أبناء آوى الجدد (7) ، تأليف: سيمون ريف

ت + ت - الحجم الطبيعي

كمبيوترات فورت ميد تطارد مكالمات بن لادن عندما يوغل القارئ في مسيرته في كتاب سيمون ريف وصولا إلى الفصل العاشر وما بعده, ابتداء من صفحة ,198 فإنه لابد له أن يساوره شعور حقيقي بخيبة الأمل, مرده ان كل ما سيقدمه المؤلف في هذا الاطار ليس بجديد من ناحية ويفتقر إلى الاطار التحليلي الشامل الذي يجمع نثار المعلومات التي يقدمها. من ناحية أخرى عامل واحد سيخفف هذا الشعور بخيبة الأمل بصورة جزئية, وهو محاولة المؤلف القاء الضوء على مستقبل بن لادن, وهنا يلفت نظرنا أمران مهمان, أولهما أن المؤلف لم يستطع ربط أسامة بن لادن برمزي يوسف وفقا للاطروحة الرئيسية للكتاب, وهي كما نعرف ان الرجلين معا يجسدان جيلا جديدا من رجال الحركة السياسية ضد الغرب يعتمد العنف المطلق أسلوبا للعمل. أما الأمر الثاني الذي ينبغي الوقوف عنده فهو ان الكاتب يربط بشكل تعسفي بين مستقبل بن لادن وبين الاحتكام إلى أسلحة التدمير الشامل كأداة لمواجهة الغرب. فلنواصل رحلتنا, إذن, مع المؤلف مسلحين برؤية نقدية نعرض في اطارها لما يطرحه, ونلقي الضوء - بأمانة - على نقاط الضعف والقوة فيما يقوله. الطريق إلى شرق افريقيا من منظور المؤلف يشكل البيان الذي أصدره أسامة بن لادن في فبراير من عام 1998 اعلانا للحرب على الولايات المتحدة, وهو يشير إلى ان أسامة بن لادن الذي عاش في عزلة نسبية في أفغانستان معرضا لاحتمال الاختطاف أو الاغتيال على يد رجال المخابرات الأمريكية والأجهزة والمنظمات العديدة المتعاونة معهم وتحت وطأة الرصد بالاقمار الصناعية لأي اتصال يقوم به باستخدام الأجهزة الحديثة كان بحاجة ماسة إلى ضربة قوية يوجهها للمصالح الأمريكية إذا أراد أن يكفل المصداقية لكلماته وبياناته. وهكذا فقد قرر تفعيل خلية القاعدة التي تمركزت هناك في عام 1994 حيث كان قد توجه إلى هناك الفلسطيني الذي يحمل جواز سفر أردنيا محمد صادق عودة, واستقر في دار متواضعة تطل على شاطئ ممباسا في كينيا, وكان قد تلقى تدريبا عسكريا في أفغانستان قبل أن ينضم إلى القاعدة في عام ,1992 ليتحول إلى أحد الكوادر التي ساهمت في الحاق هزيمة مهينة بالقوات الأمريكية في الصومال حيث لقي 18 جنديا أمريكيا مصرعهم. واشترى في كينيا قاربا من فئة السبعة أطنان وأنشأ شركة للصيد بأموال القاعدة تحولت إلى مظلة لاستقبال كوادرهاالتي قدمت إلى كينيا. ويستخدم سيمون ريف التعبير الأثير لدى أجهزة المخابرات وهو (الوحدات النائمة) للاشارة إلى مجموعات الكوادر الكامنة في انتظار تعليمات بالانطلاق وذلك في بريطانيا والولايات المتحدة ومناطق أخرى كثيرة من العالم, لم يكن شرق افريقيا استثناء منها, وكان هناك فضل عبدالله محمد, ووديع الحاج, ومحمد راشد داوود العوالي وغيرهم. في السادس من أغسطس 1998 كانت العبوة الناسفة جاهزة, وصدرت التعليمات لعودة بمغادرة نيروبي إلى باكستان على متن رحلة شركة الخطوط الباكستانية الدولية رقم 746. وفي ساعة مبكرة من صباح اليوم التالي انطلق فضل عبدالله محمد ليجلس خلف مقود السيارة للضاحية, وهي شاحنة صغيرة من نوع البيك أب تم تجهيزها في الفيللا التي استأجرتها المجموعة في 43 روندو استيتز في نيروبي وحمل معه أربع قنابل من طراز شتن ومسدسا, بينما قفز العوالي إلى شاحنة أكبر من طراز تويوتا ومعه زميله عزام بينما استقرت في