صراعات الداخل في أفريقيا.. الأسباب وإمكانيات التغيير د. محمد سعد أبوعامود: الارث الاستعماري وتنافس الدول الكبرى اهم اسباب الصراع

ت + ت - الحجم الطبيعي

لاشك أن الواقع الذي تعيشه القارة الافريقية حاليا لايبعث على التفاؤل .. فهي الآن تعتبر أكثر المناطق في العالم فقرا وأقلها نموا, وأشهرها في مجال الصراعات والنزاعات وخاصة النزاعات الداخلية التي تأخذ شكل حروب أهلية وصراعات مسلحة وانقلابات عسكرية قدرتها الاحصائيات بـ 110 انقلابات منذ عام 96 وحتى الآن, وفي دول افريقية كثيرة منها النيجر وجزر القمر وغينيا بيساو وسيراليون وبوروندي .. هذه الصراعات والنزاعات قد تكون في الدولة الواحدة أو مع بعض جيرانها كما يحدث الآن بين إريتريا وأثيوبيا من حرب دامية خلف الآلاف من اللاجئين والقتلى بسبب نزاع حدودي كان يمكن حله بالطرق السلمية, (الملف) التقى الدكتور محمد سعد أبوعامود أستاذ العلوم السياسية بجامعة حلوان والخبير الاستراتيجي اللواء طلعت مسلم في محاولة لالقاء الضوء حول ما تعانيه القارة السمراء من كثرة صراعاتها التي تكاد تعصف بمسيرتها التنموية, وأسباب هذه الصراعات وهل هي داخلية بحتة تتمثل في النزاع حول الحدود والخلافات العقائدية بين الجماعات الاثنية وغيرها, أم أن العامل الخارجي لايمكن اغفاله؟ وحول دور المنظمات الاقليمية مثل الوحدة الافريقية ودول عدم الانحياز في القيام بدور ايجابي تجاه هذه الصراعات, وحول تأثيرها على الأمن القومي العربي بصفة عامة والأمن القومي المصري بصفة خاصة, ومدى قدرة الأمم المتحدة على القيام بدور أكثر فاعلية لوقف النزاعات, وأخيرا وفي ضوء المعطيات الحالية هل يستمر الوضع في افريقيا خلال القرن الجديد مثلما كان في القرن الماضي.. مزيد من الصراعات والمجاعات والتخلف؟! التوازن القبلي بداية يرى الدكتور محمد سعد أبوعامود أستاذ العلوم السياسية بجامعة حلوان أن الصراعات والنزاعات التي تدور حاليا بين بعض الأقطار الافريقية تعود جذورها الى فترة الاستعمار الأوروبي للقارة الذي قام برسم الحدود بين الدول الافريقية دون أن يراعي الاعتبارات الانسانية والقبلية التي كانت موجودة في القارة, فمعروف أن هناك بعض القبائل كبيرة العدد تعيش في بعض المناطق وعندما قام الاستعمار برسم الحدود لم يضع في اعتباره ضرورة وحدة هذه القبائل ووجودها في مكان أو دولة واحدة, ومن هنا توزعت بعض هذه القبائل على بعض الدول الافريقية كما حدث بالنسبة للهوتو والتوتسي .. وبالتالي حدث نوع من الخلل وعدم التوازن القبلي ومع الوقت تطور الأمر بحدوث نزاعات وصراعات مازالت متأججة في مناطق كثيرة من افريقيا .. أيضا هناك أسباب أخرى لهذه الصراعات منها الفقر وارتفاع المديونيات والطبيعة الجافة والظروف الاقتصادية الصعبة, والأنظمة السياسية وغالبيتها غير ديمقراطية وتقوم على سيطرة عشيرة أو قبيلة معينة على القيادة وبالتالي اعطاء صلاحيات وامتيازات لفئة معينة على حساب الفئات الأخرى مثلما حدث في الصومال حيث قام الرئيس الصومالي السابق سياد بري بدعم القبيلة التي كان ينتمي اليها مما