«دوار الموت بين حلب والرقة».. مآسٍ تغوّلت وحزن جاثم منذ 6 سنوات

ت + ت - الحجم الطبيعي

سردٌ حقيقي لأحداثٍ الراوي فيها هو الشاهدُ والحكم، وليس سرداً مصطنعاً ما يحاول أن يقدِّمه الكاتبُ السوري فيصل خرتش في روايته «دوار الموت ما بين حلب والرقَّة».

فيسرد صوراً مرئية وليس صوراً مصمَّمة أو خرائط لحربٍ تدور في سوريا منذ ست سنوات وإلى الآن، فالشخصيات التي تتناثر في الرواية كثيرة جدا، مثل: الأستاذ جمعة عبد الجليل، والدتُه، أختُه شكرية، زوجتُه، ولدُه الوحيد نوَّار.. شلّته التي تجالسه في المقهى، الست جمالات، الفلسطيني، المدرِّسة لمياء... ومن ثمَّ هناك فضاء مدينتي حلب والرقَّة.

ويبدو فيها البطل متحرِّراً ومتفوِّقاً وهو يروي ما رأى. يسرد ملهاة مشؤومة.. فقيرة وخشنة، قاسية ومتحمِّسة للحياة، تكشف لؤماً وبؤساً وحقيقة (عارية).. تكشف عن تغوُّل الموت وهو يصير حياة جديدة للسوريين.

تبدأ الرواية والأستاذ جمعة عبد الجليل مُدرِّس اللغة العربية كان نائماً. فشخرَ واستيقظَ في صباح 25 أغسطس 2012 والكهرباء مقطوعة في حلب. يومٌ استثنائي في حياة الأستاذ جمعة. لكنَّه كما غيره من الأيام التالية، من أيام الحراك/‏ النفض.. نفض السوريين. تنقضُّ عليهم قنابل زنة الواحدة خمسمائة كيلو غرام بالتمام والكمال.

فيُحيلنا إلى مقهى «جُحا» حيث يرتاده مع شلَّته من المثقَّفين والمطل على ساحة سعد الله الجابري والملاصق لنادي الضباط: «حيث تحوَّلت إحدى غرفه إلى سجن لتعذيب المعتقلين، كُنَّا نسمعُ أصواتهم من تواليت المقهى، كانوا يصرخون ويوُلْوِلون، ويقولون: والله يا حجِّي (أعجبتني هذه التسمية، وهي الدليل على أنَّ الذي بين أيديهم لم يخدم الخدمة الإلزامية، ولم يذهب إلى العسكرية) إنَّني وحيدٌ لأمي، فيقول الثاني: اخرسْ يا كلبْ، فيخرسْ».

ذهول

وننتقل إلى أحياء الميدان وسليمان الحلبي والجميلية والفرقان. ومن ثمَّ إلى الرقة. وبطله الأستاذ جمعة عبد الجليل مذهولٌ ممَّا يرى ويرى: «في حدائق الرعب، أو في الشوارع نفسها بدأ إطلاق الرصاص بكافة أشكاله، أصيب الأستاذ جمعة بهلع، نعم أصيب، دعنا نقبل برعب، وهو الذي عادةً ما تلعلعُ له الميادين، وقد شهدت له الأحداث بين تنظيم الإخوان المسلمين والنظام، إنَّه الطالع من حرب تشرين، لم يسمِّها التحريرية، ربَّما ربَّما سهواً وربَّما ربَّما أشياء أخرى..».

«حلبان»

ونتبين في الرواية كيف أن الزمنُ يمشي قوَّة حرَّة يحاول العثور على الهوية الجماعية لناسٍ مقموعين تحوَّلت أجسادهم.. بيوتهم.. مُدُنُهُم.. وطنهم، إلى ذرار.. إلى خرافة. مَنْ يُصدِّق في هذا السرد المُباشر العفوي الذي يرتكز إلى قاعدة ساخرة مُتهكِّمة أنَّ (حلب) هذه المدينة قد تحوَّلت إلى ركام من الأحجار والأتربة المغمَّسة بالدماء، بعد أن كانت حاضرة.. كانت (أنا) بيضاء ثمَّ صارت سوداء.

كانت أنا أصلية ثمَّ صارت مزوَّرة.. صارت مدينتين: «المدينةُ صارت مقسومة إلى نصفين، والقسمان لم يلتقيا، قسمٌ يفصله الميدان والشيخ أبو بكر وميسلون، هذا في الشرق. وقسم آخر عند دوار الموت، غرباً. انقطعت المواصلات بين الشرق والغرب، وحُوصرت حلب...

Email