تاريخ الإمارات ومنهجية تقديمه للأجيال الجديدة

الكتابة والعرض صنوان لحفظ التراث

ت + ت - الحجم الطبيعي

مرّت أكثر من أربعة عقود من الزمن على نشوء دولة الإمارات العربيّة المتّحدة شهدتْ فيها الدّولة العديد من التغيّرات الإيجابيّة والسلبيّة في ميدان المجتمع المحلّي، وكانت هذه التطوّرات كثيرة ومتنوّعة وواضحة على كلّ المستويات وعلى كافّة الأصعدة، بل تغيّرتْ خلالها كثير من التصوّرات والرّؤى والأفكار.

وأضحى الميدان الاجتماعي والفضاء الثّقافي عرضة لكثيرٍ من هذه المتغيّرات، كان من نتيجة ذلك اختفاء عادات وبروز أخرى، واندراس ألفاظ وازدهار غيرها، وانحسار تصوّرات، وظهور أخرى، وزوال كلمات، وحلول كلمات أخرى محلّها.

مما حتّم هذا الأمر الاهتمام بتراث الدّولة المُتَنَاقَل عبر الأجيال، والمُتَدَاول بين الآباء والأجداد والأبناء والأحفاد، وإبرازه أنّه تراث الدّولة الأصيل الذي يعود إليه مواطنو هذه الدّولة، وإليه يفيئون، وبه يفتخرون ويتفاخرون.

ندوات

وبناء على كلّ ذلك أُقيمتْ المحاضرات والنّدوات والحلقات النّقاشيّة وأُنجِزتْ البحوث والدّراسات وكُتبتْ المقالات وأُجرِيتْ المقابلات التّلفزيونيّة والإذاعيّة والصّحفيّة، وأُقيمتْ الأيّام والمهرجانات التّراثيّة، وأُنشِئتْ المعاهد والمراكز والهيئات المتخصّصة لتقوم بعمليّة البناء، ورفد تراث الدّولة وإبرازه وإعلاء شأنه.

وخلال تلك العقود ظهرتْ مجموعات من الباحثين والمهتمّين المواطنين بتراث وتاريخ الإمارات الذين أشاروا إلى العديد من الأنماط التّراثيّة المختلفة من أشعار وسِير وقصص شعبيّة تزخر بمعلومات تاريخيّة مُتَدَاولة شفاهةً.

رواد

وفي هذا المجال يأتي النّشر والمطبوعات المتخصّصة في التّراث بجانبيْه المادّي وغير المادّي، وبكلّ العناوين، مع إقرارنا بأنّه كانت لها بداية متواضعة ومتأخّرة نوعاً ما، وكانت مع الإصدارات الأولى للرّوّاد الأوائل في ثمانينيات وأواسط تسعينيات القرن الماضي بما كتبه الشيخ أحمد بن حسن الخزرجي رحمه الله، ود. حسن قايد الصّبيحي، وعبدالله عبدالرحمن، ود. فالح حنظل، وعبيد راشد بن صندل، ونجيب الشّامسي.

ثم بدأ التّأليف في التّراث يزدهر ويبرز فيه العديد من الكتّاب المواطنين والعرب من أمثال: د. موزة عبيد غباش، وبلال البدور، وناصر حسين العبودي، ود. محمد إبراهيم المنصور، ود. سيّد حريز، ود. السّيّد الأسود ثمّ عبدالله الطّابور، وعلي أحمد المغنّي، وفاطمة أحمد المغنّي، ود. عبدالعزيز بن عبدالرحمن المسلّم، وعبدالجليل علي السّعد، رحمه الله، وسعيد خلفان أبو ميان، ود. سعيد الحدّاد، ود. عارف الشّيخ، وعلي محمّد المطروشي.

ثم مريم جمعة الكيبالي، وعائشة خميس الظاهري وغيرهم. إضافة إلى الشّعراء، والمؤلِّفين في الأنساب والشّعر النّبطي الذي نال حيّزاً كبيراً من الاهتمام والنّشر والإعلام، وساهم أيضاً في هذا الميدان كتّاب القصص والرّوايات.

