كتاب الاستراتيجيات المستقبلية لتنمية الموارد المائية ، الحلقة السادسة عشرة

ت + ت - الحجم الطبيعي

النتائج السياسية تجعل استجرار المياه من خارج الحدود اجراءً مستبعداً ، الاستمطار الصناعي تقنية واعدة لزيادة المياه السطحية في الامارات تناول الباحث في الحلقة السابقة أول محورين تدور حولهما الاستراتيجية المقترحة لمواجهة فجوة المياه المنتظرة في الامارات العربية المتحدة. وفي حلقة اليوم ينتقل للحديث عن المحورين الآخرين ونبدأ باستعراضه للثالث منها المتمثل باضافة موارد مائية جديدة. وتتضمن اضافة الموارد المائية الجديدة العديد من الاجراءات والسياسات إلا انه يمكن حصرها في محورين أساسيين, المحور الأول هو اضافة موارد مائية تقليدية, والمحور الثاني هو اضافة موارد مائية غير تقليدية. الأول بين هذين المحورين هو اضافة الموارد المائية التقليدية: وتندرج من هذا المحور اما اضافة الموارد التقليدية السطحية أو اضافة الموارد الجوفية اما السطحية أو العميقة, وتصبح بذلك ثلاثة محاور فرعية تدور حولها سياسات اضافة الموارد المائية التقليدية, وعن المحور الأول الفرعي وهو اضافة الموارد التقليدية السطحية فهي تعني في المقام الأساسي نقل المياه بطريقة أو بأخرى من خارج حدود الدولة أو التدخل في الطبيعة باستخدام تكنولوجيا اسقاط المطر بشكل اصطناعي. وعن نقل المياه من خارج الحدود فيساور الدول الخليجية قلق ازاء النتائج السياسية حيث تصبح معتمدة على دول أخرى لتأمين ورود المياه, فضلا عن احتمالات تعرض خط الأنابيب لخطر الهجوم, ولهذه الأسباب فإن هذا الاقتراح مستبعد في الوقت الحاضر, ومن الاقتراحات الأخرى لاستيراد المياه إلى الدولة سحب عدد من الجبال الجليدية من المنطقة القطبية الشمالية, وأعتقد ان الدراسة تقصد المنطقة القطبية الجنوبية بالنظر لطول الرحلة لوصول هذا الجليد من المنطقة القطبية الشمالية, أو استخدام الخزانات الفارغة في ناقلات النفط القادمة للدولة, وقد أجريت بهذا الخصوص دراسات جدوى إلا ان هذه الخطط ليست موضع تفكير الآن. ويعتبر استخدام تكنولوجيا اسقاط المطر بشكل اصطناعي في دولة الامارات خاصة في المنطقة الجبلية في الدولة ذات أهمية حيوية, خاصة في ظل نجاح البحوث الأولية في جنوب غرب السعودية وامكانية استغلال هذه الفكرة لذا فإن الدراسات والبحث في دولة الامارات يجب أن تتجه إلى امكانية تنفيذ هذه الفكرة لزيادة حجم المياه السطحية في الدولة لاستخدامها في الأغراض المختلفة أو تغذية المستودعات الجوفية الموجودة في الدولة. اما عن المحور الفرعي الثاني والثالث والذي يختص باضافة الموارد التقليدية الجوفية السطحية أو الجوفية العميقة, فإن ذلك يرتبط بالأساس بالمستودعات السطحية (الغرينية) بمدى نجاح الدولة في السيطرة على تحويل جزء من المياه الجارية المترتبة عن الأمطار إلى هذه الخزانات ومن خلال دراسة عميقة ترتبط بمدى الحاجة إلى هذه المياه السطحية من جهة ومدى قدرة الدولة في السيطرة على هذه المياه الجارية وعدم هدرها إلى منطقتي الخليج العربي وخليج عمان. كذلك ترتبط بمدى قدرة الدولة على اسقاط المطر بشكل اصطناعي في تلك المناطق الجبلية وتحويلها إلى الخزانات الجوفية السطحية في هذه المناطق, أو على أقل تقدير امكانية اقامة محطات للتحلية خصيصا لصالح الضخ في هذه الخزانات باختلاف أماكنها وليمكن اعتبارها مخزنا مؤقتا للمياه في المستقبل. أما فيما يختص بالمستودعات الجوفية العميقة فإن الأمر هنا يحتاج إلى وقفة باعتبار ان كل هذه