الشاعرة فاطمة المعمري: اخترت الكتابة للشباب

ت + ت - الحجم الطبيعي

فاطمة المعمري من الأصوات الشعرية الشابة، التي استطاعت أن تمتلك الأدوات والوعي اللازمين، لكي تصل بتجربتها إلى النضج. ومن الحداثة الشعرية في المشهد الإبداعي الإماراتي الحالي، إلى القصيدة النبطية القديمة وشعراء منهم سالم الجمري وراشد الخضر.

لا ترى مؤلفة «صديق في كومة قش» أن ذلك يحدث ارتباكاً في الفضاء المتجدد للشعر. ومن هنا تنطلق رؤيتها لمشروع إبداعي شعري إماراتي يلوح في الأفق. والحقيقة أنه بينما تكمل فاطمة المعمري طريقها نحو هذا المشروع لا يبدو الطريق سهلاً إلا بمثابرتها.

«البيان» انتهزت فرصة القيام بإحدى مهامها بوصفها مسؤولة عن ملف «المرأة الإماراتية الكاتبة» في اتحاد كتاب وأدباء الإمارات المؤمل أن يعرض بالتزامن مع الاحتفال بفعاليات معرض إكسبو 2020، وفي ما يلي نص الحوار:

قبل البدء بالحوار، نود الإشارة إلى هذه الكلمات التي يقترب من خلالها الشاعر ناصر البكر الزعابي من تجربتك الشعرية، فهو يعطي فكرة واضحة عن الخط الذي تسيرين عليه بقوله «اختطت الكاتبة والشاعرة فاطمة المعمري مساراً جديداً في النصوص الشعرية والسرد.. مع كونها لامست قضايا المرأة وخصوصيتها بأسلوب سلس وجذاب» ما تعليقك؟

الشاعر ناصر البكر أستاذ وأخ وأنا أعتز برأيه كثيراً، والواقع أنه عايش جزءاً من تجربتي الكتابية، فهو يطلع على عملي قبل نشره، لقد شارك في مخاض هذه التجربة، وكان حاضراً، وعندما يتحدث عن ازدواجية تجاربي فهذا من واقع ما يراه فعلاً في طرحي لموضوعاتي سواء كان ذلك في الشعر أو النثر أو البحوث، إن لديه هذه الواقعية.

تجربة الفقد

من يتعرف على فاطمة المعمري من خلال تجربتها الشعرية التي تمنح الشعور بالوعي بالأدوات والفنيات والجماليات، يلمح إجمالاً استخدامها الرجل رمزاً، فما الذي يرمز إليه تحديداً في كتابتك؟

في الحقيقة، ربما كنت أخوض في موضوعات كثيرة وما يلاحظ في كتابتي أنها ترمز باستمرار إلى الرجل، إلا أنني أقول دائماً: إن ما يرمز إليه الرجل لدي هو أنه رمز لأي جزئية في حياتنا، لأي طرف مواز في هذه المعادلة، صديق صديقة، أب أم أخ، وحتى الحلم، هذا الرمز موجه للطرف الآخر، وبالتالي فإن بإمكان أي قارئ أن يسقط هذا على الطرف الآخر الذي يهمه في حياته. هذه إحدى الأدوات التي أستخدمها.

وفي ديوان «الخامس من الغياب» أستخدم هذا الرمز، أي الرجل، كانت الفكرة أن تقول للقارئ إنه يجب على الإنسان أن يعيش تجربة مهمة مع الآخر، وهنا تأتي تجربة كتجربة فقد الآخر. وعملياً عندما يقع الإنسان في الفقد يمر بمراحل فنبدأ بإنكار حزننا الشديد، ثم تأتي مرحلة ثانية وثالثة إلى أن يصل الإنسان إلى مرحلة مفارقة الحزن والشعور بالقناعة بالواقع، وهذه هي السعادة بالنسبة لي، وفي هذه المجموعة رمزت للفقد بالرجل.

تقنية «المونولوج» وقد استخدمت تقنية جميلة أعجبتني في الحقيقة، هل تشرحينها للقارئ؟

استخدمت للمراحل التي يمر بها الإنسان أثناء شعوره بالفقد تقنية «المونولوج» الذي أكلم فيه نفسي كما لو أنني أنا والطرف الآخر. في ديوان «حب من نوع فاخر» فكانت الفكرة تقوم على السؤال.. كيف تنجح العلاقة بين اثنين؟ وهنا أيضاً رمزّتُ للطرف الآخر بالرجل وكنتُ مباشرة في حديثي لكي يتناسب ذلك مع كل العلاقات الإنسانية، ولأنها تناسب الشباب فهم لا يحبون التوجيه المباشر. وقد استخدمت لذلك نفسي بمعنى أنه يتوجب علينا أن نشرح أنفسنا للطرف الآخر، ولكي نستمر لا بد من رؤية واضحة توصلنا إلى النموذج الذي يمكن أن يعتبر ناجحاً في الحياة الاجتماعية.