مؤخرة الشاحنة عبوة ناسفة هائلة, وشقت السيارتان طريقهما في شوارع نيروبي المزدحمة باتجاه السفارة الأمريكية. وفي العاشرة والنصف من قبل ظهر اليوم نفسه توقفت الشاحنة الملغومة عند مؤخرة السفارة الأمريكية, ووثب منها العوالي, وألقى إحدى قنابله الأربع باتجاه حرس السفارة, والتفت إلى الوراء وانطلق عدوا. أما شريكه عزام فبدلا من مد يده إلى المفجر فورا منحه ثوان ثمينة يختفي خلالها وراء المنعطف القريب خلال انشغاله, أي عزام, باطلاق رصاص مسدسه على نوافذ السفارة, ثم ضغط المفجر, فنسف نفسه متحولا إلى نثار دام وهدم مبنى كلية السكرتارية المؤلف من عدة طوابق وأصاب مبنى السفارة الأمريكية ومبنى المصرف التعاوني بأضرار جسيمة في أقوى انفجار من نوعه شهده شرق افريقيا, وقتل 213 شخصا وجرح 4500 شخص. في غضون عشر دقائق من انفجار نيروبي انفجرت سيارة فان خارج مقر السفارة الأمريكية في العاصمة التنزانية نيروبي, مما أسفر عن مصرع 11 شخصا وجرح 85 غيرهم, وكان الانفجار من القوة بحيث ان جسم سائقها بتر من منتصفه واندفع النصف الأعلى فلطم مبنى السفارة وقد التصقت اليدان كلتاهما بعنفوان بمقود السيارة. ضربتان في الرأس لقد قيل الكثير عن تأثير الانفجارين وعن الارتباك الذي ساد الدوائر الأمريكية في مواجهته, ولكن المؤلف يؤكد مجددا على ما نعرفه من ان الأجهزة الأمريكية ربطت الانفجارين بشكل عشوائي بأسامة بن لادن, فهو يقول انه بالنسبة للشرطة الكينية ولعشرات من رجال مكتب التحقيقات الفيدرالية الذين تدفقوا على مكان الانفجار كان أسامة بن لادن المشتبه فيه بشكل مباشر, وينقل عن مصدر أمريكي مطلع على مجرى التحقيق في الانفجار قوله ان أسامة بن لادن كان على رأس قائمة قصيرة من الرجال القادرين على تدبير هذا الانفجار المزدوج. ويلفت المؤلف نظرنا إلى ان الدوائر الأمريكية المعنية بالتحقيق قد أثار قلقها الشديد عمق التخطيط الكامن وراء هذا الانفجار المزدوج, وهو ينقل عن مسئول كبير متقاعد في الـ (سي. آي. ايه) عمل كضابط رفيع الرتبة في أفغانستان وباكستان والسودان قوله (إن ضربتين تقعان في وقت واحد ليستا مؤلمتين بشكل مضاعف, وإنما هما مؤلمتان بمعدل مئة ضعف) . وربما كان مصدر الايلام في انفجار شرق افريقيا المضاعف هو انه على الرغم من سنوات التحقيق والمراقبة والمتابعة والمطاردة من جانب اعداد لا حصر لها من رجال أجهزة مخابرات عديدة, فإن القاعدة قد برهنت على انها قوة لا تفتقر إلى العنفوان وقادرة على انجاز أعمال من النوع الذي كان يظن انه ينتمي إلى عالم أفلام جيمس بوند وحده. ويكشف المؤلف النقاب, نقلا عن مصادره, عن ان أجهزة المخابرات الأمريكية علمت في وقت لاحق ان رجال القاعدة كانوا يخططون لهجمات أخرى على المصالح الأمريكية في كمبالا, العاصمة الاوغندية, لكي تتزامن مع انفجاري نيروبي ودار السلام, ولكنها أجلت في اللحظة الأخيرة, الأمر الذي أتاح المجال للشرطة لالقاء القبض على من يصفهم المؤلف بأنهم 18 ارهابيا في غضون أسبوعين, وهو ينقل عن مورولي موساكا وزير الدولة الأوغندية لشئون الأمن قوله ان: (الهجمات أعدت لتكون أكثر خطورة وتدميرا من انفجاري نيروبي ودار السلام) . ويعقب سيمون ريف على الضربة الأمريكية المزدوجة, الموجهة إلى معسكرات خوست في أفغانستان ومصنع الشفاء في السودان بالقول ان أسامة بن لادن قد نجا لانه رجل يصعب قتله, بل انه يذهب إلى الحديث