أدى الى حدوث تذمر تطور - بمرور الوقت - الى انفجار ووصل الصومال الى ماهو فيه الآن من تشتت وتمزق وحروب أهلية لم تتوقف منذ أعوام. ويضيف الدكتور محمد سعد أبوعامود: كما أننا يجب ألا نغفل المؤثر والعامل الخارجي في وجود هذه الصراعات والنزاعات في القارة الافريقية وخاصة الوجود الأمريكي والفرنسي وصراعهما على المصالح الاقتصادية وبسط النفوذ في بعض المناطق في القارة وعندنا النموذج على ذلك ما حدث مع الكونغو الديمقراطية حيث دعمت الولايات المتحدة كابيلا حتى استولى على الحكم لأن الكونغو دولة هامة بالنسبة للولايات المتحدة لأنها تعتبر مركزا لانتاج الماس والذهب .. هذا التواجد والحرص من جانب الدول الغربية الكبرى صاحبة المصالح كالولايات المتحدة وفرنسا ساهم في زيادة الصراعات لقيامهما بمساندة أطراف معينة داخل بعض الدول الافريقية ضد أطراف أخرى, أو الانتصار لدولة افريقية على حساب دولة أفريقية أخرى كل هذا ساعد على زيادة الصراعات . دور المنظمات وفيما يتعلق بامكانية قيام المنظمات الدولية كالأمم المتحدة والاقليمية كمنظمة الوحدة الافريقية وجامعة الدول العربية ومنظمة عدم الانحياز بدور ايجابي تجاه هذه الصراعات, يقول الدكتور محمد سعد أبوعامود: لاشك أنه يمكن أن يكون هناك دور مهم لهذه المنظمات في العمل على منع تأجج هذه الصراعات, وأعتقد أن الولايات المتحدة من مصلحتها دعم مثل تلك الجهود التي يمكن أن تقوم بها هذه المنظمات, لأنها تريد استقرار الأوضاع في هذه القارة حتى تعمل شركاتها ومؤسساتها الاقتصادية بشكل آمن في القارة .. ولكن تظل هناك مشكلة أساسية تعوق عمل هذه المنظمات, وتنبع من الدول الافريقية ذاتها التي تختلف على طبيعة دور هذه المنظمات فعلى سبيل المثال فيما يتعلق بالحرب الدائرة الآن بين إريتريا وأثيوبيا نجد أن كلا الطرفين له رؤية وموقف من تدخل منظمة الوحدة الافريقية , وهذا بدوره يعرقل جهود المنظمة, نفس الشيء حدث بالنسبة للصراع في الصومال حيث كانت هناك تحفظات من بعض الأطراف الداخلية فيه بالنسبة لتدخل الجامعة العربية أو منظمة الوحدة الافريقية, ولذلك أصبح لزاما علينا الآن التفكير في ابتكار آلية تجبر أي دولة على قبول الوساطة التي تطرحها هذه المنظمات, وتفعيل آلية فض النزاعات بين الدول الافريقية وزيادة الزامها وبحيث تعطي الحق لمنظمة الوحدة الافريقية أن تتدخل وبطريق مباشر لفض النزاعات حتى لو رفضت بعض الأطراف الافريقية, وخصوصا أن هذا الأمر لن يكون غريبا في ظل النظام العالمي الجديد والعولمة والكلام عن حق التدخل الانساني الذي كان موضع حوار طويل بين أعضاء الجمعية العامة للأمم المتحدة في اجتماعها الأخير, ولكن على أن يكون تدخل هذه المنظمة لاعتبارات انسانية فكلنا يعلم كم من الآلاف من الضحايا سفكت دماؤهم بسبب الحروب والصراعات في القارة السمراء .. أيضا جامعة الدول العربية يمكنها أن تقوم بدور في هذا الصدد بأن تعمل على تقريب وجهات النظر بين الأطراف المتصارعة وخاصة اذا كان أحد هذه الأطراف عربيا, ويجب أن تراعي الجامعة هنا أن تتدخل بالتنسيق مع منظمة الوحدة