أوسكار وايلد.. المقولات الحكيمة والفلسفة الصادمة

ت + ت - الحجم الطبيعي

كتب المسرحي والروائي والشاعر الإيرلندي أوسكار وايلد في مقالة بعنوان «الناقد كفنان»: «الرجل عندما يتحدث بصفته الشخصية بالكاد يكون نفسه. امنحه قناعاً يخبرك الحقيقة».

وكان هذا الأديب معروفاً بسخريته اللاذعة ومقولاته الحكيمة وفلسفته الاجتماعية الصادمة، بأقنعة كثيرة مليئة بالتناقضات. وقد كان شاعراً وسارد أمثال وصحافياً تقدمياً، لكنه كان أيضاً نخبوياً بريطانياً وقومياً إيرلندياً، حسبما تظهر المؤرخة ميشيل مندلزوهن في كتابها الصادر حديثاً «صناعة أوسكار وايلد»، مشيرةً إلى مؤثرات مهمة طبعت أعمال هذا الأديب الكبير الذي تلقى تعليمه في ترنيتي كوليدج ودبلن وأكسفورد.

وتُبيّن الكاتبة أن موهبة وايلد المستفزة كانت قد ظهرت للمرة الأولى عام 1892 في مسرحيته الهزلية «مروحة الليدي وندمير»، لكنها، وفقاً لمندلزوهن، كانت تختمر منذ زمن بتأثير من مسرح التسلية الساخر من بعض الفئات، المعروف بـ«المنستريل» الذي كان شائعاً في الولايات المتحدة في القرن التاسع عشر.

وكان قد توجه إلى تلك البلاد عام 1882 في جولة محاضرات عن علم الجمال، برعاية ريتشارد دويلي كارت الذي كان يرغب في الترويج لمسرحية غيلبرت أند سوليفان «الصبر»، ففشل فشلاً ذريعاً، وتحول إلى أضحوكة في جامعتي هارفرد وييل، حيث سخر منه الطلاب ومن لباسه (سروال قصير وجوارب من حرير)، ورقصاته الغريبة على المسرح.

جولة

قد تكون الكاتبة استمدت مصادرها على الأرجح من تلك الجولة والملصقات العنصرية التي صوّرت وايلد ببشرة سمراء وشفاه منفوخة وتسريحة إفريقية، وفقاً لمحرر صحيفة «غارديان» البريطانية. فالولايات المتحدة وقتئذٍ كانت تتميز بتسلسل يضع الإيرلنديين والسود معاً في أسفل الهرم الاجتماعي، وقد حاول وايلد في تلك الجولة رفع شأنه بمقارنة نفسه بأوضاع المزارعين الجنوبيين، والتقى برئيس الولايات الكونفدرالية جيفرسون ديفيس في الجنوب الأميركي، فبدا عنصرياً غير نادم على ذلك.

لكن شيئاً آخر حدث معه في تلك الجولة أيضاً، وفقاً لمندلزوهن، إذ اكتشف وايلد الذكي الفطن موهبته عبر تكرار مقاطع انفعالية وإطلاق بديهيات لاذعة، فبدا كإحدى شخصيات مسرحياته اللاحقة. وتلفت الباحثة إلى أن وايلد استوعب نمط مسرح الاستهزاء من السود الأميركيين «المنستريل»، ووجّهه إلى المجتمع الراقي، جاعلاً من ذلك علامته التجارية المميزة «البيضاء».

وتعمّد الكاتب ربط تأثير عروض «منستريل» بالأقنعة السوداء في شخصيات مسرحياته التي كانت بأقنعة أيضاً، فيما تطلق عليه «مسرح الوجوه البيضاء»، إذ استخدم تأثير الكوميديا لفضح التسلسل الهرمي والتحامل الاجتماعي.

لكن هذا الأديب البارز وصاحب الفطنة والبديهة والطرافة بالكاد ترك تأثيراً في أتون أميركا المنفلتة من عقالها في تلك الفترة من تاريخها، لكن إذا كانت الجموع الأميركية قد أزعجته فإن ثوارها أثاروا إعجابه، وفقاً لصحيفة «واشنطن بوست» الأميركية، لا سيما الشاعر والت ويتمان، وقد حمل إلى إنجلترا معه روح الحركة النسائية الأميركية التي أثرت في سياسته وصحافته.

Email