العروض الفنية تزداد زخماً وحضور نسائي لافت

الحدث البهيج يودّع الزوار بـ «الدخون» والأغاني

البؤرة التي شعت منها الحياة

ت + ت - الحجم الطبيعي

حقق مهرجان قصر الحصن في دورته الثالثة نجاحاً كبيراً أشاد به عدد كبير من المواطنين والمقيمين والسياح، لما انطوى عليه من أنشطة معبرة عن ثراء وتنوع مفردات التراث والفولكلور الإماراتي الممتد عبر التاريخ.

ولقد شكلت الدورة الثالثة احتفالية متجددة لأسلوب تقديم التراث المحلي بصورة جذابة، بعد أن أصبح هذا الحدث البارز الذي تنظمه هيئة أبوظبي للسياحة والثقافة تقليداً سنوياً، يحتفل بكل تفاصيل الماضي، مبرهناً أن مضامينه تعيش في وجدان الناس، خصوصاً في ظل التفاعل الكبير الذي شهدته الدورة من فعاليات متنوعة توزعت على أركان أربعة تستحضر البيئة ومفرداتها عبر:

الصحراء، والواحة، والحي الذي يحكي قصة أبوظبي، وأخيراً البحر وما أدراك ما البحر ودوره في حياة الماضي. أي أن تلك الأركان قد شملت كل الجغرافيا التي تتوزع عليها وجوه الحياه السابقة في الإمارات، حيث استعادها المهرجان..

وأضاف إليها الفنون الشعبية الأخرى فخرجت الصورة النهائية بهية نالت استحسان الجميع، كما افتتح المهرجان هذا العام أبواب قصر الحصن للزوار مستعيداً قيمته التاريخية باعتباره نواة لنشوء أبوظبي، ووصولها إلى كل ما هي فيه الآن من ازدهار وتطور.

أغان مختلفة

عند الانتقال من مساحة إلى أخرى في المهرجان تتغير الموجودات، فالتجول يحتاج إلى دقة الملاحظة والخوض في التفاصيل، يحدث هذا والناس تستمع إلى الموسيقى والأغاني الشعبية، التي تقدمها بحرفية عالية فرقة شباب العين لفنون العيالة كل يوم على مدار أيام المهرجان.

والفنون الشعبية، ليست كل شيء ففي زوايا أخرى نجد عازف الربابة يغني على ألحانها الشجية، وفي ركن البحر يغني البحارة أهازيج أهل البحر أو ما يعرف باللهجة المحلية بـ «النهمة» والتي كثيراً ما غناها البحارة في رحلاتهم بحثاً عن اللؤلؤ، والتي قد تستمر لشهرين أو أكثر، لهذا جاءت الأغاني مشبعة في الكثير من الأحيان بالحنين.

حضور نسائي:

اللافت في المهرجان هذا العام ذلك الحضور النسائي الكبير، فبعضهن يحولن بمهارة بالغة خامات (الخوص) إلى أطباق وسلال، وفي ممارسات أخرى يمارسن حرفة خياطة الملابس النسائية، وتركيب «التلي» وهو ما يعكس في المحصلة مشاركة «حاميات التراث» وهن الأسر المنتجة بإدارة مؤسسة التنمية الأسرية..

وفيها استحضرت النساء العديد من الممارسات الشعبية مثل التعريف بـ «بيت الزهبة» واستقبال الزوار بالدخون والعطور، وعرض جهاز العروس من الذهب والملابس الموجودة في الصناديق الزاهية الألوان..

وفي مكان محدد من «بيت الذهبة» تجلس العروس الإماراتية بكامل زينتها، وسط ترحيب من السيدات اللواتي يقدمن الضيافة للزوار والمكونة من القهوة والتمر والأكلات الشعبية، كل هذا يجذب الناس للتجمع لمشاهدة العرس الإماراتي التقليدي.

فنون جميلة

وفي ركن آخر تجلس سيدات يحيين صناعة الخوص عبر توجيهها نحو أغراض يحتاجها الإنسان الآن مثل صندوق المناديل الورقية، أو سلة المهملات، أو إلى علب مزخرفة تستخدم لحفظ الحاجيات الشخصية، وحافظات الهواتف المتحركة، بأحجام مختلفة، وأباجورات للإضاءة، وغير ذلك الكثير مما يمكن استخدامه في حياتنا المعاصرة، الأمر الذي يجذب الأجانب أيضاً إلى التعرف إليها واقتنائها.

أما رحلة صناعة هذه المنتجات الجميلة، فتبدأ كما قالت إحدى السيدات منذ فصل أوراق النخيل الخضراء عن جذع الشجرة، ومن ثم تجفف بوضعها معرضة لأشعة الشمس مدة تصل إلى أربعة أيام، ومن ثم تنظف وتقطع إلى أربعة أجزاء، أما لمن رغب بوضع الألوان عليها فيتم هذا بطريقة وضعها في قدر يحتوي على الماء المغلي مع أحد الملونات المطلوبة، ومن ثم تجفف من جديد، إلى أن يتم استخدامها.

وجبات إماراتية

أتاح المهرجان الفرصة لزواره لتذوق أصناف من المأكولات الإماراتية، والتعرف إلى طرق إعدادها، كما عرضت السيدات طرقاً توضح فيها الخطوات المتبعة للحصول على الألبان من أنواع الحليب المختلفة، كحليب الماعز والإبل والبقر، وذلك عبر خطوات عدة أولها وضع الحليب في «السقا» ....

