قضية عربية : هل يعود الجنرالات لحكم لبنان 2 -3

ت + ت - الحجم الطبيعي

تجربة 98 لا تختلف كثيرا عن 58 باستثناء وجود شهاب: لبنان في حاجة الى رئيس يصلح الأوضاع مدنيا كان أم عسكريا وتواصلاً مع ما بدأناه بالأمس من مناقشة تجربة الجنرال شهاب نقول انه رغم العديد من التحفظات التي أوردها البعض فقد قدمت جمهورية الجنرال الاول بعد الاستقلال انجازات عديدة على صعيد بناء الدولة, ويتحدث عنها الرئيس السابق شارل حلو, الذي حكم لبنان لست سنوات بعد انتهاء ولاية شهاب عام ,1964 ويعتبر من نهجه واتباعه فيقول: (اهم ما في تجربة الرئيس شهاب برأيي انه كان يتمتع بالصفات الآتية: 1- الانضباط واحترام القانون: فشهاب عسكري متشدد على نفسه, كما على زملائه ومرؤوسيه, كان خاضعا للقانون الى حد ان الدستور أصبح هاجساً له, حتى ليكاد يؤكد دائماً: عودوا الى الكتاب. 2- الثقة بالنفس وبالآخرين: فهو لايخطو خائفاً ومترددا انما يقدم بوعي وارادة وبعد استشارة ودراسة, مختارا معاونيه, واثقاً بقدراتهم منتهجا الطريق الموصلة الى الهدف, وقد عرفت شخصيا هذه الثقة عندما كان يكلفني, وهو في الرئاسة بمهام معينة واضعا ثقته المطلقة بي. 3- الشجاعة والصدق: كان شهاب يتخذ الموقف دون محاباة للرأي العام, أو إرضاء للجماهير, فان اقتنع كان شجاعا في اتخاذ الموقف. 4- الايمان بالوحدة الوطنية, وشهاب القائل (ان بلدا كلبنان تعددت مذاهبه وطوائفه وتضافرت عوامل عديدة في قرون مديدة, على زرع بذور التفرقة في ارضه وبين اهله يحتاج أول ما يحتاج إلى ما يجمع بين شتات ابنائه. ويتابع الرئيس حلو محددا النقاط الاضافية التالية: 5 ــ التزامه سيادة لبنان: ففي حديثه معي بعد ان تفهم ملابسات اتفاق القاهرة, قال: ما يهمنا قبل كل شيء هو التطبيق الدقيق للبند 13 في الاتفاقية والذي ينص: (من المسلم به ان السلطات اللبنانية من مدنية وعسكرية, تستمر في ممارسة صلاحياتها ومسؤولياتها كاملة في جميع المناطق اللبنانية, وفي جميع الظروف) . 6 ــ بناء المؤسسات: عرف شهاب ان الدولة ليست اشخاصا بقدر ماهي مؤسسات ثابتة لا تتأثر بحضور شخصه او غيابه, ولهذا عمل على انتشال الادارة من ايدي السياسيين لوضعها في اطار القانون. 7 ــ النزاهة ونظافة الكف: فالرئيس شهاب رجل عدالة وانصاف ومساواة عاش متواضعا حتى الفقر, ولم يترك لارملته سوى الصيت الحسن والسمعة الكريمة, ومن اقوالها لي: (في بلد صغير كلبنان لابد من كلام كثير لكن هذا الكلام لا يخيف) . 8 ــ الصمت والصبر: فالرئيس شهاب تعلم السكوت ولو على قلق وقهر, في الجيش كان رمزا للصمت, وفي الرئاسة كان ضنينا بالتصاريح والخطب, فلا تخرج منه إلا الكلمة الواعية المدروسة التي تأخذ الى جانب صدارة العناوين مكانتها في التاريخ الوطني. بناء المؤسسات وفي ملخص لعدة مطالعات وآراء يمكن ان نضيف على هامش ما قاله الرئيس حلو, العناوين الاساسية التالية التي طبعت انجازات عهد الجنرال الرئيس الاول بعد الاستقلال في بناء دولة المؤسسات, ومن ذلك: ــ رفض التفرد بالسلطة. هنا يقول الدكتور باسم الجسر: (رفض فؤاد شهاب, رغم سلطته على الجيش وتربيته العسكرية, ان يفرض حكما عسكريا على البلاد, بل آثر النظام الديمقراطي البرلماني الطائفي, ليعيد الموسسات العامة الى ذروتها) . ــ استقطاب السياسيين التقليديين واقناعهم بجدوى الاصلاحات والاعتماد على الخبراء