الخزانات العميقة للمياه الجوفية هي خزانات مشتركة مع كل الدول الخليجية خاصة بين الامارات وكل من المملكة العربية السعودية وسلطنة عمان خاصة مستودعي الدمام وأم الرضمة اللذين تستكمل بهما دولة الامارات احتياجاتها المائية بالاضافة إلى المستودعات الجوفية السطحية (الغرينية). ويقدر الخبراء ان مستودعي أم الرضمة والدمام يحتويان على 45.190 مليار م3 من المياه على التوالي وان كمية المياه اللازمة لاعادة تغذيتهما بالمياه لا تتجاوز حوالي 2.4 مليار م3 على التوالي, فإن هذه العملية تحتاج إلى قرار سياسي بين الدول الثلاث لتنظيم استغلال هذين الخزانين بالاضافة إلى الخزانات العميقة الأخرى والتي تشترك فيها دولة الامارات مع باقي الدول الخليجية وهذا ما سوف يتم تناوله تفصيلا في الفصل الأخير والخاص بالتعاون الخليجي في مجال حماية وتنمية الموارد المائية. وثاني هذين المحورين هو اضافة الموارد المائية غير التقليدية: وتشتمل اضافة الموارد المائية غير التقليدية على اتجاهين الأول هو اعادة استخدام مياه الصرف الزراعي والصناعي والصحي, والثاني هو مياه التحلية, وفيما يختص باعادة استخدام مياه الصرف على اختلاف أنواعها فإن الدولة من محطاتها الأربعة في أبوظبي والعين ودبي والشارقة لا تستفيد إلا بحوالي 65.5 مليون جالون فقط أي ما يعادل 300 ألف م3 فقط, ويعتبر هذا الرقم متواضعا جدا مع استهلاك المياه في الدولة والمقدرة في عام 1992 بما مقداره حوالي 1300 مليون م3 وهو بذلك لا يتعدى 0.02% من المياه المستهلكة وبما يعني انه يجب زيادة طاقات محطات اعادة استخدام مياه الصرف ولا يتم اقتصارها فقط على مياه الصرف الصحي الناجمة عن استهلاكات المياه في المدن الرئيسية. وإذا كانت الزراعة تستهلك حوالي 80% من احتياجات الدولة للمياه أي ما يعادل 1000 مليون م3 فإن اضافة محطات اعادة استخدام مياه الصرف الزراعي يجب ألا تغيب عن مخططي السياسة المائية حيث تستطيع هذه المحطات الوفاء بما يعادل 25 إلى 40% من هذه المياه لاعادة استخدامها وهو ما يعادل 250 إلى 450 مليون م3 سنويا وبحيث يتم انشاؤها في المناطق الرئيسية للزراعة في الدولة وطبقا لمساحة زراعتها, حيث تستأثر حاليا أبوظبي بما نسبته حوالي 58% من مساحة الأراضي الزراعية, في حين تبلغ هذه النسبة 13.66/ 12.8/ 7.18/ 4.47/ 2.49/ 0.41 لكل من امارة رأس الخيمة والشارقة ودبي والفجيرة وأم القيوين وعجمان على التوالي. أما المحور الثاني وهو مياه التحلية فلقد وصلت الطاقة المركبة للدولة وحتى عام 2000 حوالي 2.35 مليون م3 سنويا في حين بلغت الطاقة الفعلية حوالي 1.5 مليون م3 ولقد تحدثنا في المبحث السابق عن احتياجات دولة الامارات من مياه التحلية, كذلك تم بحث أهمية اعادة النظر في قدرات المحطات القديمة خاصة التي أقيمت بين عامي 1974 و1983, وترتبط هنا بسياسة الدولة باعتمادها على مياه التحلية كمصدر أساسي للمياه حيث لن يسعف الاحتياجات المطلوبة للدولة من المياه إلا باقامة محطات التحلية وعلى الرغم من تكلفتها والتي تقدر بين 0.5 دولار/3م و3.5 دولارات/م3. إلا ان المياه الجوفية الحبيسة يمكن أن تكون حلا مناسبا لتدبير احتياجات المياه في الدولة واعتبارا من العام 2005 ولتشارك بنسبة معقولة في انتاج المياه في الدولة, ويمكن اجمال المياه المطلوبة من مياه التحلية بما مقداره 1.346 مليون م3 حتى عام 2010 بالاضافة إلى 0.783 مليار م3 لاحلال سبع عشرة محطة متقادمة والتي أنشئت بين عامي 1974 و1983 أي تحتاج الدولة إلى