الافريقية حتى تكون هناك امكانية للخروج بتصور يجنب بعض الأطراف الافريقية ويلات الصراع والنزاعات. الامن العربي وحول رأيه في أن هذه النزاعات والصراعات يمكن أن تؤثر في الأمن القومي العربي بشكل عام والأمن القومي للدول العربية الافريقية بشكل خاص, يرى الدكتور محمد سعد أبوعامود أنه بالنسبة للدول العربية الافريقية هناك آثار لهذه النزاعات وهناك نموذجان على ذلك ماحدث في الصومال والسودان, فالسودان يواجه مشكلة خطيرة في الجنوب وتوترا على الحدود الجنوبية والشرقية, والصومال تمزق وتفتت, أي أن الدول العربية الافريقية ليست بعيدة عما يحدث داخل افريقيا, أيضا مصر يهمها كثيرا استقرار الأوضاع في افريقيا وهي تدرك جيدا خطورة منطقة القرن الافريقي بالنسبة لأمنها القومي.. ومن هنا يجب أن يكون هناك تنسيق وتعاون مستمر بين الدول العربية وخاصة مصر وبين الدول الموجودة في هذه المنطقة وبعيدا عن البيروقراطية الدبلوماسية المصرية والعربية, لأن هذه المناطق تحتاج الى تحرك دبلوماسي نشط نظرا لأهميتها بالنسبة للأمن القومي العربي, المطلوب اهتمام أكبر فيما يتعلق بمجال الاستثمار المشترك وبحيث يبدأ رجال الأعمال في دخول الأسواق الافريقية, وأن تكون العلاقات مع هذه الدول علاقات تعاون تقوم عمليا على المصالح واقامة المشروعات والاستثمار . وفيما يتعلق بمستقبل القارة السوداء في القرن الجديد يشير الدكتور محمد سعد أبوعامود الى أنه وعلى الرغم من حالة الحروب والتشرذم في القارة. نرى على الجانب الآخر أن هناك محاولات للتكتل والتجمع كما حدث مع الكوميسا وغيرها, هذه التجمعات والتكتلات تهدف الى اعادة صياغة الأوضاع في القارة, وهناك مؤتمر للقمة الافريقية الأوروبية عقد مؤخرا بالقاهرة .. بمعنى أنه وبالرغم من وجود عوامل ضعف هناك محاولات للقضاء عليها, واذا نجحت الدول الافريقية من خلال تجمعاتها, ومن خلال جهود منظمة الوحدة الافريقية في التخفيف من حدة الصراعات والتكيف مع المستجدات الجديدة فأعتقد أنه يمكن أن تنتقل القارة الافريقية الى الأفضل خلال القرن الجديد . مصالح الدول الكبرى ومن ناحيته يشير الخبير الاستراتيجي اللواء طلعت مسلم الى ان العوامل الداخلية هي الأساس في وجود الصراعات والنزاعات الافريقية, وكانت الحدود هي أهم هذه العوامل ولذلك كان حرص منظمة الوحدة الافريقية على حث أعضائها على الاعتداد بالحدود التي وضعها الاستعمار وحتى لاتحدث الخلافات والصراعات, ولكن الملاحظ أن هناك بعض الدول لم تلتزم بذلك ومن هنا كانت الصراعات والنزاعات, أيضا هناك العوامل الاقتصادية, والنزاعات القبلية.. فضلا عن الأسباب والعوامل الخارجية والمتمثلة في مصالح الدول الكبرى فمعروف أن هناك نوعا من التنافس بين الولايات المتحدة وفرنسا.. الولايات المتجدة تسعى لتحقيق نوع من السيطرة في القارة الافريقية والتي لها دوافع استراتيجية بالدرجة الأولى بأن تكون قواعد تؤمن بها مصالحها اضافة الى مصالحها الاقتصادية, أما فرنسا فهي تتواجد في افريقيا لأهداف اقتصادية تتعلق باستثماراتها الكثيرة في القارة, فضلا عن مصالحها