تحد جديد يواجه العرب: مناورات (المتوسط) الثلاثية نواة لحلف استراتيجي

ت + ت - الحجم الطبيعي

تشكل المناورات العسكرية المشتركة التي ستجرى اليوم الاثنين في عرض البحر الابيض المتوسط, بين اسرائيل وتركيا والولايات المتحدة الامريكية , تحديا جديدا يواجه المنطقة خلال هذه المرحلة المضطربة التي تشهد المزيد من الفوضى وتفاعلات عدم الاستقرار, وتكمن خطورة مثل هذه المناورات اساسا في انها ستؤدي الى زيادة مستوى التوتر في الشرق الاوسط وستخلق تحالفات عسكرية جديدة من شأنها ان تخالف قواعد النظام الاقليمي الذي قد تشكل في العقود الماضية. وينظر الجانب العربي الى هذه المناورات من زاوية تهديدها المباشر لمسألة الامن القومي ذلك ان اختيار البحر المتوسط كمسرح لاجراء المناورات وبالقرب من المياه الاقليمية لسورية, يعد انتهاكا سافرا لمبادىء واسس عملية السلام التي كانت قد انطلقت من مدريد في العام 1991. وتؤكد المصادر العربية بأنه ليس صحيحا ما يدعيه الجانبان التركي والاسرائيلي من ان هذه المناورات ليست موجهة ضد احد, وانها تحمل طابع التدرب على الانقاذ والاسعاف في البحر المتوسط, بل ان الواقع يقول بأن تلك المناورات تنطوي على مجموعة من الخطط والمشروعات العسكرية والاستراتيجية التي يراد ــ من خلالها ــ اختبار فعالية التنسيق الامني القائم بين اسرائيل وتركيا, وانشاء نواة فعلية لتحالف عسكري جديد في الشرق الاوسط, وتعكس مشاركة الجانب الامريكي في هذه المناورات نوعا من الاحتضان السياسي لهذا التحالف المتنامي بين انقرة وتل ابيب, كما يعني الاعلان عن مشاركة الاردن في هذه المناورات محاولة مكشوفة من جانب اطرافها البارزين واضفاء الطابع العربي عليها.. وايهام الرأي العام العالمي بأنها ــ اي المناورات ــ لاتشكل اي تهديد ضد احد في المنطقة, بدليل ان دولة عربية (الاردن) قررت الاشتراك فيها, الامر الذي سيساعد على الترويج للعقولة السلمية لهذه المناورات. الاهداف والابعاد: وعودة سريعة الى قصة المناورات التركية ـ الاسرائيلية تكشف النقاب عن اهدافها ابعادها الاستراتيجية الخطرة, فقد كان مقررا اجراء هذه المناورات خلال عام 1997 وبسبب الاحتجاج الواسع النطاق الذي اثارته لدى الاوساط العربية والاسلامية فقد تم تأجيلها مرتين في محاولة من شريكيها البارزين: تركيا واسرائيل, امتصاص موجة الانتقادات والاحتجاجات في المنطقة وتهدئة الخواطر والترويج لبعض المقولات والمفاهيم التي تتحدث عن طابع تدريبي روتيني للمناورات, وفي هذا الاطار قام الرئيس التركي ــ سليمان ديمريل ــ بجولة موسعة في عواصم المنطقة خلال النصف الثاني من عام 1997, ساعيا الى اقناع الدول العربية بأن المناورات عادية وهي ليست موجهة ضد اية دولة عربية. وخلال زيارته للقاهرة دعا الرئيس التركي مصر الى المشاركة في هذه المناورات وذلك حتى يضفي المزيد من (السلمية) على اهدافها ومراعيها, وقد جاء الرفض المصري, لكشف الاهداف والابعاد الاستراتيجية لهذا التطور الدارماتيكي في العلاقات التركية ــ الاسرائيلية. ووفق المصادر السورية المطلعة فان هذه المناورات ترمي الى تحقيق الغايات التالية: 1- ارساء نواة شاملة لحلف استراتيجي جديد في الشرق الاوسط, قوامه اسرائيل وتركيا عبر تغطية مباشرة من جانب الولايات المتحدة, وبعض الدول العربية, وقد جرى ترشيح الاردن للمشاركة لاسباب تندرج في سياق العلاقات المتنامية بين الاردن واسرائيل من جهة والاردن وتركيا من جهة اخرى. وواضح ان حلفا كهذا لابد ان يكون موجها ضد جميع الدول العربية والاسلامية بشكل عام وسورية بشكل خاص باعتبار ان دمشق تشكل (العدو المشترك) لكل من انقرة وتل ابيب. 3- تمكين اسرائيل من تهديد المياه الاقليمية لسوريا عن طريق نقل السفن والبوارج الحربية الاسرائيلية الى مناطق قريبة من السواحل السورية, والتدريب على عمليات انزال بر مائية للوصول الى المنطقة الساحلية في سوريا, في حال وقوع حرب جديدة في المنطقة ويعد هذا تطورا نوعيا في استراتيجية اسرائيل العسكرية وسعيها الى احكام الطوق الاستراتيجي حول دول المواجهة ممثلة بسوريا التي تشكل قاعدة الدفاع العربي. 