روما تحمل لواء الدفاع عنهم: وصول 800 لاجئ كردي الى إيطاليا

ت + ت - الحجم الطبيعي

يندر ان تكون هناك قضية ساخنة توافرت فيها المصادفات بشكل عجيب كتلك التي تواجه النازحين الاكراد الذين هربوا من تركيا ومن كردستان العراق بحثا عن ملجأ يقيهم من عنف واضطهاد الحكم في تركيا, وفيما كانت السفينة التي حملت مجموعة النازحين الاولى الى السواحل الايطالية تحمل اسم (آرارات) وهو جبل كردي يقال ان سفينة نوح رست عليه فان السفينة الثانية والتي رست (او بالاحرى ارساها خفر السواحل الايطاليين بعد ان هرب طاقمها من على متنها وتركوها تتلاطمها الامواج) حملت اسم (كوميتا) اي (شهاب عيد الميلاد), وليس هناك امر اكثر اثارة للدهشة في هذه المصادفات التي ترافقت مع هذه المأساة وحملت التناقض الحاد ما بين جمال وشاعرية اسم السفينتين وبين حالة البؤس التي كان عليها النازحون الاكراد سواء قبل الرحيل او خلال الرحلة المريرة التي قضوها عرض البحر. لكن هل تأتي المصادفات بـ (الصدفة) البحتة دون اية رابطة بماسبقها او ما سيأتي بعدها. هل هي نتاج للماضي ام استشراف للغد المستقبلي؟ المصدقون بقدرة الصدف يردون على هذا التساؤل بالايجاب والمكذبون يردون بالنفي القاطع وفي غالب الاحيان هم على حق, غير ان هذا الحق يجافيهم (ربما) فيما يتعلق بالنازحين الاكراد الـ 826 (واحصائية اخرى تقول انهم 835) الذين نزلوا من على متن سفينة 0آرارات) التركية التي تركها طاقمها تطمس في رمال الساحل الجنوبي في ايطاليا, بعد ان غادروها ولفهم المجهول بحماية مافيا ايطاليا الناشطة في افقر مقاطعة ايطالية في الجنوب (كلابريا). لكن الحق يجافي مكذبي قدرة الصدف, لان الاحداث التي تلت وصول (آرارات) الى الساحل الايطالي توحي بأن هذا الحدث, وان لم يكن ذا صلة وطيدة بالماضي, فانه قد يصبح مفتتحا لتطور كبير في الساحة السياسية العالمية بصدد قضية الشعب الكردي ومصيره. لأن ذلك سيعني وقف النزيف الذي يعاني منه الشعب الكردي سواء على صعيد الارواح والممتلكات او على صعيد النزوح الازلي الذي فرض على ابنائه مواجهته. وسيعني مبدأ الحوار على الصعيد السياسي الاعتراف بوجود هذا الشعب وهو المنطلق الاساسي للتوصل الى حل اي خلاف بين طرفين, اذ لن يفيد تركيا في شيء ان تواصل اطلاق اسم (اتراك الجبل) على الاكراد القاطنين ضمن حدودها المرسومة دوليا وفق اتفاقيات سايكس ــ بيكو, او ان تدمر القرى والمدن الكردية وتضرم اكواخهم وبيوتهم بالصواريخ والغازات السامة حتى ينتهي الشعب الكردي من الوجود, والتاريخ القريب بعلم الجميع, فكم حاول الاسرائيليون طمس هوية الشعب الفلسطيني دون ان يتمكنوا من ذلك قيد انملة, وها هو الشعب الفلسطيني يحاول كل يوم وساعة ان يبني دولته وكيانه المستقل. لكن اين وجه المصادفة المشار اليها في البداية انها تكمن في حادث وصول سفينة (آرارات) الى الساحل الايطالي. وعلى الرغم من ان (آرارات) ــ السفينة ــ بوضعها الذي وصلت فيه الى الساحل الايطالي, هي سفينة تحمل صفة الابحار مجازا, اذ ذهل القائمون على ميناء سوفيراتو كيف قاومت عصف الامواج على مدى ستة ايام في عرض المتوسط, (فهي مهلهلة ومهترئة وكانت معدة للتدمير والرمي في الانقاض قبل ان تقوم بالرحلة الاخيرة), فانها وصلت ورست في رمل الساحل الايطالي وفتحت بوصولها افقا يحمل في نهاياته ومضة نور صغيرة, فـ (الخلاص) للشعب الكردي من العذاب الدائم والتشريد والقتل يمكن ان يبدأ بعودة الملف الكردي على طاولة بحث الدول