أبناء آوى الجدد 3 ، تأليف: سيمون ريف ،عرض ومناقشة: كامل يوسف حسين

ت + ت - الحجم الطبيعي

الصدفة أنقذت البابا من الاغتيال لست أشك في ان هناك من القراء من سيبادر الى الاحتجاج متسائلا: ها أنت توشك على مناقشة الفصل الرابع من كتاب سيمون ريف من دون أن يفتح الله عليك أو على المؤلف بكلمة واحدة عن أسامة بن لادن فهل تعتزمان جعلنا نأكل البالوظة أيضا هذه المرة؟ ألم تقل إن هذا الكتاب الثاني في المكتبة الغربية عن بن لادن؟ فأين هو؟ أم تراك ستقدم لنا المفاجأة نفسها هذه المرة التي سبق أن قدمتها في حالة كتاب يوسف برودسكي عن بن لادن والذي تبين انه ليس عن بن لادن ولا من يحزنون وإنما هو أقرب إلى كتاب عن دكتور حسن الترابي؟ ما الحكاية بالضبط؟ وفي معرض الرد نقول إن ناقل الكفر ليس بكافر, واننا هنا لا نقوم مقام المؤلف, وإنما نناقش أفكاره, ونغربلها ونفرزها مسلمين بالوعي وبالحد الأدنى من المعلومات المتاح لنا حول الموضوعات التي يناقشها. وربما لهذا, بالضبط, فإننا نشارك القارئ تساؤله عما إذا كان الكتاب بكامله يدور حول رمزي يوسف بينما بن لادن يحتل الهامش وحده بحكم افتقار المكتبة الغربية - حتى الآن - إلى تحليل متماسك حول الظاهرة التي يمثلها الرجل. مع ذلك, وللإنصاف, فإن سيمون ريف يظل لديه ما سيقوله, ولسوف نرى في موضوع لاحق ان هناك نقاط تقاطع عديدة بين الرجلين. وما يعنينا في حقيقة الأمر هو أطروحته الأساسية عن بروز جيل جديد مختلف من رجال الحركة السياسية ضد الغرب يقطع الشوط كاملا وصولا إلى العنف المطلق, الذي يتنبأ المؤلف بأنه سيأخذ شكل احتكام هؤلاء الرجال إلى أسلحة الدمار الشامل. مؤامرة بوجنكا أيا كان الأمر, فإن المؤلف ينقل عن مصادر المخابرات الباكستانية اعتقادها ان عددا من كبار ممثلي بن لادن, الذي كان في تلك الفترة يمر بمرحلته السودانية ويقيم في الخرطوم, قد طلبوا من رمزي يوسف السفر إلى الفلبين لمساعدة مجموعة (أبوسياف) وهي مجموعة إسلامية تعمل في الجنوب الفلبيني في اطار مطالبة المسلمين هناك بدولة مستقلة في أرخبيل مندناوا, وقد وافق على ذلك باعتبار انه سبق أن سافر إلى الفلبين مرارا قبل تفجير المركز التجاري العالمي, وله صلات عديدة هناك. ودع يوسف زوجته وأصدقاءه, وطار من باكستان إلى ماليزيا, ومنها بحرا إلى مدينة زامبوانجا في جنوبي الفلبين, ومنها بالعبارة عبر رحلة تستغرق ساعة ونصف الساعة إلى قاعدة مجموعة (أبوسياف) السرية في جزيرة باسيلان الصغيرة في بحر سولو على بعد 550 كيلو مترا إلى الجنوب من مانيلا. ليست باسيلان وزامبوانجا إلا جزءا من اقليم مندناو وأرخبيل سولو الذي يضم بدوره أكثر من ثلث جزر الفلبين البالغ عددها سبعة آلاف جزيرة, وهو يشكل المنطقة التي ضرب الإسلام جذوره فيها بقوة منذ القرن الرابع عشر الميلادي, قبل وقت طويل من الغزو الاسباني للجزر ووصول المبشرين الجزويت في عام 1872. وعلى الرغم من تاريخ المسلمين العريق هذا في الفلبين فقد ظلوا أقلية مضطهدة تقتصر على الجنوب, بينما يهيمن المسيحيون على الحكومة والبرلمان في مانيلا والشمال. وقد اعتقد أسامة بن لادن ان انتفاضة مسلحة في الجنوب يقودها أبوسياف وآلاف من المجاهدين يمكن أن تؤدي إلى اقامة دولة إسلامية في الجنوب الفلبيني, ومن هنا بذل