الكيميائي الهولندي بينسخوب لـ (البيان): قرار التجهيز لضربة العراق استند إلى تقارير من لاهاي

ت + ت - الحجم الطبيعي

على بعد عشرة كيلو مترات من لاهاي العاصمة السياسية لهولندا يوجد اهم معمل ابحاث كيماوية في العالم, حيث لا يعرف احد من عمال المصانع المحيطة بالمعمل شيئا غير اسمه المختصر المكون من ثلاثة حروف (تي ان او)كما لا يعرف احدا ان بداخل هذا المبنى يوجد الرجل الذي وقف خلف الستار منذ عام 1984 وحتى اليوم وراء اتخاذ الامم المتحدة قرارات الحظر الاقتصادي وفرض العقوبات على العراق انه البروفيسور بينسخوب رئيس المعمل وأحد اهم علماء الكيمياء الاوائل في العالم. وقد التقت (البيان) الرجل الخطير في مكتبه من داخل مركز الابحاث الذي يشبه المدينة الكاملة. وأكد الرجل الذي وقف خلف الستار وكان وراء قرارات الامم المتحدة ان وزارتي الدفاع الامريكية والهولندية دعمت الابحاث ماليا وان قرارات التجهيز للضربة الامريكية للعراق جاءت عبر التقارير السرية من هولندا وهنا نص الحوار. - ماذا عن خلفية وأسباب التوصل للنتائج التي اكدت وجود اسلحة كيماوية لدى العراق؟ ــ بدأت القصة حينما انعقد مؤتمر في لاهاي بهولندا من 21 حتى 23 مايو 1984 تحت عنوان (مكافحة الاسلحة الكيماوية) وكان الذي دعى لانعقاد هذا المؤتمر الدولي البروفيسور هيندريكس البلجيكي الجنسية, واثناء حضوري المؤتمر لاحظت من خلال المتابعة بأن العملية تهدف لتحقيق مجد شخصي وليست لخدمة الانسانية. ومن هنا بدأت الشكوك تساورني وتزداد حينما تأكدت ان ما تم تقديمه في هذا المؤتمر من ابحاث ومقترحات لم يكن على اسس علمية. وكانت هذه هي نقطة الانطلاق وساعة الصفر في وقت واحد, ووجدتني امام خيارات صعبة للغاية, حينما وضعت امام نفسي سؤالا اعتبره حتى هذه اللحظة اخطر سؤال في حياتي وفي تاريخ عملي كيف اتعامل مع الحقيقة الحساسة؟ هل التزمت الصمت وانتظر حتى تأتي الفرصة او المناخ المناسب لكشف الزيف والتزوير؟ فكانت الاجابة هي بـ لا, لأنني لا استطيع تحمل تعذيب الضمير ولا اريده, ومن الناحية الاهم ان الانتظار مضيعة للوقت ويضر بالانسانية. هل أبادر بكشف الحقائق والمهاترات الخاصة بهذا المؤتمر واهدافه غير النبيلة؟ فجاءت الاجابة ايضا بـ لا, وذلك لأن مثل هذه الامور تدخل الجميع في ارهاصات علمية وتضع العالم كله من شعوب وحكومات وخاصة العلماء في المجالات الكيميائية والبيولوجية داخل دوائر مناقشات وصدامات جدلية قد تضيع معها الحقائق بين مؤيد ورافض او حيادي. وبعد تفكير وبحث مضن استمر لاسابيع قررت البدء في العمل بصمت. وذلك بعمل ابحاث ودراسات معملية بغية التواصل لنتائج تفيد البشرية وتحميها, لكن كانت العقبة الاساسية هي من اين نحصل على الاموال اللازمة لتمويل الابحاث؟ فتقدمت باقتراح يتضمن نوع الابحاث والاهداف المراد تحقيقها من وراءها الى وزارة الدفاع الهولندية والحكومة الامريكية في وقت واحد, وعلى عكس كافة التوقعات جاءت النتيجة بالايجاب وسريعة ووافقت المؤسسة العسكرية الامريكية على التمويل, على ان يتم التعاون بيننا وبين اجهزة وادارات الامن الصحي والخدمات الطبية التابعة للبنتاجون الامريكي. وبالفعل قمت بتشكيل فريق عمل من عشرة باحثين في نهاية عام 1984 وبدأنا في العمل. - متى بدأت الحكومات الغربية تشعر بخطر استخدام الاسلحة الكيماوية؟ ــ منذ نهاية الحرب العالمية الثانية وحتى منتصف الثمانينيات نامت الحكومات الغربية متأثرة بمخدر الحرب الباردة واعطاء كل انتباهها وتوجهاتها الى الاتحاد السوفييتي ودول المعسكر الشرقي, وكانت لا تفكر الا في غازات الاعصاب, ولم تتنبه لدول العالم الثالث التي كانت مشغولة بالتجهيز لصناعة اسلحة كيماوية وجرثومية خطيرة, ولم يستيقظ الغرب الا بسقوط حائط برلين الذي كان علامة واشارة لنهاية الحرب بين المعسكرين الشرقي والغربي, واشتدت اليقظة اثناء حرب الخليج الاولى بين كل من العراق وايران, حينما اشارت المعلومات الى ان العراق تستخدم الاسلحة الكيماوية ضد الجيش الايراني, ومن هنا بدأت الحكومات الغربية تشعر بالخطر الحقيقي. - اذا كانت الحكومات الغربية قد نامت 40 سنة وانشغلت بالحرب الباردة فهل كان العلماء ايضا على غير علم ووعي؟ ــ علماء الكيماويات كانوا على علم تام ولا يمكن بأي حال من الاحوال ايجاد اعذار لهم, او تبريرات لأن هذا يكون من ضرب الخيال والكذب, لكنهم جزء من النظم الغربية, وهم لا يملكون الادوات التنفيذية بالاضافة الى ان المناخ السياسي كان لا يسمح بأن يكون هناك صوتا اعلى من صوت السير في طابور الحرب الباردة حيث ان العدو الاول كان هو الشيوعية والشرق الاوروبي ومن يرفع صوتا آخر كان يدخل في عداد حوار الطرشان, ولقد كانت هناك بعض المحاولات لعدد من علماء الكيماويات ارادوا التنبيه لخطر النظام العراقي وانشغاله بتصنيع وتخزين غازات الموسترد (الخردل) , لكنها محاولات كانت يائسة واصابت اصحابها بالاحباط, ولا ننكر ان بعضهم تعاون في البداية مع حكومات في المنطقة العربية. - الا ترون ان الغرب هو نفسه الذي صدر هذه الاسلحة التي تقلقه الآن؟ ــ من المؤسف ان بعض الدول الاوروبية مثل: هولندا والمانيا وسويسرا وكثير من دول التحالف التي شاركت امريكا عام 1991 في حرب تحرير الكويت قامت بتصدير اجهزة ومعدات تأسيس المعامل لصناعات الاسلحة الكيماوية للعراق وبعض الدول العربية ودول اخرى فقيرة, وكانت شركات التصدير تعي تماما ما هي النتائج التي من الممكن ان تؤدي اليها هذه الصناعات, لكنها ــ شركات التصدير الاوروبية ــ لا يهمها الا المال وتحقيق الارباح حتى لو كان على حساب موت ملايين البشر. - ما هو سر جلب هولندا للجنود المصابين في حرب الخليج لعلاجهم من غاز الاعصاب؟ ــ تشير المعلومات السرية انه تم اجراء تجارب عملية على الانسان في استراليا لكن متى؟ وما هي الجنسيات البشرية التي اجريت التجارب عليها؟ لا يريد احد التصريح بالمزيد حولها, بالنسبة لهولندا فان التجارب (الرسمية) على الحيوانات الهولندية من الصعب, حيث ان جمعيات حماية الحيوانات تراقب وتفضح مثل هذه الاعمال, اما عن الحل فيقول (بينسخوب): لقد نجحنا في عمل تجارب على اذن الخنزير نظرا للتشابه الكبير بين تكوينها ونسيجها مع جلد الانسان, فيقوم الباحثون في المعمل باصابتها بالغازات السامة لمعرفة الحد الاقصى للاصابة واعراضها, ثم محاولة علاجها, وبذلك نسعى للتوصل الى اساليب عملية للعلاج. في الثمانينات اثناء حرب الخليج الاولى بين العراق وايران, قام معمل (تي ان او) في مدينة رايس فايك بالقرب من لاهاي العاصمة السياسية لهولندا باجراء تجارب على مصابين الحرب لمعرفة نوع وكمية وتأثير الغازات السامة على جسم الانسان, حول نتائج هذه التجارب لا توجد معلومات صريحة متوفرة, وفي هذا المجال تتضارب الاراء بين من يقول بأن الغازات السامة لا تترك اثارا على جسد المصاب؟! واراء اخرى تؤكد بانه توجد معلومات ونتائج تبقى في اطار السرية حتى لا تستفيد منها الدول العربية, لكن الاكيد هو ان هولندا جلبت عشرات من الجنود المصابين تحت دعوى المساعدة في علاجهم, اما الهدف الاساسي فكان اجراء التجارب المعملية وليس المساعدات الانسانية فهل من المعقول ان هولندا تكلفت مئات آلافات الفلورينات وربما الملايين دون التوصل لنتائج؟ بالرغم ان الدول الكبرى اثناء الحرب الباردة كانت تلوح وتهدد باستخدام الاسلحة الكيماوية الا انها لم تستخدمها لوجود اسلحة فتاكة اخرى مع اطراف ثانية, اما الدول الفقيرة والتي يملك بعضها اسلحة كيماوية فيطلق على الاسلحة الكيماوية لديها انها الاسلحة النووية للفقراء. لأول مرة تحتك هولندا عمليا بمصابي الغازات السامة والكيماويات حينما جلبت اوروبا 50 جنديا ايرانيا للتجارب والعلاج في مختلف المستشفيات الاوروبية, وكان ذلك في منتصف الثمانينات اثناء الحرب العراقية الايرانية, ولم يتمكن المعمل الهولندي من التوصل لنوع الغازات التي اصيب بها الجنود الا في العام الماضي (97) وثبت انها غازات الموسترد (الخردل) بالرغم من ان السلطات العراقية نفت بشدة استخدامها للاسلحة الكيماوية, لكن البروفيسور (بينسخوب) لديه الادلة الدامغة باستخدام العراق للغازات السامة والكيماويات وقد سلم هذه الادلة اولا بأول لامريكا التي دفعت تكاليف الابحاث وهي الادلة التي استندته عليها في الضغط على العراق لتسمح بلجان التفتيش وهي الادلة ايضا التي دفعت امريكا للحشود العسكرية في الخليج. الغازات الكيماوية لا تترك اثارا واضحة ترى بالعين المجردة حتى تستطيع من خلالها اثبات نوعها, كل الذي تستطيع رصده هو ما يشبه الحرق الذي يصيب جلد الانسان, بالاضافة الى انه بمرور الوقت على الاصابة ترتفع نسبة المقاومة داخل جسد المصاب وتتوارى مؤشرات الكشف عن نوع الغاز. لاهاي ـ سعيد السبكي

Email