مسك الختام فعاليات متعددة استقطبت العائلات وأبهجت زوار الحصن

الجمهور يودع أيقونة الثقافة الظبيانية

الأسلاف كانوا يعودون من البحر والمهرجان أعاد البحر إلى الأحفاد

ت + ت - الحجم الطبيعي

 أسدل الستار، أمس، على مهرجان قصر الحصن، الذي انطلق 11 فبراير الجاري. وقد لفتت هذه الدورة، التي نظمت برعاية صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان ولي عهد أبوظبي نائب القائد الأعلى للقوات المسلحة، الأنظار لحسن تنظيمها وتنوع معطياتها، كما استطاعت أن تسلط الضوء على أهمية قصر الحصن التاريخية، باعتباره المكان الأقدم والصرح السيادي الأول في تاريخ بناء وتأسيس أبوظبي.

وقد ضم الحدث العديد من الفعاليات التراثية التي ركزت على أهم الصناعات التقليدية، والحرف والفنون الشعبية، وتوزعت على أركان المهرجان الأربعة: البحر، الصحراء، الواحة، والحي وتوزعت الفعاليات في ساحات تسع استعرضت قصة نشوء وتطور أبوظبي.

«لئلا ننسى»

أتاح المهرجان الفرصة لزوراه للاطلاع على معرض «لئلا ننسى»، الذي قدم التاريخ الشفاهي للعمارة الإماراتية في فترة السبعينيات والثمانينيات من القرن الماضي، ومعرضاً عن قصر الحصن نفسه، ضم عدداً من الصور التي تشكل مسلسل تاريخ هذا القصر، إلى جانب إتاحة الفرصة للتجول في جنبات هذا الحصن المنيع وأجنحة المعيشة فيه، وكانت هذه بصمة الدورة الثالثة، حيث فتحت للمرة الأولى أمام الزوار.

وخلال هذه الدورة فتح المجمع الثقافي أبوابه للزوار، بعد طول غياب وطول شوق إلى أجوائه التي كانت مترعة بالثقافة والفنون والمعارف، ونظم في قاعته الكبرى عدد من الورش التراثية التي تستهدف الأسر.

قصص الأعماق

في أركان مهرجان قصر الحصن، كان ممكناً الاستماع إلى قصص عن البيئة المحلية، كيف فرضت على الناس أنماطاً معينة من أسلوب الحياة والنشاط، مثل الغوص، وزراعة أنواع من الأشجار، والاستفادة منها بأكثر من طريقة، وكلها قصص مشبعة بالواقع، تجعل الزوار، بالأخص الأطفال منهم، على دراية أوسع بما حولهم وما كان قبلهم، سبراً لأغوار مفردات البيئة وطرق المحافظة عليها.

شكلت قصص الغوص في تاريخ الإمارات تاريخاً طويلاً يحتفظ به رجال البحر، الذين يحضرون في ركن البحر في ساحة المهرجان، منهم النوخذة أحمد محمد صالح، الذي لا يزال يمارس الغوص في سواحل أبوظبي حتى الآن. وحول ذكرياته عن الحياة السابقة وأيام الغوص قديماً قال: تميز الغوص قديماً بالتعب، إلى جانب المخاطر والمخاوف التي يتحدها البحار.

وأوضح: كان البحار يسافر مع المجهول، ويغيب شهوراً ثم يعود من دون أية عائدات، وقد يغيب أياماً ويأتي برزق وفير، وبعضهم يخرج إلى البحر ولا يعود مرة أخرى، وأضاف: كنا مجبرين عليه لأنه كان مصدرنا الوحيد، كنا نتعامل بالمقايضة مع أهل البر، نعطيهم السمك، ويوفرون لنا المؤونة من طحين وسكر وأرز.

أنواع الغوص

وكشف عن رحلات الغوص قائلاً: هناك أنواع من رحلات الغوص، فرحلة الغوص الكبرى تمتد إلى أربعة أشهر. وأضاف: إلى جانب الرحلة الكبرى يوجد أنواع من الغوص تتم في زمن أقل مثل غوص «الردة» التي تمتد من 15 إلى 20 يوماً، بينما تبلغ مدة رحلة غوص «الرديدة» يومين إلى خمسة أيام..

ولكل رحلة منها «محملها» أي القارب الذي يناسبها، منها الجلبوت المستخدم في رحلات الغوص الكبرى التي كان يطلق عليها الهيرات الكبار.

