امتداد للأخلاق العربية الكريمة

ت + ت - الحجم الطبيعي

في البداية وفي النهاية لا أقول لسمو الشيخ حمدان بن محمد بن راشد آل مكتوم، ولي عهد دبي رئيس المجلس التنفيذي، إلا: «هذا الشبل من ذاك الأسد»، لقد تغنّيت يا شاعرنا المحبوب وسوف تتغنّى بمكارم الأخلاق ما عشت، مثلما تغنى بها والدك صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، نائب رئيس الدولة رئيس مجلس الوزراء حاكم دبي رعاه الله.

والتحلّي بمكارم الأخلاق من شيم الأوّلين التي سادت عالمنا العربي حتى في الجاهليَّة، واشتهروا بالوفاء والكرم والشهامة والنخوة والنجدة والمروءة والحياء، ومن ذلك قول السموأل ابن عادياء:

إذا المرؤ لم يدنس من اللُّؤم عرضه

فكـــــــلّ رداء يرتديه جميـــــلُ

صفونا فلم نَكدر وأخلص سرَّنا

إناث أطابت حملنا وفحولُ

فنحن كماء المزن ما في نصابنا

كَهام ولا فينا يُعدُّ بخيلُ

إذا سيّد منّا خلا قام سيّدٌ

قؤول لِما قال الكرام فعولُ

فما أُخمدت نارٌ لنا دون طارقٍ

ولا ذمّنا في النازلين نزيلُ

انظر إلى هذا الشاعر الجاهلي كيف يفتخر بمكارم الأخلاق، ويأتي عنده في الرتبة الأوّلى صفاء الأصل، ثم الكرم وهو صفة يحبّها الله تعالى ويحبّها في عباده.

وفي الإسلام نرى علي بن أبي طالب كرّم الله وجهه، يعدّد جمعاً من القيم الروحية والخُلقية التي ينبغي أن يتحلّى بها المرء فيقول:

صُن النفس واحملها على ما يزينها

تعش سالماً والقول فيك جميلُ

ولا ترينَّ الناس إلا تجمّلاً

نبا بك دهرٌ أو جفاك خليلُ

وإن ضاق رزق اليوم فاصبر إلى غدٍ

عسى نكبات الدهر عنك تزولُ

يعزّ غنيٌّ النفس إن قَلّ ماله

ويفنى غنيّ المال وهو ذليلُ

ولا خير في ودّ امرئٍ مُتلوّن

إذا الريحُ مالت مال حيث تميلُ

جواد إذا استغنيتَ عن أخذ ماله

وعند احتمال الفقر عنك بخيلُ

فما أكثر الإخوانَ حين تعدّهم

ولكنهم في النائبات قليلُ

ويأتي شاعرنا الشاب من حيث عمره الشعري، والعملاق من حيث نضجُه الفكري، ليقرّر هذا النهج نهجاً له وهو يعيش اليوم في القرن الحادي والعشرين، ذلك أننا نحن الأمة العربية مثلما نعتزّ بعروبتنا نعتزّ بإسلامنا أيضاً، وأقصد به الإسلام الذي جاء به محمد بن عبدالله صلى الله عليه وسلّم.

إن شاعرنا اطّلع على تراث ماضيه وقرأ عن أجداده، ورافق والده ولا يزال يُرافقه خطوة بخطوة، فهو لا يحيد عن المبدأ ولا يعتز بالحاضر أكثر من اعتزازه بالماضي، وإن كان سموّه شاهداً على عصره المتفجّر بالمعارف والعلوم، والمتمرد على كل الأعراف، إلا أننا نلاحظ أنه بشاعريته ذات الحس المرهف، أدرك تمام الإدراك أن الحاضر اليوم أعمى بصائره المال، حتى كاد من وحشيته أن يفتك بكل القيم الأخلاقية، ويهتك كل أعراف تاريخنا العتيق.

إن سموّه رغم أنه ابن حاكم ويتربّع على سلطة الحكم والجاه والمال وأمره لا يرد، فإنه كريم وابن كريم، فلم يدخل حبُّ المال شغاف قلبه، ولم يستول على مشاعره.

وقد رزق الله سموه خصلة الكرم والجود، وسخّره أن يُنفق في وجوه الخير ما لا يُعد ولا يحصى من دراهمه، وأن يعطي من يحبُّه ومن لا يحبه من غير منّ ولا أذى.

