أسماء الأعاصير .. هكذا بدأت وهكذا تطورت

ت + ت - الحجم الطبيعي

أثار إعصار "ساندي" الذي يضرب الولايات المتحدة الأمريكية حالياً العديد من الأسئلة، لعل أبرزها يتعلق بسبب تسمية الأعاصير بأسماء نساء في الغالب.

سنحاول هنا تقديم نبذة توضيحية عن هذا الأمر لتلبية فضول القارئ وتقديم معلومات واقعية بعيداً عن التكهنات والتهكمات التي يتم تداولها عبر شبكات التواصل الاجتماعي والهواتف الذكية.

بدايةً، يجدر الإشارة إلى أن سبب إطلاق أسماء على الأعاصير هو لتفادي الخلط أو الالتباس الذي قد يقع فيه الناس، خاصة في المناطق التي تكثر فيها الأعاصير المدارية. فلتجنب سوء الفهم في التنبؤ بالطقس، ولضمان وضوح التحذيرات والتنبيهات من العواصف، يتم إعطاء الأعاصير أسماء.

في العصور الماضية، لم تكن هناك آلية أو منهجية محددة لتسمية الأعاصير. كانت الأعاصير تُسمى إما بأسماء بعض القديسين مثل إعصار "هرقل"، "سانت بول"، "سانت لويس"، و"سانتا ماريا"، أو بأسماء السنوات التي حدثت فيها مثل إعصار 1898م، وإعصار 1906م، أو بناءً على الموقع الذي حدثت فيه مثل إعصار ميامي وإعصار هيوستن، أو بحسب المنطقة مثل "إعصار غالفستون" و"إعصار ميامي".

ترجع بداية التسمية النظامية إلى عالم الأرصاد الجوية الأسترالي كليمنت راج (1852 – 1922)، حيث أطلق على الأعاصير أسماء البرلمانيين الذين كانوا يرفضون التصويت على منح قروض لتمويل أبحاث الأرصاد الجوية. ويقال إنه كان في بعض الأحيان يطلق على الأعاصير أسماء النساء اللاتي يكرهنه، بينما هناك رأي آخر يقول إنه كان يطلق أسماء النساء اللواتي يحبهن، ولكن هذا الرأي يُعتبر ضعيفاً.

تمكن السياسيون من إبعاد أنفسهم عن عملية التسمية بأساليبهم المختلفة، فتم إلحاق التسمية بالعنصر النسائي الأضعف. وقد عزز ذلك وجود تشابه بين الأعاصير والنساء، حيث يُعتبر من الصعب التنبؤ بعنف المرأة، فهي ذات أمزجة متقلبة وقد تظهر غضبها بشكل مفاجئ مثل الإعصار.

رأي آخر يشير إلى أن تسمية الأعاصير بأسماء النساء كانت بدافع الأمل في أن تكون أعاصير المستقبل ناعمة ولطيفة، كحال النساء. وهناك من يرى أن الأسماء كانت مؤنثة في البداية لأن كلمة "إعصار" باللغة الإنجليزية (Hurricane) مؤنثة، مثل "سفينة"، مما جعل السياق اللغوي يفرض استخدام "أسماء أنثوية" للأعاصير.

خلال الحرب العالمية الثانية، طورت القوات المسلحة الأمريكية نظاماً لتسمية الأعاصير. حيث كانت القوات الجوية والبحرية الأمريكية تتابع الأعاصير في شمال غرب المحيط الهادئ، ولمنع تعدد الأسماء والاختلاف حولها، كان خبراء الأرصاد الجوية العسكرية يطلقون أسماء على الأعاصير بناءً على أسماء زوجاتهم أو صديقاتهم.

بعد الحرب العالمية الثانية، أعدت الأرصاد الجوية الأمريكية قائمة أبجدية بأسماء الإناث، ارتكزت على فكرة استخدام أسماء قصيرة وبسيطة وسهلة التذكر. وفي مطلع عام 1950، ظهر أول نظام لتسمية الأعاصير، حيث تم اختيار الأسماء حسب الأبجدية الصوتية العسكرية. ثم في عام 1953، تقرر العودة إلى الأسماء النسائية وتم تعميم هذه الأسماء على مناطق عدة بما في ذلك المحيط الهادئ والمحيط الهندي وسواحل أستراليا. وتم تهذيب عملية التسمية بحيث يُعطى الإعصار الأول اسم امرأة يبدأ بأول حرف أبجدي، والثاني باسم امرأة تبدأ اسمها بالحرف الأبجدي الثاني، وهكذا مع مراعاة أن تكون الأسماء قصيرة وسهلة النطق والتذكر، وتم إعداد قائمة لـ 84 إعصاراً كلها بأسماء إناث.