والتكنوقراطيين والمخابرات العسكرية في الجيش من أجل تسيير دفة الحكم. ــ التأكيد على ان حقل الاقتصاد والاجتماع هو المجال الافضل لتطبيق الميثاق الوطني ويؤكد شارل رزق احد ابرز الاداريين في المرحلة الشهابية ذلك بقوله: (القضية الاجتماعية كانت في نظره هي القضية الاساسية التي تنبع منها النزاعات الطائفية) . ــ ضمن السياسة الاجتماعية انشاء مؤسسات مثل: المصرف المركزي, مجلس الخدمة المدنية, مصلحة الانعاش الاجتماعي, الضمان الاجتماعي, مصرف الانماء, وغير ذلك. ــ كانت غايته الرئيسية هي الاعمار الاقتصادي والاجتماعي للمناطق المحرومة, وانصاف الفئات الفقيرة ايضا. ــ تأمين السلم الاجتماعي, مراقبة المؤسسات الخاصة وتوجيهها, وترسيخ الصناعات والحرف ومجالات الانتاج. ــ توجيه رؤوس الاموال الوطنية والاجنبية نحو استثمار متوسطة وطويلة الامد في قطاعي الصناعة والزراعة, وكذلك في مشاريع القطاع العام. بين ظروف الامس واليوم يتضح من خلال المحطات الاساسية تلك امرين: اولهما ان الحكم اللبناني الحالي مازال يسعى لتحقيق الكثير من ذلك, ضمن برامجه الرسمية والوزارية والادارية, ثم ان الامر الثاني هو ان ذلك يوحي بان الجنرال الرئيس انجز عمليا قفزات مدنية, مازال المجتمع الاهلي يتشوق الى تحقيق الكثير منها رغم مرور حوالي الاربعة عقود على ذلك. لكن ليس المهم في كل ذلك ابراز انجازات شهاب المدنية, بقدر ما يمكن من خلالها اجراء مقارنة حول ما اذا كانت مطلوبة ولو بنسخ معدلة لتصبح الاوضاع القائمة حاليا. وما اذا كان ذلك يستدعي جنرالا رئيسا آخر يقود دفة الحكم بطابع مدني؟ لا تختلف الصورة كثيرا بنظر السياسين بين حاضر 1998 وامس ,1958 باستثناء الاحداث الاهلية التي كان شهاب احد المفردات الاساسية في انهاء سلبياتها ومضاعفاتها آنذاك. وما كان يشكو منه السياسيون في ,58 هو جزء من شكاوى اهل السياسة في هذه المرحلة: فنائب رئيس مجلس النواب ايلي الفرزلي يتحدث عن (دولة المزرعة) , ويقول: (مجلس الوزراء في الدستور هو مؤسسة, لكن للاسف فان الممارسة توحي انه تم اختزال مجلس الوزراء, لذا نشعر ان هناك عددا من الوزراء لا يشعرون انهم محصنون من الاتفاقات بين الرؤساء الثلاثة في الحكم.. لقد سقط لبنان من رتبة الوطن الى رتبة (الساحة) طوال اعوام وعودة الارتقاء الى مصاف الوطن تحتاج الى هدنة طويلة للصعود. فعلى المسؤولين التزام نصوص الدستور, عند ذاك لن تقع اية مشاكل. لكن ما يحدث ان بعض المسؤولين عندما يقع اي خلاف في وجهات النظر, يصعدون المواقف ويحولونها مذهبية لتفجير الشارع, ويحملون سوريا على التدخل لانها المعنية بالامن السياسي للمجتمع اللبناني في ظل الصراع القائم مع اسرائيل.. الحكومة الحالية مقصرة جدا في القضاء على الفساد والرشوة في المؤسسات العامة.. مشكلتنا في لبنان هي في استمرار منطق المزرعة والمحسوبية لهذا الشخص او ذاك.. نحن كنواب لم نستطع ان نهزم حتى الآن منطق المزارع ضمن المؤسسات) . ويقول رئيس الحكومة السابق النائب عمر كرامي ان الدولة القائمة لا يمكن ان تحمل صفة حقيقية سوى القول عنها بأنها (اشطر دولة في هدر الأموال) , ويضيف:(الازمة وصلت الى اقصاها لاننا نعيش مع الناس, وكنا نقول دائما, وما زلنا, ان النار دائما تحت الرماد... نحن آسفون على ما فعلته حكومات الحريري, فكل الطرق والجسور تصب في (سوليدير) , وغيرها, ولا مكان للانماء المتوازن, وكل الأموال التي ركبت الديون صرفت على الحجر وليس على البشر.. اليوم الحديث شامل عن الهدر والناس تسمي مشاريع بالذات انها تحمل هدراً غير محدد. وقد نكون نحن متحاملين فما المانع من تشكيل لجان لتقدير كلفة هذه المشاريع ليطمئن الجميع الى الحقيقة؟ ويتابع كرامي قائلاً:(السياسة الضرائبية, غير عادلة, ومعظمها يستوفي من في الضرائب غير المباشرة ولا تطال سوى الفئات الفقيرة, وهناك شركات ضخمة تتهرب من دفع الضرائب مظهرة نفسها في نهاية كل عام على انها مفلسة) . اما النائب زاهر الخطيب فيتحدث عما يسميه (دولة الانهيار المتواصل) , ويقول: (منذ سنوات ونحن نتوجه الى حكومة الرئيس رفيق الحريري, ونحذرها من سياساتها الجائرة وادائها الكيفي والتعسفي, وانتهاكها للدستور والحريات وحقوق الانسان, وننذر من خطر الانهيار الاقتصادي والاجتماعي, ومن الانفجار الشعبي, ولكن لا حياة لمن تنادي.. كنا وما زلنا نحذر من مخاطر السياسات المالية والنقدية والاقتصادية والاجتماعية اللاانمائية واللاعلمية والجائرة.. لقد استشرفنا مبكراً مخاطر ذلك, النهج الشخصاني المستبد, ولا سيما خطر نسف دولة القانون والمؤسسات ونحر الديمقراطية, وقيام الدكتاتورية السافرة.. نحذر من خطر الانفجار الاجتماعي, واحتمالات الفوضى وعدم الاستقرار..) . مقارنة بالمقارنة يمكن القول ان تاريخ الشكاوى يعيد نفسه, فكما كان يشكو السياسيون عشية وصول اول جنرال الى القصر الرئاسي قبل 40 عاما, يتذمر اكثر سياسيو اليوم مع اقتراب انتخاب الرئيس المقبل للجمهورية. وهي الشكاوى نفسها التي كانت عشية وصول الرئيس الهراوي الى الحكم, لكنها ما زالت على حالها, وان كان العهد الحالي قد حقق انجازات اساسية, لكنها في لغة الواقع والحاجة غير كافية. كانت محاولات شهاب لمواجهة الشكاوى أكثر فعالية, فهو أنشأ المؤسسات المختلفة, فيما تتهم المعارضة العهد الحالي, بمختلف مستوياته انه امعن في المؤسسات القائمة تفتيتاً. ويلقي هذا, وغيره الكثير, حملاً ثقيلاً على الرئيس المقبل, بعضهم يرونه سياسياً مخضرماً, والأكثرية تحاول ان ترتئي فيه صورة جنرال 1958, من خلال قائد الجيش العماد أميل لحود. وللزميل طلال سلمان في هذا الاطار مقارنة يجدر التوقف عندها فيقول: (للرجلين, شهاب والهراوي, اختلاف شديد في مفهوم الدولة والسياسة في لبنان, فان الرئيس الهراوي يكاد يكرر ماخلصت الى استنتاجه تجربة فؤاد شهاب من ان حكم لبنان يحتاج الى ست سنوات من الدراسة والاعداد وست سنوات اخرى لتنفيذ برنامج الاصلاح المنشود لانجاز بناء المؤسسات واستيلاد المواطن خارج طائفته بحيث لا تظل الدولة مشروعا قيد التأسيس) . يتابع سلمان: (ومع ان الرئىس الهراوي اقرب في المسلك واللغة والمفاهيم الى كميل شمعون منه الى فؤاد شهاب, الا انه وعلى مشارف نهاية ولايته الممددة يكاد يصل الى الاستنتاج الشهابي نفسه من ان النظام معطوب ولا امل يرتجى منه, وان التشوه يمتد في الدستور ذاته والصلاحيات كما اعيد تفصيلها فيه, الى القوانين التي تحكم الادارة فتفسدها الى القيود التي تفرضها الطائفية على بناء المؤسسات ثم على عملها فتشوهها وتعطل قدرتها على التطوير فكيف بالتغيير؟ لحود (والشهابية الثانية) قد تؤدي تلك المنافسات في المواقف والتحليلات الى الحديث عن حاجة لبنان الى (شهابية ثانية) والى جنرال رئيس آخر. لكن السياسيين يتجنبون حتى الان الخوض في الاسماء حول اسم وهوية الرئيس الجديد لكنهم متفقون في الوقت نفسه على ان المطلوب الان هو نفسه الذي كان مطلوبا عشية انتخاب شهاب وهو ان البلاد بحاجة الى رئيس يصلح مايلزم سواء كان مدنيا ام عسكريا, وهم متفقون ايضا على ان الاعتراض على وصول الجنرال لحود الى سدة الرئاسة الاولى لكفاءته ولما اثبته من خلال اعادة بناء المؤسسة العسكرية, واعطائها الهوية الوطنية الثابتة التي تفرق بين العدو والصديق وتكريسها اداة لتعزيز السلم الاهلي والاجتماعي على المستويات كافة. لكن سيدرك هؤلاء بأنه لا اعتراض على لحود شرط ألا يكون الجيش حزبه, وألا يأتي العسكر معه الى الحكم. سؤال العروبة على مائدة الجنرال: التوجهات الانعزالية ـ لم تكن اصيلة في السياسة الشهابية بيروت ـ البيان هل كان الرئيس الراحل الجنرال فؤاد شهاب عربيا, او متفتحا على التيار القومي العربي؟ كثيرون مازالوا يطرحون, حتى في الذاكرة الخامسة والعشرين لوفاته وذلك التساؤل, وسط معطيين أساسيين يرتبطان بالانتخابات الرئاسية المقبلة: الاول يؤكد ان الجنرال شهاب عزل لبنان عن العالم العربي, وان النافذة الوحيدة التي فتحها عليه لا تتعدى لقاءه بالرئيس جمال عبد الناصر في خيمة أعدت خصيصا لذلك في يلدة شتوره بالبقاع, ابان الوحدة المصرية ـ السورية. والمعطى الثاني يتساءل حول ما اذا كان تسلم جنرال للحكم اللبناني يزيده عزلة عن العرب. وذلك على ضوء التجربة الشهابية, خاصة وان احد ابرز الشروط المطلوبة في الرئيس المقبل للجمهورية, سواء كان الجنرال اميل لحود او سواه هو انفتاحه على العرب, خاصة سورية. الزميل فؤاد مطر الذي عايش تلك الفترة يروي قضيتين معروفتين على نطاق ضيق جدا تناقضان عزلة شهاب عن العرب, وتروي الاولى كيف شارك مع كمال جنبلاط والضابطين في الجيش اللبناني (آنذاك) احمد الحاج وسامي الخطيب في تهريب عبد الحميد السراج من سجن المزة في سوريا الى القاهرة عبر لبنان, وذلك بالاستعانة باقوال سامي شرف. اما القصة الثانية فتروي كيف اقترح الرئيس عبد الناصر اسم شهاب لرئاسة الجمهورية, وكيف وافقت الادارة الامريكية على ذلك عشية انتخابه من قبل النواب عام 1958. (عملية جمال) لتهريب السراج يقول الزميل مطر متذكرا وقائع القصة الاولى: على رغم حدوث الانفصال (بين مصر وسوريا) الذي اهتز له كيان عبد الناصر ووجدانه الا أن الرئيس كان مهتما بالطريقة التي يمكن بها تخليص من كان رجل سوريا القوي والقبضة الحديدية لعبد الناصر فيها, وهو عبد الحميد السراج. وكان من الطبيعي بعد حدوث الانفصال ان يجد الضباط الانقلابيون في السراج الصيد الثمين, يعرفون منه كل شاردة وواردة, وكل صغيرة وكبيرة حدثت في عمر الوحدة القصير, ومن اجل ذلك او دعوه سجن (المزة) وبدأ التحقيقات. والارجح ان خشية عبد الناصر من ذلك هي ان بينه وبين السراج اطيب العلاقات, فضلا عن انه كان يثق به الى ابعد الحدود. وعندما تكون الحال على هذا النحو, فهذا معناه ان السراج يعرف أمورا لم يستن الاقرب المقربين من عبد الناصر معرفتها, وان البوح بها من شأنه تعريض استراتيجية عبد الناصر العربية للمخاطر. وكان الرئيس المصري على رغم احزانه يسأل عن احوال السراج, واغلب الظن انه كان يزداد اطمئنانا عندما يقال له انه يتعرض لابشع أنواع التعذيب, وذلك, من وجهة نظر عبد الناصر, معناه انه لم