عن نجاح بن لادن عقب الضربة الأمريكية الموجهة إليه انتقاما لحادثي شرق افريقيا, وهو يرى ان هذا النجاح له بعدان: * البعد الأول متعلق بنجاح بن لادن في استقطاب المزيد من الاتباع على امتداد العالم الإسلامي. * البعد الثاني يكمن في انه نجح في توحيد جماعات إسلامية بائسة, بل ان جماعات مثل الجهاز الإسلامي والجماعة الإسلامية انضوت تحت اللواء الذي رفعه عاليا. وقد كانت سياسته في هذا الصدد واضحة, فهو يرى ان العالم الإسلامي أمة واحدة يربطها دين واحد وتواجه تحديات عديدة, أبرزها الوجود العسكري الغربي في بقاع متزايدة من أرضها والدعم الغربي لاسرائيل وعملية السلام المتجمدة والتحركات العدائية العسكرية والدبلوماسية ضد العراق, وهذا كله يبرر محاربة أمريكا. وإذا كانت المسألة من منظور بن لادن هي حرب ضد أمريكا, فإن المؤلف يوضح لنا ان أمريكا وحلفاءها قد صعدوا حربهم ضد الرجل, ويذهب إلى القول انه بمساعدة عميل أو عميلين غرسا على مستويات وسيطة في تنظيم القاعدة اعتقل المحققون الأمريكيون عشرين من المقربين من بن لادن وحققوا معهم وبدأوا تحقيقات على امتداد 28 دولة. وفي الوقت نفسه بدأت الـ (سي. آي. ايه) في تنظيم أول محاولة سرية لاغتيال أسامة بن لادن, وذلك على الرغم من الذكريات المريرية الباقية من مؤامرة تحمل الاسم الرمزي (مونجوز) وهي المحاولة الفاشلة التي أدت إلى نتائج مروعة والتي قامت بها الـ (سي. آي. ايه) لاغتيال الرئيس الكوبي فيدل كاسترو. وقد شملت هذه العملية التي تمت في نوفمبر 1998 التقنية والخبرة الأمريكيتين في مثل هذه العمليات جنبا إلى جنب مع التنسيق مع دولة اقليمية بارزة ساهمت بالتمويل والقوى البشرية, الأمر الذي كفل تجنب التعرض لأسئلة صعبة في الكونجرس. وقد كان ضالعا في هذه العملية شخص يدعى صديق أحمد تلقى مبلغ 267 ألف دولار لكي يدس السم لابن لادن. وقد كللت محاولة الاغتيال هذه بنجاح جزئي فحسب, وأدت إلى اصابة بن لادن بفشل كلوي حاد, وخلال الأشهر التالية شوهد الرجل وهو يستند إلى عصا لتساعده على السير. وليست هذه هي المحاولة الوحيدة من نوعها, ولكن الـ (سي. آي. ايه) لم تكتف بالعمل على هذا الجانب وحده, وإنما انطلقت لمطاردة أرصدة أسامة بن لادن والقاعدة على امتداد العالم, وحدث التطور الكبير في هذا الشأن في عام 1997 عندما تم استقطاب سيد طيب المدني, الذي يعد المساعد المالي الرئيسي لابن لادن, وتختلف المصادر في هذا الصدد, فمنها من يقول ان الرجل عميل أصلا زرع في دوائر بن لادن لتوظيفه في اللحظة المناسبة لإحداث أكبر تخريب ممكن في شئونه المالية, ومنها من يقول انه تم استقطابه لاسباب شتى. أىا كان الأمر, فإن المدني كشف تفاصيل العديد من أسرار بن لادن المالية, وباستخدام المعلومات التي قدمها اكتشفت فرق مكتب التحقيقات الفيدرالية الأمريكي حسابات وأرصدة مودعة في مصارف في أوروبا والكاريبي ودترويت وجيرسي سيتي وبروكلين والتي لها صلات بابن لادن. نزع القفازات بعد انفجاري شرق افريقيا, وحسبما يقول عملاء أمريكيون ينقل المؤلف عنهم: (نزعنا القفازات وانطلقنا وراء أسامة بن لادن عبر الفضاء الافتراضي) . ووقع الرئيس الأمريكي بيل كلينتون أمرا تنفيذيا يقضي بتجميد أي أرصدة أمريكية يمتلكها بن لادن وبدأ خبراء أمريكيون في تنفيذ هذا الأمر بصورة حرفية. هنا يدخل بنا سيمون ريف في متاهة البحث فيما يملكه بن لادن من دون