أرخبيل مروّح..قيمة عالمية وجذور ضـــاربة في العصر الحجري

نذهب عميقاً في دروب الخير والوفاء للوطن وإنسانه.. نتجول في ربوع البلاد بحثاً عن الحقيقة، عن إمارات الرضا والسعادة، في عيون الأطفال والكهول.. نلتمس مكنونات هذا الشعب الكريم، في قراه البعيدة وبواديه، حيث النقاء والأصالة.

نقف على آثار الماضي ونمط العيش الجديد، لنشهد كيف حدث ويحدث التحول التاريخي العظيم من حياة البساطة إلى الرفاه والمعاصرة، دون خسران الهوية والإرث. «البيان» في هذه السلسلة تجالس الناس، وتستعرض معهم طواياهم السمحة، طريقة عيشهم، وأمانيهم الجميلة، تقاسمهم الماء والخبز والذكريات.. في عام الخير.

أرخبيل الجزر الساحرة الممتدة على طول ساحل منطقة الظفرة في إمارة أبوظبي (المنطقة الغربية سابقاً) يشمل أكثر من مئة جزيرة، أبرزها دلما وصير بني ياس وأبو الأبيض والبزم الغربي والسلية وحصبة الريم وجنانة وبوطينة والفياي وجزيرة مروح، ولأن الأخيرة تتمتع بخصائص في مقدمتها أن خريطتها تبدو في صورة فهد عملاق أقدامه غاطسة في الماء.

وتتكون من أضلاع ثلاثة كأنها جزر متحدة، كما أن تكوينها الديمغرافي التاريخي يمتاز بكثافة قبيلة الرميثات، وعبر تاريخها الطويل قبل قيام دولة الاتحاد، وبرغم خلوها من الماء العذب الذي كانوا يحصلون عليه من جزر أخرى مثل دلما، فإن أهلها ظلوا متشبثين بها حتى بداية الثمانينيات، حيث أنشأ لهم الوالد المؤسس الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، طيب الله ثراه، شعبية انتقلوا إليها على ساحل المرفا.

غير أنهم ما فتئوا يؤوبون إلى ديارهم السابقة بين الفينة والأخرى، حيث هيأت لهم الدولة وسائل التنقل البحري، ووفرت خدمات الماء والكهرباء في الجزيرة شبه المهجورة، بينما حولت مروح إلى محمية بحرية للمحيط الحيوي تشرف عليها هيئة البيئة في العاصمة أبوظبي، لذلك كله قررنا أن نحط رحالنا فيها خلال تطوافنا عبر «دروب الإمارات»، وكان ذلك في يوم هواؤه عاصف وأتربة الصحراء تملأ الجو عن آخره، ما دعانا إلى المبيت في مدينة المرفا المطلة على البحر، ومنها ننتقل بسفينة صغيرة «طرّاد» إلى بغيتنا داخل الخليج.

آثار مهمة

كان في بالنا ونحن نتهيأ لزيارة مروّح أننا نزور أحد أهم المواقع الأثرية في دولة الإمارات، لاحتوائها على أولى القرى المبنية بالحجر في منطقة الخليج بعمر يمتد أكثر من سبعة آلاف سنة، إضافة إلى ما تتميز به من بيئة بحرية نادرة، ولذلك تم إعلان الجزيرة محميةً طبيعية عام 2001، ولحجمها وتميزها على مستوى المحميات البحرية في منطقة الخليج العربي، فقد أصبح الموقع والجزر المحيطة به والشريط الساحلي خلال عام 2007 ضمن برنامج «الإنسان والمحيط الحيوي» الخاص باليونسكو «إم إيه بي».

توجهنا من ليلتنا إلى مضيّفنا جمعة بن محمد بن حثبور الرميثي «بومحمد»، أحد أبناء مروح، المقيم في المرفا كبقية أهله، فوجدناه كنزاً، شهد ثمانية عقود ونيفاً من الأحداث والأحوال العظام التي غيّرت مصير هذه المنطقة من حال إلى حال، وهو سيكون دليلنا في اليوم التالي، إلى الجزيرة التي تبعد مسافة نصف ساعة بطراده السريع.

