عندما تقرر أن تستكشف العمق التاريخي في سلطنة عمان؛ فلا بد أن تقودك رغبتك إلى ولاية صحار، حيث تقف واحدة من أشهر القلاع العمانية شامخة في وجه البحر، تسامر أمواجهه العاتية وتقص عليه حكايات الملوك والسلاطين الذين تعاقبوا عليها وكيف أنها كانت أبرز الخطوط الدفاعية في تاريخ الحروب العمانية إلى أن أصبحت اليوم من أبرز المتاحف التي تقوم بدور نقل تاريخ طويل وعريق على مر السنين لواحدة من أقدم الحضارات الإنسانية.
وقلعة صحار هي الحصن الحصين لعمان في البوابة الشمالية في سنوات الحروب، وبين حجراتها نشأت دولة آل بو سعيد (الأسرة الحاكمة في سلطنة عمان)على يد الإمام أحمد بن سعيد البوسعيدي.
والقلعة تقع في مدينة صحار المدينة الأقدم في سلطنة عمان، حيث إنها كانت مركزا لاستخراج وتصدير النحاس إلى دول العالم القديم ونسبة إليها سميت عمان قديما (مجان)، والذي يعني جبل النحاس. كما أنها وبحكم موقعها على ساحل خليج عمان كانت تشكل ميناء عالميا يربط بين الموانئ الخليجية وموانئ الهند والصين، ويعتقد الكثيرون أنها منشأ أسطورة السندباد. وقد ذكرها العديد من المؤرخين والجغرافيين على مدى العصور وأشادوا بأهميتها في كتبهم. كما أن عبد وجيفر ابني الجلندى (ملكا عمان في عهد الرسول صلى الله عليه وسلم)، استقبلا رسوله إلى عمان عمرو بن العاص فيها. كما ذكر بأنه عند وفاة الرسول الكريم عليه السلام كفن بثوبين صحاريين.
وتعتبر قلعة صحار أحد المعالم التاريخية البارزة في سلطنة عمان وتعد من أهم القلاع والحصون في منطقة الباطنة كافة نظرا إلى موقعها المتميز ودورها الكبير الذي لعبته طوال القرون الماضية ويرجع تاريخ بنائها إلى نهاية القرن الثالث عشر وبداية القرن الرابع عشر الميلادي، حيث توضح الحفريات الأثرية المكتشفة حول القلعة في عام (1980) بأن بناءها يرجع إلى القرن الرابع عشر الميلادي في الطرف الجنوبي من المدينة، وأن «أمراء هرمز» هم الذين قاموا ببنائها في عهد ملوك بني نبهان. وفي داخل قلعة صحار توجد عدة آبار للمياه الصالحة للشرب، كما تنتشر بها عدة أبراج كانت تستخدم للرصد والمراقبة والدفاع عن المدينة عند اللزوم. وفي الطابق الأرضي منها يوجد قبر السيد ثويني بن سعيد بن سلطان.
ومن بين أبرز موجودات القلعة نفق يبلغ طوله 35 كيلومترا كان يستخدم منفذا للدخول والخروج من القلعة أثناء الحصار في زمن الحروب باستخدام الخيول. وقد تسبب النفق في العصر الحديث بالكثير من الانهيارات بعد أن انتشر العمران على طول خط النفق.
وتضم القلعة حالياً متحفاً، تم افتتاحه في عام 1993 يتناول الكثير من الجوانب الأثرية والتاريخية لمدينة صحار وغيرها من المواقع الأخرى في سلطنة عمان، كما يتناول هذا المتحف أهمية الدور الذي لعبته تجارة النحاس في هذه المدينة وعلاقتها مع مدينة كانتون في الصين، إضافة إلى عرض الكثير من القطع الأثرية التي عثر عليها أثناء التنقيبات الأثرية داخل القلعة وفي مواقع مختلفة من عمان.
تعرض محتويات المتحف في غرف القلعة، والتي تتوزع على أدوارها الثلاثة وباب القلعة الرئيسي يحمل على عتبته العلوية نقش دون فيه اسم الإمام عزان بن قيس(أحد أئمة عمان) ويؤدي الى فناء واسع بالدور الأرضي ومنه توجد مداخل لعدد من الغرف حيث الغرفة الأولى وهي الموقع الذي خصص سابقا للغسيل والاستحمام، أما الغرفة الثانية، فقد عرض فيها بعض القطع الأثرية من ضمنها خنجر نحاسي وسوار وجدا في أحد القبور بالقرب من عبري ويعودان إلى الألف الثاني قبل الميلاد، كما يعرض فيها قطعة لسبيكة نحاسية تعود إلى الألف الثالث قبل الميلاد وتزن 1700 جرام.