أن يفلح في أن يقدم لنا صورة بعيدة عن التخبط السائد في هذا الصدد وليس فيها ما هو جديد. وربما في معرض التعويض عن هذا الفشل في الاتيان بجديد يكشف لنا المؤلف النقاب عن ان مكتب التصوير الوطني, ومقره في وزارة الدفاع الأمريكية, الذي ينسق جميع أنشطة الأقمار الصناعية الأمريكية ووكالة الأمن الأمريكية والذي كان أكثر اهتماما برصد صدام حسين عن طريق الاقمار الصناعية على ارتفاع أميال فوق بغداد, قد كثف نشاطه فوق قواعد بن لادن, ورصد مكالماته الهاتفية على امتداد ما يزيد على عامين, فمنذ تم الحصول على نسخة غير واضحة لشريط يتضمن خطبه التي كانت توزع هذه الطريقة في أوائل التسعينيات. وقد تم ادخال البصمة الصوتية لابن لادن, اي التسجيل الكمبيوتري لصوته في اجهزة الكمبيوتر العملاقة الممتدة وراء المقر الرئيسي لوكالة الامن الوطني الامريكية في فورت ميد بولاية مريلاند ومسحت اجهزة الاقمار الصناعية الاتصالات الهاتفية الصادرة عن أفغانستان طوال الوقت بحثاً عن أي شيء يطابق هذه البصمة وفي حالات عديدة تمكنت السي.آي.ايه ووكالة الأمن الوطني الامريكية من التقاط مكالمات بن لادن الهاتفية الشخصية, وذلك على الرغم من استخدامه لهاتف متصل بالقمر الصناعي (إنمارسات) ولجهازي تشويش الكترونيين صمما لتأمين سرية مكالماته. ويشير المؤلف الى أنه من سوء الطالع ان هذه الاسلحة الامريكية كانت مصممة لمحاربة اجهزة الكي.جي.بي الروسية المعقدة نسبياً خلال الحرب الباردة, وعلى الرغم من انها قد رصدت العديد من مكالمات بن لادن, الا ان الرجل كان حريصاً على عدم استخدام الهاتف بصورة منتظمة, وبالفعل فقد لجأ الى اصدار اوامره شخصياً أو عن طريق مبعوثيه, وقد أدى ذلك الى بطء معدل تنفيذ عملياته, ولكنه جعله كذلك رجلاً يستعصي تتبعه ورصده كلية تقريباً لأن الغرب كان يفتقر الى العنصر البشري المخابراتي على الأرض في أفغانستان. ويرسم المؤلف خريطة لتأثير ونفوذ بن لادن على ما يصنعه بالمنظمات الارهابية الدولية القوية, ويشير في هذا الصدد الى ما يلي: * في الجزائر: تدفق التمويل من بن لادن الى العديد من الجماعات, ولسنا ندري من اين يأتي بتوقع ان هذا التمويل منظم بشكل يجعله يواصل التدفق على امتداد عامين بعد اختطاف بن لادن الى امريكا. * في ايطاليا: ارتفع عدد عمليات القاعدة المحدودة بعد قصف مخيمات خوست, وظلت ايطاليا عنصرا مهما في تنظيم بن لادن العالمي لعدة سنوات. * في ألبانيا: احتلت مكانة مهمة في تطور ونمو القاعدة, حيث نشط فيها (العرب الافغان) وانطلقوا منها لمحاربة الصرب في مختلف ارجاء البلقان, وعلى الرغم من جهود السي.آي.ايه للتصدي لهم واعتقال بعضهم, الا انهم كانوا حتى ربيع 1999 لا يزالون يواصلون نشاطهم هناك. * في فرنسا والمانيا وسويسرا واسبانيا وهولندا وبريطانيا تواصلت انشطة رجال القاعدة في هذه الدول على الرغم من الضربات التي وجهتها اليها اجهزة الامن المعنية. المستقبل يفلح المؤلف في استقطاب اهتمامنا حقاً, عندما ينتقل ليطلعنا على تصوره لمستقبل بن لادن. ومن منظور سيمون ريف فإن مستقبل الرجل كالح, فهو يرى انه ليس بمقدوره البقاء الى الأبد في أفغانستان وان العملاء والمرتزقة الغربيين العاملين سراً انطلاقاً من قواعد في بيشاور بباكستان الى اعتقاله او قتله. وهو يرى ان السؤال الوحيد المطروح في هذا الصدد هو: كم من الضرر سيلحقه بن لادن بالغرب قبل