الاعلان عن وفيات وهمية للتكسب،النفط العراقي مقابل دفن الموتى

ت + ت - الحجم الطبيعي

نغني (نعم نغني) فعلى ضفاف دجلة والفرات ولد اول الغناء, وربما ولد أول الموت ايضا!فكانت اغانينا مفعمة بالشجن, واستمرت هكذا واستمرت, حتى ليخال المرء اننا اعتدنا نشيد الموت, ولكن ما اصعب ان يكون للموت ثمنا باهظا, فوق المستطاع .. ان يموت المرء, فان ذلك يشكل عبئا كبيرا. قد يرى البعض ان هناك مغالاة في الامر, فليس اسهل من ان يموت الانسان.. يمرض ويموت, يقتل, يحاصر ولايجد غذاء ودواء فيموت. ربما في حادث دهس!, و.. (كل من عليها فان). اغنية طائر التم انها ليست اغنية طائر (التم) يحلق لاعلى ما يستطيع, ثم يطلق احلى اغنياته وهو يهوي..!, ولكنها.. اي موت هذا, أن يحمل الانسان حتى هموم موته..؟ يقول عمر باسل الجبوري, من سكان الاعظمية: عندما يموت عزيز لنا, فان الموت موتان.. الموت وما بعد الموت..؟ ويحل لنا هذا (اللغز) قائلا: عندما تعجز العائلة عن توفير الغذاء والدواء لمريضها, كيف تستطيع ان تدفع تكاليف الموت!؟ لقد اصبحت مهنة (تجارة الموت) رائجة جدا, واسعارها في ازدياد مستمر, بل في تحليق, ليس كتحليق طائر التم.. واصبحت لها فروع ومتممات وما الى ذلك.. وباعتبار السيد الجبوري شخصية اجتماعية, ومن المكثرين في حضور مجالس العزاء (الفاتحة) في منطقته, وغيرها من المناطق يحدثنا قائلا: ـ مقبرة الاعظمية (الامام الاعظم) اغلقت منذ سنوات عدة, وكذلك المقابر الاخرى داخل بغداد, وفي المدن الاخرى, مثل (مقبرة النجف القديمة) ومن هنا, فان الموت يحتاج الى (اجرة نقل).. وهذه تعد من ابسط التكاليف.. * وماذا عن التكاليف الاخرى؟ ـ تصوروا.. ان الذي لايجد ما يلبسه وهو حي, يحتاج الى 16 مترا من الخام (القماش) للكفن, والى القطن, ومصروفات الغسل, والتابوت.. وغيرها.. أليس الموت جديدا..!؟ آباء واجداد مسرفون في الطريق الى المقبرة الجديدة في النجف, لابد من المرور من خلال طريق في المقبرة القديمة, لقد شق هذا الطريق قبل سنوات, وتم تبليطه بشكل جيد, ونصبت فيه اعمدة الانارة. قال صديق السفر حارث حامد: تحت عمود الكهرباء هذا كان يرقد أبي! وعقب مسافر آخر: لهذا تبدو الانارة جيدة! ولكن حسن السيد رسول, له رأي آخر.. يقول: يبدو آن آباءنا واجدادنا كانوا مسرفين جدا, فاتخذوا لهم قبورا, اكبر مما هي في الوقت الحاضر بمرات عدة, لذلك لم يبق مكان في المقبرة القديمة.. ربما لان الموت كان قليلا في تلك الايام! اقطاعيات للموت انا اعرف حسن شخصيا, واعرف والده المرحوم السيد رسول, فقد قاما بدفن كل الموتى من عائلتنا واقاربنا, ولم يقم بذلك احد غيرهما في اية حالة.. المسألة محصورة بالسيد وابنه السيد.. تتقاسم المقبرة (القديمة والجديدة) عدة عائلات.. وما ان تصل الجنازة الى مدخل مدينة النجف, حتى تقبل مجموعة من الصبية: (عند من؟), ويتم الاتصال هاتفيا بالسيد المعني, فيحضر على الفور بسيارته الفاخرة, او يرسل من ينيبه عنه, لاستقبال الجنازة والقيام بمراسم الدفن, حسب اهمية الميت والمركز الاجتماعي والاقتصادي لعائلته. يقول السيد حسن: ـ الاسعار تختلف من شخص الى آخر.. نحن نعرف جميع الذين يتعاملون معنا, فمهنتنا توارثناها أبا عن جد, مهمتنا انسانية, فبدلا من ان تقوم عائلة المتوفي باستخراج اجازة الدفن, وشراء الكفن والتكفين وكل العمليات الاخرى, نقوم نحن بذلك.. وحسب تشخيصنا للعائلات نحدد الاسعار. * هل يمكن اعطاءنا فكرة عن تسعيراتكم؟ ـ الدفن البسيط لايكلف اكثر من مئة الف دينار, بما في ذلك قراءة آيات من القرآن الكريم على روح المتوفى, اما الذين يغسّلون بماء الكافور ويكفنون بالحرير, والقطن الطبي ناصع البياض, مع الروائح, والزيارة والقراءات, فذلك يكلف حوالي نصف مليون دينار ـ بما فيها سعة القبر ـ أما بناء القبر فيتم الاتفاق عليه حسب نوعية الطابوق أو المرمر او السياج الحديدي, وبعضهم يختارون اسيجة من معادن ثمينة, الا ان هذه غالبا ما تتعرض للسرقة, لانه لايمكن وضع حراسة على كل قبر! وصايا (المرشحين) هذه هي التكلفة الاولية, وتليها تكاليف مجالس العزاء والفاتحة والثواب وغيرها.. الا ان الاسعار في المقابر الجديدة ببغداد (الكرخ) و)(محمد السكران) اقل تكلفة, الا انها اقل امانا! يقول السيد خليل المبارك: معظم (المرشحين) حاليا يوصون بالدفن البسيط, وعدم اقامة مجالس العزاء والفاتحة, او اختصارها, ولكن التقاليد الاجتماعية لاتسمح بذلك.. هل يطردون المعزين, او يمتنعون عن تقديم القهوة والسجاير لهم, او اطعامهم, اذا كانوا قادمين من اماكن بعيدة؟ مذكرة تفاهم! وتبقى مشكلة التكاليف.. (المرشحون) لايريدون الاثقال على ذويهم, ولكن ما في اليد حيله. وعند (ظل) احد الاعمدة, كانت ام ستار, تجلس قبالة مستشفى اليرموك, وامامها كيس فيه بعض الحاجيات.. تجلس في حيرة من أمرها, وهي تترقب الخبر السيىء. * ما الامر..؟ ـ ولدي الوحيد, وليس لي سواه, أو لم يكن لي سواه, فقد اجريت له عمليات عدة ـ المصران الاعور.. فتقا, وفي كل مرة يقول الاطباء ان لديه هذا المرض أو ذاك, وانا ابيع كل شيء في البيت.. حتى لم يتبق لي بيت.. وفي كل مرة يكون تشخيص الاطباء غير المرة السابقة.. والان يقولون ان الحالة ميئوس منها, لتوقف الكليتين. * وماذا تنتظرين؟ ـ لاشيء لو مات فانني لااملك حتى اجرة نقله, الى بلدتنا (المحمودية)! هنا يخطر في البال مالم يخطر من قبل, في مذكرة التفاهم تم تخصيص مبالغ للدواء, والوفيات في زيادة مستمرة... لماذا لايخصصون مبالغ لدفن الموتى.. لماذا لايكون هناك تفسير اخر لمذكرة التفاهم (النفط مقابل الغذاء والدواء ودفن الموتى)!؟ احتيال على الموت هناك أمر اثار (زعل) بعض المواطنين على الموت.. ان نشر اخبار الوفيات ومجالس الفاتحة غير مسموح به في الصحف المحلية, مما ادى الى قطع ارزاق اولئك الذين يعتاشون على (سخاء) بعض مجالس الفاتحة, التي كانوا يتابعونها في الصحف, وبالاخص في اليوم الثالث.. ولكن الاعلان عن الوفيات غالبا ما يكون من خلال لافتات تعلق في الشوارع. واذ يشكل الموت نكبات لاهل المتوفى, فان البعض يستفيدون من ذلك. * يقول احد مختاري حي (الجوادر) في مدينة صدام: ـ لما كانت مجالس الفاتحة تكلف مبالغ كبيرة, فان تغطيتها يتم من خلال (الفضل), اي مساهمات الذين يحضرون لتقديم التعزية, ولذلك عمد البعض الى الاعلان عن وفيات وهمية, واقامة مجالس فاتحة وهمية لموتى وهميين, لغرض جمع (الفضل), الا ان هذه الحالات تمت السيطرة عليها من خلال المختارين ومجالس الشعب. وتظل للموت رهبة, بينما يعمل البعض على حبس قبور موتاهم في اقفاص الحديد, او خلف جدران ذات ابواب حديدية مقفلة, لكي لايزورهم اولئك الذين لاقبور لهم. بغداد ـ نصير النهر

Email