ممثلوه جهودا في تمويل (أبوسياف) وتوسيع نطاق مجموعته. من هنا بالضبط جاء دخول رمزي يوسف على الخط, فقد طلب منه تدريب رجال مجموعة (أبوسياف) على عمليات التفجير باستخدام التقنيات المتقدمة, وهكذا أمضى أسابيع عديدة متنقلا في الأجزاء الجبلية القاحلة من الجزيرة, متفقدا عمليات تدريب على الأسلحة الصغيرة, وعاكفا على تدريب مجموعة مؤلفة من 20 رجلا على تعلم مهاراته الفذة في صنع القنابل. وينقل سيمون ريف عن أحد كبار المحققين الأمريكيين ان مجموع (أبوسياف) كانت قبل وصول رمزي يوسف مجموعة من الهواة, وان أموال بن لادن وخبرة رمزي يوسف تكفلت بتحويلها إلى مجموعة مقاتلة على قدر كبير من الكفاءة. وفي سبتمبر 1994 انتقل رمزي يوسف إلى مانيلا تحت اسم آدم علي قاسم. وفي غضون شهرين كان قد جمع حوله مجموعة مؤلفة من 23 رجلا, ليبدأ المرحلة التدميرية التالية من حياته العملية. إن جوهر هذه المرحلة هو ما أطلق عليه رمزي يوسف الاسم الرمزي (مؤامرة بوجنكا) وكلمة (بوجنكا) هي كلمة صربية - كرواتية معناها (التفجير) . ويوضح المؤلف ان الرجل عقد عزمه على نسف الطائرات الغربية المحلقة في سماء المحيط الهادي باعداد كبيرة وبصورة متزامنة بما يودي بحياة الآلاف ويؤدي إلى شل صناعة الطيران والسفر الغربية. ولكن كيف السبيل إلى تحقيق ذلك؟ الكأس المقدسة يشير سيمون ريف إلى ان رمزي يوسف صمم على ان يضع يده في هذه المرحلة على ما يعرف بـ (الكأس المقدسة) والمقصود بها نوعية من القنابل صغيرة الحجم, دقيقة الصنع, يمكنها نسف طائرة محلقة, من دون أن ترصدها أجهزة أمن المطارات. وقد حاول كثيرون قبله الوصول إلى هذه القنبلة - المعجزة, وفشلوا, ولكن رمزي يوسف كان يراهن على خبرته التقنية التي يمكن أن ندرك أبعادها إذا عرفنا ان العبوة الناسفة التي استخدمها في تفجير المركز التجاري العالمي في نيويورك لم تستخدم من قبل إلا مرة واحدة في 73 ألف عملية تفجير مدرجة في سجلات مكتب التحقيقات الفيدرالية, بل ان رجال هذا المكتب يقرون بعبقريته في عالم التفجير والمتفجرات ومن هنا لم يكن غريبا أن يقول عنه نيل هرمان قائد فريق التحقيق في عملية نيويورك (من المؤكد انه سيدرج في قمة قائمة رجال التفجير في كل العصور) . وهكذا عكف على دراسة المراجع التي كان قد اختلسها من المكتبات في سوانس ببريطانيا قبل خمس سنوات, لكي يصل إلى قنبلة دقيقة للغاية يمكن تمريرها إلى الطائرات من دون أن ترصدها أجهزة الأمن. كانت فكرته الأساسية هي انتاج شكل ثابت من النتروجلسرين السائل, وهو المكون المتفجر في مادة التي. ان. تي المتفجرة, وقد أفلح في تحويل ساعة رقمية إلى جهاز توقيت واخفاء النتروجلسرين السائل في عدسات لاصقة يثبتها قماش قطني واستخدام بطاريتين من فئة تسعة فولت تزود شعيرات اضاءة خفيفة بالطاقة واعطاء شرار الانفجار. كان من الممكن تمرير كل أجزاء هذه القنبلة من أدق أجهزة الرصد في المطارات بدون استخدام اشعة اكس من دون رصيدها باستثناء البطاريتين, وهكذا عمد رمزي يوسف إلى وضع كل بطارية في تجويف بكعب حذائه. واستغرق الاعداد عدة أسابيع وتمت تجربتها بنجاح وحشي في إحدى دور السينما بمانيلا. ولكن قبل أن يمضي رمزي يوسف في مؤامراته قدما اتصل به مبعوثون من بن لادن, حسبما يؤكد المؤلف, في أواخر ,1994 طالبين منه العمل على انجاز مهمة جديدة هي اغتيال الرئيس الأمريكي بيل كلينتون الذي كان من المقرر أن يزور الفلبين في 12 نوفمبر 1994. ولكن كيف يمكن القيام بمهمة على مثل هذا القدر من التعقيد والصعوبة الذي يصل إلى حد الاستحالة؟ مرة أخرى يشير سيمون ريف, ومن دون أن يورد مصدرا محددا لمعلوماته هذه المرة إلى ان رمزي يوسف فكر, في البداية, في محاولة اغتيال كلينتون باستخدام صاروخ أو متفجرات يتم بثها في مكان ما من مسيرة موكبه, بل انه بحث امكانية استخدام صاروخ أمريكي من طراز (ستنجر) الذي يطلق من الكتف اما لاسقاط طائرة كلينتون خلال هبوطها أو بتوجيه الصاروخ إلى موكبه مباشرة. وتمت كذلك دراسة استخدام غاز الفوسجين وهو سلاح كيماوي أقوى بعشرين مرة من غاز الكلورين الذي سبب 70% من الخسائر البشرية في معارك الحرب العالمية الأولى والذي يقتل ضحيته عن طريق اصابة الرئتين بالشلل. وللمرة الأولى في حياة رمزي يوسف المهنية أقر بأن هناك ضوابط وحدودا لما يمكن له انجازه, ووصل إلى ان البيئة الأمنية المحيطة بكلينتون ستكون أكثر تعقيدا من أن تسمح بتنفيذ أي خطة يضعها. ومن ثم عاود التركيز على خطته الأصلية وهي (مؤامرة بوجنكا) . غير انه خلال عكوفه على القنبلة الدقيقة في محاولة لزيادة قدراتها التفجيرية, تناثر مقدار صغير من الحمض على وجهه ليشوه جلده, وعلى الفور طار إلى باكستان, ربما لتلقي العلاج, وربما للقاء بعض شركائه غير انه لم يبق هناك إلا أياما قلائل عاد بعدها إلى مانيلا. في سماء أوكيناوا يواصل المؤلف رحلته, وكان تحر ذكي يرصد ضحيته, فها هو يتابع رمزي يوسف وهو يستأجر شقة في مبنى دونا جوزيف السكني الكائن في 711 شارع الرئيس كيرينو في مانيلا. وفي اليوم التالي أبرز جواز سفر ايطاليا غير جواز السفر المغربي الذي استأجر به الشقة لكي يشتري بطاقة سفر على متن طائرة فلبينية متجهة إلى سيبو في جنوب الفلبين, زاعما انه عضو في البرلمان الايطالي يدعى ارمالدو فورلاني وانه يقوم بزيارة للفلبين. بعد يومين مرر رمزي يوسف أغراضه عبر آلات الرصد بأشعة اكس في مطار مانيلا من دون أن يرتجف له جفن, وهو يدوس بثقة على كعبي حذائه حيث يضم تجويفان بطاريتين من قوة التسعة فولت, واستقل الطائرة الفلبينية التي تحمل رقم الرحلة 434 إلى سيبو وجلس أولا في المقعد الخلفي رقم 35 اف ثم سأل المضيفة عما إذا كان بمقدوره الانتقال إلى المقعد 26 كي بحجة انه يتيح له مجال رؤية أكبر. وفي منتصف الطريق انتقل إلى دورة المياه بالطائرة ونزع كعبيه, واستخرج البطاريتين وقام بتركيب القنبلة الصغيرة في دقائق قلائل. وعاد إلى مقعده, وانتظر إلى أن انشغلت المضيفة بتوزيع وجبات خفيفة على الركاب, ثم انحنى ودس القنبلة الصغيرة بسرعة في سترة النجاة الموضوعة تحت مقعده, وانطلقت الطائرة إلى مطار ماكتان في سيبو, حيث غادرها رمزي يوسف لتواصل الانطلاق في المرحلة الأخيرة من رحلتها إلى مطار ناديتا غير بعيد عن طوكيو. بعد ساعتين حلقت الطائرة إلى ارتفاع عشرة آلاف متر فوق جزيرة مينامي دايتو في مقاطعة أوكيناوا اليابانية, وجلس في المقعد الذي كان يحتله رمزي يوسف المهندس الياباني هاروكي ايكيجامي عائدا إلى بلاده من سيبو التي قام بتركيب بعض الماكينات فيها لحساب الشركة التي