في حين أنني في ديوان «صديق في كومة قش» وهو الأخير، تحدثت في مواضيع عامة، تجسدت فيها وجهة نظري في الحياة، أتصور أننا نعيش في عالم يبدو فيه ما حولنا كالقش، العمل، الحلم، المسؤولية، بينما نحن نفقد أصدقاءنا تحت أكوام هذا القش، فكيف يمكن للإنسان نفسه أن يفقد نفسه تحت كومة قش هذه الأشياء، ثم يبدأ بعد ذلك الخطاب حول العلاقة السامية بين الإنسان ونفسه، وبين أي اثنين.

نقلة فكرية

لكن هناك اختلاف نستطيع القول إنه في النضج بالنسبة لأعمالك، هل تتفقين معنا؟

ربما لاحظت اختلاف في النضج في هذه الأعمال فعمر التجربة والممارسة لها تأثير كبير في كتاباتنا. لقد بدأت عام 2008 بـ«همس الربيع» كانت تجربة اعتبرها شابة غير مكتملة النضوج إلا أنها كانت تجربة، ثم «الخامس من الغياب» في 2014 هذا الكتاب كان بالنسبة لي نقلة نوعية وفكرية.

وأتصور أن هناك فرقاً في النظرة للأمور وفي الاشتغال على المادة فقد كانت نصوصي تعبيراً عن مشاعر أكثر منها تعالج موضوعاً أو قضية ما تسعى إلى البحث فيها، هذا الديوان جاء للتركيز على قضية إنسانية من خلال النص الذي يلامس مشاعر الآخر الإنسانية عبر الترميز أحياناً والتشبيه والإيحاء والمباشرة أحياناً أخرى، لذلك نجد ناتجاً وردود فعل أخرى مختلفة، وقد قال لي بعض من قرأه إنهم كانوا يشعرون بأن كل كلمة فيه تعبر عن أحاسيسهم التي لا يستطيعون قولها أحياناً، وبالنسبة لي فإن من المهم أن يشعر القارئ بوقع الكلمة وتأثيرها في نفسه.

الكتابة للنخبة

أنت تعبرين بأسلوب بسيط، ولكنه مؤثر، هل يحدث هذا من أجل القارئ؟أجيب عن هذا السؤال بأنني على الرغم من حبي الشديد لسريالية واسيني الأعرج إلا أن أسلوبي لا سريالية فيه، لماذا؟ لأنني أكتب للشباب فهؤلاء بحاجة لأن نتواصل معهم، وأنا ضد من يقول إنني أكتب لأكتب، كتابتي لنفسي أحتفظ بها لنفسي وعندما أكتب لأنشر فلا بد من أن مراعاة أشياء تتعلق بي شخصياً وأمور أخرى تتعلق بموروثي الفكري وبمجتمعي وما يتطلب أن يكون تصرفي مسؤولاً في المقام الأول، وبالتالي فقد كان المتلقي مهماً بالنسبة لي، إن دورك هو أن تنشر نتاجاً إبداعياً يثري عقول هؤلاء الذين تكتب لهم.

وقد اخترت الكتابة للشباب بعدما رأيت أن الكتابة لفئة عمرية أخرى كالطفل مثلاً صعبة وتحتاج إلى أدوات وفنيات خاصة بها، في حين أن الكتابة للنخبة شيء يصب في التفاصيل المتعلقة بالجمال وليس النفع، كما أن هذه الشريحة لا تحتاج مني القيام بتوجيهها، أو تنوير فكرها. وهنا يأتي انتقاء ومعرفة القضايا التي تهم من أخاطبهم، ولو تلاحظون هذا يظهر حتى في اختياري للعناوين.