وقد رفدتْ هذا التّيّار عدد من الدّوريّات العلميّة والمجلّات والملاحق الصّحفيّة. وتزخر مجلّة تراث الصّادرة من نادي تراث الإمارات في أبوظبي بالعديد من المقالات المهتمّة بالتّراث، تقدّم للقارئ معلومات سريعة ومفيدة. إضافة إلى ما يتناقله النّاس من خلال شبكة المعلومات والتّواصل الاجتماعي حول التراث في الألفاظ أو في العادات أو في التّقاليد.

أصول تراثية

وفي هذه الحلقة نركّز على جانبين اثنين من جوانب الاهتمام بالتراث: الأوّل: كُتب الروايات والقصص والحكايات المرتكزة على أصول تراثية محلّيّة، تقدّم تراث الإمارات إلى الأجيال من خلال القصّة والحكاية والرواية.

والثاني: الأيّام والمهرجانات التراثيّة المختلفة على مستوى الدولة، على اعتبار أنّها تقدّم التراث على أنّه أداء حيّ متواصل تتلمّسه الأجيال فترى فيه ماضي الأجداد وحياة الآباء بكلّ جوانبها المعيشيّة والحياتيّة والفنّيّة والعمليّة والبدنيّة. وهذان الجانبان هما عادة ما يكونان بارزيْن في استعراض وعرض الموادّ التّراثيّة، وهما بصورة عامّة لهما دور إيجابيّ جليّ في المجتمع.

ومن الروايات المهمّة في هذا ميدان النّشر، رواية «شاهندة»، لراشد عبدالله، ط. 2، دبي، (اتّحاد كتّاب وأدباء الإمارات)، 1998. وهي رواية تحمل في طيّاتها تاريخاً لتفاصيل الحياة في الخليج، كما تعتبر وثيقة أدبيّة للمتابعين والرّاصدين لتطوّر المراحل الثّقافيّة في الإمارات.

وكتاب: دردميس: 8 حكايات، لأحمد راشد ثاني، أبوظبي، المجمع الثقافي، 2003، وكتاب: حكايات من الإمارات لحسن عبدالرحمن المرزوقي، الكتاب من إصدارات ندوة الثقافة والعلوم، دبي، 2006، وكتاب: حكايات من مدينة العين، لعائشة خميس علي الظاهري، من إصدارات هيئة أبوظبي للسياحة والثقافة، إدارة التّراث المعنوي، أبوظبي، 2012.

ويشتمل نحواً من 27 حكاية، تركّز على مرويّات نساء من منطقة العين التي تمثّل نموذجاً لمجتمع الإمارات في الماضي (ص. 13). ولكن الكاتبة وضعتْ في الحواشي هذه القصص باللغة العربيّة الفصحى.

تقديم التراث

إنّ تقديم التراث لا يتأتّى إلا بضمان جانبيْن: الكتابة والعرض المرئيّ المشاهَد والملموس. وإنّ تحليل ما تضمّنته الإصدارات المُختارة، وهل تمكّنت من خلال السرد أن توصل للقارئ المعنى الحقيقي لمجتمع الإمارات.

ولا يمنع ذلك من نقد ما تضمّنته الإصدارات المُختارة من منهجية في الكتابة والطّرح، وهل التزمت المنهج العمليّ في تقديم الموضوع من تراث، وكيف تمّ استعراض المادّة التراثية، وهل نجح كتّابها في تقديم عناصر التّراث إلى القارئ؟

والإشارة إلى ما تضمّنتْه هذه الإصدارات من معانٍ حقيقية للألفاظ العامّيّة ومراميها الاجتماعيّة والنّفسيّة. وهي تبيّن دور القصص والحكايات والمرويّات في المجتمع وتأثيرها في المتلقّي والقارئ العادي.

مقارنة

وعلينا كذلك عقد المقارنة بين التّراث المكتوب وتأثيره، وبين التّراث المعروض المشاهد من خلال الأيّام والمهرجانات التّراثية. الروايات والقصص والحكايات وأثرها في إبراز تراث الإمارات: أهمّيّة المرويّات الشّعبيّة.

وتدوين التاريخ الشفاهي، وأهمّيّته في حفظ الموروث الشّعبيّ. كما الإصدارات في هذا المجال خلال العقود الأربعة الماضية. مع تبيان ملامح التّشابه والاختلاف بين الإصدارات الأربعة المُختارة. وأمّا الأيّام والمهرجانات التّراثيّة المتعدّدة على مستوى الدولة فلها دور مؤثّر يعتمد على العرض، والإقبال والحضور، والتّغطية الإعلاميّة.

Email