أسد برونزي من الأعمال الإسلامية يصدر صوتاً يشبه الزئير

جمال غامض يحكي أسرار الفن الساحر

بعض القطع الفنية في متحف اللوفر أبوظبي تبدو غامضة في معانيها إن لم تكن في شكلها، لتستوقفنا وتثير فضولنا، وبالتالي تخرج أسئلتنا العديدة لتأخذ مع الوقت طريقها للبحث والتقصي والخوض لا في مرجعياتها القليلة فقط بل التأمل في زوايا العمل لكل قطعة، لكونها خارجة إما من حكاية ما، أو أن ثمة سبباً حقيقياً أدى إلى صنعه بهذا الشكل الغامض، وكذلك الرسم من خلال معايير جديدة ومبهمة للبعض ربما لتوحي بالالتباس... وتخرج القطع ثمينة في عقدتها، لتلقي علينا بدلالاتها المتباينة وتوضح لنا مدى هذا الخيال البشري الصانع والممتد في تقديمه النماذج المحترفة.

عين الغزال

ما إن تدخل متحف اللوفر في أبوظبي حتى تستقبلك تحفة ثمينة جُلبت من الأردن تبلغ من العمر أكثر من ثمانية آلاف سنة، وهي قطعة من الجص تمثل جسداً واحداً برأسين تمثل الإنسان، لنتساءل لمَ نحتت بهذا الشكل؟ نتعرف على هذا المجسم البدائي جداً فهو من تلك الفترة الأولى أو كما يصنفها البعض من حقبة القرى الأولى التي انطلقت الإنسانية منها لتتطور الأشكال المتمثلة فينا، وتنتشر من تلك القرى التماثيل النسائية تحديداً، تعزيزاً لدورها الأساسي في خصوبة المجتمع، أي تراكم الثروات والأرباح من الزراعة وتربية المواشي حسب كمية إنجابها، ولا يعني هذا التمثال سوى مدى الترابط الأسري الذي هو أساس الحياة والتقدم.

برج المقصورات

 

أسد يغني

أعجب الكثير من الزوار بهذا الأسد البرونزي الغامض، ورغم أنه بلا أرجل وفيه الكثير من الفتحات في جسده وفمه وبطنه، لكنه يُعد قطعة فنية تعود إلى 1000 عام أي في فترة الحكم والحضارة الإسلامية في جنوبي إسبانيا حين كانت إسبانيا/‏ الأندلس تخضع للأمويين، إذن هي قطعة فنية تمثل هوية منطقة البحر الأبيض المتوسط.

لنرى كل تلك الفتحات المتعمدة في جسد الأسد وبطنه وجوفه وذلك الأنبوب في فمه، كلها من أجل ضخ الماء فيه فيخرج هواء يبدو كصوت الزئير لكن من دون ضجيج أو إزعاج، كما هو واقع زئير الأسد، بل أشبه بهدير صوتي جميل وغير مزعج، وكأنه الصوت الطافي على الماء عندما يتم ضخه بالماء من خلاله. نراه اختراعاً فنياً وعملاً جديراً بالاحترام، بل يعبر عن مدى ذكاء صانعه المجهول.

أبو الهول الأسطوري

ومن ضمن العروض الغريبة في متحف اللوفر، رأس لتمثال من الحجر الجيري وضع على رأس عمودي، يشبه «أبو الهول المصري»، لكن يعود هذا العمل كما هو مكتوب أسفله، إلى اليونان ولسنة 500 قبل الميلاد، لكننا نعده غريباً لأنه يشبه المخلوقات الأسطورية، وإن عدنا لأسباب صنعه في تلك الفترة تصبح لدينا عدة تفاسير، منها أنه يمثل قصة الفتوحات اليونانية وتوسعها نحو حضارات العالم وتحكمها بكل تلك المساحات من الأراضي الشاسعة، ليبدو هذا الرأس يوناني الهوية صنع كشاهد أو سارد لما رآه أثناء التوسع، ورغم أن البعض يفترض أنه روماني لما للرأس من تشابه لهوية روما، لكنه في النهاية من تأثير اليونان الذين نشروا غزواتهم عن طريق الاسكندر الأكبر، ففتوحاته أشبه بأسطورة.

