أكد أن الإمارات نموذج يحتذى به في رعاية الثقافة وتنمية الوعي

ميهوبي: مشاريعي الروائية لن ترى النور ما دمت وزيراً

صورة
ت + ت - الحجم الطبيعي

الحديث مع عزالدين ميهوبي، هو حديث إلى مفكر وأديب مثقف يحمل هم المعرفة والإبداع والقيم الإنسانية الفاضلة أكثر منه حديث الى سياسي يحمل حقيبة وزارية مرموقة، فوزير الثقافة الجزائري طاقة تمتلك جوانب إبداعية متعددة: شاعر وروائي ومسرحي، مسكون بهاجس الحفاظ على الذاكرة، وقد أكد هذا في أكثر من مناسبة بقوله المستمر «يجب أن نكتب حتى لا ننسى». مشيراً إلى أن لديه مشاريع روايات لن ترى النور ما دام في منصبه الحكومي.

أما الجانب الآخر فيتجلى من خلال سيرته المهنية السابقة أيضاً للمنصب السياسي، حيث شغل العديد من المناصب منها: رئيس تحرير صحيفة «الشعب»، وهي أول صحيفة تصدر بالعربية بعد الاستقلال في بلد المليون شهيد، وكذلك رئاسة اتحاد الكتاب الجزائري بين عامي 1998 و2003، ورئاسة الاتحاد العام للأدباء والكتاب العرب بين عامي 2003 و2006، وغير ذلك الكثير من الأماكن، التي كان فيها قريباً من وسط المثقفين والمبدعين، وهو ما جعله فعالاً بتقديم ما يلامس همومهم وطموحاتهم.

خلال مسيرته حصل ميهوبي على العديد من الجوائز، وكرم في أماكن عدة واختير من بين أفضل 500 شخصية عالمية في موسوعة «هوز هو» الأميركية.

«البيان» التقت ميهوبي خلال زيارته إلى أبوظبي، للحديث عن العديد من القضايا الثقافية والإبداعية، فكانت هذه الحصيلة:

تتواجـــد الآن في دولة الإمارات، فما سبب الزيارة ومـــع من اجتمعت من المسؤولين في مجال الثقافة؟

أنا الآن في إجازة سنوية، ووجدتها فرصة لأقضيها في بلد أحبه ولي فيه علاقات واسعة في الوسط الثقافي والإعلامي والفكري، فالتقيت ببعض الوجوه، ولما دعيت من قبل الاتحاد العام للأدباء والكتاب العرب إلى تقديم محاضرة «التحولات اللغوية في العالم ومستقبل العربية» لبيت الدعوة.

تبادل ثقافي

كيف تنظر إلى العلاقات بين دولة الإمارات والجزائر؟

الجزائر حـــاضرة في كل الفعاليات الثقافية التي تنظـــمها الإمارات، وبالمقابل إن الإمارات حاضرة في كل الفعاليات الثقافية التي تنظمها الجزائر، سواء في معارض الكتاب أو الفعاليات الثـــقافية الكبرى، كما تشارك الكثير من الفرق الجـــزائرية في أعياد الإمارات، وأيضاً في مختلف الأنشطة الثقافية الأخرى، وكجزائريين لسنا غرباء في الإمارات ولا الإمارات غريبة في الجزائر.

ما تقييمك لما حققته دولة الإمارات على الصعيد الثقافي؟

تقدم دولة الإمارات النموذج الذي يحتذى به في رعاية الثقافة، وفي احتضانها الفعاليات الثقافية الكبرى، أو في رعاية المثقفين بحد ذاتهم، وبالمبادرات التي تعكس اهتمام الإمارات الأصيل بتنمية الوعي والمعرفة، وترسيخ الثقافة.

ونحن في الجزائر راهنا ورحبنا، باحتضان دولة الإمارات العربية المتحدة للاتحاد العام للأدباء والكتاب العرب، الذي سيجدد من نفسه ويقدم أشياء مبتكرة للثقافة العربية.

في حضرة الإبداع

ما مشاريعك على الصعيد الإبداعي؟

لدي عدد من المشاريع الروائية، وهي مع أعمال أخرى قيد الطبع، لكني أوقفتها ولن تظهر طالما أنا في منصبي في الوزارة لأني لا أرى حاجة إلى طبعها.