ان يحين اوان حدوث ذلك وهل يمكن اطفاء النيران التي أشعلها في العلاقات الغربية ـ الاسلامية وينقل عن العديد من الشخصيات الاسلامية البارزة اعتقادها اننا نشهد بداية مرحلة جديدة في النضال فحسب. ويقول دكتور حسن الترابي في هذا الشأن: (لقد جعلوا من أسامة بن لادن بطلاً, ورمزاً للاسلام بالنسبة لكل الشباب في العالم الاسلامي بأسره, وحتى اذا وصلوا إليه وقتلوه, فسوف يوجدون آلافا من أبناء بن لادن) . ويقر سيمون ريف بأن ما يقوله دكتور الترابي يصيب كبد الحقيقة, فقتل بن لادن من شأنه ان يولد رد فعل كارثيا من جانب أنصاره وهو يبني قوله هذا على أساس انه على الرغم من ان الصلات بين القاعدة والمنظمات المتشددة الأخرى غامضة ولا تقوم الا على اساس عريض من الافكار العقيدية المشتركة والرفض للاعتداءات الامريكية والغربية عامة, الا انه لا شك في قوة التأييد الذي يتمتع به بن لادن. ولكن ما الذي سيترتب على هذا من الناحية العملية؟ ما الذي يمكننا توقعه لو ان بن لادن تعرض للاغتيال او للاختطاف؟ في معرض الرد يذكرنا المؤلف بأن هناك العديد من أنصار بن لادن الذين يعيشون احراراً في الغرب, ومن هنا فليس عجيباً ان يقول مارفن سيترون وهو خبير في مكافحة الارهاب ومؤلف تقرير (ارهاب 2000) السري الذي اعد للبنتاجون ان (السبب في أننا لا نتحدث عن العملاء النائمين هو ان ذلك من شأنه ان يثير الفزع في نفوس الناس, وقد يكون هناك الكثير من مثل هؤلاء العملاء الذين لا نعرف عنهم شيئاً) . هكذا فإن قتل بن لادن هو امر خطير تماماً كالسماح له بأن يظل على قيد الحياة, وايا كان ما سيعتمده الغرب في نهاية المطاف فإن اقصى طموح له هو ان يفلح في الحيلولة دون وقوع المزيد من الهجمات التي توصف بالارهابية, وبينما من المؤكد ان رجال الأمن ومسئولي تنفيذ القانون في مختلف دول العالم قد أفلحوا في الحيلولة دون وقوع العديد من العمليات منذ انفجاري شرقي افريقيا, فإنه ليس هناك ما يضمن ان يكونوا محظوظين في كل مرة. ويشير سيمون ريف الى ان هناك العديد من العوامل التي تعمل لصالح مجموعة بن لادن غير أنه يشدد على عاملين محددين: * أولاً: طبيعة هيكل هذه المجموعة وبنيتها, فأيا كانت سرعة المحققين في الكشف عن اصرار مجموعة بعينها من مجموعات القاعدة والحركة الاسلامية العالمية فإن اخرى ستحل محلها لأنه من المستحيل احتواء تنظيم من هذا النوع يقوم على قاعدة عريضة وليس له هيكل قيادة صلب يمكن تحطيمه. * ثانياً: حجم قاعدة التأثير التي تتمتع به, ذلك ان بن لادن كان لديه الآلاف من المقاتلين المدربين قبل ان يقع الهجوم الصاروخي الامريكي على قواعد خوست ولكن بعد ذلك تدفق فيض من المتطوعين على قواعد بن لادن لتلقي التدريب. اذن, فما الذي يتعين على الغرب القيام به في مواجهة خطر من هذا النوع؟ ما هي الخطوة التالية التي يمكن توقعها من بن لادن؟ هنا ينتقل سيمون ريف الى جانب مهم يصب في اطروحته الرئيسية التي انطلق لتأكيدها عبر الكتاب بأسره فهو يحذر من ان الخطر الكبير والفوري هو طموح بن لادن المارق نفسه وبصفة خاصة رغبته في شن هجمات ارهابية كبرى على الغرب. ما الذي يعنيه هذا بالضبط؟ وما هي طبيعة العمليات التي يتوقعها المؤلف ويحذر منها؟ إن المؤلف لا يتركنا كثيراً للتساؤل, وانما هو يرد, على الفور تقريباً, مشيراً الى ان بن لادن قد تابع بتصميم البحث عن امكانية امتلاك اسلحة الدمار الشامل منذ بداية مرحلته السودانية في عام 1991. ومن الطبيعي ان القارئ سيطرح السؤال المنطقي وهو: ما هو الدليل على هذه النتيجة التي يقفز اليها سيمون ريف؟ مرة ثانية يرد المؤلف على هذا السؤال مباشرة, ولكن الاجابة هذه المرة لن تأتي على لسانه وانما على لسان بيتر بروبست الذي يصفه المؤلف بأنه خبير في الارهاب بوزارة الدفاع الامريكية, حيث يقول هذا الاخير (من منظوري الشخصي يبدي بن لادن الكثير من الاهتمام بالحصول على اسلحة الدمار الشامل, ولديه من المال ما يشتريها به) وبمساعدة من مجموعة من كبار مساعديه ومن المهندسين والفيزيائيين الذين تلقوا تعليمهم في الغرب والمنتمين الى الحكومة السودانية عكف بن لادن على انتاج القنبلة النووية. ولكن الا يذكرنا هذا الكلام بشيء؟ الا يعيد إلينا اصداء الهراء الفارغ والكذب الصارخ الذي قيل عن ان مصنع الشفاء هو مصنع لانتاج الأسلحة الكيماوية؟ بلى, ولكن ما من شيء فيما يبدو يردع مؤلف كتابنا عن المضي قدماً في محاولة جعلنا نبتلع حكاية أسلحة الدمار الشامل هذه, بل انه لا يتردد في أن يقدم لنا ما يمكن ان نصفه بأنه تاريخ محاولات بن لادن وضع يده على أسلحة الدمار الشامل. فدعنا نحاول التوقف عند المحطات الرئيسية في هذا التاريخ المزعوم, حيث نجد لدينا ما يلي: * بدأت اول محاولة جدية قام بها بن لادن للحصول على اسلحة التدمير الشامل في اواخر عام 1993 عندما تردد انه وافق على خطة قدمها له العديد من اعضاء القاعدة وتقضي بالسعي الى شراء صاروخ كامل او يورانيوم مخصب من الاتحاد السوفييتي السابق, حيث حاول احد كبار مساعدي بن لادن لقاء مسئولين في ثلاث من دول آسيا الوسطى لهذا الغرض, وقد ادى هذا الى تحرك اسرائيلي نشط للقضاء على هذا المشروع. * اجريت محاولات لشراء ما يعرف بـ (الحقائب النووية) وهي عبارة عن قنابل نووية تكتيكية طورت خلال الحرب الباردة, ويتردد ان من شأن تفجيرها ان ينسف كل شيء في دائرة نصف قطرها 250 متراً, ولا يتردد مصدر يغفل عنه المؤلف في القول ان مسئولين في القاعدة او ربما في طالبان قد حصلوا في فريق 1998 على عدد من هذه الحقائب ونقلوها الى مجمع طالبان الرئيسي الآمن قرب قندهار. * من المعتقد ان بن لادن قد حصل على بعض الاسلحة الكيماوية والبيولوجية, وينقل المؤلف عن مصادر في المخابرات البريطانية تأكيدها ان القاعدة قد حصلت على وسائط قاتلة كالجمرة الخبيثة وفيروسات اخرى قاتلة من معمل في جمهورية التشيك مقابل سبعة آلاف وخمسمئة دولار للعينة الواحدة. * المشكلة الحقيقية هي الحاجة الى الوسائل التقنية المتقدمة الكفيلة باطلاق هذه الاسلحة, ومن هنا يجيء ما يشير اليه المؤلف من وجود (صلة عراقية) حيث ابتداء من اوائل التسعينيات عندما حقق دكتور حسن الترابي اتصالا بين بن لادن ومسئولين متنفذين من المخابرات العراقية, وهو لا يتردد في القول أن أسامة بن لادن بدأ في حشد رجاله تأييداً للعراق اعتباراً من نهاية عام ,1998 وفي اوائل 1999 بدا واضحاً ان الخلافات القديمة بين العراق والكوادر الاسلامية قد نحيت جانباً بهدوء وان المئات من كوادره تلقوا تدريباً على أرض العراق وانه في صيف 1998 انتقل أبو نضال وخمسون من كوادره الى بغداد وهكذا فإن مزيجاً من كوادر بن لادن وأبو نضال والكوادر العراقية يشكلون الآن خليطاً متفجراً يمكن ان ينفجر في وجه الغرب في أي وقت. عرض ومناقشة: كامل يوسف حسين

Email