 

أبو الهول اليوناني

مقصورة

نطلق عادة كلمة وتسمية المقصورة على الغرفة المغلقة في القصور، كتلك الأجنحة الخاصة بالنساء، بالإضافة إلى المقصورة في الطائرة: وهي غرفة خصوصاً عالية القيمة، كما أن هناك مقصورة للمسرح، وكذلك للمسجد بجانب المنبر، خصصت في السباق لحماية السلطان من الاغتيال، وهكذا تمضي المقصورة في معانيها رغم شهرة مقصورة الشاعر ابن دريد، وهي قصيدة شهيرة ورائعة بنيت على بحر الرجز وجعل من حرفها الأخير ألفاً مقصورة، لكن يبقى المعنى النهائي للمقصورة هو حجرة للاختلاء، تلك المفصولة عن الغرف الأخرى، وتبقى القطعة الفنية المبهمة والتي تسمى المقصورة في اللوفر أبوظبي سر اهتمامنا، لتبدو كبرج متقن الصنع من عاج الفيل، مضيئاً بلونه الطبيعي.

تمثال برأسين

 

وصنع عام 1667م وسمي ببرج المقصورات،وإن عدنا لتلك الفترة فإنها تعود للإمبراطورية الألمانية، وبطلب من مجلس وزرائها، يتحول هذا العاج بين يدي صانعه إلى منحوتة، وهذا النحات الألماني المدعو أشيل هرمان زريت، لا نعرف أي شيء عنه، لا عن ولادته ولا عن وفاته، تاركاً لنا هذا البرج الذي يبلغ طوله 57 سم كما هو مذكور أسفل تعريفه في المتحف، ولا توجد لهذا الفنان أية أعمال أخرى.

سافرت هذه المنحوتة البيضاوية كثيراً مع جلدها الأصلي الذي تغطى به، من مزاد إلى مزاد ومن متحف إلى متحف، وتم تسجيل سعر هذا البرج/‏ العلبة في آخر مزاد بقيمة 457 ألف يورو.

1667

في هذا العام صنعت منحوتة برج المقصورات الغامض من العاج بيدي نحات ألماني يدعى أشيل هرمان زريت، لا نعرف عنه أي شيء، وهذا عمله الوحيد.

1867

رسم إدوارد مونيه في هذا العام لوحته الشهيرة «البوهيمي» ليعبر عن ثقافة جديدة لدى المثقفين الأوروبيين، أخذت تجتاحهم بقوة ليمثلوا الحرية الطبيعية.

1928

البلجيكي السوريالي رينيه ماجريت رسم في هذا العام لوحة فتاة تغمرها الدهشة والصدمة، ليعبر عن غموض متعمد فما يرسمه يجب أن يأخذ تفاسير متعددة.

 

البوهيمي الغجري

من بين مقتنيات الفن الحديث في المتحف، هذه اللوحة التي سميت «البوهيمي» كبديل للغجري، رسمها الرسام الفرنسي المعروف إدوارد مونيه، ونسبناها لكلمة الغجر لأنها تُعد ثقافة معروفة تمثل البساطة التي روجت لها أوروبا في فنونها وخصوصاً في القرن التاسع عشر، وتحلل هذه الثقافة بين مواصفات الإنسان في المدينة وبين المواصفات الطبيعية لأبناء الغجر، ونرى في هذه اللوحة كيف يمثل هذا الرجل الغجري الرومانسية على الفطرة، فالبوهيمي لا يعيش حياة فاسدة من أجل المستقبل، تماماً كما هو التصور الأوروبي آنذاك عن البوهيمية والغجر أدباً وفناً، ليقوم المثقفون والفنانون في أوروبا بإعطاء صفة البوهيمية لأنفسهم وإن كانوا مدنيين، لأنهم أصبحوا يشتركون في صفاتهم مع الغجري في أسلوب عيشه وسلوكه وحياته شبه العشوائية في بعض الفترات من حياته المزاجية، وإن عاد مدنياً من جديد.