قدرات تحلية اضافية تقدر بحوالي 2.219 مليون م3 وبالمقارنة مع الطاقة الفعلية الحالية وهي حوالي 1.55 مليون م3 أي اضافة حوالي 1.5 ضعف الطاقة الحالية مما يكلف الدولة مبالغ طائلة في ذلك وطبقا لتكلفة المتر المكعب من المياه. ويرى الباحث انه يمكن تقليل هذه التكلفة بعد جهود الدولة في السيطرة على المياه السطحية وزيادة الاستفادة منها كذا زيادة قدرة محطات الصرف, ويتزامن مع ذلك مدى نجاح الدولة في الاستفادة من المياه الجوفية العميقة كاستراتيجية واجبة للمستقبل القريب ولا يفوتنا هذا التنويه عن ضرورة انشاء خزانات يتم تخزين المياه فيها من محطات التحلية في فترة الشتاء حيث يقل الضغط والاستهلاك من هذه المحطات وليمكن الاستفادة منها في فترات الصيف وبما يحافظ على عدم اهدار هذه المياه في فصل الشتاء. أما المحور الرابع فهو التعاون في المجال المائي بين دول مجلس التعاون الخليجي حيث تتشابه الدول الخليجية في صفات ومصالح وعادات مشتركة عديدة, إلا ان أهم ما يميز دول مجلس التعاون الخليجي تشابهها في الموارد الطبيعية مثل البترول, كما تتشابه في ندرة الموارد الطبيعية الأخرى وعلى رأسها المياه, وتتشارك جميعها في احتياجاتها المتزايدة على الطلب المتزايد للمياه للوفاء باحتياجاتها التنموية, وتتشارك أيضا في موارد المياه الجوفية حيث تشترك مع بعضها البعض في معظم المستودعات الجوفية العميقة اضافة إلى دول الجوار الجغرافي التي تجاور إحدى دولها وهي المملكة العربية السعودية. أفرزت العوامل السابقة أهمية التعاون الخليجي في مجال حماية وتنمية الموارد المائية للدول الخليجية أو بمعنى أدق لدول مجلس التعاون الخليجي, وللوصول إلى ذلك فإن التعرف على التعاون الحالي بين الدول الست يصبح مدخلا طبيعيا ومنطقيا يمكن من خلاله التعرف على مجالات التعاون المختلفة بين هذه الدول لتقويم هذه العلاقة والتعرف على سلبياتها وايجابياتها خاصة في مجالات المياه, ولا بد من التعرض أيضا لتشريعات المياه في هذه الدول لبيان مدى تطابق أو تباعد وجهات نظر تشريعات هذه الدول خاصة في مجال المياه, وكذا التعرف على درجة اعتماد هذه الدول على مصادر المياه المختلفة ووسائل وخيارات تنميتها. لذا فإن التعاون الخليجي في مجال حماية وتنمية الموارد المائية لدول المجلس يستلزم البحث عن الدور الأمثل لهذا التعاون في مجالاته المتعددة, من خلال تنمية الموارد المائية المتاحة, وكيفية العمل الجماعي لاضافة موارد مائية جديدة, وتصبح بذلك استراتيجية مشتركة بين كل هذه الدول, ولضمان عدم حدوث أية خلافات حول المياه قد تعيق مسيرة التعاون التي قطعها المجلس منذ انشائه في عام 1981. ويعد التعرف على مجالات التعاون الحالي بين دول مجلس التعاون في مجال المياه وما يتعلق بها خاصة في المجال الزراعي ذو أهمية كبيرة لتقويم هذا التعاون, يضاف إليه التعرف على خيارات هذه الدول لتنمية مواردها المائية ارتباطا بدرجة احتياجاتها للمياه, كذا درجة اعتمادها على مصادر المياه الجوفية المشتركة, اضافة إلى تشريعات تلك الدول فيما يختص بالمياه مرورا بأنماط استهلاك تلك الدول للمياه, ومدى وفاء الامكانات الحالية بمتطلباتها واحتياجاتها المتزايدة للمياه واللازمة لجهود تنميتها الشاملة, خاصة في ظل ندرة الموارد الطبيعية من المياه لوقوع المنطقة جميعها في المناخ المداري الذي يتميز بقلة سقوط الأمطار, كما يعتبر هو المدخل الطبيعي لاستشراف مستقبل الموارد المائية ومدى الحاجة للتعاون بين هذه الدول من عدمه.

Email