من الملف السياسي: العسكر..الحكومة الخفية في تركيا

جاءت الانتخابات الاخيرة في تركيا الاسبوع الماضي لتقلب الموازين السياسية وتعيد صياغة خرائط التوازنات في الساحة السياسية التركية حيث افرزت هذه الانتخابات صعود الحركة القومية اليمينية المتطرفة المنادية بعودة الطورانية او العهد الذهبي للامبراطورية العثمانية التي هيمنت لحقبة من الزمن على اجزاء كبيرة من العالم ابتداء من اسيا الوسطى مرورا بأوروبا وانتهاء بمعظم الدول العربية ابان الخلافة العثمانية. وقد ظهرت تصريحات قادة الحزب ومنهم دولت بهجلي لتؤكد هذا المنحى حيث اشارت مجمل التصريحات والتحليلات الى ان تركيا في توجهاتها المستقبلية تتجه نحو الانكفاء على الداخل والكف عن مطالبها الملحة بالانضمام الى الاتحاد الاوروبي الذي ما فتىء يمارس ضدها سياسة الاذلال ووضع الشروط تلو الشروط كي يتم قبولها بالاتحاد وهو الهدف الذي ما انفكت انقرة خلال السنوات الماضية تسعى اليه. ان تركيا خلال العقد المقبل ووفقا لتحليلات المراقبين, ربما تتجه صوب اسيا الوسطى والقوقاز لاحياء امجاد الماضي وبناء قاعدة مصالح مشتركة وشبكة علاقات اوسع تهيىء لها استخدام اوراق مساومة جديدة في وجه الاتحاد الاوروبي والولايات المتحدة ناهيك عن الرغبة الكامنة بلعب دور اقليمي في الشرق الاوسط سيما في ظل الاوضاع الصعبة التي تعيشها بعض دول المنطقة مثل العراق. العرب من جهتهم لاتزال علاقاتهم بتركيا في طور التوجس والحساسية ولم تخرج من هذا الاطار البتة خاصة بعد توقيع الاتفاق الاستراتيجي مع اسرائيل الذي بدا أنه يستهدفهم بدرجة اساسية ويمثل التفافا امنيا ضدهم. ويدرك العرب ايضا بأن تركيا التي خلعت ثوبها الشرقي وهويتها الاسلامية وسعت نحو العلمانية تحلم بانتمائها لاوروبا ولحضارتها. ان التساؤلات المطروحة في اطار الحديث عن المستقبل السياسي لتركيا هو عن دور المؤسسة العسكرية التي تمسك بدفة الامور, وتدير مقاليد السلطة من خلال مجلس الامن القومي وقيادة الجيش.. هل تتيح الفرصة للسلطة المدنية ان تقود البلاد وتعزز دور مؤسسات المجتمع المدني كي يمكن دعم التجربة الديمقراطية وترسيخ مبادئها ومثلها الحضارية في الحياة التركية بما من شأنه ترسيخ سلوك ديمقراطي مدني يحد من نفوذ وهيمنة العسكر الذين يعتقدون انهم الاوصياء على مقدرات البلاد ويسلبون هذه الصفة من بقية افراد وتكوينات المجتمع التركي؟ ربما يكون ذلك مرتبط بتغييرات سياسية ودستورية وقانونية تعيد ترتيب الاولويات وتحدد صلاحيات المؤسسات السياسية في ضوء اطر قانونية تتيح فيها الفصل بين السلطات واستقلال القضاء واتاحة المزيد من الحريات الديمقراطية, وهذه هي احدى سمات النظم السياسية في الغرب التي كان الاجدر بالنظام التركي السير عليها بدلا من البحث عن مغانم اللحاق بركب الاتحاد الاوروبي فقط. علاقات تركيا الخارجية بلا شك ستشهد تغييرات وتبدلات عقب التشكيل الحكومي المقبل الذي قد يأخذ الطابع الائتلافي كما تشير المعطيات الحالية وتبعا للمشاورات الجارية بين قيادات بعض الاحزاب, وان كانت الخطوط الرئيسية للسياسة الخارجية لن تتبدل بشكل جذري, بيد ان الملمح الابرز هو تغيرات السياسة الداخلية تجاه جملة من المسائل والاستحقاقات التي تتعلق بالوضع الاقتصادي وتعقيدات الواقع الاجتماعي ومسارات العمل السياسي اليومي.