لغة سهلة

أيضاً هناك خصوصية المرأة لديك، وأتصور أنها تمنحك مساحة أخرى للتعبير عن إنسانيتك، حدثينا عن ذلك؟

أتصور بأنه لكي يكون الإنسان قريباً من الآخرين فلا بد أن يكون هناك خصوصية، لقد توصلت إلى هذا الشيء بتطور النضج الفكري لدي، في مرحلة مبكرة كنت أريد أن افعل كل شيء، لكن مع الوقت بدأت أشعر بأنني كلما اقتربت من شيء وطورته كان أفضل، وخصوصيتي كوني امرأة واحدة من هذه الجزئيات.

وللتعبير عن هذا كله شعرت بأن هناك نفساً مباشر تحمله تجربتك ينعكس على اللغة لديك، أنت لا تثرثرين ولكن لغتك سهلة والجميل أن نصك لا يكشف عن نفسه بسهولة، ما تعليقك؟

هذا ما يسمونه المعجم اللغوي والكلمات والمرادفات استخدامها مهم جداً، فأحياناً يعتقد الناس أن الوحشي من الكلام هو الذي يبرز ثقافة الكاتب، وما أراه هو أن الكاتب تبرز مهارته عندما يستخدم أسهل الكلمات في أعمق المعاني.

ولو تذكرنا أنه كان لدى العرب قديماً ما عرف بالتواقيع، كانت كلمتان أو ثلاث قادرتان على التعبير عن المعنى الدقيق، ومن هنا استقيت فكرة أن المهم هو الوصول إلى المتلقي، تطويع الكلمة على الرغم من سهولتها واستخداماتها العامة، غير أن هذا الشيء يحتاج إلى تجربة أكبر، ممارسة أطول، وقراءة ومعرفة أكثر.

بالنسبة لي أستخدم أحياناً حتى المعادلات الفيزيائية هذا عدا عن استخدام عبارات ومفردات وردت في القرآن الكريم وغيرها من تجارب الناس.

تأثير

إذاً، أنت لديك تجربة منفتحة على الآخرين وعدا عن علاقتك الاجتماعية بالناس هناك علاقة بزملائك وأصدقائك في مجال الكتابة وأنت تستفيدين من تجاربهم والعكس صحيح، بمن تأثرت كثيراً؟

لابد من التأثر في واقع الأمر سواء كان بأشخاص أو بمواقف وحتى بما تشاهدينه من أشياء ومناظر، هنا أقول لكم إن تجاربي مأخوذة من كل شيء من حولي، أما بالنسبة لعلاقاتي الكثيرة مع الناس فأنا كثيراً ما أحدث عنها صديقاتي فأخبرهم بأنني «صاحبة العلاقات الفضفاضة» للتسلية.

في بداية مشواري بدأت أتلصص على أخي من بعيد على كتاباته، وفي المرحلة الابتدائية كان يوجهني، كما أذكر أنني كنت في المدرسة الابتدائية شديدة التأثر بشعر معالي الوزير الشاعر «مانع العتيبة» وكنت أقول لنفسي إنني أريد أن أكون شاعرة مثله.

وفي المرحلة الإعدادية بدأت أهتم بصياغة الجمل وبدأت مدرساتي في الاهتمام بي في حصة التعبير وأصبح لديّ طموح. هذا الحلم الداخلي أيضاً كان مؤثراً، وهو الذي قادني نحو القراءة بكثافة، قرأت الشعر بالفصحى والعامية المحلية وكان الشاعر سالم الجمري والشاعر «طناف» والشاعر راشد الخضر والشاعر حمد بن سوقات وغيرهم من أهم المؤثرين في تجربتي الشعرية، هؤلاء لامسوا مشاعري في أعمالهم، والآن أنا أكتب بعض الأشعار النبطية إلى جانب الفصحى تأثراً بهم.

وأذكر لكم أن قصيدتي الأخيرة كانت في الفريق سمو الشيخ سيف بن زايد آل نهيان نائب رئيس مجلس الوزراء وزير الداخلية.

دعم

بوصفك عضواً في مجلس إدارة اتحاد كتاب الإمارات.. ما هي تطلعاتك؟

ثمة متطلبات وتطلعاتها على المستوى العالمي ترنو إليها الدولة لتلبية حاجة المجتمع والشباب والأجيال المقبلة ودعم مستقبلها المعرفي والثقافي، لذا فإن علينا الارتقاء بالعمل الثقافي لكي يصل إلى مستوى التوقعات والجهود التي تبذلها قيادتنا الرشيدة في هذا الشأن؛ فالمجتمع يتطلع ويعول علينا في توثيقنا الأدب الإماراتي، كما أنني حالياً مكلفة بملف المرأة الإماراتية الكاتبة، وهو مشروع نأمل أن يتم من خلاله قراءة وتوثيق مسيرة المرأة الكاتبة.