وأضاف: أما الرحلة المتوسطة «الرَدة» فكان يستخدم فيها «البوانيش والهواري»، التي كانت تستخدم أيضا في الرحلة الصغيرة «الرديدة» وأشار صالح إلى أن غوصه كان يرتبط بغوص اليوم الواحد، بحيث يذهب في الصبح ويرجع بعد المغرب، وأضاف: حين أقوم بالغوص ما كنت أستخدم أية تجهيزات.

نادي الزراعة

شجع نادي الزراعة الواقع عند مدخل بيئة الواحة، الأطفال على زراعة النباتات بأيديهم، ويتم هذا بواسطة مشرفين يشيرون على الأطفال بأن يأخذوا «الأصيص» المخصص للزراعة، ليمزجوا قسماً من الرمل مع ثلاثة أقسام من التربة الزراعية..

 ويستخدموا المغرفة لوضع التراب في وعاء صغير، ويعلموهم كيفية الزراعة بإعداد حفرة صغيرة في التربة، ووضع البذور التي يختارها الأطفال من أصناف عدة في التربة المناسبة.

معلومات علمية

كما يوفر النادي الكثير من المعلومات العلمية حول عدد من النباتات المحلية، التي تنمو في المنطقة، ومن أبرز هذه المعلومات أن جميع النباتات تعود أصول أسمائها إلى اللغة اللاتينية، وقد منحت أسماء شعبية عرفت بها. وقد تعرف الزوار إلى النباتات المنتشرة في المنطقة واستخداماتها.

يعد جوليان والكر، الضابط السياسي الذي جاء إلى الإمارات عام 1953 للعمل مع دار الاعتماد البريطانية في الشارقة وعمره أنذاك 24 سنة، شاهداً على جزء من الماضي، ويصف في مذاكرته كيف اتجه إلى تعلم اللغة العربية بعد التحاقه بالخارجية البريطانية. وحال وصول جوليان إلى الشارقة، عهد إليه عن طريق الصدفة بترسيم الحدود بين الإمارات الشمالية، بعد نشوب نزاع حول ملكية بئر«طوي»..

وأصبح بعد ذلك يعتبر الخبير البريطاني الأول في ترسيم الحدود بين الإمارات. ويصف جوليان أول زيارة له إلى قصر الحصن في العام 1953، فيقول: قطعنا الطريق من الشارقة إلى أبوظبي عن طريق خور، ومن ثم جبل علي، وتبعنا بعد ذلك طرقاً متشعبة حتى وصلنا المقطع، وانتظرنا انحسار الماء للعبور..

وعندما وصلنا قصر الحصن، استقبلنا الشيخ شخبوط على باب القصر، تصورته أمامي وكأنه الملك تشارلز الأول (ملك بريطانيا في مطلع القرن السابع عشر)، وسلمنا رجال الشيخ مجموعة من البنادق كنا قد أحضرناها هدية للحاكم، وطلب منا الشيخ أن ندخل معه إلى مجلسه الخاص...

حيث قدم لنا القهوة، بعد ذلك طلب مني الحاكم أن أصعد معه إلى غرفته الخاصة، وصلنا إليها عن طريق سلم لولبي داخل البرج القديم، وأراد أن يبحث معي تطورات قضية البريمي، وأن يستلم مني الرسالة الخاصة، التي كنت أحملها من المعتمد البريطاني، كانت غرفته الخاصة بسيطة وقليلة التأثيث، فيها بعض السجاد على الأرض وسرير كبير من الخشب.

من بينالي البندقية إلى قصر الحصن

يعتبر معرض «لئلا ننسى»، الذي اطلع عليه زوار المهرجان خلال فعالياته التي انقضت أمس، أول مشاركة لجناح الدولة في المعرض الدولي للعمارة، ضمن بينالي البندقية، خلال دورته الرابعة عشرة في العام 2014.

وأتت استعادته بغرض التركيز على الهدف الأساسي، الساعي إلى توثيق وأرشفة الفنون العمرانية والتنمية الحضرية الحاصلة في المجتمع الإماراتي. والمعرض الذي تشرف عليه مؤسسة سلامة بنت حمدان آل نهيان، يعتبر مبادرة تعليمية تهدف إلى صون وأرشفة الحاضر الإماراتي، باعتباره التراث الحديث لدى الإماراتيين، التماساً لوعي أكبر يقوم على التفاعل والمشاركة عبر استذكار المعلومة والحديث عن الانطباعات الشخصية حولها.

Email