د. عصام البشير أحد قيادات الاخوان المسلمين بالسودان لـ (البيان)، البشير رجل المرحلة وابتعاد الترابي من مصلحة السودان

ت + ت - الحجم الطبيعي

قال الدكتور عصام الدين البشير احد ابرز قيادات الاخوان المسلمين في السودان في حوار اجرته معه (البيان) ان اتفاق جيبوتي بين حزب الامة المعارض والحكومة يمثل خطوة متقدمة في اتجاه الوفاق الشامل لكنه لايعد بديلا للمبادرة المصرية الليبية ويجب ان يوسع ليشمل بقية القوى السياسية حتى يكتب له النجاح واوضح ان احزاب التوالي السياسي تعاني من الضعف ولايمكن ان يعول عليها لاثراء الحياة السياسية. وشبه تجربة المؤتمر الوطني الحاكم والصراع الدائر بين الرئيس السوداني عمر البشير وحسن الترابي امين عام المؤتمر الذي حسم لصالح الاول بتجربة الحزب الشيوعي ابان فترة الاتحاد السوفييتي والذي عانى كثيرا من الصراع بين سكرتارية الحزب ومجلس السوفييت الاعلى. والى نص الحوار: * خطوات الوفاق بعد لقاء جيبوتي اعقبها تطورات جديدة على رأسها توحيد القيادة وحل البرلمان وتعليق بعض مواد الدستور كيف تنظر لهذا الاتفاق الذي رفضته المعارضة؟ ـ اولا اعتقد ان اتفاق جيبوتي يمثل خطوة متقدمة في الاتجاه الصحيح ويشكل خطوات عملية نحو الوفاق الشامل وان الضجة التي احدثتها بعض فصائل المعارضة ليس لها ما يبررها وارى ان منطلقات الحوار والوفاق لاتختلف ومقررات التجمع المعارض. المطلوب الآن استكمال بقية الحلقات المتمثلة في الاتصال بمحمد عثمان الميرغني زعيم الحزب الاتحادي الديمقراطي ورئيس التجمع المعارض وتعميم الاتفاق ليصبح اطارا جامعا لنظرة متكاملة نحو القضايا الكلية والحل الشامل. المعارضة هي اصناف منها ما اعلن رفضه بشكل قاطع للاتفاق مثل جون قرنق قائد التمرد في الجنوب واعتقد انه يتحرك تبعا لاجندة اخرى تمهد للتدخل الاجنبي وتدويل الشأن السوداني وتضع اسفينا لتفتيت وحدة السودان وبالنسبة لليسار اعتقد انهم لايتحمسون كثيرا لانهم يعتبرون ان رصيدهم من الوفاق داخل السودان يشكل كسبا ضئيلا ولا يتوقع ان يكون لهم اثر في مستقبل الحياة السياسية وبالتالي فهم لايتحمسون لمثل هذا الوفاق. ولذلك فان الخطوات التي اتخذتها الحكومة ايجابية وبناءة ومتسارعة وان الجهد الذي بذله حزب الامة كان ايضا موازيا لهذه الخطوات مما ساعد على بناء موقف وجد تأييدا واسعا من بقية القوى السياسية والاتفاق الذي ترتب عليه اتفاق وجد ترحيبا من المعارضة وفصائلها بالداخل وتأييدا دوليا متعاظما ولعل استكمال الخطى من خلال المبادرة المصرية الليبية وتحقيق المؤتمر الجامع لكل القوى لمناقشة القضايا المختلفة ينبغي ان يكون هو الخطوة التالية لتحقيق الوفاق السياسي في السودان ولعل شعور الاطراف لاسيما الدولة وحزب الامة المعارض بقيادة الصادق المهدي رئيس الوزراء الاسبق والحزب الاتحادي الديمقراطي بخطورة التدخل الاجنبي في السودان وما يفرزه من تطورات وواقع جديد يستوجب على الجميع المضي قدما وتسريع الخطى نحو الوفاق الشامل. * اتفاق جيبوتي وجد معارضة من قيادات التجمع بالخارج وتأييد القيادات بالداخل كيف تراه وما رايك في النقاط التي ارتكز عليها؟ ـ اعتقد ان نقاط اتفاق جيبوتي تمثل قاسما مشتركا هي المواطنة كأساس للحقوق والواجبات ومبدأ تقرير المصير موجود في اتفاقية الخرطوم للسلام وفي الدستور واذا اخذنا اغلب القضايا نجد بها وعاء ضمن اتفاقية الخرطوم للسلام او بنود الدستور. الاتفاق لايمكن تصنيفه في خانة المصلحة للحكومة او المعارضة بقدر ما يصب في خانة الصالح العام وانه اوجد ارضية ومناخا صالحا للحوار عبر المؤتمر القومي الجامع. ولعل السبق الذي واجه به حزب الامة والسيد الصادق مشهور دائما بالمبادرات جعل بعض الناس يحاولون الالتفاف على الاتفاق من باب الغيرة السياسية وبدلا من مناقشته بصورة موضوعية صاروا يتحدثون عن اتفاق ثنائي ومعلوم ان قرنق يحاور حاليا بمفرده على الرغم من انه عضو في التجمع المعارض, فلماذا يحظر على حزب الامة وبقية الاحزاب ممارسة هذا الدور. * هل تعتقد ان تجربة التوالي السياسي ساعدت في تقريب وجهات النظر لفهم التعددية وتقنينها بالشكل المطلوب في المرحلة القادمة؟ * انا اعتقد منذ ان صدر قانون التوالي السياسي ومصطلحاته انه بهذا الشكل لايعبر عن حقيقة التعددية ومجتمع التنافس المطلوب وان احزاب التوالي باستثناء الحزب الحاكم بماله من ثقة وتأثير وامكانيات وموارد فان بقية الاحزاب المسجلة لاتشكل قوة حقيقية للتنافس بل انها لاتستطيع ان تنفى كونها قد صارت احزاب ديكور اكثر من كونها احزابا حية وواقعية وانها منذ ان سجلت وحتى الآن لم نجد لها اثرا يذكر وكثير منها ان لم نقل جلها لم يتمكن حتى من عقد مؤتمره التنظيمي او يستطيع افراز قياداته واقامة مؤسساته التنظيمية والادارية ولم يهىىء اجهزته الشورية للحزب ولم تستطع هذه تقديم برامج متكاملة لتوضيح رؤيتها للاحداث وهذا كله يكشف عن ضعف هذه البنية في احزاب التوالى السياسي, والتعددية في ثمراتها الحقيقية ان توجد تنافسا يفضي للتداول السلمي للسلطة. وقطعا فان واقع احزاب التوالي السياسي لايمكن ان يقود لهذه النتيجة باي حال من الاحوال والشيء الطبيعي ان نسرع في موضوع الوفاق حتى نتجنب امرين: خطر التجزئة وتفتيت وحدة السودان, وخطر التدويل للشأن السوداني بدخول عنصر اجنبي يحول دون حصول اهل السودان على مطالبهم الخاصة ويفرض عليهم حلولا من عنده وبالتالي فان الارتفاع فوق هذه الصغائر نحو المقاصد العليا للوطن امر يستوجبه الدين كما تستوجبه طبيعة التحديات المعاصرة, لا ارى تعويلا كثيرا على احزاب التوالى لاثراء الحياة السياسية وتفاعلاتها وبغياب الحزبين الكبيرين (الامة والاتحادي) ينعدم التنافس السياسي الفاعل الحيوي. فنحن عندما ندعوا لهذا لا نطالب باستنفار القديم بممارساته الخاطئة واخفاقاته المشهودة وقصوره الواضح وانما ندعو لتعددية رشيدة تقوم على المبادىء والبرامج لا للأشخاص والطوائف وتقوم على المؤسسية وليس الفردية, والشورية وليس الاستبدادية والعطاء الذي يقدم للكفاءة وليس الولاء الضيق, الحوار وليس العصبية القاتلة, نحن ننشد تعددية تقوم على اسس سليمة, نستدرك بها ثغرات الماضي ونفضى بها الى مجتمع افضل. * هناك من يرى ان اعلان جيبوتي يعتبر قفزة فوق المبادرات السابقة ما تعليقك؟ ـ الاتفاق من حيث النقاط التي تطرق لها يمثل خطوة متقدمة لكن ان يظل ثنائيا وجزئيا دون تحقيق وفاق شامل تظل المعضلة قائمة ولذلك فنحن نرى انه لايمكن ان يكون بديلا للمبادرة المصرية الليبية ولكنه خطوة نحو تحريك المناخ الصحيح للمبادرة. * بصفتك قيادي اسلامي ـ نلاحظ ان حزب المؤتمر الذي ورث الجبهة الاسلامية ودخل هو الآخر في صراعات لا طائل من ورائها كيف تنظرون اليها انتم في جانب الاخوان المسلمين؟! ـ المعلوم ان الحركة الاسلامية مرت بأطوار متعددة منذ الاخوان المسلمين ثم جبهة الميثاق ثم الجبهة القومية ثم المؤتمر الوطني في كل هذه المراحل يتأسس نوع من الرؤى الفكرية والسياسية, الآن المؤتمر الوطني هو جماع لقوى متعددة بعضها واكثرها هو الحركة الاسلامية لكنها تحالفت مع قوى اخرى بعضها من الجنوبيين سواء كانوا مسيحيين او مسلمين او من اهل القبائل او ممن كانوا في سياق العهد المايوي ومنهم شخصيات قومية آمنت واقتنعت بالعمل والمشاركة واصبح المؤتمر الوطني وعاء لقوى وافراد كانت لها انتماءات سابقة تشكلت داخل هذا الوعاء لكن بالطبع نبض الحركة وسمتها وتوافر الكثير من قادتها يشكل محور حركتها وتوجهها. حزب المؤتمر الوطني يسعى في هذه المرحلة لجعل حاكمية التنظيم على الدولة كأساس يبني عليها مواقفه وسياساته فهو يرى ان الدولة ممثلة