة الامم المتحدة الدولية لابحاث الجريمة واللجنة الوطنية لمكافحة الفساد وعدد من الخبراء المحليين والدوليين, وتهدف هذه الندوات, فضلا عن صياغة الخطة الوطنية, لاقرار هذه الخطة ووضع آلية تنفيذية كما وتأمين التمويل اللازم لتنفيذ بنودها. ولاشك ان هناك جدوى من كل هذه النشاطات؟ فهي الخطوة الاولى في رحلة المئة الف ميل, تنجح بمقدار ما تلقى من دعم رسمي وشعبي. انتم ممثلو وسائل الاعلام المقروء والمرئي والمسموع, مسئولون الى حد كبير عن تعبئته. اننا نمد ايدينا مخلصين لكل العاملين في سبيل امن لبنان الاقتصادي والاجتماعي وخير ورفاه الانسان فيه فهلا نتكاتف لنعمل معا من اجل لبنان. مشروع لبناني ــ دولي الى ذلك يجمع الوزيران العريضي والسعد علي التشكيك في ان يكون تقرير الامم المتحدة الذي صدر مؤخرا ويعتبر ان لبنان هو في مقدمة الدول التي تعاني من الفساد تقريرا رسميا, مؤكدين: ان المنظمة الدولية ابلغتنا اعتذارها عنه, ودعتنا الى اعتباره مجرد تقرير خاص واجتهاد, لا يلزم اية دولة بمضمونه. ويلفت الوزيران الى ان ثمة برنامجا بين لبنان والامم المتحدة قد وضع مؤخرا على (نار حامية) للبدء بتنفيذه قريبا, وهو يهدف الى حصول لبنان على الدعم الدولي اللازم (لتبييض صفحته من الفساد الاسود). وقد بدأت الخطوة الاولى على هذا الصعيد بتشكيل (اللجنة الوطنية لمكافحة الفساد) بالاستعانة بالامم المتحدة . بيروت ــ (البيان):

Email