يعمل بها. في الساعة الحادية عشرة والدقيقة الثالثة والأربعين, بالضبط, انفجرت قنبلة رمزي يوسف الدقيقة فمزقت نصف ايكيجامي السفلى وأوشكت على شطر جسمه إلى شطرين, وأحدثت حفرة صغيرة في أرضية قمرة الركاب وفرقت الأسلاك المصنوعة من مادة الايلرون التي تكفل السيطرة على جنيحات الطائرة. وفي المقعد الواقع خلف ايكيجامي أصيب الراكب يوكيهيكو يوسوي بحروق وشظايا في النصف السفلي من جسمه. وفي أقل من دقيقة توقف نبض ايكيجامي ولفظ أنفاسه الأخيرة, وبمعجزة تمكنت الطائرة من الهبوط اضطراريا في مطار تاها في أوكيناوا بعد ان تخلصت من خزانات وقودها, وهبط منها يوسوي الذي سيستغرق علاجه أربعة أشهر كاملة وأربعة ركاب يابانيين وراكب كوري أصيبوا في الانفجار اصابات بليغة. أما باقي الركاب البالغ عددهم 272 راكبا وطاقم الطائرة البالغ قوامة 20 شخصا فإنهم لم يصدقوا انهم كتبت لهم النجاة من الانفجار الأول منذ خمس سنوات الذي يقع على متن طائرة, والذي ترك لأجهزة الأمن اليابانية أن تضرب أخماسا في أسداس وهي تحاول سبر أغوار الغارة. وفي غضون ذلك كان رمزي يوسف يتصل بوكالة أسوشيتدبرس في مانيلا ليعلن مسئولية مجموعة (أبو إياد) عن الانفجار. نفر اسمه أوكلاهوما لا يتردد في أن يضع موضع التساؤل ما توصلت إليه أجهزة الأمن الأمريكية من مسئولية تيموثي ماكفي الذي حكم عليه بالاعدام عن تفجير مبنى الفريد مورا الاتحادي في أوكلاهوما في 19 ابريل 1995 والذي أسفر عن مصرع 198 شخصا وجرح 600 غيرهم. ولا يتردد في القول ايضا انه قد تكون هناك صلة بين عملية التفجير هذه وبين رمزي يوسف. كيف؟ وعن أي طريق؟ وما الدليل على هذه الصلة؟ يحرص سيمون ريف على تذكيرنا بالمتهم الاخر في القضية, وهو تيري نيكولوس, ويقول ان ستيفن جونز كبير المحامين المشاركين في هيئة الدفاع عن ماكفي هو الذي كشف عن وجود صلة بين نيكولوس ورمزي يوسف, وذلك على الرغم من ان بعض محققي مكتب التحقيقات الاتحادي الامريكي يقولون ان هذه ليست الا مناورة من جونز لالقاء العبء على اخرين غير موكله. ويقر المؤلف بأنه ليس هناك دليل مؤكد يربط رمزي يوسف بانفجار اوكلاهوما وان كان هناك العديد من الادلة الطرفية, والحكاية هي ان تيري نيكولوس قد تزوج من خلال المراسلة, بإمرأة فلبينية تدعى ماريفي وتوجه لزيارة اقربائها في الفلبين وان تلك كانت المرحلة التي التقى فيها برمزي يوسف وتلقى فيها منه توجيهات حول عملية التفجير. ويقول سيمون ريف انه من المؤكد ان الرجلين يمكن ان يكونا قد التقيا وتعاونا فقد كانا معا في سيبو في الوقت نفسه اي نوفمبر ـ ديسمبر 1994 ولاتزال اسئلة عديدة تحيط بأنشطة نيكولوس في الفلبين حتى اليوم. وينقل المؤلف عن المحامي ستيفن جونز اعتقاده بأن الحكومة الامريكية قد حاولت اخفاء الادلة على التورط الاجنبي في تفجير اوكلاهوما, وذلك باعتبار انها لم يكن بمقدورها ان تقول انه في عملية مثل هذه اسفرت عن مصرع 168 شخصا 19 منهم من الاطفال تحت سن السادسة وثمانية منهم من رجال الامن الاتحاديين لم يكن بوسع السلطات الاكتفاء بالقول انها لم تستطع التوصل الى الحقيقة او اعتقلت بعضا من الجناة, وانما كان عليها اعلان انها اعتقلت كل الفاعلين. البابا والصدفة بعد ان اقر رمزي يوسف بعجزه عن اغتيال كلينتون في