البوهيمي لإدوارد مونيه

 

على ذلك، خرجت أعمال إبداعية عظيمة من تلك الشخصية والنظرة والأسلوب في ذلك القرن، لأنها تركت شرارتها الأولى لدى المبدعين، منها رواية «البؤساء» التي أظهرت حياة البوهيمية لدى الشباب الفرنسيين حينها، وتخرج هذه اللوحة على يد مونيه في تلك الموجة الفكرية التي هاجت وماجت بها أفكار المبدعين.

وبدورنا نستطيع اعتبار رواية «الخبز الحافي» التي كتبها محمود شكري أنها بوهيمية الفكرة لأبعد مدى في اتجاهها الحر، ليبقى مصطلح الأدب البوهيمي لا نتداوله كثيراً في عالمنا العربي، وبالتالي يبقى هذا النوع من الإبداع بطقوسه الغريبة أياً كان نوعه، كهذه اللوحة لرجل يبدو مهاجراً ومشرداً على الدوام، هو لشخصية حرة ومباشرة.

 

معجزة القراءة ودهشة بحجم صرخة

في هذه اللوحة: «القارئة المذعنة»، نظرة مليئة بالدهشة والرعب، فهل اكتشفت تلك القارئة أن الكتاب اختارها ولم تختره؟ خرج يقين ما قرأت في ومن شدة اتساع عينيها البيضاء، فهل شعرت بالقيمة المرعبة للنص؟ لتصبح دهشتها بحجم حاجتها للكتاب، وبالتالي الفرار إلى عالم السطور، ليأتي الصراخ من فكرة جديدة وجريئة.

تقف أمام نافذة تمنحها الضوء المنتمي إلى آخر النهار وبدايات اسوداد السماء، ليغدو الجدار أزرق وتلحق بالكتاب بعد صراعها مع يوم طويل، وتقترب حاجتها إلى الهروب والعزلة، وتصبح اللوحة غامضة في نبلها ومفهوم القراءة عند تلك الدهشة لكنها في تأويلاتها الفكرية أشبه بإعجاز، أي معجزة الكتاب وما يفعله بنا.

 

«كولاج» هندسة فنية ابتدعها بيكاسو ورسمها

يعزى انتشار هذا الفن التلصيقي في أوروبا كفن يدعى فن «الكولاج» إلى الفنان بابلو بيكاسو في بدايات القرن العشرين، عن طريق إلصاق صور التذكار وأوراق الصحف وأقمشة مع الزيت والفحم، لصنع بورتريه على ورق مقوى، وتمثيل الأشكال بصدق عن طريق اللعب بهذه الصور مع اتباع المدرسة السوريالية، فبات فناً في موضع التساؤل، وتصبح هذه المرأة الجميلة وبشخصيتها الواثقة تمثل الحلم والحياة بسبب ابتسامتها الباهتة ونظرتها المائلة إلى اليمين، حتى تحدث مؤرخو الفن أن قصة جميلة جمعت بين بيكاسو وهذه الفتاة لتصبح في ما بعد زوجته نتالي.

 

أسئلة مفتوحة حول لوحة «فتية يتصارعون» لغوغان

سأضع كل الأسئلة الممكنة في هذه اللوحة "فتية يتصارعون" لغوغان، لتخرج الإجابة حسب رؤية القارئ: ما الصلة التي تربط بين الصبيين؟ هل يتعانقان أم يتصارعان؟ هل هما أخوان أم صديقان أم عدّوان؟ ملابسهما على الأرض، فهل هي لرؤية عِظة من خلال مصارعتهما وصراع موروث لتستمر تقاليد طفولة الأجداد منذ أزمان بعيدة؟ هل يتفرج الناس على هذا المنظر بهذا المكان العام بلا تدخل؟ هل ينتميان إلى سلوك الطبقات الشعبية أم أنها أصبحت عادة بعد التقدم الصناعي والتغييرات الكبيرة التي صاحبت سلوك الناس؟ وسؤال أخير: أهي نبوءة للعالم بأنه في حالة انهيار بعد غياب المثل الأعلى للتقدم والآداب والثقافة؟