يبح بما يملكه من معلومات وخطط ورؤى استراتيجية, وفي الوقت نفسه كان يزداد اصرارا على انقاذ صديقه الوفي من محنته. ويروي سامي شرف انه بعد ما بلغ عبد الناصر ما يتعرض له السراج في سجن المزة, وان زوجته المعتقلة هي الاخرى فقدت او تكاد تفقد بصرها, طلب اعداد مشروع خطة لتهريب السراج من سجنه الى القاهرة. ويضيف انه بدل الخطة الواحدة, كانت هناك خطتان تحمل الاولى تسمية (العملية جمال) , والثانية تسمية (س. ش) وان الاعداد للخطتين استغرق اربعة أيام, وتم في ضوء اتصالات مع اصدقاء لمصر في بيروت ودمشق وعمان. ويقول سامي شرف انه روعي في (العملية جمال) البساطة وعدم التعقيد وتقليل عدد الاشخاص وكانت تقوم على معرفة الوضع داخل السجن وترشيح عنصر واكثر يمكن الاتصال بهم داخل السجن عن طريق الاتصال بالسراج, ودراسة خطوط السير من خارج السجن حتى الحدود اللبنانية, وتأمين وجود السراج في لبنان, والتوجه الى القاهرة بالطائرة او بحرا الى الاسكندرية او بورسعيد. اما العملية (س. ش) فتقوم على خطف السراج من سجن المزة بواسطة عناصر فدائية سورية ثم الهرب به, إما الى الاردن حتى ميناء العقبة فالساحل المصري, او الى لبنان ومنها جوا ايضا الى القاهرة, او بحرا الى الاسكندرية او بورسعيد. ويضيف شرف انه بعد الاخذ بالخطة الاولى جرى جس نبض الرئيس اللبناني الجنرال فؤاد شهاب (وكان الرجل ــ يقول شرف ـ ايجابيا, ولكنه طلب الابتعاد عن توريط السلطات اللبنانية في نتائج قد تضر بامن لبنان وسلامته) .. بدايات التنفيذ ويضيف سامي شرف: (وقد قمت بزيارة خاصة الى لبنان لمقابلة الرئيس شهاب, وللاشراف على الخطة, وحملت اليه رسالة من الرئيس عبد الناصر, تتضمن القول ان كل حبة رمل في ارض لبنان الشقيق رمال مصرية نحافظ عليها بارواحنا..) . ويقول ان تلك الرسالة كانت كافية لاعطاء الضوء الاخضر لتنفيذ عملية تهريب السراج عن طريق لبنان, لان العلاقات بين مصر والاردن كانت غير مستقرة, ولان العملية بموجب الخطة الثانية كانت ستتم اصلا دون علم السلطات الاردنية. ثم يقول ان الرئيس عبد الناصر ادخل بعض التعديلات على الخطة, من بينها اتصاله شخصيا بمنصور رواشدة (حارس السراج في السجن) لتأمين المساعدة الايجابية الفعالة, وتهريب السراج من السجن حتى مشارف دمشق. ومن التعديلات ايضا اعادة دراسة طبيعة الارض وخطوط الاقتراب من دمشق حتى الحدود اللبنانية ــ السورية, بما في ذلك الطرق والوسائل التبادلية في النقل من الخيل والجمال والموتوسيكلات والسيارات والادلاء, وتفادي نقاط التفتيش بما فيها اللبنانية منعا للاحراج. وكذلك استخدام الرسائل في نقل التعليمات او اية تعديلات بدلا من استخدام اللاسلكي او الشفرة, وترتيب وجود غواصة مصرية امام سواحل بيروت في اتجاه مبنى السفارة المصرية (في الرملة البيضاء المطلة على البحر), وان يتولى قيادة الطائرة التي ستصل الى بيروت لنقل السراج الى القاهرة والكابتن عبد الرحمن عليش, وان تتكون مجموعة عمل (الخطة جمال) من سامي شرف ومنير حافظ, ومحمد نسيم, ومحمد المصري (من رجال المخابرات) على أن يبقى منير حافظ في القاهرة, ويتواجد الثلاثة الآخرون في بيروت, وتترك لسامي شرف حرية الاتصال بالسلطات اللبنانية حسب تقديره للموقف. ويضيف ان الاتصالات مع منصور رواشدة كانت مستمرة بمعرفة كمال جنبلاط واللواء شوكت شقير, وانه بعد التأكد من