نريد أن نعرف بالمناسبة شيء عن كتابك «شغف القراءة»؟

تزامن هذا الكتاب مع الاحتفال بعام القراءة، ومن وجهة نظري فإن ما يهم هو أن تضع بين يدي القارئ معلومات لا تعتمد على تلقينه كيفية القراءة ومتى وأين يقرأ بقدر ما تحتوي على ترويجك لتجربة القراءة وهي من أفضل البرامج التي تعتمد على محاور معينة توثق لمشاريع مهمة للقراءة في الدولة قديمها وحديثها.

سيرة

فاطمة علي المعمري شاعرة وكاتبة وباحثة إماراتيةـ موظفة بوزارة الثقافة وتنمية المعرفة- عضو اتحاد كتاب وأدباء الإمارات- عضو مجلس إدارة نادي الإمارات الثقافي الرياضي- عضو رابطة أديبات الإمارات- عضو منتدى شاعرات الإمارات.

تحضر حالياً الدكتوراه في الأدب والنقد- حائزة شهادة الماجستير في الأدب والنقد- حاصلة على دبلوم قيادات حكومة دولة الإمارات العربية المتحدة ودبلوم قيادة المؤسسات الثقافية كونها مدرباً معتمداً.

صدر لها في الشعر: دواوين «همس الربيع»، «الخامس من الغياب»، «حب من نوع فاخر»، «صديق في كومة قش».

بحوث: «الإمارات في قصائدنا 2009، السلاح في الشعر الجاهلي أبعاده الاجتماعية والنفسية» 2012، «شغف القراءة» 2016، «السيف في حياة العرب» 2018.

مخاطبة من خلال النص

تؤكد فاطمة المعمري أن هذا الجيل تهمه قضية الحب على سبيل المثال وهم يتكلمون عنها كثيراً ولعل ديوان حب من نوع فاخر ينسجم مع هذه الفكرة، ومع موضوع المشاعر أياً كان الاتجاه الذي توجه إليه في المجتمع، كما أن النضج العاطفي مهم بالنسبة لنا كوننا بشراً ومجتمعاً، ويهمنا أن تكون هناك علاقة إنسانية صحيحة قائمة بين الناس في المجتمع.

والحقيقة أنني لا أعطي تعليمات وإنما أخاطب من خلال النص. وفي «صديق من كومة قش» هناك ما يهم الشباب هو العلاقة السامية، سمو العلاقة بين الناس حيث من المهم أن تكون قائمة على الاحترام والأخذ والعطاء والتقدير وغيرها من مقاييس الرقي في التعامل مع الطرف الآخر.

جولة لا بد منها

يسترعي القارئَ في كتاب «حب من نوع فاخر» تلك الكلمة المقتضبة في كلماتها العميقة في معانيها التي افتتحت بها فاطمة المعمري غلاف كتابها، لتفتح أمام القارئ مساحة واسعة من التأمل الذي يدفعه دفعاً إلى جولة لا بد له منها بين صفحات الكتاب، تقول في تلك الكلمات: «هنا كل الذين تحدثت عنهم بصيغة الجمع والمفرد والمؤنث والتعريب والتنكير وكل القصص عن الأصدقاء والأهل لم أكن أعني سواك، الكلمات المقنعة ما قصدت بها غيرك، ولا يهمني مدى أناقة كلماتي بقدر ما يهمني أنك قرأت.

هنا الكل يعرفني، أما أنت فالغريب الذي أعرفه وحدي تبقى مستترًا فيَّ، يقرؤونك هنا وأقرؤه عمرًا».

وفي إطار تلك العلاقات الإنسانية التي تتناولها تقول فاطمة: «أتناول دائماً في كتاباتي قضية نفسية في العلاقات الإنسانية، فالإنسان هو من ينبغي بناؤه جيداً، وإذا ما استقر عاطفياً استطاع أن يكون إنساناً أفضل.

أما «الخامس من الغياب» فإنه يخوض في مراحل الحزن التي نمر بها مع حالات الفقد، سواء فقدنا حلماً، أو شخصاً، أو أمنية، أو فرصة لشيء ما، ورمزت لها بالرجل لتكون الصورة واضحة، وسردت المراحل النفسية، بناء على علم النفس، في دعوة إلى حالة القناعة والرضا بالقدر والمصالحة مع الذات».

Email