ضوء شبكة الامن المعقدة التي تحيط به, اتجه الى اغتيال البابا يوحنا بولس الذي كان من المقرر ان يزور مانيلا في منتصف يناير 1995. وقد استخدم رمزي يوسف شبكة اتصالاته لشراء كميات من المتفجرات والمواد الكيماوية تحت اسم دكتور عادل صباح وكذلك باسم دكتور بول فيجاي وصفه ممثل لشركة كيماويات, واستأجرا دارا مطلة على الشاطىء قرب مانيلا لتدريب رفاقه على الاستعداد للقيام بهجوم انتحاري, بل انه ارسلهم لشراء العديد من الادوات, ومن بينها صور للبابا يوحنا بولس الثاني للتعرف علىه باعتباره هدف الهجوم. غير ان اغتيال البابا كان عملا اكثر تعقيدا مما يتصور الكثيرون, ومن هنا لم يكن عجيبا ان يقول بعض المحققين الامريكيين ان رمزي يوسف زار في اواخر ديسمبر 1994 شركة متخصصة في تأجير الطائرات في ضواحي مانيلا, واستفسر عن امكانية استئجار طائرة صغيرة, وكانت فكرته فيما يبدو هي جعل صديقه مراد الذي تدرب على قيادة الطائرات ويحمل رخصة امريكية يحلق بالطائرة فوق الطريق الذي سيشقه موكب البابا والقاء قنابل عليه, غير انه ادرك ان من غير المحتمل ان تشق هذه الخطة طريقها الى التنفيذ عندما اكتشف ان السلطات الفلبينية تخطط لحظر الطيران فوق قلب مانيلا في فترة اقامة البابا بها. ويقول المحققون الامريكيون انه ربما كان هناك سبب اخر دفع رمزي يوسف الى الغاء خطة استخدام الطائرة, وهو انه كان يدخر صديقه لخطة اخرى هي استخدام طائرة لمهاجمة مقر السي.اي.ايه في لانجلي بطائرة خفيفة محملة بالمواد الكيماوية اما بالانقضاض المباشر على المقر في هجوم انتحاري على طريقة الطيارين اليابانيين خلال الحرب العالمية الثانية المعروفين باسم (الكاميكازي) او بنثر الغازات في منطقة المقر بأسرها. وفي السادس من يناير 1995 كانت استعدادات رمزي يوسف لاغتيال البابا بهجوم هائل تمضي على قدم وساق, واستعد للبدء في تصنيع المزيد من القنابل, وعكف مع مراد في شقتهما بمبنى دونا جوزيف في مانيلا على خلط المواد الكيماوية وتسخينها لاعدادها في آنية مزج مخصصة لذلك الغرض. كانت تلك مرحلة دقيقة من العمل التنفيذي, فقد كان يمكن للمواد الكيماوية في حالتها الخام ان تنفجر او تشتعل او تصدر ابخرة سامة, وعلى الرغم من مهارة رمزي يوسف فقد حدث خطأ كبير من نوع ما وفي الدقيقة الاربعين بعد الساعة العاشرة من مساء السادس من يناير 1995 شبت نيران محدودة في الغرفة التي تتألف منها الشقة الصغيرة, والتهمت السنة اللهب المنطقة المعدة للطبخ من الغرفة, فردت الرجلين على اعقابهما وبدأ دخان سام في التصاعد الى السطح, فقد راح يشتعل ذلك المزيج من المواد الكيماوية المعروف باسم (خميرة الساحرات) . من حسن حظ رمزي ومراد ان انفجارا لم يحدث يمزقهما اربا, ولكن في الوقت نفسه ذهبت محاولتهما للتخلص من الدخان عبثا, وفتح يوسف النافذة والتقط هاتفا نقالا وانطلق يعدو مع مراد الى الدهليز مغلقين الباب وراءهما ونجحا في التخلص من رجل الامن بالمبنى الذي اصر على الدخول لكنهما لم يستطيعا اقناعه بعدم الاتصال برجال الاطفاء. اقبل فريق الاطفاء ومن بعد فريق الامن استغرق اطفاء الحريق عشر دقائق لكن رجال الامن لم يستغرقوا الا ثوان معدودات ليعرفوا انهم امام حالة تستعدي وصول رجال امن الدولة, على حين اختفى رمزي ومراد