وقبل الجلوس مع «بومحمد»، التقطنا معلومات مهمة عن جزيرة مروح، ومن ذلك أنها في ظل تنوعها البيولوجي الذي تدعمه بيئات بحرية وساحلية، تضم منطقة المحمية 60% من ثاني أكبر تجمع عالمي لأبقار البحر أو «الأطوم» المهددة بالانقراض في العالم، مما يضفي عليها أهمية عالمية.

أهمية خاصة

توجد في المحمية دلافين وأنواع من السلاحف البحرية، أهمها السلاحف الخضراء، وتعتبر شواطئ منطقة المحمية بيئة مثالية لأعشاش سلاحف منقار الصقر.

وتزخر المحمية بأنواع من الدلافين وأنواع عديدة من الأسماك والشعاب المرجانية والأعشاب البحرية والطحالب وأنواع من الشعاب البنية التي يتغذى عليها العديد من الأسماك، وتعد بيئة مثالية لاحتضان بيضها.

كذلك توجد أشجار القرم «المانجروف» في المنطقة الساحلية لجزر مروح، حيث تعمل هذه الأشجار على تثبيت الشواطئ وتشكيل بيئة ملائمة لتعشيش طيور المنطقة كالنوارس، وكذلك الطيور المهاجرة ذات الأهمية العالمية، مثل أنواع الخرشنات وصقر الغروب.

القول القاطع أن هذه البقعة من أرض الإمارات العربية المتحدة تحوز قيمة ثقافية وأثرية شديدة الخصوصية، حيث إنها تشتمل في مختلف جزرها على أكثر من 20 موقعاً أثرياً تعود بتاريخها إلى العصر الحجري.

في مجلس «بومحمد»

جمعة محمد بن حثبور الرميثي، خبير ومحلل السباقات البحرية في نادي تراث الإمارات، اسم لا تخطئه أذن في أوساط المعنيين بالتراث البحري الإماراتي، خاصة في إمارة أبوظبي، أعد كتيباً في هذا المجال بعنوان «درايش» بمعنى نوافذ، وقد خصص سيارة نقل يملكها للتنقل بها في كل مكان داخل الإمارات، وعلى متنها كل أدوات الصيد والغوص، مشاركاً بها في كل المعارض، وهو الأمر الذي تطلب إذناً استثنائياً من وزير الداخلية، من أجل ترخيص سيارته تلك لهذا الغرض، خدمة تراث أجداده العريق.

زرناه في بيته العامر في مدينة المرفا، وشهدنا بأعيننا تلك العربة العجيبة وما تحتويه من أدوات تبلغ مئة قطعة، ما بين خشبية وصخرية ومعدنية، في شتى شؤون الصيد وشجون الغطس بحثاً عن اللؤلؤ «.. قال لنا لا تقولوا صيد اللؤلؤ ولكن قولوا ييب اللولو» فأطعناه.

قال: «بدأت «الكد» في البحر وأنا ابن سبع، وكان ذلك نحو عام 1942م، وعادةً ما كان أحدنا يبدأ حياته العملية صبياً مع والده، وهذا ما حدث معي».

ويضيف: «جزيرة مروح ثلاثية الأبعاد، تشمل جزراً متلاصقة، هي مروح والقبة واللفة، وتقترب كثيراً من الفياي التي تعقبها «أبو الأبيض»، وتعتبر أسمال القرش من أكثر الأسماك استيطاناً في محيطها، إلى جانب بقر البحر والسلاحف البحرية».

أنواع القوارب والأسماك

قوارب الصيد هنا عديدة، منها الجالبوت والصمعة والعويس والبوم وغيرها، وقد كانت كل هذه الأنواع تصنع إما في شواطئ جزيرتنا أو تجلب من دبي وأبوظبي ورأس الخيمة والشارقة.

ومن الأسماك التي ظل سكان هذه الجزر يصطادونها إما لغذائهم أو لبيعها في الأسواق: الكنعد والخباط والتبان والسبيطي والحاقول والبسار والهامور والشعري والقباب والشعن والبدحة والصافي والجرجور (وهو القرش) والقابطة.. إلخ.

وعن وسائل العمل البحري وأدواته في الزمان السابق، يقول بومحمد: «لم يكن لدينا بوش كما هي الحال عند أهل البر، ولكننا من «الدبش»، وهي الدواب، كنا نمتلك الحمير، ونزن الأسماك بالمن، وقد جاءنا من الإمارات الشمالية، وهو يعادل 8 أكياس.

