عن دراسته المتميزة «الحكاية الشعبية في الموروث الثقافي لِبَدو الإمارات»

عبدالحافظ عوّاد: جائزة العويس للإبداع تقدير فارق في حياتي

ت + ت - الحجم الطبيعي

حصل هذا العام مُعلّم الفيزياء الأردني في إمارة الشارقة، عبدالحافظ عوّاد على جائزة العويس للإبداع 2019، عن مسابقة أفضل بحث عن الإمارات في الدراسات الإنسانية والاجتماعية، وهي دراسة توثيقية بعنوان «الحكاية الشعبية في الموروث الثقافي لِبَدو الإمارات» وكأنه كان على يقين بأن علم الفيزياء أساس العالم الطبيعي، وأن الرياضة العقلية الصافية تجعل الإنسان ينصت بعمق لكل ما حوله، فبحثَ في المرئي ليقوده إلى اللامرئي، واجتذبته الأصوات القديمة بعد أن أوشكت على التلاشي، ذاهباً إلى الصحراء ورحابة «السيوح» الفسيحة كي يُطلِقَ فيها حواسّ الباحث.

استنطاق

بوصفك معلما لمادة الفيزياء، تقوم بفهم القوى الطبيعية وأبوابها وتحللها لتلاميذك، فمن أي باب دخلت لتجد ضالتك في الحكايات الشعبية؟

حينما كنتُ أستنطقُ طَلَبتي علميّاً داخل الفصول وأرقبهم خارجها، كنتُ ألمح في إجاباتهم والسلوكيات قيماً عروبيّة قيّمة، أغوتني تلك القيم للبحث عن أصل الحكاية. هل الموئل الأصل فيها يرجع إلى الأسرة! فلنبحث إذاً كيف نَظَمَتْ تلك العوائل عقد لآلئها طيلة أعوامٍ طويلة. لا شكّ في أنّ السرود الشفويّة كانت أحد المصادر الغنيّة التي ترفد هذا المجتمع البدوي بتلك القيم المتوارثة. وهكذا بدأتْ خيوط هذه الدراسة.

 

ما الإشكاليات التي واجهتك وأنت تقوم بهذه الدراسة الصعبة والمهملة على الرغم من أنها مليئة بالأساطير والرمزيات...؟

جُلّ ما يحرّكني هو المحاولة لردّ الجميل لمجتمع طَيّبٍ أحيا في حاضنته الدافئة الخصبة بكل احترام ممزوجٍ بفضاءات الأمان والاطمئنان على اتساعاتها. عمل فرديّ استغرقني عامين، ولم يكن من هدف واضح لمستقبل هذه الدراسة التوثيقية، تبقى الكنوز الشفويّة من شفاه شوّاب وعجائز البدو قبل أن تندثر وتغيب مثلما غابت أصوات الراحلين! وبالتالي من الواجب أنْ أُشير إلى الدور المحوري لصديقي البدويّ المخضرم حمد سالم بن شرارة الكتبي الذي آمن بأهمية ما أقوم به من عمل، فَسَرّب لي شيئاً من طاقته الإيجابية والكثير من جُرعات الإيمان بهذا البحث، اللذين منحاني قوّة فائقة للاستمرار حتى إنجاز هذا التوثيق.

 

والآن، ما أقرب حكاية شعبية لك بعد إنجازك عشراً منها؟

المخبوء هو الأجمل والفتّان، لذا فإنّني أُقنع نفسي بأنّ القادم هو الأقرب والأروع الذي لم ألتقطهُ بعد! ذاك يُشكّل لي قوة دافعة ذاتيّة كي أتجاوز هذه العشر الجميلات إلى المزيد من الحكايات. أدبُ البادية ما زال بِكراً وغنيّاً ويأسرني.

لذا سأطمح إلى أن أزيدها في المستقبل؛ لالتقاط المزيد من هذا الأدب الشعبي الذي ما زالتْ بقاياه تحوم في فضاءاتنا قبل أن يتلاشى ولم نسمع ما يقصّها بعد على مسامعنا من البدو الرائعين.

 

عشق محض

منطقة الثميد في المنطقة الوسطى بالشارقة ذات بيئة صحراوية شاسعة ومترامية والتنقل فيها أفقي على شكل مثلمة الحواف من المدام إلى حتا ومزيرع جنوباً ثم العودة إلى فلج المعلا والذيد شمالاً... كما قلت، تحدث عن مدى تعمقك في هذه الأرض؟

أنا محضُ عاشقٍ لهذه الأرض بكل تفاصيلها، أهيم في ندودها وأهوارها، كثبانها والسيوح منذ عقدين من الزمان. يأسرني صفاء إنسانها البدوي. البدو لا يعرفون اللون الرمادي أبداً، يمتلكون ذات الصفات النادرة والعادات القيّمة والقيم السامية التي تغنّى بها شعراء العصور الجاهلية، رغم أنّهم منغمسون في التحضّر والعولمة والتقنيات الحديثة.