الثقافية لأنها تعتبر الدول الافريقية التي تتحدث الفرنسية جزءا منها.. أيضا داخل افريقيا نفسها هناك تحالفات تعكس مصالح لدول افريقيا في مناطق أخرى ومن هنا تساند هذه الدول طرفا ضد آخر وهكذا .. أي أن العوامل الداخلية هي الأساس في استمرار الصراعات والنزاعات الافريقية ولكن هذا لايلغي أو يقلل من العوامل الخارجية. الاختراق الاجنبي وفيما يتعلق برأيه في امكانية أن تؤثر هذه الصراعات والنزاعات على الأمن القومي العربي يقول اللواء طلعت مسلم: قطعا تؤثر هذه الصراعات على الأمن القومي المصري والعربي بدرجة كبيرة فهي مجال لاختراق العناصر الأجنبية لأفريقيا وخاصة العناصر الأمريكية والاسرائيلية, فمعروف أن اسرائيل تلعب دورا مشبوها في منطقة منابع النيل سواء في هضبة الحبشة أو الهضبة الاستوائية وبالذات عند الكونغو, فهي تأتي مستغلة هذه الصراعات لتعرض تقديم المساعدة لأحد الأطراف وبالتالي تكتسب مواقع تهدد المصالح العربية, وهناك أمثلة عديدة. لقد استغلت اسرائيل الصراع في الصومال لتوجد لها موضع قدم في منطقة أرض الصومال وحتى تجد لها قاعدة على البحر الأحمر, كما استغلت اسرائيل في السابق علاقتها بأريتريا في أن دفعتها لاثارة مشكلة جزر حنيش والتي كان يمكن أن تؤدي لحرب بين اليمن وأريتريا لولا أن التحكيم الدولي حسم المشكلة مبكرا, أيضا الصراع في منطقة البحيرات العظمى يؤثر على سير العمل في قناة جونجلي والتي من المفترض أن توفر مياه جديدة لمصر والسودان, وبالتالي فإن تعطل العمل يؤثر على التنمية في البلدين, كما أن الصراع بين أثيوبيا وأريتريا والدائر حاليا يؤثر على الوضع في السودان وخاصة على مركزها البحري وعملية تصدير النفط .. كل هذا دون شك سيؤثر على الأمن القومي العربي بصفة عامة والمصري بصفة خاصة . امكانية التغيير ويعتقد اللواء طلعت مسلم أن منظمة الوحدة الافريقية يمكن أن يكون لها دور ايجابي تجاه هذه الصراعات ولكن بشرط أن تتدخل الدول الافريقية الكبرى مثل مصر وجنوب افريقيا ونيجيريا وتدفع باتجاه تفعيل دور المنظمة . أي أنه يجب أن تكون هناك مساندة من الدول الافريقية للمنظمة وألا نحملها فوق طاقتها وخاصة أن هناك نزاعات وصراعات افريقية يصعب التعامل معها وتعود الى وقت طويل وبخاصة النزاعات الطائفية .. أما نزاعات الحدود والأخرى الخاصة بالموارد الاقتصادية فيمكن للمنظمة أن تقوم بدور ايجابي تجاهها . وأخيرا .. يرى اللواء طلعت مسلم أنه لو استمرت الأمور في القارة الافريقية تسير بالصورة الحالية من صراعات ونزاعات فسوف تنتقل القارة من سيئ الى أسوأ, وخاصة في ظل التقدم والتطور الكبير الذي يعيشه العالم الغربي وهو ما سيؤدي الى اتساع الهوة بين أفريقيا والدول الأخرى .. ولكن هذا لايعني ان امكانية التحسين في القرن الجديد ليست واردة وإنما المطلوب أولا أن يحدث تغيير في المسار الحالي .. تغيير تساعد فيه الدول الافريقية الكبرى وبحيث لايكون كل همها الجري وراء التكتلات الاقتصادية وإنما ان تعمل لتشكيل التكتلات داخل افريقيا وبحيث تتم مراعاة المصالح الافريقية. القاهرة - البيان

Email