الكبرى, هذه المرة ليس من منطلق المصالح التي فرضت على الغرب حين انتبهت الى وجود الاكراد بسبب حرب الخليج وانتهى الاهتمام بهم لمجرد انتهاء (ام المعارك), بل من منطلق انه آن الاوان لـ (الفارس الكردي ان يترجل) هو الآخر. وبارقة الامل هذه نابعة من الموقف الرسمي الايطالي والذي سيحظى بالتأكيد بالدعم الاوروبي (الالماني والفرنسي والهولندي والسويدي) في طرح القضية الكردية في جميع المحافل الدولية, والربط العضوي بين حل القضية الكردية ووقف المجازر في جنوب تركيا وشمال العراق وعضوية تركيا الكاملة في الاتحاد الاوروبي, والاوروبيون يدركون جيدا ان في هذا الطلب طعم المقايضة لكن هل في السياسة امر غير خاضع للمقايضة والمصالح المتبادلة؟ ويدرك الاوروبيون ايضا ان بامكانهم استخدام هذه الورقة للضغط على تركيا, لأنهم يعلمون جيدا ان تركيا تحتاج الاتحاد الاوروبي اكثر مما يحتاج الاتحاد الى تركيا, وتبدو ايطاليا بحكومتها الحالية التي يترأسها رومانو برودي عازمة على توطيد موقعها الدولي وان لا يكون موقفها في الامور التي تخص الشرق الاوسط وحوض البحر الابيض المتوسط واهنا, ومثلما جعلت حكومة برودي قضية البانيا (حصان طروادتها) للعودة الى مسرح الاحداث الدولية, وتكافح الآن للحصول على مقعد للعضوية الدائمة في مجلس الامن الدولي, واصبحت قبل ايام الممول رقم خمسة في سلم ممولي الامم المتحدة, فان الملف الكردي, (بالاضافة الى كونه مسألة انسانية والايطاليون يقفون دائما في المقدمة للدفاع عنها) يمكن ان يتحول الى الجناح الذي تحلق به السياسة الخارجية الايطالية معيدة الى روما دورها التاريخي الغالي على قلب الساسة الايطاليين ــ باعتبارها الجسر الطبيعي بين اوروبا والشرق الاوسط, وتؤكد التصريحات الاخيرة, التي صدرت مساء الاول من امس عن اجتماع (القمة) الذي عقده التحالف الحكومي, عزم الحكومة الايطالية للسير قدما على هذا الطريق, سيما وان الموقف الرسمي, بالتعامل بايجابية مع طلبات اللجوء السياسي التي سيتقدم بها النازحون الاكراد للبقاء في ايطاليا يحظى بدعم اوساط واسعة من المعارضة البرلمانية ايضا, حيث طالب كل من حزب (التحالف القومي) (اليميني) وحزب (الى الامام يا ايطاليا) الذي يتزعمه سيلفيو بيرلوسكوني بـ (مبادرة دولية حول القضية الكردية) . ولخص رئيس المجموعة البرلمانية لحزب (اعادة البناء الشيوعي) السيناتور روستو سبينا الموقف الحكومي الايطالي بالقول (ان الحكومة الايطالية التزمت رسميا بأن تلعب دور الطليعة في طرح القضية الكردية في جميع المحافل الدولية (واضاف) ان الحكومة وعلى لسان وزير الداخلية جورجو نابوليتانو التزمت بالربط بين مسألة الربط بين حقوق الاكراد في تركيا والموقف الاوروبي من تركيا داخل الاتحاد الاوروبي. وصرح وزير الخارجية الايطالي لامبيرتو قوله نجري الآن مشاورات مع الدول المعنية بالهجرة الكردية من نظرائنا في الاتحاد الاوروبي للتوصل الى موقف موحد للحوار مع تركيا وذلك لمواجهة حالة الطوارىء الناتجة عن قضية المهاجرين الاكراد من تركيا, ديني قوله (ان هذه القضية لا تخص ايطاليا لوحدها, بل هي قضية ينبغي ان تدرس وتواجه على الصعيد الاوروبي) وطالب وزير الخارجية الايطالي بأن تقوم دول اتفاقية شينغين بأجمعها بالتحرك تجاه تركيا, في هذا الصدد. ووصف بيان صدر عن لجنة العلاقات الخارجية في حزب الاغلبية الحاكمة (اليسار الديمقراطي) موقف الحكومة الايطالية بأنه مشجع وينبغي دعمه بكل الوسائل. روما ـ عرفان رشيد

Email