تواصل الجهود لاستخراج أنقى وقود أحفوري وتسويقه عالمياً

غاز الميثان كنز مدفون ينتظر الانطلاق

ت + ت - الحجم الطبيعي

يحافظ سوق الطاقة العالمي على توازنه الحالي بصعوبة فائقة، فحساسية هذا السوق تعتمد بشكل كبير على كمية الطاقة المُنتجة عالمياً، باختلاف أنواعها ومصادرها. إلا أن ما قد يعتبر الهاجس الأكبر للقائمين على هذا التوازن الهش هو استخراج غاز الميثان ودفعه إلى السوق ليصبح مادة تجارية تخضع لقوانين العرض والطلب. وعلى الرغم مما يحدثه استخراج هذا الغاز بشكل تجاري من تغييرات عميقة على خارطة الطاقة في العالم، إلا أن الأمر لا يزال بعيدا بسبب ما يواجهه من مشكلات تتعلق بصعوبة رصده وارتفاع كلفة استخراجه.

التنقيب عن الميثان

ذكرت مجلة «نيو ساينتست»، في تقرير نشرته حول هذا الموضوع أخيرا، أن البحث عن غاز الميثان، أحد أكثر أنواع الوقود الأحفوري صداقة للبيئة، ليس بالأمر الجديد، إلا أن التكلفة العالية المصاحبة لعملية استخراجه وما يتطلبه الأمر من تطوير معدات خاصة لذلك، فضلاً عن تنافسيته من حيث العرض والطلب إذا ما قورنت بالصخر الزيتي ورمال الجير وأبار الطاقة التقليدية، كلها أسباب منعت دولًا كثيرة من تكريس جهود حثيثة لاستغلاله.

وبينما تتنوع مواطن غاز الميثان، تم اكتشاف كميات كبيرة منه في قاع بحيرة «بيكال» في روسيا، التي شكلت منذ عقود نقطة ارتكاز للأبحاث الروسية بشأن غاز الميثان. فمنذ عشرات السنين يعمل علماء من مختلف أنحاء العالم على دراسة كيفية استخراج الغاز من البحيرة. ويقول أوليغ خلستوف، الجيولوجي في مؤسسة ليمنولوجيكال للأبحاث : «لقد استضفنا علماء من كل مكان، يابانيين وبلجيكيين وهنوداً وآخرين». وتتميز بحيرة بيكال بنوعية مياهها، التي لا تعتمد على الأمطار بل على قطع الجليد المذابة فيها.

وتعرف العلماء في بدايات القرن التاسع عشر، على أشكال هيدرات الميثان الغريبة التي لفتت انتباههم لتحليلها ودراسة مكوناتها، بحيث ظهرت على شكل قطع جليدية تحبس فيها جزيئات غازية متطايرة. وتتشكل تلك القطع الجليدية لدى دخول مواد عضوية إلى الماء واستقرارها في القاع وأكسدتها. وبينما تتغذى الميكروبات على تلك المواد العضوية، تنتج غاز الميثان الذي من المفترض أن يخرج مرتفعا إلى السطح، إلا أن إنتاج الغاز الذي يتم على أعماق معينة يتأثر من الضغط العالي ودرجة حرارة المياه المنخفضة، ما يحبس جزيئات الغاز المتطايرة في قوالب مائية تستقر في القاع. ولدى محاولة استخراج ذلك الغاز تكون الحال شبيهة بطرق استخراج الصخر الزيتي، بحيث يخرج غاز طبيعي لا رائحة له وقابل للاشتعال.

وقود مميز

وعلى الرغم مما يقال عن غاز الميثان مقارنة بالهيدرات الأخرى، إلا أنه قد يكون الغاز الأكثر صداقة للبيئة. وتجدر الإشارة إلى أن غاز الميثان غير المحترق ذو تأثير أكبر على الغلاف الجوي من غاز ثاني أكسيد الكربون، ولكنه يبقى مدة أقصر في الجو لدى احتراقه، كما أنه يطلق نسبة أقل من غاز ثاني أكسيد الكربون مقارنة بالفحم والنفط. فضلاً عن أنه يخلو من الرماد والزئبق، الأمر الذي يؤهله ليتم استخدامه بشكل كبير.

وتتجمع هيدرات الميثان بكميات كبيرة تفوق بكثير نظيراتها من الغازات الأخرى في العالم، ويقدر مخزون الغاز على شاكلة القوالب الجليدية حول العالم ما بين (10) مرفوعة إلى أس 15 إلى (10) مرفوعة إلى أس 17 متراً مكعباً، مقارنة مع غطاء «غرين لاند» الجليدي. وتشير إحصاءات «يو أس جيولوجيكل» إلى أن الكمية المذكورة من غاز الميثان تضاهي ضعفي كمية الطاقة المخزنة في الأنواع الأخرى من الوقود الأحفوري حول العالم مجتمعة.

ويسهل من الناحية النظرية استخراج غاز الميثان من مكامنه، فبتقليل الضغط ورفع درجة الحرارة قد يتسرب الغاز من تلك القوالب الجليدية إلى سطح البحر، ويوضح أوليغ خلستوف، الجيولوجي في مؤسسة ليمنولوجيكال للأبحاث: «تذوب جزيئات الميثان بهذه الطريقة كالسكر في قدح الشاي».

إلا أن التجارب العملية كشفت عن صعوبات حقيقية تواجه عمليات استخراج الغاز، تتمثل في عراقيل سياسية واقتصادية وأخرى لوجستية. ويشار إلى ان الخصائص الدقيقة لأنواع الهيدرات الموجودة تحت سطح البحر لا تزال عصية على فهم العلماء، الذين يؤكدون في الوقت ذاته على أن أفضل الظروف المتوافرة لاستخراج غاز الميثان في هيئة القوالب الجليدية تقبع في ثلاث مناطق جغرافية يطلق عليها اسم «النقاط الحلوة» وهي المنطقة الجليدية في سيبيريا وشمال أميركا، وفي قاع البحر القريب من الشواطئ الباردة، والرواسب على عمق 100 إلى 300 متر تحت قاع المحيط.

وتعكف دول عدة على البحث عن أفضل الطرق لاستخراج الميثان واستخدامه في خطوة تسعى من خلالها إلى تعزيز اعتمادها الذاتي على الطاقة، ومنها الهند واليابان والصين وكوريا الجنوبية. اليابان والميثان

بدأ العلماء اليابانيون بتعقب مكامن غاز الميثان بشكل كبير بعيد إغلاق أغلب مفاعلات اليابان النووية منذ نحو عامين، بعد أن سببت الهزات الأرضية و"تسونامي" انهيار مفاعل "فوكوشيما" النووي، الأمر الذي كبد اليابان خسائر بشرية ومادية جسيمة، ودفعا إلى الاعتماد على الغاز الطبيعي المسال المصدر إليها من قطر وبروناي. الخسائر هذه أفضت إلى عجز كبير في ميزانية اليابان، ما سرع من برامجها المعتمدة منذ عقود للبحث عن غاز الميثان. وقد استطاعت أخيراً، عبر الطرق التقليدية لاستخراج الغاز، الحصول على 20 ألف متر مربع من الغاز يومياً لمدة ستة أيام، ما شجع الباحثين على تطوير معدات حديثة للاستفادة من هذه الطاقة.

Email