نافذة: شعب الحرية ضد الحرية؟ بقلم- محمد الحسن أحمد

ت + ت - الحجم الطبيعي

كل يوم يمر نكتشف من بدع النظام مالم يخطر على أي بال حتى كدنا نصل الى قناعة ان اهل الحكم فقدوا توازنهم وكذلك ذاكرتهم بعد أن فقدوا مصداقيتهم, فعلى سبيل المثال كانوا قد وعدوا الشعب والعالم بوضع دستور يفوق في ديمقراطيته بريطانيا وامريكا, وهذا الوعد قد صدر من الدكتور الترابي شخصيا, ثم اعدت مسودة دستور كفلت حق تكوين الاحزاب السياسية وتضمنت قدرا لا بأس به من الحريات الاساسية. لكن هذه المسودة لماتعرضت للتنكيل في المجلس الوطني الذي حذف منها الكثير من المواد, وحرفت المادة التي تكفل حرية تكوين الاحزاب, محولا إياها الى نص غامض هو التوالي الذي قيل انه يعني ذات المعاني, ثم بعد ان طلب البعض تبسيطها بوضع الكلمة المتفق عليها قيل ان كلمة (التوالي من القرآن) .! وكل هذه النقلات حسبناها تندرج في باب الاستحياء من مواجهة الحقيقة بشجاعة والتستر, الى ان فوجئنا بأن النظام سير مظاهرات متتالية الى مبنى البرلمان تهتف (سحقا سحقا للاحزاب) وخاطب احداها الدكتور الترابي قائلا.. (إن الدستور المرتقب لن يخالف القرآن وانه سيأتي ضد القبلية والعصبية والحزبية) . وخاطب البشير مظاهرة اخرى فقال: (ان حكومته لن تسمح بعودة ما اسماه بديمقراطية زائفة وحزبية بالية ومتهالكة) مؤكدا (ان عهد الحزبية قد ولى الى غير رجعة واضاف قائلا للطلاب المتظاهرين (ان الطلاب هم الذين سيحددون مستقبل السودان السياسي وليس الذين يتحدثون في الصالونات المكيفة واستديوهات التلفزيون وينمقون العبارات في الصحافة) ! واذا كان الترابي والبشير يصدر عنهما هذا الكلام القاطع ضد الديمقراطية التعددية فكيف يجوز الادعاء بأن جماعات متشددة داخل النظام أو مجموعة منتمية للمايويين هم وراء عرقلة مسيرة الوفاق والدستور؟ الصحيح هو ان الرجلين اللذين يحكمان هما وراء ما يوصف بالتشدد, واذا جاز لنا ان نعترف للبشير بأنه على الدوام ظل يجاهر برفضه التعددية الحزبية فان الدكتور الترابي ظل يردد حتى الاسبوع الماضي ان التعددية عائدة بل وقبل ذلك أدعى انه حتى الصادق المهدي بوسعه أن يشكل حزبا! وبالرغم من هذه المظاهرات وتلك الخطب النارية من الترابي والبشير فان وزير الخارجية الدكتور مصطفى عثمان قال في لقاء صحافي مع جريدة (الحياة) ان بامكان المعارضة العودة الى السودان بعد أن تقر عملية التعددية السياسية. هكذا يحاول وزير الخارجية ان يواصل مسيرة التضليل الخارجي لكأن العالم لم يسمع أو يقرأ تصريحات البشير والترابي! ولعل أعجب ما في الأمر هو المظاهرات المتتالية التي احاطت بمبنى البرلمان منددة بالديمقراطية وهاتفة (سحقا سحقا للحزبية) مما قد يعني حسب توهم النظام ان هذا الشعب الذي عرف بعشقه للحرية وقام بثورتين فداء لها قد تخلى عنها بطوعه واختياره, وهو بذلك يكون اول شعب في التاريخ يقدم على هذه الخطوة الشاذة والساذجة والتي لا يصدقها عاقل! والاغرب ان الحكومة التي تكبل قوانينها حرية التظاهر والتي عادة ما تستعمل اقصى اساليب العنف في مواجهة التظاهرات الى درجة حصد الارواح وكسر الارجل الى غير ذلك لم تتعرض لهذه المظاهرات بل استقبلها الترابي وكذلك البشير بينما آخر تظاهرة استبقت هذه المظاهرات كانت لسبعين سيدة فقط عوملن بقسوة معهودة ومن ثم جلدن بحكم قضائي ايضا! وكلهن امهات للطلاب الذين زعم البشير في خطبته النارية انهم هم الذين سيحددون مستقبل السودان السياسي وليس الذين يتحدثون في الصالونات المكيفة! لكانما سيادة العميد الذي رقى نفسه الى رتبة الفريق لا يستمتع بالصالونات المكيفة. وكيف سيسمح للطلبة بتحديد مستقبل السودان وهو الذي فرض وصايته على الشعب من ظهر دبابة. وبمناسبة ذكر الحزبية المرفوضة: الا يستوجب المنطق حل (المؤتمر الوطني) باعتباره حزب السلطة او الاسم الجديد للجبهة القومية الاسلامية؟ لكن لأن النظام لا يحكمه منطق فصدق عليه قول الدكتور حسن مكي المفكر الذي هو منهم واصبح على خلاف مع الترابي, فماذا قال: (ان الحركة الاسلامية بعد عام 1989 (اي بعد الانقلاب) اصبحت تدافع من منطلق الخوف على ضياع السلطة, ومن منطلق فقه الطاعة للحفاظ على مشروعها مما اوجب على الناس ان يحتفظوا بافكارهم وبنقدهم ويدخروه. صحفي سوداني مقيم في لندن*

Email