في شخص رئيس الجمهورية ونوابه وعدد من وزرائه في هيئاته القيادية والشورية ولذلك فهو يريد ان يحكم الدولة من خلال الحزب تحت ما يسمى بمبدأ حاكمية التنظيم او حاكمية الحركة على الدولة. ولا شك ان عدم وضوح الصلاحيات في هذه القضية وتوضيح المسئوليات خلق نوعا من الارباك والبلبلة في علاقة الحزب بالدولة لان بعض عناصر المؤتمر الوطني ترى ان حاكمية الحزب تكون من خلال الدولة لان الحزب هو الذي رشح هؤلاء لهذه المواقع وهو الذي اقام الدستور وحدد صلاحيات رئيس الجمهورية واختصاصات مجلس الوزراء والاجهزة الاخرى. ولكن هناك تيار آخر يرى ان يده مطلقة على الدولة فيتدخل في الصغيرة والكبيرة والقليل والكثير فيما يعتبر اصلا من اختصاصات الجهاز التنفيذي. هذا التباين ادى لمثل هذا النزاع سواء في قضية التعديلات الدستورية او فيما سواه, وانا اتصور ان هذا الباب الذي جرد رئيس الجمهورية او مجلس الوزراء او اجهزة الدولة المختلفة في ممارسة ادوارها وجعلهم مجرد احجار في رقعة الشطرنج يتحركون بالاوامر وهذا اشبه بتجربة الحزب الشيوعي في الاتحاد السوفييتي الذي كان يدير الدولة عبر سكرتاية الحزب وليس عبر المجلس الاعلى للسوفييت وهذه التجربة اثبتت فشلها ولابد من وضوح في صلاحيات وسلطات واضحة لمعرفة الفواصل والحدود في العلاقة بين الجهازين بما يقود لكل هذا الارباك, واتصور ان هنالك ازمة حقيقية الان في مؤسسات المؤتمر الوطني ومؤسسات الحزب الحاكم وصلت حتى للبرلمان وادخلته في استقطاب حاد بين نوابه وتياراته ومنشأ هذه هو عدم وضوح الاختصاصات والصلاحيات بين من يريد هيمنة الحزب الحاكم على كل اجهزة الدولة وبين من يرى ان الحزب ينبغي ان يتمسك بالموجهات والاهداف والسياسات العليا والعامة وترك التفاصيل لتنفيذها على ايدي القائمين على الدولة من خلال اجهزتهم واختصاصاتهم التي منحها لهم الدستور. * يرى الكثيرون من قيادات الحركة الاسلامية ان الدولة لا بد ان تكون لها مرجعية فكرية تمثل قيادة التنظيم ومن ثم ذراع تنفيذية ويرى هؤلاء ان الترابي يمثل هذه المرجعية السياسية رغم التوهم بتداخل الصلاحيات؟ ـ اعتقد ان الترابي الامين العام لحزب المؤتمر الوطني الحاكم على الرغم من انه قاد الحركة حتى اصبحت دولة فضلا عن تاريخه ومجاهداته الطويلة التي لا تنكر, لكن كل من له بعد نظر ويقدم الصالح العام يرى ان الترابي ليس رجل المرحلة لانه على مستوى المحيط الاقليمي والدولي لا يحظى بمقبولية سواء كان على مستوى دول الخليج ودول الجوار وداخل السودان والرهان على الترابي كمرجعية وقائد للدولة سيدخل السودان في اتون نفق مظلم ويجلب عليه الكثير من العداوات في الداخل والخارج لان الترابي يجعل الصراع سياسيا بينه وبين القوى السياسية كما يحصل باشكالات بينه وبين العاملين في الحقل الاسلامي. بعكس الفريق البشير رئيس الجمهورية الحالي فإنه يحظى بقدر كبير جدا من القبول والرضى في الساحة السودانية وهو ايضا فيما يتمتع به من تواضع وخلق وبساطة يحظى بتقدير الكثير من القوى السياسية اضافة للقبول في المحيط الدولي, فنحن حين نقارن بين المصلحتين ايهما ارجح البشير ام الترابي فإننا نقول البشير هو الشخص المناسب ووجوده يمثل صمام امان اكثر من وجود الترابي وانا اعتقد ان المصلحة تقتضي ابتعاد الترابي عن المسرح السياسي ومن المواقع السياسية والتشريعية والتنفيذية وبقاءه كرمز ومرجعية افضل من ان يكون طرفا في صراعات مع الجهاز التنفيذي واتصور ان الاشكال الآن ان حاكمية التنظيم تحولت لتكون اقرب الى حاكمية فرد بدل حاكمية المؤسسات. نحن مقبلون على وفاق والشيء الطبيعي ان تتيح للقوى التي يجري معها هذا الوفاق فرصة المشاركة في تعديل الدستور خاصة وانها لم تكن مقتنعة به والجوانب المحتاجة الى تعديل ستكون اكثر في موضوع انتخاب الوالي.

Email