نجاح عملية التنفيذ, وتحدد ساعة البدء, وصل الى دمشق مندوب لابلاغ رواشدة, وكان تم تلقين المندوب كل التفاصيل عن الطرق التي سيسلكها, والتي سيتم فيها استخدام البغال والخيل والجمال في رحلة الهرب التي كان التقدير انها ستستغرق من 26 الى 32 ساعة. وتمت الخطة بنجاح بعد مغامرات عديدة. ناصر يرشح الجنرال ويضيف الزميل مطر مستعينا بدفتر الذاكرة والذكريات راويا القصة التالية حول ترشيح الرئيس عبد الناصر للجنرال فؤاد شهاب لرئاسة الجمهورية, وكيف وافقت امريكا على ذلك, والتي كان الرئيس آنذاك كميل شمعون يعتقد انها تدعمه فيقول: لم تكن واقعة تهريب عبد الحميد السراج من سجن طرة عن طريق لبنان رسميا وشعبيا. سوى (رد جميل) من جهة وتأكيد للرواية التي تفيد ان الرئيس عبد الناصر كان وراء اختيار اللواء شهاب رئيسا للجمهورية خلفا للرئيس كميل شمعون, وهذا ما يؤكده سامي شرف احد رموز الشأن السياسي القوي في عهد عبد الناصر. يقول شرف ان بعض الزعماء السياسيين اللبنانيين هم الذين طرقوا باب عبد الناصر لمؤازرتهم ضد حكم الرئيس شمعون بعدما خرج عن الهوية المحايدة للبنان, واعلن قبوله مبدأ ايزنهاور. الممارسة العروبية ماذا تعني القصتان المشار إليهما؟ كان عهد الجنرال شهاب مغلفا بصمت مطبق, داخليا وخارجيا, فلا انفتح الجنرال على القوى السياسية في الداخل, ولا أقام علاقات مع الخارج, كل الخارج, خاصة العربي منه. ويبدو ان العلاقات المتحفظة التي كانت قائمة آنذاك بين لبنان وسوريا قد لعبت دورا في الانطواء اللبناني على أشقائه, اضافة الى شخصية شهاب نفسها والتي كانت تميل الى تحصين الداخل اللبناني أمنيا وسياسيا ولو عن طريق المخابرات, وهذا ما حصل قبل الانفتاح على الخارج. لكن لا التحصين حصل في حينه بالشكل اللازم, ولا الانفتاح اخترق العزلة في وقت لاحق. لذا, فان القصتين المشار اليهما تؤكدان نظام الجنرال شهاب في الباطن والجوهر كان عروبيا, لكنه لم يتمكن من ترجمة ذلك علنا. وقد ادى ذلك الى اتهام المعارضة للجنرال بانه مسيحي ماروني متعصب يكره العرب والعروبة, وبان اي جنرال يأتي الى رئاسة الجمهورية يرتدي قناع الاعتدال في البداية ثم يستبدله بالثياب الانعزالية الحقيقية لصالح الطائفة على حساب الوطن. لكن وللانصاف, لم يظهر على الجنرال شهاب ذلك علنا, وهو الذي بني الجيش منذ العام 1943 على قواعد وطنية بعيدة عن الطائفية, حتى أن الدروس التي كان يتلقاها التلامذة الضباط والعسكريون والضباط عموما كانت تستند الى اعتبار ان الطائفية هي اكبر عدو للوطن, وانها توازي الخيانة العظمى كمثل التعامل مع العدو. اذن تبقى مشكلة ولاية الجنرال شهاب في ان الباطن ظل مختلفا عن الظاهر. لكن الحاضر يختلف عن الماضي, واذا ما اعاد التاريخ نفسه بوضع الرئاسة الاولى في احضان الجنرالات, في حال انتخاب قائد الجيش الجنرال لحود رئيسا خلفا للرئيس الياس الهراوي فان واقع الحال يفرض ان يتطابق الشكل مع المضمون في الانفتاح اللبناني عربيا وعروبيا. وقد أثبت الجنرال لحود في ظل قيادته للجيش انه جامع للاثنين, وقد ترجم ذلك عمليا, مرارا وتكرارا, بتأكيده في اوامره على العسكريين, ضباطا وجنودا, مثلا على أهمية التنسيق مع الشقيقة سوريا. كلمات خمس تختصر عروبة العهد الرئاسي المقبل اذا انتخب النواب الجنرال وبالتأكيد حتى اذا انتخبوا سواه. بيروت - وليد زهر الدين

Email