وسموه يُدرك تمام الإدراك أيضاً أن المال إذا لم يُرافقه الخوف من الله، أو لم يرافقه التواضع والرضا والقناعة، أدّى بصاحبه إلى الهلاك، بل جعله يسخّر أمواله في الدمار بدل البناء، لذلك فإن سموه يستهل أبياته هذه قائلاً:

يا سيد المال كم نفسٍ معك خانت

والخوف ما هو من الماضي من القادم

والناس لولا تواضع نفسها شانت

مع مراعاة ذا سيد، وذا خادم

وكأن سمو ولي عهد دبي يُريد أن ينبّه أثرياء هذا الزمان، سواء كانوا من الحكام أو من المحكومين، بأن المال يطبع صاحبه بالجبروت والكبرياء، ويعلّم الناس الخيانة والغدر والظلم، لذلك قال شاعرٌ:

من كان يملك درهمين تعلمت

شفتاه أنواع الكلام فقالا

لولا دراهمه التي في جيبه

لرأيته شر البـــــــــــرية حالا

فهي اللسان لمن أراد فصاحة

وهي السلاح لمن أراد قتالا

إذن فليتق الله صاحب المال في نفسه وفينا، وليسخره في الطاعة وليس في المعصية، وليعلم بأنه إذا لم يقُم باستعباد المال فور تملُّكه له، فإن المال سرعان ما يستعبد صاحبه ويجعله ذليلاً في يده، ولنا في الأوّلين ألف عظة وألف عبرة.

نعم.. عندما خُلق المال، قال الكِبر: هيا امش وأنا معك، وعندما خُلق التواضع، قال الخوف من الله: هيّا امش وأنا معك.

الله أكبر، الكبر يجعل صاحبه ينكر أصله ويدوس رقاب الناس، وأشد درجات الكبر عندما ترى فقيراً متكبّراً، وقد ورد في الحديث الصحيح أن الفقير المتكبّر لا ينظر الله إليه يوم القيامة وله العذاب الأليم.

فالتواضعَ التواضعَ يا ابن آدم، وها هو ابن الحاكم يدعوك إلى التواضع لا الكبر، ولعمري لو كان الكبر يليق بالإنسان، لكان ابن الحاكم أولى به، لأنه الأقدر والأغنى والأجدر.

وفي الحديث القدسي: «الكبرياء ردائي، والعظمة إزاري، فمن نازعني في واحدٍ منهما ألقيته في النار».

ثم يقول سموه:

من قصة ابليس خذ حكمتك لا بانت

كان التغطرس في ذاته عاملٍ هادم

لو كان رفضه لأمر الله فقط، هانت

الله يغفــــــــر ذنوب التايب النــــــادم

مشكلته اللي يعاني منها كانت

الكبر.. والكبر لله يا بني آدم

أجل.. في غاية الجمال هذه الأبيات، ومن أروع الصور التشبيهية هذه الصورة التي رسمها سمو الشيخ حمدان بن محمد بن راشد آل مكتوم، فهو يريد أن يقول لإنسان هذا العصر: «لماذا تتكبّر على الناس، وإلى أين تريد أن تصل، وهل تريد أن تزيد على إبليس بدرجة!».

نعم.. سموّه يرى أن إبليس لم يكن عاصياً لأمر الله فقط، بمعنى أنه لم يكن مجرّد رافض للطاعة، بل رَكبت الأنانية رأسه، فقال: «قَالَ أَنَا خَيْرٌ مِّنْهُ خَلَقْتَنِي مِن نَّارٍ وَخَلَقْتَهُ مِن طِينٍ» (الأعراف: 12)، وكلمة «أنا» هذه، هي داء العجب والكبر الذي يحتقر به الإنسان اليوم أخاه الإنسان.

وقد لاحظت وأنا أتابع ما قاله سمو ولي عهد دبي في رائعته الشعرية الجديدة، أن سموّه لا يلقي أبياتاً عبثية، ولا ينشئ قصيدة إلا ولها مناسبة، كيف لا وسموه قد تعلّم في مدرسة والده صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم.

شاعرنا سمو الشيخ حمدان بن محمد بن راشد آل مكتوم قال هذه الأبيات عن سيّد المال بعد رؤيته أحوال بعض الناس، من مسكنة حال فقرهم صارت بعد الغنى طغياناً، وقد قال الله تعالى: «كَلَّا إِنَّ الْإِنسَانَ لَيَطْغَى * أَن رَّآهُ اسْتَغْنَى» (العلق: 6 و7).

وبناءً على هذا، فإن سموّه يدعونا إلى التواضع بشدّة، مع الإشارة إلى أن التواضع لا يعني الضعف. ولقد لفت سموّه إلى مراتب الناس في هذه الحياة، فإذا كان هناك غني وفقير، فإن الموقف يقتضي أن يكون هناك سيّد وخادم، وهذه هي سُنة الله في خلقه.

الخلاصة أن سمو ولي عهد دبي يُريد منّا تواضعاً من غير ضعف، وغنى من غير كبر، وشجاعة من غير بطش، فامتلك يا ابن آدم الجاه والمال، لكن تجمّل بالمال أنت والعيال وأهل بلدك، من غير تكبر، فإن المتكبر لا يشكر الله، وتحلَّ بالأخلاق الفاضلة، فإن الخُلق الفاضل باقٍ على كل حال، وإن المال عَرَضٌ قابل للزوال.

Email