3- افساح المجال امام الاسطول الحربي التركي للاقتراب اكثر من مسرح النزاع مع اليونان حول بحر ايجة وجزيرة قبرص, والرد على قرار دول الاتحاد الاوروبي برفض قبول تركيا كعضو كامل العضوية فيه والسيطرة على مجريات الصراع مع اثينا, والبدء في تنفيذ خطط ضم قبرص الى تركيا. 4- دعم وتطوير وتعميق التعاون العسكري بين اسرائيل وتركيا من خلال توسيع دائرته الاستراتيجية ليشمل البحر بعد ان ترسخ في مجالي البر والجو, وهذا من شأنه ان يحقق مكاسب هامة جدا لاسرائيل ــ بصورة خاصة ــ لان السيطرة على مسرح العمليات في البحر المتوسط, لابد ان يفيد تل ابيب كثيرا في اية حروب لاحقة قد تقع في المنطقة وتكون مكرسة لنشاطها التوسعي العام. 5- احكام الطوق الاستراتيجي حول الدول العربية من خلال تحقيق التواصل العسكري والامني بين الوجود الامريكي والغربي في منطقة الخليج, والوجود العسكري الجديد لكل من اسرائيل وتركيا في عرض البحر الابيض المتوسط, وهذا سيؤدي بالضرورة الى تهديد دائم وواسع للامن القومي ــ العربي, حيث ان منظومة هذا الامن ستكون بالضرورة الى تهديد دائم وواسع للامن القومي ــ العربي, حيث ان منظومة هذا الامن ستكون خاضعة لعوامل استلاب وضغط من الخارج يمكن ان تضاف الى عوامل التهديد الداخلي وكذلك برمجة الوجود العربي على نطاق الوطن العربي بهدف السيطرة على مقدرات الثروة العربية وابقاء هذه الثروة تحت رحمة القرار الدولي بعيدا عن المصالح الوطنية والقومية العربية ومن المؤكد ان هناك مجموعة من الاهداف السياسية الاخرى التي يمكن تداولها بين الاطراف الثلاثة: الولايات المتحدة واسرائيل وتركيا وفق معطيات الموقف العربي والاقليمي على السواء. لمصلحة من؟ وكما هو واضح فان هذا كله يثير مجموعة من التساؤلات المشروعة حول الطريقة التي ستدير عبرها الادارة الامريكية الانشطة العسكرية والاستراتيجية التي ستفرزها مرحلة ما بعد المناورات ولعل من ابرزها السؤال التالي: لمصلحة من يجرى تصعيد الموقف العام في المنطقة؟ ومن هو المستفيد من هذا كله؟ واين موقع عملية السلام التي التزمت بها الولايات من مجمل هذه التقاطعات والتفاعلات. بذلت سوريا ومعها الدول العربية جهودا حثيثة ومركزة من اجل اقناع تركيا بالعدول عن سياسة التحالف العسكري والامني مع اسرائيل والعودة الى محيطها العربي والاسلامي وتحسين علاقات الجوار مع دول المنطقة, وكان آخر تلك المحاولات ما جرى في القمة الاسلامية الثامنة التي عقدت مؤخرا في طهران فقد سعت سوريا الى حث الجانب التركي على اعادة النظر في علاقاته التحالفية مع اسرائيل او على الاقل تجميد اتفاق التعاون العسكري المبرم بينها وبين اسرائيل وقد باءت كل هذه المحاولات بالاخفاق حتى ان ديمريل تعمد مغادرة القمة الاسلامية قبل انتهاء اعمالها ومناقشاتها معبرا بذلك عن موقف الرفض والمعارضة لقرار القمة بشأن قيام تركيا بتجميد علاقاتها التحالفية مع اسرائيل, وتحقيق قدر واسع من التفاهم مع الدول العربية والاسلامية ولم يكتف الجانب التركي بهذه المواقف الاستفزازية بل بادر الى اطلاق موجة من التهديدات ضد الدول العربية, ولاسيما سوريا محملة اياها مسؤولية النشاط الارهابي الذي تتعرض لها تركيا. وجاء الاعلان عن اجراء المناورات العسكرية المشتركة بين اسرائيل والولايات المتحدة وتركيا كنوع من الرد على مبادرات حسن النية التي طرحها الجانب العربي والاسلامي وتصعيدا دراماتيكيا لسياسة الاستفزاز والتحدي التي تمارسها انقرة في كل ارجاء المنطقة. وكشفت مصادر عربية مطلعة ان واشنطن كانت بصدد الغاء المناورات لتجنب ردات الفعل العربية ولكن الضغوط التي مارستها انقرة على كل من الولايات المتحدة واسرائيل ادت الى تحديد موعد جديد لهذه المناورات والاصرار بالتالي على ادخال الشرق الاوسط في مرحلة شاملة من الاضطراب الاستراتيجي وفتح الباب واسعا امام بروز خطوط المحاور والاحلاف التي جرى تطبيقها في العقود الماضية فكانت المحصلة هذا الكم الهائل من الازمات والعواصف التي تضرب المنطقة في الوقت الحاضر والناجمة اصلا عن تفاعلات تلك السياسة. دمشق ـ يوسف البجيرمي

Email