أمين المؤتمر الوطني الكردي لــ(البيان) : الحكم الذاتي في العراق حبر على ورق

ت + ت - الحجم الطبيعي

منذ انتهاء حرب الخليج الثانية, طلعت القضية الكردية كجمرة من تحت الرماد... وتوهجت اكثر خلال السنوات الاخيرة عبر تواتر الاحداث في العراق ... وفي تركيا على وجه الخصوص... واذا كانت الاسماء التركية المتداولة بكثرة وسط هذه الاحداث منحصرة في بعض الزعامات العسكرية مثل الطالباني والبرزاني فإن للقضية الكردية, قيادة قومية, تتخذ من لندن مقرا لها,... ويرأس هذه القيادة الدكتور جواد الملا, الذي يشغل منصب امين عام المؤتمر الوطني الكردي, ويسعى للم شمل الاكراد المشتتين بين خمس جهات متجاورة. وفي هذا اللقاء الخاص... يتحدث الدكتور الملا عن تاريخ القضية الكردية وعن مستقبلها... ويرد على تساؤلات كثيرة حول ضدية الاكراد للعرب... وتعاملهم مع اسرائيل... وقبولهم التوظيف الامريكي لتصفية حسابات اقليمية ... ويتحدث عن الكيل بمكيالين فيما يحدث في العراق وفي تركيا. كما يشرح خلفية الصراع الكردي ــ الكردي... وتفضيل الاكراد لنار هذا الصراع, على نار المظلة العراقية... وفيما يلي نص الحديث - نبدأ معكم بالسؤال.. لماذا تحول الاكراد الى اضداد ونقضاء للعرب؟ ــ لا ارى اي خلاف بين العرب والاكراد كشعوب... لكن الخلاف موجود بين الاكراد والانظمة العربية التي تنكرت لحقوق الشعب الكردي, وجعلت هذه الهوة تزداد يوما بعد يوم حتى اصبحت تصور على انها هوة بين العرب والاكراد... والحال انه لا يوجد فارق بينهما, باعتبار ان الجميع ابناء منطقة واحدة... وتحكمهم القواعد الجيوسياسية نفسها... ويجمعهم تاريخ اسلامي قديم... ففي سوريا, كما في العراق, كما في ايران وتركيا, تمارس الانظمة اضطهاد الشعب الكردي بدون وجه حق... ويكفي القول بأن هذا كردي حتى يتعرض لأعنف ردود الفعل... اننا لم نصل حتى الى مستوى القطط والكلاب في اوروبا... حيث بامكانها ان تحمل في رقبتها صفيحة معدنية تشير الى انها قطة... او انه كلب!... - نحن الآن على عتبات القرن الحادي والعشرين... هل تعتقد ان هناك مكان في القرن المقبل للقوميات الصغيرة؟ وأليس من الافضل للاكراد الاندماج وسط العالم العربي؟ ــ (الكردية) قضية قائمة بحد ذاتها... والشعب الكردي يضم اربعين مليون نسمة, يعيشون في منطقة جغرافية واحدة. لكن تفصل بينهم حدود سياسية مصطنعة قامت على اساس معاهدة (سايكس بيكو) بعد الحرب العالمية الاولى... وعلى اساس ذات المعاهدة, تم تقسيم دولة كردستان على دول المنطقة الاخرى وقبلت هذه الدول باحتلال بلادنا للاسف. اذن... فالقبول بالعيش مع الشعوب الاخرى, هو اطالة لعمر معاهدة (سايكس بيكو) ... ومعناه ان نكون حراسا امناء للحدود التي صنعها الاستعمار. فالشعب الكردي, كان مثل الشعب العربي تابعا للامبراطورية العثمانية... وكانت ارضه عبارة عن امارات بحكم محلي بين يدي الاكراد, والتاريخ يقول اننا لم نعان من العثمانيين الذين لم يتسلطوا على الاكراد... فتركوا لهم امر اختيار امرائهم من بينهم... ثم حصلت التجزئة... ومن واجبنا اليوم ان ندعو الى وحدة الاكراد. - اذا... انت اليوم بوصفك الامين العام للمؤتمر الوطني الكردستاني تدعو الى وحدة الاكراد جمعيا في ايران والعراق وسوريا وتركيا وجنوب الاتحاد السوفييتي سابقا... الا ترى ان هذا حلما يكاد يكون مستحيل التحقيق في ظل الظروف الاقليمية والدولية السائدة؟ ــ بعد حرب الخليج الثانية وضعت القضية الكردية على الاجندة العالمية... واصبح العمل فيها ايسر... خصوصا واننا لاحظنا توالي احداث كانت اعسر من القضية الكردية... مثل سقوط جدار برلين وتحود الالمانيتين وتفتت المنظومة الاشتراكية... وما حصل في يوغسلافيا السابقة... اي ما ترتب عن ذلك من نشوء دول مستقلة جديدة... هذا احيا الحلم الكردي... خصوصا بعد انهيار النظام العالمي القديم, واصبحت هناك قوة عالمية واحدة, يمكن التوحه اليها لحل المشكلة. - لكن هذه القوة الوحيدة, والتي هي الولايات المتحدة الامريكية لم تفعل خلال السنوات الماضية, سوى توظيف الاكراد في اتجاه مصالحها في المنطقة فقط... ولم يجن الاكراد شيئا مقابل ذلك؟ لا توجد لدى الغرب اية خطة لحل الازمة الكردية اضافة الى ان الثورة الكردية قائمة منذ مئات السنين, ضد الحكم العثماني وهذا معناه اننا لم نكن ننتظر ان يصبح العالم تحت هيمنة امريكا وحدها لنتحرك ونطالب باستقلالنا. - لم تجبني على سؤال... توظيف امريكا للاكراد.. بهدف تصفية حسابات في المنطقة العربية؟ ــ كل دولة في العالم تسعى لتحصين مصالحها... والامريكان لا يشذون عن هذه القاعدة لكن هذا لا يعني ان الاكراد موظفون لدى الدولة الامريكية؟ - هل تعتقد ان اكراد العراق مثلا... لم يقدموا خدمات كبيرة لامريكا حتى تصفي حسابها مع النظام هناك؟ ــ الشعب الكردي شعب غريق.. يتشبث بأي لوحة يمكن لها انقاذه, ولكن كان المفروض من الدول العربية والاسلامية ان يتفهموا وضعية هذا الشعب المقهور, قبل محاسبتهم على تحالفاتهم مع هذا او ذاك.. فاذا تفهم العرب المسلمون قضيتنا تأكد ان لا احد يستطيع توظيف الاكراد ضد اي كان. - الاكراد غرقى, ويبحثون عن خشبة النجاة... هل هذا ايضا هو الدافع لتعاملهم مع اسرائيل؟ ــ لا املك معلومات كافية حول هذا الموضوع... لكن دعني اقول ان اكثر من نصف العرب يتعاملون مع اسرائيل اليوم. - لعل هناك فارق ما بين العلاقات الدبلوماسية التي قد تقوم بين اسرائيل ودول عربية... وبين علاقات اخرى في واد آّخر تبعث على الاشتباه فيها... مثلما يحصل مع الاكراد؟ ــ قلت انني لا املك معطيات حول هذه التهمة... الا انني اقول في المقابل ان العرب خاضوا حربين مع اسرائيل... وخلال هذين المناسبتين عمد الزعيم الكردي الملا مصطفى البرزاني الى ايقاف القتال مع النظام العراقي... وعرض على الحكومة العراقية قوات كردية للمشاركة الى جانب العراق في الحربين. اذا... اعتقد ان اهذه كلها تهيؤات لدى البعض, يريدون بها تشويه صورة الاكراد, وتعميق العداء المصطنع اصلا, بينه وبين العرب. - حسنا... للاكراد قضايا وخلافات مع خمس دول... لماذ كل هذا التركيز على العراق لوحده.. هل لأنه اصبح مثل البقرة التي سقطت فكثرت سكاكينها؟ ــ القضية الكردية في العراق قديمة جدا وليست وليدة الاحداث الاخيرة... كردستان كانت موجودة قبل ان توجد اية دولة عربية في المنطقة... لكن الانجليز كانوا يرفضون التعامل مع الشيخ محمود لأنه كان ينحو الى الاستقلال عنهم, وفضلوا ابن الشريف حسين الذي نصبوه ملكا على العراق... ونفوا ملك كردستان الى الهند. - انا لست اناقش في التاريخ... لقد سألت... لماذا كل هذا التركيز على اكراد العراق... في حين ان للاكراد قضايا مع دول اخرى؟ ــ العراق اخل بشروط دولة العراق... فدولة العراق تشكلت بقرار من عصبة الامم... على اساس صيانة حدود العراق مع المنطقة الكردية بشرط احترام الحكومة العراقية لكرامة الشعب الكردي... والعراق اخل بهذا الشرط. - هل هذا يعني ان بقية الدول الاخرى احترمت كرامة الشعب الكردي؟ ــ طبعا لا... انا لا اريد مقارنة العراق بدول اسوأ منها... لكن لماذا تتوهج القضية الكردية في العراق؟ لأنها اصلب مقاومة... فهناك مناطق في كردستان العراق لم يشاهدها الجيش العراقي منذ اربعين سنة... وقد كنت اشرت الى ان المقاومة الكردية هناك قديمة جدا... ونحن نمثل اصلب نواة مقاومة لنا في العراق, ولذلك كانت دائما تصنع الحدث من هناك. - لكن العراق يبدو انه وفر للاكراد صيغة للتعايش افضل مما يلقونه في دول اخرى؟ ــ الحكم الذاتي الذي يزعم العراق منحه للاكراد, كان في الواقع حبرا على ورق... ففي نفس سنة توقيعه هجرت السلطات العراقية اربعين كرديا... وفي نفس الوقت تمت محاولة اغتيال ابن الملا مصطفى البرزاني في بغداد... ثم تمت محاولة اغتيال الملا مصطفى البرزاني نفسه من طرف النظام العراقي. هذا ما حصل من بغداد منذ اليوم الاول لتوقيع الاتفاق... وذلك فضلا عن المحاولات المسترسلة الى اليوم, بقصد تعريب منطقة كركوك الغنية بالنفط... وكركوك بالمناسبة تعاني اكثر من اية منطقة كردية اخرى في العراق. وهناك ايضا اسباب عديدة اخرى... تجعل من الاتفاقات المبرمة مع العراق غير ذات فائدة على الاكراد. - لكن في المقابل تظهر الاحداث والصراعات الكردية ــ الكردية, ان المظلة التي كان يوفرها العراق للاكراد... كانت تقيهم شر التقاتل الذي يحصل بينهم الآن؟ ــ خلال فترة الحكم العراقي ابيد حوالي نصف مليون كردي... وفي عملية واحدة خلال اسبوعين تم نقل 180 الف كردي الى الجنوب... والى الآن لا احد يعلم شيئا عن مصيرهم... رغم اعتراف بعض المسؤولين العراقيين بمائة الف منهم... واعود لما وصفته بالصراع الكردي المحتدم... يؤسفني القول بأنه ليس في الحقيقة صراعا كرديا... وانما هو صراع منطقة كاملة, فالحلقات المترابطة تؤدي الى تقتيل الاكراد لبعضهم البعض... ان ما يحدث هناك يذكرني بما حدث في لبنان, حيث كانت الحرب بين الفصائل, تعبيرا عن حرب بين المصالح الاقليمية في المنطقة, وترجمة لها على ارض لبنان. - هل تقصد ان البرزاني والطالباني يتحركان وفق اجندة اجنبية؟ ــ لا استطيع ان اقول ذلك... لكن لابد من الاعتراف بأنه توجد ضغوط كبيرة... فكل واحد منهما يحتاج الى منفذ للخارج... لكن لا استطيع ربطهم بعلاقة خيانية مع اية جهة كانت. - هل تقصد ايضا ان حال الاكراد اليوم افضل من حالهم امس عندما كانوا يعيشون تحت المظلة العراقية؟ ــ نعم... لكن انهم يعانون حصارين واحد عراقي... وثاني دولي, باعتبار الحصار المفروض على العراق.. يجعل اوضاعهم متدهورة اقتصاديا واجتماعيا. - الا ترى ان هناك مفارقة عجيبة... فعندما يتدخل العراق ضد الاكراد تقوم الدنيا ولا تقعد... في حين ان التدخل التركي ضدهم يقابل بهدوء؟ ــ العالم الغربي مثل بعض العرب والمسلمين... يكيل بمكيالين... فعندما كان اكراد الاتحاد السوفييتي المسلمون, خاضعون للهيمنة, ولم يقل مسلم لماذا يعيش هؤلاء المسلمون تحت هيمنة ديانة اخرى؟ اذن, فهذا الضجيج الذي يصاحب عمليات العراق, يناسب المصالح الغربية وبعض المصالح العربية... فيجد من يردده... في حين ان لا احد تقريبا يتحدث عن الانتهاك التركي لحقوق الاكراد لأن ذلك ايضا يواتي مصالح اخرى. - اذن كيف تكون القضية الكردية قد وضعت على الاجندة العاليمة, وسط هذه التقاطعات الاقليمية والدولية؟ ــ صحيح ان القضية الكردية وضعت على اجندة العالم... لكن بدون وجود خطة واضحة للحل. - هل هنا يأتي دوركم... لوضع خطة للحل؟ ــ نحن نسعى فعلا الى وضع هذه الخطة, من خلال اتصالاتنا الدائمة مع الدول وبعض الدول الشرق اوسطية وقد اجتمعت مؤخرا مع مسؤولين في وزارة الخارجية البريطانية, وشرحت لهم كيف انه من المعيب على المجتمع الدولي وهو يستعد للقرن الحادي والعشرين ان يسمح بتواصل نزيف شعوب بلا دول, ومنها الشعب الكردي. - بوصفك مسؤولا عن التنظيم الكردي القومي... هل لتنظيمكم علاقات تنسيق فعالة مع اكراد الدول الخمس؟ ــ لدينا فروع علنية وسرية, حسب الموقف في كل اجزاء كردستان واعترف ان الامور تمشي احيانا بشكل فعال, وتتعطل في احيان اخرى, مثل ما هو حال السياسة, ما يصلح اليوم قد لا يصلح للغد. - لماذا اخترتم اقامة تنظيمكم في الخارج؟ ــ حتى نبتعد بالقضية الكردية الرئيسية عن كل الضغوطات التي يعاني منها اكراد الداخل, لكن ذلك لا يمنع ان لدينا علاقات طيبة مع مختلف الفصائل الكردية, ننسق معهم الجهود ونتدخل للتهدئة. ونحاول بأقصى جهودنا توحيد المسعى الكردي نحو اقامة دولة مستقلة. - من اين يأتيكم الدعم؟ ــ من الاعضاء ومن رجال الاعمال الاكراد ولا دعم خارجي على الاطلاق. - العقيد معمر القذافي هو الزعيم العربي الوحيد الذي يعترف علنا بحقوق الاكراد, كيف ذلك في تقديركم؟ ــ انه الزعيم العربي الوحيد الذي انصفنا, وهو لم يقل الحق في قضية الاكراد فقط, بل ان العقيد القذافي يقول الحق في كثير من المسائل الاخرى وربما ذلك ما يجعل البعض ينفر منه ومن سياساته. ونحن على علاقة متواصلة معه, وقد زرته مرتين خلال العام الماضي. - وبماذا خرجت من هذين اللقاءين مع الزعيم الليبي؟ ــ خرجت بانطباع مؤداه ان ليس هناك حتى من بين الزعماء الاكراد من هو مستوعب للقضية الكردية اكثر منه, وقد طلبت منه المساعدة في ثلاثة امور, اولا: فتح اذاعة كردية, ثانيا: فتح معهد للكردولوجيا, لتحفظ الثقافة الكردية, وثالثا: الدفاع عن القضية الكردية في المحافل الدولية التي يتواجد فيها, وقد وعدنا بذلك وهو جاد في سعيه معنا. - سؤالي الاخير, لو نترك المسألة لتقديرك... في حدود اى مدى زمني يمكن للاكراد ان يحصلوا على مبتغاهم؟ ــ لاشك لدي بأن الدولة الكردية ستقوم لكن متى فإن الاجابة على هذا السؤال يتوقف على الشعب الكردي... وعلى المعطيات الدولية... ونحن بدأنا الاعداد لكوادر تتحمل مسؤولية الدولة الكرديةالقادمة, وفي انتظار تهيؤ الظروف المناسبة لاعلان دولتنا. اجرى الحوار في الدوحة فيصل البعطوط

Email