باعتباركم مثقفاً وشاعراً وكاتب رواية، كيف انعكست هذه الأمور مجتمعة على كونك تشغل منصب وزير الثقافة في الحكومة الجزائرية؟

هذا التراكم الذي يحدث في حياة الإنسان، يكون في مسار معين، وينتقل إلى مسار آخر تتداخل فيه الكثير من الاهتمامات بالكتابة والمسرح والفنون التشكيلية، أشياء جربتها وعشتها ومارستها، وبالتالي فإن ثلاثة أرباع حياتي هي في الواقع الثقافي، لهذا فإنني استفيد كثيراً من هذا الحضور المتواصل لي في الحياة الثقافية، أيضاً لصالح العمل الثقافي الذي أقوم به في وزارة الثقافة، بما أنني أعرف المسرحيين والسينمائيين والكتاب، والتشكيليين، وحتى في البلدان العربية والأجنبية أعرف الكثيرين، وهذا ما ييسر عملية التواصل وإمكانية إقامة منظومة ثقافية تسمح لي ببناء رؤية تنبثق عنها استراتيجية تتأسس على منظومة قيم أراها مفيدة للمجتمع ومؤثرة فيه ومرسخة أيضاً للقيم الوطنية، التي نعمل جميعاً على حمايتها من المؤثرات السلبية.

ما التأثير الذي تجلى في شخصيتك بطريقة أو بأخرى كونك ابن جمال الدين المجاهد الجزائري؟

بداية كان جدي محمد الدراجي من المساعدين للشيخ محمد بن باتيس رائد النهضة، قبل الثورة التحريرية، وهو أيضاً ملتحق بالثورة، ووالدي أيضاً التحق بالثورة التحريرية وهذا ما يدعوني للاعتزاز بأن عائلتي مجاهدة، ويحملني مسؤولية الدفاع عن القيمة التي مات من أجلها الشهداء، وناضل من أجلها المجاهدون والشرفاء في هذا الوطن.

معظم إصداراتك في مجال الشعر لكن اتجهت إلى كتابة الرواية، فما الأسباب التي تقف وراء هذا الاتجاه؟

أحياناً تتواجد بعض الأشياء التي تكون فيها القصيدة أقل، وتحتاج إلى لغة تستجيب لها، ومن هنا لا يمكن أن تكون إلا بالرواية، كي تستوعب بعض الأحداث وبعض الصراعات والأفكار والحوارات وبعض التفاصيل، فيكون الروائي حاملاً لبعض القيم وبعض الأفكار، وفي هذه الحالة أنا لم أتنازل عن كتابة الشعر ولكني اتجهت إلى كتابة الرواية بعد أن اكتشفتها وواصلت العمل من خلالها على كتابة بعض الأشياء.

تحدثت في أكثر من مناسبة عن سنوات الطفولة القاسية، كيف انعكس هذا فيما بعد على كتابتك للشعر؟

تلك المعاناة منحت الشعر القدرة على استيعاب الألم الوجودي والحزن، ومضيت في التعبير بهذه الطريقة، لأننا عايشنا تجربة الجزائر في فترة التسعينات، التي كانت صعبة ومرة. وأصبحنا كلما نبتعد عنها ترسم لنا الصورة بشكل أوضح، وهو ما يظهر العناصر المساعدة في كتابة موضوعية.

لم يقتصر تناولك لتلك المرحلة في الشعر، بل تناولته في الرواية كيف جاء هذا؟

عبر رواية «التوابيت – رواية ما حدث للصحافي» وفيها وثقت ما عاشه الصحافيون الجزائريون في مطلع التسعينات من القرن الماضي، من تهديد وتضييق مستمر على حياتهم، وواصلت الكتابة عن هذه الوقائع لغاية الخروج من النفق المظلم.

عوالم الشعر

لديك ديوان «رباعيات» فهل اختيارك اسمه جاء من أسلوب الكتابة؟

هي فعلاً تجربة رباعيات كتبتها في العام 1986 وهي مجموعة رباعيات تحمل شيئاً من النفس الصوفي.

ترجم ديوان رباعيات مع أعمال أخرى لك من شعر أو رواية إلى لغات عدة، فكيف كان رضاك عن مستوى الترجمة؟

كانت الترجمة جيدة لأنها خضعت لمعالجة دقيقة، وأنا أقرأ الفرنسية وكنت أصوب فيها بعض الأشياء، والترجمة بالتالي جعلت إصداراتي تصل إلى قارئ آخر.