وهو إناء مغلق بإحكام مصنوع من الجلد، يستخدم لخض الحليب من أجل الحصول على الدهن والزبد واللبن، فبعد خضه يوضع على النار حتى يصل لمرحلة الغلي، ومن ثم يترك ليبرد وبعدها يضاف الملح ويترك لمدة يوم يتحول من بعدها الحليب إلى روب بعد أن يذهب منه الماء، ويظهر ما يسمى بالجامي.

دكاكين شعبية

أما في منطقة قريبة من المأكولات فيمكن للزوار شراء بعض المنتجات من الدكاكين الشعبية التي وضعت في ساحة المهرجان، وفيها العديد من المنتجات المصنوعة يدويا، مثل الصناديق الخشبية، والسلال والأطباق، وأنواع كثيرة من البهارات والبخور المصنوعة يدوياً، واستقطب هذا السوق خلال أيامه العديد من الزوار الإماراتيين والعرب والأجانب، لما احتواه أحياناً من منتجات تحمل من فنون الماضي الكثير.

القهوة تتجدد

في الركن الخاص في القهوة في ساحة المهرجان، يمكن للمتجول التعرف إلى طريقة صنع القهوة، وعلى صوت الربابة يشرح راشد القايدي مكانة القهوة قائلاً: هناك تقاليد عدة في تقديم القهوة من أهمها تقديم القهوة باليد اليمنى، وهز الفنجان إن اكتفى الضيف بفنجان واحد..

وإن لم يكتفِ يصب له المضيف فنجانا آخر. وأضاف يجب أن تكون القهوة متوفرة دائماً في المجلس، على أن يقوم رجل خاص على خدمتها، فلا تخمد نارها أو ينطفئ جمرها لأن القهوة يجب أن تكون ساخنة باستمرار، وطازجة، وصعبة بأن تشرب دفعة واحدة إنما يجب أن يكون هذا على دفعات.

وأشار إلى أنه إذا اختلت هذه القواعد كأن تقدم القهوة باردة فهذا يعني عدم احترام الضيف. وقال جرت العادة على أن تقدم القهوة بكميات قليلة، وإن قدم الفنجان للضيف ممتلئاً فيعتبر هذا إيحاء بعدم رغبة المضيف باستقبال الضيف لأمر ما ولذلك عليه إنهاء زيارته بسرعة.

وقال ارتبط تقديم القهوة بالتمر، وفي حال رغب المضيف بتقديم التمر يجب أن يكون هذا قبل تقديم القهوة.

وأوضح القايدي: من تقاليدها القديمة أن يسأل الضيف من ولا ما هو السبب في زيارته، ولا عن المكان الذي جاء منه إلا بعد انتهائه من شرب القهوة.

للماء حكايات

جاء في قصة تأسيس قصر الحصن، أن الماء العذب كان أساساً للاستقرار في أبوظبي، تُروى قصص في ساحة المهرجان عن علاقة الإماراتيين بمصادر الماء بأكثر من طريقة، من خلال مشاهد سحبت من الماضي، يجسدها نساء يتجولن ساحات المهرجان وهن يحملن الأواني الفخارية المملوءة بالماء على أكتافهن..

وبالتعرف أكثر إلى هذا التقليد يمكن تفسير الأسباب التي جعلتهم يستخدمون الفخار دون غيره، وذلك لما يتميز به من قدرة على حفظ المياه باردة صيفياً، أما مصدر المياه فهو «الطوي» أو البئر، والتي كثرت في أنحاء الإمارات على دروب القوافل القديمة، واستحضر المهرجان شكله القديم، ووضع «الدلو» ليدل على عمله كوسيط لجلب الماء.

علامة فارقة

المهرجان الذي يختتم اليوم، سجل لنفسه مكانة وعلامة مميزة كمهرجان تقليدي سنوي، يستقطب الجمهور إليه عبر العديد من الفعاليات التراثية والورش التي استحسنتها الأسر.

وفضلاً عن عروض الأطفال اللافتة هذا العام فإن فتح أبواب المجلس التشريعي للزوار كان من الإضافات المهمة في الدورة الثالثة، ومقر المجلس الاستشاري الوطني لإمارة أبوظبي شيد كمبنى خاص في العام 1968 بجوار قصر الحصن، ليشهد فيما بعد أهم القرارات الوطنية، وخلال جولة في المجلس يمكن للزائر الاطلاع على عملية تطوير المبنى التي تمت في ثمانيات القرن الماضي.

«زهبة العروس» أمام الجمهور

يشد زوار المهرجان عرض موكب العروس، كصورة حية معبرة عن طقوس العرس الإماراتي القديم، حيث يسير حملة «زهبة العروس» وسط غناء وأهازيج الأهل، لإيصالها إلى بيتها.

ويجري استعراض ذلك أمام الزوار، ليكتشفوت ما تضمه زهبة العروس الاماراتية، من مجوهرات وعطور وثياب يكون فيها عادة «الكنادير المخورة» ومجموعة من الأقمشة الحريرية، ذات البهاء والجاذبية، إلى جانب السراويل والبراقع والشيل والعباءات، ويستمر العرس لمدة سبعة أيام قبل يوم الزفاف، حيث تؤدي الفرق الشعبية عروضها.

Email