في عام 1979، قامت المنظمة العالمية للأرصاد الجوية، بالتنسيق مع الأرصاد الجوية الوطنية الأمريكية، بتوسيع هذه القائمة لتشمل أيضاً أسماء الرجال. وتم طرح قوائم جديدة بمعدل قائمة لكل 6 سنوات تتضمن أسماء مذكرة ومؤنثة، بحيث توضع أسماء مسبقة للأعاصير المتوقعة. وتُطلق هذه الأسماء تباعاً (وبحسب قائمة أبجدية) وغالباً ما تكون مألوفة بين الناس في المناطق التي تمر بها الأعاصير. إذا زادت حدة الإعصار، يُشطب الاسم من القائمة ويُستبدل بآخر يبدأ بالحرف ذاته، كما حدث مع الإعصار "أندرو" الذي ضرب جنوب الولايات المتحدة في أغسطس 1992، مخلفاً 23 قتيلاً وخسائر بقيمة 21 مليار دولار، وإعصار "ميتش" الذي دمر المحاصيل والموارد، وإعصاري "تشارلي" و"إيفان" اللذين ضربا فلوريدا وكوبا بين أغسطس وسبتمبر 2004. لذا فإن أسماء الأعاصير التي تسببت في أضرار كبيرة لن تتكرر في القوائم المستقبلية.

ولا تحمل العواصف الاستوائية أسماء إلا إذا وصلت قوتها إلى ما بين 8 و11 درجة على مقياس بوفورت، أي ما بين 65 و110 كيلومترات في الساعة. وفي بعض الحالات، يمكن أن يحمل الإعصار اسماً جديداً غير مدرج في القائمة، كما حدث مع إعصار "كاترينا" الذي سُمي باسم موظفة اكتشفت قدومه إلى الشواطئ الأمريكية. وكذلك بالنسبة لإعصار "ريتا" الذي سُمي باسم امرأة، مما يضيف بريقاً إلى القصة.

بعد ذلك، قررت بلدان شرق آسيا الابتعاد عن الأسماء الأمريكية وبدأت تسمي أعاصيرها بأسمائها الخاصة، مثل إعصار "تيد" وإعصار "فرانكي" التي كانت أسماء أمريكية أطلقت على الأعاصير الآسيوية، وذلك بسبب عدم فهم شعوبها لها. فاستُخدمت أسماء حيوانات بدلاً من الأسماء البشرية، مثل إعصار "دامري" الذي يعني "الفيل" باللغة الكمبودية، وإعصار "كيروجي" الذي هو اسم نوع نادر من البط البري في كوريا الشمالية.

تتضمن قائمة الأسماء أيضاً أسماء من هونج كونج واليابان ولاوس وماكاو وماليزيا وكوريا الجنوبية والفلبين وتايلاند وفيتنام، مثل إعصار "جونو" أو "غونو" الذي ضرب السواحل العمانية ويعني "الحقيبة المصنوعة من سعف النخيل" بلغة سكان المالديف الأصليين.

أما في شمال المحيط الهندي، فتقوم الأرصاد الجوية الإقليمية المتخصصة ومقرها في نيودلهي، الهند، بتسمية الأعاصير نيابةً عن الدول الأعضاء في المنظمة الدولية للأرصاد الجوية. وتشمل قائمة الأسماء إعصار "ليلى" الذي تطور في المحيط الهندي مقابل ساحل أندرا براديش، وتم تسميته من قبل باكستان، وإعصار "باندو" الذي سميته سريلانكا، وإعصار "فيت" الذي سميته تايلاند.

تضم قائمة الأسماء 64 اسماً يتم استخدامها للأعاصير في شمال المحيط الهندي، حيث تتناوب الدول الثماني في اختيار الأسماء. وأسماء آخر 7 أعاصير في المنطقة كانت: "نيشا" من بنجلاديش، "بيجلي" من الهند، "إيلا" من المالديف، "فايان" من ميانمار، "ورد" من عمان، "ليلى" من باكستان، و"باندو" من سريلانكا، وإعصار "فيت" من تايلاند.

Email