في حوار « البيان » مع رئيسة هيئة البحرين للثقافة والآثار

مي آل خليفة: الثقافة لا تمثل أولوية عربية والامارات حالة استثنائية

صورة
ت + ت - الحجم الطبيعي

قالت رئيسة هيئة البحرين للثقافة والآثار الشيخة مي بنت محمد آل خليفة بأن «الثقافة في العالم العربي مهمشة ولا تمثل أولوية».

وأوضحت بأن«هناك حالات استثنائية تمثل واقعاً إيجابياً كما هو الحال في أبوظبي والشارقة بالتركيز على الثقافة، وبإشهار مبانٍ تعكس الثقافة، لكن الوضع السائد بالعالم العربي هو عكس ذلك مما جر الكثير من المجتمعات إلى الدخول بالمنزلقات السياسية والتعصب الطائفي».

وأشارت الشيخة مي بحوار موسع أجرته معها البيان بأن دور النشر بالعالم العربي لا تعطي الكاتب حقه، بل وتتعامل مع الكتاب العربي كأنه «سلعة»، مضيفة: «إجمالاً هنالك ثقافة متدنية في فهم أصول النشر». وأكدت أن البحرين استطاعت الحفاظ على تراثها الإنساني، ولدينا مشروع نقل المعارف بإشراف الدكتور الطاهر لبيب الذي يعمل على ترجمة أفكار حديثة من العالم ونقلها إلى العربية، وقالت«المبدع الحقيقي هو الذي سيشق طريقه بنفسه ويثبت جدارته، رغماً عن الظروف التي يمكن أن يعيشها في مجتمعه ووطنه».

مشروع النهضة

يدعو العديد من المثقفين العرب إلى إطلاق مشروع نهضة ثقافية، مشروع يقابل التحديات السياسية والمذهبية والفكرية المستوردة بتشوه من الخارج، كيف نبدأ؟

الثقافة في العالم العربي مهمشة ولا تمثل أولوية، هناك حالات استثنائية تمثل واقعاً إيجابياً كما هو الحال في أبوظبي والشارقة بالتركيز على الثقافة، وبإشهار مبانٍ تعكس الثقافة، لكن الوضع السائد بالعالم العربي هو عكس ذلك مما جر الكثير من المجتمعات إلى الدخول بالمنزلقات السياسية والتعصب الطائفي.

فالثقافة سلاح حيوي مهم لم يستثمر بالشكل الصحيح، والعديد من المثقفين متقوقعون بأبراجهم العاجية، لا ينزلون للشارع ولا يتحسسون ما يهم الناس، ولذلك لا يوجد هنالك خطاب ثقافي يجمع الكلّ، فالثقافة لديها القدرة على التغلب على كافة الاتجاهات الخاطئة. وبالحديث عن مشروع نهضوي ثقافي، لا تستطيع أن تطلق مشروعاً يضم الجميع، ولأن الثقافة مسؤولية، مهمتنا كمتخصصين بهذا الشأن، أن يقدم كل فرد أقصى ما يستطيع أن يحققه بفترة توليه لمهامه، أضف إلى ذلك أن الثقافة لا تقتصر على المؤسسة الرسمية، فالجهات الأهلية لها دور يمكن أن يكون أكثر أهمية ولديه مقومات الاستدامة لأن استراتيجياتها لا تتغير بتغير المسؤول.

هل استطعتم أن تقطعوا شوطاً في هذا المجال؟

استطعنا في البحرين وعلى مستوى الإقليم أن نحقق شيئاً ولو يسيراً في مجال مهم وهو الحفاظ على التراث الإنساني، في البحرين هنالك مركز إقليمي عربي للتراث العالمي يخدم المواقع الأثرية بكل الوطن العربي، يستطيع أي بلد عربي أن يلجأ لخبرات المختصين بهذا المجال لتسجيل موقع أو حماية موقع، لفهم الشروط التي يتطلبها إدراج موقع للتراث الإنساني العالمي، وأيضاً في الأزمات التي نعاني منها في سوريا والعراق يلجأ المختصون لهذا الموقع لمعرفة إمكانية الحفاظ على التراث الإنساني لأوطانهم، وعلى هذا الصعيد تلعب مملكة البحرين دوراً مهماً في المحافظة على هذا الإرث الإنساني العربي.

نقل المعارف

وماذا عن مجال الفكر والتأثير على المتلقي؟

في البحرين هنالك مشروع تحت عنوان (نقل المعارف) والمشرف عليه د. الطاهر لبيب وهو أشهر عالم اجتماع عربي، والمشروع يهدف إلى تراجم للفكر المؤثر في مسيرة التاريخ الإنساني، هذه التراجم صدر منها ثلاثة أعداد حتى اليوم، الأول بعنوان (تفكر) والثاني (لغات الفردوس)والثالث»هل اعتقد الإغريق بأساطيرهم؟"، وهناك مجموعة من الإصدارات ستقرؤون عنها قريباً بحيث سيكون مجموعها خمسين، وستصدر خلال فترة ثلاث سنوات، وأعتقد بأن التأثير الناتج عن هذه التراجم سواء للمواطن أو للمقيم سيكون بالشكل المطلوب.

