الخبير العسكري العربي الهيثم الأيوبي لــ (الملف): لاتزال واشنطن تغض الطرف عن الأسلحة النووية والبيولوجية والكيميائية المكدسة في اسرائيل

ت + ت - الحجم الطبيعي

المقدم الهيثم الايوبي, خبير عربي استراتيجي معروف وهو رئيس تحرير الموسوعة العسكرية العربية, وعضو في (المعهد العالمي للاستراتيجيا في باريس . من مؤلفاته الهامة (مدخل الى الاستراتيجية العسكرية العربية) و(حرب التحرير الوطنية الكورية) و(دراسات في حرب تشرين) و(دروس الحرب الرابعة) وغيرها من الكتب كما ترجم العديد من الكتابات العسكرية (ديجول ــ بوفر ــ ليدلهارت ــ جيفارا... الخ). حول مستقبل الاحلاف العسكرية, اجرينا معه هذا الحوار: هل يتجه العالم مجددا الى بناء احلاف عسكرية جديدة؟ ــ على المستوى العالمي حاليا ليس هناك توجه نحو بناء احلاف جديدة وانما هناك توجه نحو تبديل الاحلاف القائمة لان الحلف يوجد عادة لمواجهة تحديات معينة. في الماضي كان هناك التحدي السوفييتي فتشكلت الاحلاف لمواجهة هذا التحدي, حلف شمال الاطلسي حلف جنوب شرق آسيا, الحلف المركزي (السانتو) الذي تحول الى حلف بغداد. كانت غاية الاحلاف آنذاك تطويق الاتحاد السوفييتي عن طريق تجمعات اقليمية تخدم الهدف الاستراتيجي الاعلى المتمثل في منع تمدد النفوذ السوفييتي باتجاه المناطق الحساسة في العالم سواء بشكل مباشر او بواسطة مؤيديه المحليين اما الآن فليس هناك خطرا قادم من الاتحاد السوفييتي. قد تشكل روسيا والصين على المدى البعيد خطر يستوجب الاحتواء من جديد ولكن اوضاعها السياسية والاقتصادية الحالية لا تسمح بذلك في الوقت الحاضر. ان ما يعني الولايات المتحدة حاليا الاضطرابات المحلية الاقليمية في شرق اوروبا, في الشرق الاوسط, في افريقيا, امريكا اللاتينية وجنوب شرق آسيا بالاضافة الى نهوض الامة الاسلامية وبروز فاعلية التيارات الاصولية والاسلامية التي تهدد مصالحها الاستراتيجية والاقتصادية والاحلاف الموجودة حاليا كافية للتعامل مع هذه التحديات باستثناء التحديات الشرق اوسطية والاسلامية التي سنعود اليها فيما بعد والتي تتطلب بالضرورة نشوء حلف جديد لاحتوائها او ضربها. لقد كانت الاحلاف السابقة احلافا اقليمية في منظومة عامة للتطويق الاستراتيجي اما الآن فهي احلاف اقليمية لضبط الاقليم وجعله يسير من خلال التهدئة لخدمة الاغراض الاقتصادية الاستراتيجية الامريكية والغربية عموما. مع دخول الالفية الثالثة هل تبرز قوى دولية جديدة؟ ــ بالطبع هناك اوروبا الموحدة التي تشكل او التي سائرة على طريق تشكيل قوة جديدة غير متناقضة مع الولايات المتحدة ولكنها منافسة لها اقتصاديا على الاقل وهناك اليابان وهي قوة اقتصادية هائلة مؤهلة للتحول الى قوة عسكرية منذ مطلع التسعينات حيث بدأت العسكرية اليابانية تخطط للخروج من شرنقة الدفاع الذاتي الى افق العمل وراء البحار. وهناك كما ذكرنا روسيا والصين في حال نجاحهما في التخلص من الواقع الاقتصادي المتدهور وما يفرضه من قبول الاملاءات الامريكية في ميدان السياسة الكونية او السياسة العالمية. ناهيك عن بروز قوتين نوويتين جديدتيين (الهند والباكستان) المؤهلتين ولا سيما الهند للتحول الى قوة عظمى. بحكم ديناميكيتها السياسية وتعاونها مع روسيا الوثيق, وضخامة قواتها المسلحة وامتلاكها كنواة صناعة حربية تقليدية وقنبلة ذرية وأخرى نووية. ما رأيكم بالحديث عن احتمال ظهور محور جديد (ايراني ــ هندي ـ روسي) وما هو تأثير هذا المحور على ميزان القوى في العالم؟ ــ اما بالنسبة للتقارب الهندي الايراني الروسي مع احتمال جذب بعض دول آسيا الوسطى (ايرافون) الدول ذات الاصول الايرانية فيمكن ان يتحول الى محور ولكن تحوله الى حلف حقيقي بحاجة الى موسكو حقيقية وليس الى موسكو الحالية. من الممكن في حال تصاعد قوة الشيوعيين في موسكو وهم الآن اكثرية في مجلس الدوما حصول تقارب او حصول محور (روسي ــ صيني ــ كوري) ولكن هذا ايضا مرهون بالمستقبل البعيد اذا نجحت موسكو وبكين في تحقيق التحرر الاقتصادي من إلزامات الغرب ومساعداته. هذه هي الصورة المستقبلية بالنسبة للاحلاف الدولية في نهاية العقد الأول من القرن الواحد والعشرين. ماهو موقع الشرق الأوسط في التحالفات المستقبلية؟ ــ الشرق الأوسط حاليا مقسوم الى قسمين قسم سائر في ركاب السياسة الامريكية بحكم التبعية الغذائية والاقتصادية. اما القسم الثاني والذي يطلق عليه اسم الدول المنبوذة فهو واقع تحت الحصار او تحت الاحتواء المزدوج او تحت الضغط الخفي لتليين المواقف وبما ان اكثرية دول منطقة الشرق الأوسط العربية وغير العربية (اسرائيل, تركيا, تحديدا) واقعة في سلة الولايات المتحدة للأسباب التي ذكرناها, فمن الطبيعي ان تتقارب هذه الدول فيما بينها لتشكل حلفا اقليميا يخدم المصالح الامريكية ويكون صورة مطورة عن منظمة (الدفاع عن الشرق الأوسط) التي اقترحتها الولايات المتحدة في الخمسينات او عن حلف بغداد المشكل في تلك الحقبة والذي انهار بعد عام 1958 وسقوط النظام الملكي في العراق. ان الاحلاف العسكرية هي الوسيلة الامثل لتحقيق التهدئة تحت المظلة الامريكية, ولقد رأينا النموذج بالتحالف العسكري التركي ــ الاسرائيلي وتداعياته السياسية والاقتصادية. هذا التحالف السائر نحو التدعيم والتوثيق ولا سيما اذا عاد نتانياهو الى السلطة في الانتخابات المقبلة. ولكن هذا لا يعني ان هذا التحالف سيضعف اذا عاد حزب العمل الى السلطة لان شيمون بيريز هو منظر هذا التحالف منذ منتصف التسعينات ولان هيمنة العسكر او العسكريتاريا الخفية على مراكز القرار في انقرة قائم وراسخ الأركان وهذه العسكريتاريا مؤيدة للتحالف لانه يعطي تركيا وزنا اقليميا ومكانة لدى واشنطن كادت ان تفقدها بعد غياب التهديد السوفييتي وتناقص اهمية البسفور والدردنيل. صحيح ان التحالف التركي ــ الاسرائيلي سيكون لأغراض مختلفة في حال نجاح حزب العمل الذي يريد من الحلف تقوية مركز اسرائيل في مباحثات السلام ويعتبره مقدمة لاقامة السلام الشرق اوسطي والنظام الاقليمي الاقتصادي ــ السياسي الا انه سيكون في حال عودة نتانياهو الى السلطة حلفا موجها ضد السلام ومعطلا للمسيرة التي بدأت في مدريد واداة لدفن السلام العربي ــ الاسرائيلي الواقع حاليا في السبات, من جراء سياسة الليكود ولكن في الحالتين هذا الحلف قابل للتعزيز في مطلع القرن المقبل. حلف شمال الاطلسي... هل يستمر في الصدارة خلال العقد المقبل؟ ــ لقد كان الحلف الاطلسي في حقبة الحرب الباردة أهم الأحلاف الغربية المطوقة للاتحاد السوفييتي, ولكن اهميته لم تتناقص بعد غياب حلف وارسو وانهيار الاتحاد السوفييتي لان الغرب وجد في النهوض الاسلامي والحركات الاصولية عدوا جديدا لابد من محاربته كما اعتبر التوترات والصراعات في دول العالم الثالث وفي دول اوروبا الشرقية والبلقان تحديدا, خطرا مباشرا يمكن ان تمتد تأثيراته وعقابيله وتداعياته الى العالم الغربي. ولم يؤد زوال التهديد السوفييتي إلى تراجع أهمية النفط. والمواد الأولية بالنسبة الى الأمن الغربي الأوروبي الياباني الأمريكي. ومن هنا وإنطلاقا من فكرة صراع الحضارات الذي يشعر به هنتنجتون وتأسيساً على حيوية النفط بالنسبة الى الاقتصاد والأمن الغربيين أصبح من الضروري الحفاظ على حلف شمال الأطلسي لتأمين الأهداف التالية: 1 ــ مواجهة التحديات الآتية من العالم الثالث والتصدي للأصولية الأسلامية. 2 ــ الحفاظ على إستمرارية وصول النفط الى أوروبا واليابان الذي بحاجة ماسة إليها والى الولايات المتحدة التي تحتاجها بنسبة أقل نظراً لوجود مخزون نفطي لديها. 3 ــ ضبط واحتواء الصراعات العشائرية والأقنية والدينية في الشرق الأوسط وآسيا الوسطى ودول أوروبا الشرقية (سابقاً). وبما أن كل هذه الأهداف الملقاة على عاتق حلف شمال الأطلسي واقعة خارج المنطقة الجغرافية الأطلسية فقد أصبح من الضروري إعطاء الحلف مسؤولية التدخل خارج منطقته وعبر زيادة قدرته على نقل القوة (مد القوة) والتدخل وراء البحار. ومن هنا جاء تركيز الحلف على تطوير قواته وتحديثها في إتجاه عمليات التدخل ومواجهة القوات النظامية وغير النظامية بعد أن كان جل همه إبان الحرب الباردة التركيز على مواجهة قوات حلف وارسو النظامية الكثيفة المسلحة باسلحة تقليدية وأسلحة الدمار الشامل. وتكون قواته أقدر على التدخل في شرق أوروبا فتح الحلف باب الانتساب أمام دول أوروبا الشرقية سابقاً ومن المنتظر أن تلتحق بولونيا وهنجاريا وجمهورية التشيك في العام الحالي بالحلف إستناداً إلى القرار المتخذ منذ إجتماع مدريد 1997 سيما إذا تمكنت هذه الدول الثلاث من تحقيق المقاييس الأطلسية المتعلقة بتحديث المعدات العسكرية وتأمين تكييف إمكانية العمل المشترك مع القوات الأطلسية القائمة حالياً وتدريب ضباط الدول المعنية على العقيدة العسكرية الغربية وتطوير التشكيلات القتالية بحيث تغدو ملائمة مع تلك العقيدة. وفي فترة لاحقة يمكن أن يقبل إنتساب دول أخرى الى الحلف مثل دول البلطيق استونيا وليتوانيا ولاتفيا وسلوفاكيا وغيرها, شريطة أن يرتفع مستوى قوات هذه الدول حسب المواصفات الأطلسية وألا يكون لهذه الدول رغبة فى الانتساب الى الأطلسي أية مشكل مع الدول المجاورة لها سواء كانت هذه المشاكل عرقية أو حدودية. وبالإضافة الى ذلك فإن الأطلسيين يريدون التوسع الى أبعد من ذلك نحو الشرق على أن يكون هذا التوسع تدريجياً ولقد بدأوا بالتقابل مع روسيا من خلال منظمة الأمن والتعاون في أوروبا (OSCE) وإتفاقية المشاركة من أجل السلام (PFP) المعقودة بين الأطلسيين ودول أوروبا الشرقية وروسيا والمجلس المشترك للتعاون والأمن (PGC) بين الأطلسيين وروسيا واتفاقية الشراكة من الأطلسيين وأوكرانيا ومجلس الشراكة الأوروبية الأطلسية (EAPC) المعقودة بين الأطلسيين ودول أوروبا الشرقية