منذ عشرين عاماً وأنا أتماهى مع البدو، أنسكبُ كل مساء مع حكاياتهم الشعبيّة في عِزَب إبلهم مثلما ينسكبُ «لبن البوش» في أكواب كَرَمهم، ولا أصبر عن مخالطتهم مثلما لا يصبرون هُم عن قهوتهم العربية الأصيلة. أرقبهم عن كَثَب، أستقرئ انفعالاتهم، أرصد إشاراتهم، وأتيهُ في روعة المعاني العظيمة التي تحملها أحاديثهم.

أحمل جهاز تسجيلي وأستأذنهم في رصد هذه السرود الشفويّة النادرة. يسعدون لهذا الفعل ويثنون على من يرصد شيئاً يسيراً من أدبهم البدوي.

 

لماذا يتوجّس الباحثون عادة من البحث في المجتمعات البدوية برأيك ولا يحاولون الدخول إلى مجاهيلها؟

ربما كانت الأحكام المُسبقة هي السبب، كما يخطئ البعض خطأً فادحاً إذا افترض ضحالة الأدب الشعبي في مجتمعات البدو، بَيد أنّ الأدب الشعبي عندهم غني ومتنوّع الأطياف؛ فهنا يوجد الشعر الشعبي والنبطي، وتوجد الأمثال الشعبية، وتوجد الحكايات المتوارثة...

 

موثوقية

حدثنا عن دراستك المشبعة بالشواهد الصوتية كيف تم تحويلها إلى نصوص؟ أو دعنا نقول ما درجة الموثوقية في النصوص القديمة المنقولة شفهياً؟

الموثوقيّة تغدو في أبهى صورها وأعلى درجاتها حينما يتّكئ الباحث مباشرة على المصادر، وليس على المراجع.

كنتُ ألتقطُ الحكاية الشعبيّة من مصادرها التي وصلتني بالتواتر. أسجّلها على هاتفي أثناء سماعي للرواة في جلسات سمرنا الليلي. وحينما أعود إلى البيت أعمل على تفريغ تلك اللفائف الصوتية إلى نصوص مع إضافة لمساتي الخاصّة في طريقة القصص لتغدو أكثر جاذبية وتشويقاً لكل من يقرأها.

وحينما تعجزني بعض المفردات حسب مستوى فهمي أعود في الليلة التالية لأستفسر من ذات المصادر حول معناها.

وبعد أن أُنهي كتابة الحكاية أعود فأسردها على مسامع الرواة للتأكّد من موضوعيّة النقل. ثمّ بعد ذلك أنتقل للضفّة الأخرى من البحث المتمثّلة في عمليات الرصد والاستقصاء لمنظومة القِيَم الإنسانية والاجتماعيّة والجمالية المُحتواة في تلك الحكايات.

 

وأخيراً، ما تأثير جائزة العويس في نفسك اليوم؟

منحتني الجائزة هذا التقدير الفارق لي في حياتي، ووسمتْ بحثي ليكون الفائز بالمركز الأول ضمن فئة أفضل بحث إنساني اجتماعيّ عن الإمارات، فإنّني أستمدّ الفخر بهذا الفوز من فخري بالتاريخ الطويل لهذه الجائزة والاعتزاز بهذا الكمّ النوعي للحواضن الأدبية المترامية على امتداد هذه الدولة العظيمة التي تُشكّل ملاذات للمبدعين في الدولة وعلى امتداد ست وعشرين دورة من عمرها المديد.

 

جوائز وأبحاث

ـــ حاصل على جائزة العويس للإبداع في دورتها السادسة والعشرين – المركز الأول في فئة أفضل بحث إنساني اجتماعي عن الإمارات (10 يونيو 2019)

ـــ حاصل على جائزة المركز الأول في مسابقة التربية الإعلامية على مستوى وزارة التربية والتعليم – فئة أفضل مقال. مايو 2017

ـــ حاصل على جائزة الشارقة للتميز التربوي – فئة المعلم المتميز - عام 2004. الدورة الرابعة عشرة.

ـــ حاصل على شهادة مشاركة في جائزة الشيخ حمدان بن راشد آل مكتوم للأداء التعليمي المتميز عام 2006.

ـــ حاصل مع طلابه على جائزة المركز الأول على مستوى الدولة في مسابقة الأبحاث التربوية، للعام الدراسي 2012-2013.

ـــ بحث بعنوان مدى مواكبة منهاج الفيزياء الجديد للصف العاشر«هاركورت» بدولة الإمارات العربية المتحدة لأساسيات بناء المناهج العالمية الحديثة.

ـــ بحث بعنوان قياس اتجاهات طلبة الثانوية العامة في المدارس الحكومية بالمنطقة الوسطى من إمارة الشارقة نحو العمل أو التعليم العالي. 2013 – الجائزة الأولى على مستوى الدولة.

Email