ولقد كانت بيوتنا حينئذٍ من جريد النخل والحصير الذي يصنع من خوص النخل، وكما ترى كل شيء من النخل، وهذا كله كان في الجزر، وأما في المرفا فلم يكن هناك سوى البريطانيين الذين بنوا مركزاً لهم على الساحل من الطابوق».

وعن مواسم صيد الأسماك، يقول: «في الشتاء نصيد الكنعد والغباب والتبان والسجل وخيل البحر، وفي الخريف «الصفري» الذي يقع بين القيض والشتاء نصطاد سمك البياح والسبيطي والشعن والبدحة والغابطة والبسار، وأما في الصيف فنصطاد الشعري والهامور والصافي والجش الأبيض «أم الحلا».

وفي موسم القيض تقل الأسماك في السواحل الضحلة «الرق» بسبب الاحترار، وتنضج في الأثناء ثمار الهمبة «المانجو»، والرطب والليمون والموز، ولذلك نرتحل إليها في العين، حيث نبقى هناك حتى ظهور نجم سهيل لنعود إلى مرابعنا في الجزر».

أدوات الصيد

أسهب جمعة الرميثي في تفصيل أنواع واستخدامات أدوات الصيد عندهم عبر الأجيال، فذكر أن الليخ «شبك الصيد» أنواع بحسب اتساع عيونه، وكل نوع مخصص لاصطياد صنف من السمك. وهناك شرك «القرقور» الذي كان يصنع من عذوق عناقيد الرطب أو العسجة.

ومن أدوات الصيد نجد الميدار «الصنارة»، وتربط بخيط قوي يتحمل مقاومة الأسماك الكبيرة. وأما «البِلْد» فهو قطعة من الرصاص تثقل الشرك، ويجري ثقبه بالمجداح، وهو نوع من الحجارة الصلدة.

وأما الكابر فهو خطاف أو صنارة حديدية سميكة ومعقوفة الرأس يصاد بها القرش وبقر البحر والسلحفاة واللخمة، لأنها كبيرة الحجم وعصية على شراك الصيد الأخرى وتفلت منها بسبب قوتها. ومن أدوات الصيد هناك السجاجة التي تستخدم لقتل بقر البحر بعد إيصاله إلى القارب، وأخيراً ذكر لنا بومحمد السكاكين المتعددة الاستخدامات، إلى جانب السلال المنسوجة من سعف النخيل.

طعوم الصيد

تُستدرج الأسماك المختلفة إلى الفخاخ بطعوم متنوعة، ويرتبط ذلك بما يغري كل منها ويجذبه، فالشعري والهامور يجذبهما النغر والخثاق (وهما نوعان من الحبار)، أما القرش فطعمه من اللخمة أو الدخس (وهو الدولفين).

ومن الطعوم التي تستخدم مع شرك القرقور أسماك العومة (السردين).

الحدوة وسلوك السمك

سألت بومحمد سؤالين عارضين، أولهما: «هل كانت لديكم أغاني نهمة في البحر؟» فأجاب بـ«لا»، النهمة تجدها غالباً في الإمارات الشمالية، وأما هنا في منطقة الظفرة (المنطقة الغربية سابقاً) فلدينا «الحدوة»، ومن الحداوي الشهيرة لدينا قول الشاعر: والله لولا الخيال.. لأتبع هوى لتقاف.

وأما سؤالي الثاني فكان: «هل تتمتع الأسمال بالذكاء أو الشعور بالخطر كما هي الحال لدى الطرائد في البر؟».

قال: «أذكى أنواع الأسماك الجشة الكبيرة «القفدارة»، فهي سريعة الهرب والاختفاء، ويندر أن تقع في الفخ، وأما الهامور فهو بليد، ويتقدم نحو الطعم والشرك بسهولة لافتة، لذلك أسميه «غشيم»، لأنه سهل المنال.

والبياحة «البوري» أصعب من القفدارة في صيدها، لأنها شديدة النباهة وتستشعر كيد الصياد، فتفلت منه قبل أن يعرف بوجودها. وبالنسبة إلى بقر البحر فهو حساس أيضاً، ونباهته في الصيد مثل الأرنب، وأما القرش فهو لا يصيب الصياد إذا استقر مكانه، أما إذا تحرك الصياد فعلى روحه السلام.