في رأيكم ما الصعوبات التي تواجه المثقفين بالعالم العربي حيال نشر منتجاتهم الأدبية وإشراكها بالمعارض الدولية؟ ما جهود هيئة الثقافة بهذا السياق؟

نذكر تجربة جميلة قامت بها هيئة البحرين للثقافة والآثار مع الكاتبة نجوى بركات (محترف: كيف تكتب رواية) وأطلقت من خلالها عدداً من الإصدارات المميزة للشباب الذين التحقوا بهذا التجمع وأتوا من دول عربية مختلفة، البعض منهم نال جوائز على مستوى الوطن العربي، منها كتاب (الجارية) لمنيرة سوار والتي حصلت على جائزة كتارافي دولة قطر. وهذا المثل في تبنّي مشروع إطلاق كتّاب جدد ونشر مؤلفاتهم هو رؤية على المسؤولين في الثقافة تبنّيها والعمل على نشرها بهدف التحفيز على الكتابة المبدعة والهادفة.

لدينا بقطاع الثقافة مشروع نشر مشترك، وهو موجود منذ سنوات ومستمر، وعدد الإصدارات التي تخرج من الهيئة عبر هذا المشروع يعتبر جيداً ويخدم هذا الشأن.

هذا بالإضافة لمشاريع تتبناها الهيئات الخاصة والمراكز الأهلية كمشروع الإصدار الأول والذي أطلقه مركز الشيخ إبراهيم للثقافة والبحوث والذي يعمل على إصدار كتاب أول للشباب ما دون الثلاثين عاماً ويعمل على الترويج للكتابة ودعم الشباب الموهوب في مجتمعاتنا.

دعم وجسور

هل هنالك مشروع لرعاية المبدعين البحرينيين؟

المبدع الحقيقي هو الذي سيشق طريقه بنفسه ويثبت جدارته، رغماً عن الظروف التي يعيشها في مجتمعه ووطنه.

وكهيئة للثقافة، لقد عملنا على دعم الشباب، فلدينا مهرجان (تاء الشباب) الذي يحتفل هذا العام بنسخته الثامنة، وهو برنامج يعمل على دعم الشباب الذي يقوم بكل الفعاليات من التحضير لها إلى تنفيذها وهذا هو الدعم الحقيقي، أن نبني أجيالاً لها شخصياتها وهي التي تلعب دوراً مهماً في بناء مستقبل الثقافة في مجتمعاتنا.

ماذا عن طبيعة العلاقة ما بين هيئتكم الموقرة والمؤسسات الثقافية الإماراتية؟

نطمح دائماً لتعزيز التعاون مع مختلف دول الخليج، لاسيما دولة الإمارات العربية المتحدة، ويمكن أن نشير هنا إلى دور الأمانة العامة لدول مجلس التعاون، والتي يقام تحت مظلتها العديد من المشاريع والفعاليات الخليجية المشتركة، وفيما يتعلق بالمؤسسات الثقافية الإماراتية، تشاركنا كلّ عامين مؤسسات حكومية وأهلية وعدد من دور النشر الإماراتية في معرض البحرين الدولي للكتاب، كذلك تحرص هيئة البحرين للثقافة والآثار على المشاركة في معارض الكتاب المقامة في عدد من إمارات الدولة، كما يوجد لدينا تعاون جميل مع الشارقة في مجال ترميم المخطوطات، والمجلّدات والوثائق مع مركز جمعة الماجد للثقافة والتراث، حيث حظيت كوادر الهيئة بفرصة الاستفادة من خبرات هذا المركز. أما في المجال المتحفي فأعتقد الآن وبإنشاء المتاحف الحديثة في الإمارات تفتتح قريباً، سيكون التواصل أكبر في هذا المجال.

