الرواية لغة والفيلم صورة

السينما وعالم الأدب يتنافسان على المتعة والجاذبية

صورة
ت + ت - الحجم الطبيعي

كثيراً ما تدور الحوارات والنقاشات بين عشاق السينما من جهة وعشاق الرواية أو القصة من جهة أخرى، حول «أيهما أكثر متعة: عالم الرواية أم الفيلم السينمائي»، ويجتهد كلا الطرفين في تقديم الأدلة والبراهين، دون أن يدركا أن كليهما محق في رؤيته، فلكل من العالمين متعته وجمالياته الروحية والفكرية التي لا يمكن استبدالها أو تعويضها.

تأثير الصورة

ونستعرض فيما يلي خصوصية ومزايا جماليات كل منهما على التوازي، آخذين في الاعتبار أن الفيلم صورة والأدب كلمة. وعليه نعيش في الفيلم الحكاية عبر متعة الصورة والمؤثرات الموسيقية التي ترتبط بتعابير الحالة التي يعيشها الممثل.

فكم من مرة كدنا نقفز من مقاعدنا في السينما أمام مشهد مفاجئ طغى على مشاعرنا مثل المؤثرات الصوتية في مشهد من فيلم «جيراسيك بارك» 1993 الذي يهجم فيه الديناصور على حين داخل المتحف على الأبطال الذين يتملكهم الفزع والذي ينتقل بعفوية إلى المشاهدين.

مشاهد تراجيدية

كذلك المواقف التراجيدية التي تدفع أكثر الناس تحكماً بمشاعرهم إلى ذرف الدموع، مثل مشهد لحظة الإيثار في فيلم «جسر ماديسون كاونتي» 1996، حينما تنزوي البطلة «ميريل ستريب» بين الجدار وخزانة المطبخ لتداري دموعها بعد اتخاذ قرارها بالبقاء مع عائلتها، مضحية بنبض قلبها للحبيب الذي رحل مع أحلام عمرها عن المدينة. كانت شهقات النساء في صالة السينما خلال ذلك المشهد تسمع بوضوح وحتى نهاية الفيلم.

عبر الكلمة

وبالعودة إلى عالم الأدب في الرواية والقصة، فإننا نعيش الحكاية عبر اللغة وحدها وتداعيات الكلمة، لتمنح الجملة الأدبية القارئ عالماً متخيلاً يصنعه بنفسه دون تحكم من المخرج أو المؤثرات الأخرى، والتي تترك أثرها في نفس القارئ لتشكل جزءاً من ذاكرته وتدفعه إلى التأمل مثل مطلع رواية «آنا كارنينا» 1873 للأديب الروسي العالمي ليو تولستوي «1828-1910» والتي يقول فيها «كل العائلات السعيدة متشابهة، لكن تعاسة كل عائلة من نوع مختلف».

الوصف الداخلي

كما أن الرواية تتفوق على الفيلم السينمائي في قدرتها على وصف أفكار البطل ومشاعره الداخلية وصراعه تجاه الموقف، ويحضرنا في هذا السياق ما كتبه الروائي السوري حنا مينه «1924-2015» في روايته «المرفأ البعيد» 1997 التي يفتح هذا المقتطف منها مخيلة المشاهد وتداعيات فكره أيضاً: «أنا لم أمت في تلك العاصفة أيها البحر..صارعت الأمواج، روحاً متوحشة، تعرف انه لا خيار: المقاومة أو القاع، وطالت المقاومة، وطال العذاب، ولم أيأس من النجاة.

اختلاف تقني

وأخيراً نصل إلى الاختلاف التقني، فبينما يتطلب الفيلم مجهوداً جماعياً ضخماً من المتخصصين والمهنيين والممثلين في مختلف جوانب العمل إلى جانب الميزانية المالية الضخمة، فإن الرواية عمل وجهد فردي، يصل إلى القارئ دون أية تدخلات من أطراف أخرى.

رواية و سينما

تصف الكاتبة الأميركية باتريسيا كولينز ريد «1953» تجربتها كروائية في كتابة أحد المشاهد بعد تكليفها بكتابة سيناريو الجزء الأول من فيلم «حرب النجوم» للكاتب والمخرج جورج لوكاس عام 1999، وكما ورد في مدونتها الخاصة: «شعرت بالفزع لدى تكليفي بكتابة سيناريو الفيلم، خاصة المشهد الأخير الذي لا يقل عن خمس دقائق من الصراع على الشاشة.

 كتابة سيناريو هذا المشهد تطلب ثلاث كلمات فقط «قتال الجيدي». بالمقابل كان علي كتابة عدة صفحات من وصف الصراع لكونه المشهد الأخير ولا يمكن الاكتفاء بثلاث كلمات فقط».

Email