خلال مسيرتك كرمت من قبل الكثير من الجهات فماذا تعني لك هذه التكريمات؟

كلما كرمت كلما شعرت بأن المسؤولية صارت أكبر، وبالتالي صارت هناك حاجة إلى الشيء الأجود بمسؤولية أخرى، وأنا سعيد بأنني أتلقى التكريم، سواءً أكان في البلدان العربية أو في وطني الجزائر أو في بعض البلدان الأجنبية وهذا يزيدني اعتزازاً.

أخيراً، كيف تنظر إلى مستقبل اللغة العربية؟

لست قلقاً على مستقبل اللغة العربية في ظل التحول الذي يشهده العالم، ولكنها بحاجة إلى محفزات عدة، ونهوض حقيقي على المستوى السياسي والمعرفي، من خلال هيئات ومخابر بحث تعمل على خدمة اللغة العربية. كما توجد حاجة إلى الأمن اللغوي المنتشر في الكثير من بلدان العالم، التي تسعى إلى أن تؤمن هويتها وهو جزء أساسي من الأمن اللغوي، الذي يقوم على أسس ثلاثة كونه يتداخل مع السياسية ومع الإعلام والثقافة، ومن هنا يمكن الانتباه إلى ما تخضع إليه هذه اللغة من مؤثرات تستدعي عملاً استثنائياً في هذا المجال.

التوابيت

صدرت رواية «التوابيت – في رواية ما حدث للصحفي» في 270 صفحة، عن مطبعة دار هومة الجزائر، عام 2003 وتسلط الضوء على العشرية السوداء (التسعينات) وهو الوعي العميق بإحدى خلفيات المنظومة السياسية في الجزائر.

منافي الروح

نشرت النصوص الشعرية لمجموعة «منافي الروح» بمناسبة فعاليات الجزائر عاصمة للثقافة العربية 2007، وهي نصوص متفاوتة في فترات كتابتها، تمتد لثلاثين عاماً من الكتابة الشعرية، وكلّها قصائد تعتمد الميزان الخليلي.

 

نموذج من شعر ميهوبي

قل أيَّ شيءٍ صديقي لا تقف وسطا

                                 واخترْ مكانك.. صحّاً كان أو غلطا

قل أي شيء.. فإني لا أرى وطنًا

                                 للمرء غير الذي في قلبه ارتبطا

قل أي شيء فإن الصمت أتعبنا

                              والصمت موت إذا ما زدته شططا

قل أي شيء فإن الصمت أتعبنا

                              والصمت أصبح للمأساة خير غطا

قل أي شيء فإن الصمت أتعبنا

                             ورحلة النصر. نبداها ببضع خطى

إن الجزائر ليست لعبة.. وكذا

                             فأر يلاعب - من جهْلائه - قططا

إن الجزائر من دمعي ومن دمكم

                            وألف ألف شهيد باسماً سقطا

الشعب قال فهل من بعد قولته

                           قول يقال؟ وهل ما قال كان خَطَا؟

سيرة مضيئة

■ عزالدين ميهوبي أديب وشاعر ومسرحي، ولد عام 1959 بعين الخضراء - ولاية المسيلة.

■ يشغل حالياً منصب وزير الثقافة في الحكومة الجزائرية.

■ تقلد عدداً من المناصب في الجزائر منها مدير الأخبار والحصص في التلفزيون الجزائري، ونائب في البرلمان، ومدير عام المكتبة الوطنية، ورئيس المجلس الأعلى للغة العربية في الجزائر.

■ شغل مناصب عدة منها عضو مجلس الأمناء لمؤسسة البابطين، رئيس الاتحاد العام للأدباء والكتاب العرب.

■ أصدر عدداً كبيراً من دواوين الشعر منها «منافي الروح، أسفار الملائكة، الشمس والجلاد، وعولمة الحب عولمة النار».

■ صدرت له عدة روايات منها «اعترافات أسكرام» و«إرهابيس».

■ كتب الكثير من المسرحيات والأوبريت وقدمت على مسارح عدة منها «أوبريت الشمس والجلاد» و«الدالية» ومسرحية «عيسى تسونامي».

■ يكتب المقالات في عدد من المطبوعات العربية، وصدر له في مجال المقالات «لا إكراه في الحريات».

■ حصل منذ العام 1982 على عدد كبير من التكريمات والجوائز منها «تكريم اتحاد الكتاب والمكتبة الوطنية – أفريل» و«ميدالية ذهبية من المعهد الأميركي للبيوغرافيا».

■ ترأس عدداً من لجان التحكيم الأدبية والمسرحية، ويشغل عضوية شرفية ومهنية في العديد من المواقع، منها عضوية المجلس العربي للتنمية الإعلامية.

Email