ترجّل بعد أن أثرى المكتبة العربية بمؤلفات رصينة ثقيلة في وزنها المعرفي

حسين غباش.. فكر نيّر ومواقف نبيلة

ت + ت - الحجم الطبيعي

بصمات مضيئة في حقول الفكر والبحث المنهجي ومواقف وطنية وقومية عروبية لافتة، طالما بقيت عنوان مسيرة وعطاءات، الراحل حسين غباش، الكاتب والباحث الأكاديمي والدبلوماسي الإماراتي، الذي ترجل، أخيراً، منهياً بذلك مشواراً طويلاً حفل بعطاءات أدبية وعلمية وتاريخية ثرية.

حيث قطع محطاته بصبر ودأب متواصل فتدرج خلاله بمراتب العلم، حتى بات أستاذاً في جامعة القديس يوسف في بيروت، وغدا قامة مرجعية في مجالات التاريخ والفلسفة والفكر. فقد عرفه الجميع أديباً وكاتباً، عاشقاً للبحث، وقبل ذلك إنساناً ورجلاً وفياً لوطنه ولأهله ولجميع أصدقائه والمحيطين به.

رحل حسين غباش عن دنيانا وهو العاشق لتراب الأمة العربية، وصاحب المواقف النبيلة، تاركاً وراءه، للمكتبة العربية، إرثاً ثرياً بالمعرفة، وكتباً ستبقى الأجيال تنهل منها وتغتني بمكنونها.

قامة متفردةسيرة الأديب والمؤرخ حسين غباش، الذي ولد في دبي، وينتمي إلى عائلة كريمة عرفت بمواقفها الوطنية وتميز أبنائها في مجالات الفكر والمعرفة، حافلة بالإبداع وتمثل إسهاماته في صفحات الفكر إثراء نوعياً لمعين الثقافة والفكر في عالمنا العربي، إذ إنها اكتسبت بمحتواها ومضامينها قيمة جوهرية، كونها قرأت في عمق التاريخ واستشرفت المستقبل وأضاءت جوانب وعوامل الحاضر. وبهذا الخط والنهج، طالما شكل، رحمه الله، منهلاً علمياً وأدبياً، خاصة بفضل مجموعة دراساته ومؤلفاته الرصينة التي قدمها.

حيث حملت بين دفتيها فكراً أصيلاً، ثقيلاً في وزنه المعرفي. وهكذا فقد كان من أبرز المفكرين الإماراتيين والخليجيين الذين تحوز مؤلفاتهم قيمة تاريخية وآنية ومستقبلية. إن أعمال الراحل لم تكن مقصورة فقط على المرحلة التي عاش فيها، وإنما حملت بين ثناياها نظرة بعيدة المدى، كونها تضيء على تجارب عربية عديدة، وهو الذي طرق أبواب علوم الاجتماع والسياسة والتاريخ الإسلامي، كما تناول قلمه في قضايا إنسانية مهمة وأبحر فيها.

سيرة عطرة وفكر أصيل

رحيل غباش لم يكن هيناً على أبناء الساحة الفكرية والثقافية، وكذلك على أولئك الذي عرفوه وارتبطوا معه، وعقدوا معه صداقات طال أجلها، لم يكن رحيله هيناً، حيث تجاوزت رسائل نعيه حدود الإمارات الجغرافية، لتشمل حدود الوطن العربي، الذي طالما كان مشغولاً بهمومه وقضاياه، فغباش أحد أبناء ذلك الجيل الذي عاش حراكاً ثقافياً وفكرياً عميقاً خلال سنوات السبعينيات وما قبلها، وكان ابن المرحلة التي تلت ذلك العقد.

بين عواصم عربية وأخرى غربية تنقل حسين غباش، عشق وطنه وبيروت ودمشق، وخفق قلبه لفلسطين، وأحب الخليج أيضاً، وانشغل بهموم وطنه العربي الكبير، كل ذلك شكل أرضية صلبة مكنته من إنجاز كتب عديدة، من بينها كتابه «الإمارات والمستقبل وقضايا راهنة»، الذي أضاء فيه على ما تواجهه الإمارات من تحديات، كمجتمع ودولة، طارقاً فيه قضية التركيبة السكانية، وقدم كتاباً بعنوان «عمان.. الديمقراطية الإسلامية».

ذلك الكتاب الذي وصفه الأديب حسين عبد الغفار في تغريدة له على «تويتر»، بأنه من «أحسن ما كَتبه المرحوم الدكتور حسين عُبيد غُباش من دراسات.. ومن بين أحسن الدراسات التي كتبها كُتّاب إماراتيون»، فأهمية هذا الكتاب تكمن في كونه مثّل نموذجاً معرفياً عميقاً.

فكر أصيل جاد به غباش للمكتبة العربية، فكر قادر على العيش طويلاً، وهو الذي أفاض في الكتابة عن قضايا مجتمعه وأمته، عبر كتب عديدة من بينها مؤلفه «فلسطين – حقوق الإنسان وحدود المنطق اليهودي»، الذي قدم فيه دراسة مهمة حول حقوق الإنسان الفلسطيني، ووقف فيه عند حقائق تاريخية، كاشفاً فيه عن ادعاءات «الدعاية الصهيونية» التي دأبت على ترويجها. ذلك الكتاب لقي اهتماماً لافتاً بين عشاق الكتب الفكرية، كونه يتابع مظاهر وحدود المنطق الصهيوني والإسرائيلي بكل انعكاساته على قضية انتهاك حقوق الإنسان الفلسطيني والعربي.

Email