وروسيا. وغيرها من الأتفاقات التي تشكل مدخلاً لجذب روسيا وبقية دول حلف وارسو سابقاً نحو التحالف مع الأطلسيين بحيث يكون بوسع هذا التحالف تشكيل الوحدات المشتركة لمد القوة والتي تضم في نهاية العام 2010 خمس فرق محمولة جواً وبحراً و10 أجنحة جوية في كل جناح عدة أسراب وستكون التكلفة الأجمالية لهذه القوة 30 إلى 52 مليار دولار. ومن تشكيل هذه القوة يظهر بوضوح هدفها وطبيعتها كقوة تدخل وراء البحار لتهدئة المناطقة القريبة من جنوب أوروبا بما في ذلك الشرق الأوسط وأفريقيا وآسيا الوسطى. ما هو دور المنظمة الدولية في تقنين التحالفات العسكرية من خلال تنشيط دورها الأممي والانساني في الدعوة للسلام العالمي؟ - لقد وجدت الأمم المتحدة لهذا الغرض وكان عليها أن تلعبه استناداً الى ميثاقها ولكن التنفاس بين الكتلتين الشرقية والغربية حدد آفاق عملها إبان الحرب الباردة. وبانتهاء تلك الحرب اساء الاعتقاد مؤقتاً بأن الأمم المتحدة ستعود الى دورها وأعتقد الجميع بأن تجربة ضرب العراق في حرب الخليج الثانية يشكل نموذجاً قابلاً للتطوير لعمل القوات الدولية تحت إشراف الأمم المتحدة. ولكن واشنطن وقعت فريسة نشوى النصر على موسكو ووهم القوة إبان حرب الخليج الثانية واعتبرت نفسها الشرطي العالمي, صاحب القرار الأوحد لاحلال السلام والتهدئة وفق المنظور الأمريكي ولتحقيق المصالح الأمريكية. ومنذ ذاك بدأ الخلل وكانت البداية في مدريد عندما عمدت الولايات المتحدة تحت تأثير اللوبي الصهويني وغرور القوة والرغبة في الوحدانية الى استبعاد موسكو والعواصم الأوروبية وملجس الأمن عن لعب دور فاعل في مباحثات مدريد وما أعقبها من خطوات (أوسلو وادي عربة, المباحثات السورية ــ الاسرائيلية, قصف العراق, قصف السودان, وافغانستان... الخ). وأدى التعرف الأمريكي الى تهميش دور الأمم المتحدة وأبطال فاعلية قراراتها وفرض قرارات وشروط على بغداد غير واردة في قرارات الأمم المتحدة وذهبت الى أبعد من ذلك عندما استخدمت لجنة (اليونسكوم) للتجسس وجمع المعلومات حول النظام العراقي (وميكانزمات) ومراكز القوى في بغداد, وهكذا تهمش دور المنظمة الدولية وأصبح عليها الأنصياع التام للسياسة الأمريكية أو الوقوف موقف المتفرج عندما تتصرف الولايات المتحدة منفردة لضرب العراق مرات عديدة دون إستشارة حلفائها الأوروبيين (عدا بريطانيا) ودون أخذ الضوء الأخضر من مجلس الأمن بل والقيام بالضربة عندما كان مجلس الامن يناقش تقرير بتلر. ان استمرار الولايات المتحدة على هذا السبيل يعني حرمان الأمم المتحدة من لعب اهم ادوارها في تهدئة المناطق الساخنة وتأمين السلام العالمي. وقد تستطيع اوروبا الموحدة تحقيق التوازن في الموقف الدولي عبر خلق قطب موازن للقطب الامريكي الأوحد بحيث تنتهي الوحدانية العالمية ويعود الى الأمم المتحدة دورها وهذا امر محتمل في المستقبل المنظور. وقد يأتي التوازن وتعددية الاقطاب وحرمان واشنطن من وحدانية القرار عبر ظهور قطب روسي او صيني او صيني ــ روسي, ولكن هذا يتطلب وقتا أطول وسيبقى العالم طوال حقبة انتظار ظهور القطب الآخر واقعا في قبضة الشرطي العالمي الامريكي واهوائه النابعة من مصالحه الذاتية المقدمة على مصالح العالم كله. أجرى الحوار: شاكر نوري

Email