السينما والمسرح

في مجالي المسرح والسينما، هل هنالك اهتمام من قبل هيئة الثقافة البحرينية بتشكيل لجان متابعة لقراءة النصوص ودراسة إمكانية دعم الكتاب والمبدعين في هذين المجالين لإنجاح الجهود الرامية لإبراز السينما والمسرح البحريني؟

نؤمن بوجود شخصياتٍ بارزة في مجال نقد النصوص والأعمال الفنية، ولكن عندما نقارن أسلوب ومنهجية نقد العمل الفني وقراءة السيناريو نجد أن المقاربة اختلفت منذ ستينيات القرن الماضي، ربما يعود ذلك لاختلاف ذوق الرأي العام الآن عما كان عليه، وربما كان التركيز في الماضي على الحبكة الدرامية أو الأداء الفني الصرف بعيداً عن المؤثرات السمعية والبصرية الموجودة الآن، ناهيك عن انشغال الجيل الأسبق بالأعمال الفنية المسرحية والسينمائية نظراً لانعدام وسائل التواصل التي نشهدها الآن، والتي ألقت بظلالها على الأنشطة الثقافية، لكن ذلك لا يمنع من سعينا الدائم للعمل على تنشيط عمودَي الثقافة الرئيسيين وهما السينما والمسرح، والخروج بأدوات محددة تعين على فهم الوضع الحالي والنقد بالشكل الصحيح.

أين وصلت السينما البحرينية اليوم؟

بإمكان السينما البحرينية أن تصل لأعلى المراتب إذا ما منحت الإتقان والجودة، فالمال لا يصنع فناً، بل هو من المكملات ليس إلا، والوصول للعالمية يبدأ حين تكون صادقاً بمضمون الرسالة التي ترغب بأن توصلها.

ذاكرة البحرين

ما أبرز جهود هيئة الثقافة لإحياء الذاكرة البحرينية، لإحياء البحرين القديمة وإبراز تراثها للناشئة؟

الذاكرة الموجودة بالمواقع الأثرية لا بد من الاستمرار في إحيائها، موقع قلعة البحرين مثالاً، فقد تم إنشاء متحف يتكلم عن الحقب التي مرت بها بُني في موقع القلعة، وطموحي أن يكون لكل موقعٍ أثري متحف يقرأ الزائر فيه عن المكان ويتعرف من خلاله على ملامح البحرين.

والحديث عن طريق اللؤلؤ، وهو طريق جغرافي يمتد طوله إلى أكثر من ثلاثة كيلومترات، ويعدّ مساراً يمر على عددٍ من البيوت التراثية ( 18 بيتا) التي نعيد إحياء تاريخها وتاريخ ساكنيها الذين احترفوا صناعة الغوص وصيد اللؤلؤ، وسيكون هذا المشروع الضخم جاهزاً مع نهاية العام2018، حين تكون المحرّق عاصمةً للثقافة الإسلامية ما يقارب 70 بالمئة من المشروع، وسيجهز بالكامل مع نهاية العام 2019.

ولي أن أشير بأن الدراسة التي قدمت لليونسكو عن الموقع تعتبر مميزة وفريدة من نوعها، والمشروع حين يتحقق سيكون وجهة للسياحة الثقافية تختلف عن أي مكان آخر.

الاهتمام بالقراءة

المجلات والإصدارات الثقافية المتميزة، يكاد يكون حضورها متواضعاً، هنا لابد من التساؤل عن سبب هذا الغياب وعن دور هيئتكم الموقرة بإحياء هذه الإصدارات وتعزيز الدور الثقافي الهام الذي كانت تقوم به؟

نشعر بالأسف ونحن نرى انصراف أمتنا العربية عن القراءة وهي الأولى بأن ننشغل بها، نحن لا نغفل أبداً دور القراءة والكتاب، فكما نحرص على جذب الجمهور لمحافل تعنى بالقراءة كمعرض البحرين الدولي للكتاب، انتهينا مؤخراً من طرح الإصدار الثالث لمشروع نقل المعارف، أملاً في إعادة المجتمع العربي إلى سابق عهده بالقراءة.

لماذا تبدو الثقافة العربية وكأنها محصورة في جغرافية ضيقة وليس هناك جهود يستشعرها المتابع تترجم وتصدر للثقافات الأخرى؟

في البدء يجب على الجميع الاعتراف بالثقافة كمكوّن أساسي في البنية التحتية لأي بلد، وبما أن الأولويات ليست على الترتيب الصحيح، لا يمكن تصدير أو استقبال أي ثقافة ما لم نقدّر قيمتها كمبدأ وأسلوب حياة.

الثقافة الخليجية

تقول الشيخة مي آل خليفة: يمكن أن نستشهد بالإمارات، فهذه الدولة الخليجية النشطة تخرج لنا بين الحين والآخر بصروح ثقافية وبمستويات عالمية، ونرى من خلال مشاريعها وخططها وفعالياتها محاولات وجهوداً للانفتاح على الآخر. إن الثقافة الخليجية ليست مكتفية بذاتها، بل هنالك انفتاح وتنوع، واستجلاب للتجارب الخارجية، منها على سبيل المثال إحضار الإمارات لمجموعات من متحف اللوفر وعرضها للجمهور. وفي البحرين، لدينا اهتمام بإبراز التراث الوطني نفسه، وإبراز هوية البلد من خلاله.

Email