ليلتقيا حسب الاتفاق بينهما في ناد للكرواكي غير بعيد عن المبنى الذي يقيمان فيه. واقنع رمزي مراد بالعودة لالتقاط الكمبيوتر النقال الذي تركاه وراءهما والذي كان يضم كنزا ثمينا من المعلومات يتحول الى شيء شديد الخطورة اذا لم يسترداه, ولكن بعد ان بدأ في اعداد حقيبة تضم اهم ما ينبغي انقاذه وقع في ايدي رجال الامن الذي بادروا الى ضمه الى كنزهم الثمين من المعلومات الذين لم يصدقوا عيونهم لدى رؤيته. استطاع كبير المفتشين (تاس) من الشرطة الوطنية الفلبينية الاستعانة بخبراء في الكمبيوتر ان يخرج بملف (مؤامرة بوجنكا) الذي اودعه رمزي في ملف الكمبيوتر والذي يدور حول خطة قاربت على ان تعطي ثمارها ينفذها خمسة رجال, باستخدام القنابل الدقيقة لنسف احدى عشرة طائرة في سماء المحيط الهادي, مما يمكن ان يؤدي الى مصرع اربعة الاف شخص وشل حركة الطيران والسفر العالمية, واعطى لكل رجل من الرجال الخمسة اسما رمزيا لتنفيذ عملية مزدوجة على النحو التالي. 1 ـ مرقص: كان عليه ان يضع قنبلة على متن طائرة اليونايتد ايرلاينز من مانيلا الى سيئول ويغادر الطائرة في كوريا الجنوبية بينما تواصل الطائرة رحلتها من سيئول الى سان فرانسيسكو لتنفجر فوق المحيط الهادي ويضع مرقص كذلك قنبلة اخرى على متن طائرة دلتا المتجهة من سيئول الى تايبيه تنفجر في المرحلة التالية من الرحلة خلال الانطلاق الى بانكوك ولكن بعد ان يغادرها مرقص في تايبيه. 2 ـ ماركوا: كان عليه وضع قنبلة على متن طائرة النورثوست ايرلاينز من مانيلا الى طوكيو ثم يغادرها لتنفجر وهي في طريقها الى شيكاغو وفي غضون ذلك يكون قد ركب طائرة للشركة نفسها من طوكيو الى هونج كونج ليضع فيها قنبلة تنفجر وهي في الطريق الى نيويورك بعد ان يكون قد ترجل منها في هونج كونج. 3 ـ عبير: يتعين عليه وضع قنبلة على متن طائرة اليونايتد ايرلاينز من سنغافورة الى هونج كونج لتنفجر في منتصف طريقها الى لوس انجلوس, وعليه ان يركب طائرة اليونايتد ايرلاينز من هونج كونج الى سنغافورة ويضع قنبلة تنفجر في طريق العودة الى هونج كونج وعليه ان يسافر مباشرة من سنغافورة الى باكستان. 4 ـ مجبوس: عليه السفر من تايبيه الى طوكيو على متن طائرة اليونايتد ايرلاينز ويضع قنبلة تنفجر خلال رحلة الطائرة الى لوس انجلوس, ثم يسافر من طوكيو الى هونج كونج ويضع قنبله على متن طائرة في طريقها من طوكيو الى نيويورك. 5 ـ زيد: عليه القيام بالمهمة الاكثر صعوبة, حيث يتعين عليه الطيران على متن طائرة النورثوست الى سيئول ويضع قنبلة تحت مقعد ويترجل من الطائرة, وتنفجر القنبلة بينما الطائرة في طريقها الى لوس انجلوس, ويقوم زيد, وربما كان هذا هو الاسم الرمزي لرمزي يوسف, في غضون ذلك بمواصلة الطيران الى تايبيه على متن طائرة اليونايتد ايرلاينز ويضع قنبلة تنفجر خلال رحلة الطائرة من تابيبه الى هونولولو, ثم يسافر الى بانكوك على متن طائرة اليونايتد ايرلاينز بعد ان يبث قنبلة تنفجر بينما الطائرة في طريقها الى سان فرانسيسكو, الامر الذي يترك له الكثير من الوقت يسافر خلاله من بانكوك الى كراتشي. ولكن ما الذي فعلته اجهزة الامن العالمية بعد ذلك؟ كيف تحرك الامريكيون؟ هل يفلت الطائر الناري من الشبكة الجهنمية مجددا؟ ام يقع في الشرك هذه المرة؟

Email