إضافة إلى ذلك يوجد في هذه الغرفة من المتحف، معلومات تشير إلى حضارة صحار قبل التاريخ، وهي فترة التكوينات الجيولوجية التي تعود لملايين السنين، وعلى جانب آخر من هذه الغرفة يوجد سرد لأسطورة الملك «جوديا»، التي تتناول قصة الملك مع الحجارة المجلوبة من أرض مجان والذي أمر بعدها أن ينحت له تمثال من ذلك الحجر، والتمثال الذي تم نحته من هذا الحجر يعرض حاليا في متحف اللوفر في باريس.
أما الغرفة الثالثة فيوجد فيها ضريح السيد ثويني بن سعيد بن سلطان الذي حكم خلال الفترة 1856 - 1866م.
ويتناول تاريخ صحار الفترة ما قبل الإسلام وتاريخها القديم، كما يوجد فيها كذلك قطع فخارية تعود للقرنين الرابع والخامس الميلاديين وقطع من السيراميك المشكل وقطع لجرة مزخرفة تعود للقرن الخامس الميلادي وفي جانب آخر منها تعرض الخطوات التي يتم بها إنتاج الحرير من دودة القز .
أما القاعة الثانية ففي غرفتها الأولى تعرض خارطة توضح طرق التجارة القديمة (طريق الحرير) والأسطورة المتعلقة بتجارة وإنتاج الحرير، كما تعرض بعض المسكوكات والعملات النقدية القديمة التي يعود أقدمها إلى القرن السادس الميلادي وبعضها إلى القرنين الثامن عشر والتاسع عشر الميلادي وقد نقش عليها أسماء الأماكن التي سكت فيها ، وتعتبر هذه المسكوكات بمثابة دليل على الوضع التجاري المزدهر في عمان، وخاصة مدينة صحار.
كما يعرض في هذه الغرفة نموذج لخندق حفر عام 1986م لمعرفة تاريخ نشأة مدينة صحار، حيث أمكن قراءة تاريخ المدينة منذ الوقت الحاضر وحتى بداية تأسيسها على شكل طبقات متعاقبة، فاللون الأصفر يوضح الطبقات الإسلامية الحديثة من القرن الثامن الهجري/الرابع عشر الميلادي وحتى الوقت الحاضر، اللون الأخضر يوضح طبقات العصر الإسلامي المبكر من القرن الأول الهجري/السابع الميلادي وحتى السابع الهجري/ الثالث عشر الميلادي، اللون الأرجواني يوضح طبقات عصر ما قبل الإسلام من القرن الأول الميلادي وحتى السادس الميلادي أما اللون الرمادي فيوضح طبقة الأرض البكر.كذلك تعرض في هذه الغرفة بعض المكتشفات الأثرية التي تم العثور عليها أثناء الحفر داخل فناء القلعة.
الغرفة الثانية : تعرض نسخة من نص رسالة الرسول، صلى الله عليه وسلم، إلى أهل عمان يدعوهم فيها للإسلام، وقد حمل الرسالة اثنان من الصحابة هما عمرو بن العاص السهمي، وأبو زيد الأنصاري، حيث قدما إلى عمان والتقيا بابني الجلندى ـ عبد وجيفرـ في صحار. كما تعرض وصف المقدسي لمدينة صحار في القرن العاشر الميلادي، وقصة وصول البرتغاليين إلى صحار بتاريخ 16 سبتمبر1507م بقيادة البوكيرك وحدود الدولة العمانية أثناء حكم اليعاربة والبوسعيد.
أما الغرفة الثالثة فتعرض جانبا من احتفالات عُمان بالعيد الوطني الثاني والعشرون «عام الصناعة»، الذي أقيم بمدينة صحار، كما تعرض الوضع الذي كانت عليه القلعة عام 1960م و1980م ونماذج القنابل التقليدية القديمة التي استخدمها العمانيون في الحروب وبعض الأسلحة البرتغالية والترميم الذي جرى للقلعة عام 1992م. والقاعة الثالثة عبارة عن قاعة المحكمة القديمة، يطلــــق عليها «البرزة» وكان محددا للقاضي والوالي الاجتماع في هذه القاعة للقضاء في أول يوم سبت من كل شهر.
وقلعة صحار ببنائها الشامخ إلى يومنا هذا وتاريخها العريق ومتحفها الذي يزخر بالكثير من المقتنيات والمعلومات التاريخية القيمة يعد أحدا أهم الوجهات السياحية التي يقصدها السياح من مختلف أرجاء السلطنة والدول الخليجية والأجنبية .