ييب اللولو

انصرفنا إلى سوالف اللؤلؤ بعد طول حديث عن صيد الأسماك، وبومحمد يرفض قولنا: «صيد اللؤلؤ»، قال: «اللولو مب شيء حي حتى نصيده»، ذهب إلى داخل بيته ثم عاد إلينا نشيطاً وسعيداً وفي يده «يبة»، وهي سلة مصنوعة من خوص النخل يحفظ فيها اللؤلؤ بأنواعه، كانت يده الأخرى تحمل صندوقاً خشبياً جميلاً يحوي أدوات الغوص، أخرج من بينها قطيفة حمراء وملقطاً، ثم فتح تلك السلة المغطاة ودلق على القطيفة كومة من اللؤلؤ الإماراتي الطبيعي بأحجام مختلفة، ولحظنا أن بعضه أسود اللون، فعجبنا لذلك، ولكنه قال: «سبحان الله، هل تعلمون أن اللآلئ السوداء هذه هي التي تضمن لمعان اللآلئ البيضاء، ولولاها لاستحال لون البيضاء إلى الغبش، وباتت شاحبة بلا بريق، إن اللؤلؤ الأسود «يغذي غيره» ويمتص الغبار، وما يعلق ببقية القطع فيجليها جميعاً، فالله لم يخلق شيئاً عبثاً».

أخذ بومحمد ملقط الحديد وحرك به حبات اللؤلؤ قائلاً: «لا يستحسن استخدام اليد مباشرة، لأن يد الإنسان تفقد هذه اللآلئ رونقها، وستحتاج حينئذٍ إلى تنظيف يطول».

قصد الغوص

يبدأ بومحمد شرحه لعملية الغوص بشرح العناصر الأساسية في العملية فيقول: «الغيص «الغواص» هو عمود «المحمل»، وهو الذي يخاطر بنفسه داخل البحر ويتعرض للأهوال، ولذلك فهو يحصل على ضعف ما يحصل عليه «السيب» الباقي على ظهر السفينة يراقب ويشد حبل الغواصين». يقول: «السيب مرتاح ويمارس حياته بطريقة معتادة، وأما الغيص فليس في البحر سوى ثلاث شربات فقط من الماء في اليوم، وله شربتان فقط من الشاي، ولا طعام للغيص طوال اليوم، إلا وجبة العشاء المكونة من العيش «الأرز» والسمك فقط».

يسرح بومحمد بعيداً، لعله يستعيد ذكريات الغوص وأيامه الصعبة، ولذلك قال: «الغوص ما فيه رحمة، وإذا توفي أحد العاملين في البحر، فإن النوخذة يلقي به في عرض البحر دون أن يصلى عليه، وإذا مرض يكوى بالنار، وإذا عاد فريق الغوص إلى البر، فإن من حق النوخذة أن يسترد من أهل الفقيد ثمن ما أخذه قبل السفر، هذا هو العرف السائد».

أيام زمان

يحدثنا جمعة بن حثبور عن تجربته مع الغوص، فيقول: بدأت من وظيفة «وليدو» التي من مهامها على ظهر السفينة أن يبجر «يوقد» النرجيلة ويجهز القرقور وينظفه ويلقيه في البحر، لجلب غذاء المجموعة، خلال هذه الفترة يتأقلم الصبي مع حياة البحر حتى يألفها، ويتعلم مهام «المجدم»، وهو بمنزلة الفورمان، وهناك وظيفة أخرى اسمها «المجدمي»، وهو الطباخ.

الغيص الذي هو أهم عمال البحر، وهو جالب المحار من الأعماق، قد يصل غوصه إلى عمق عشرين متراً أو أكثر، ولكنه يبدأ خلال حياته الغطس إلى مسافات أقصر تبدأ من عشرة أمتار، ثم تزداد المسافة التي تكتم خلالها انقاسك في جوف الماء، والأهم من ذلك يجري تدريبه على طريقة قطف المحار الذي بداخله اللؤلؤ لأن المحارة تكون خشنة وملتصقة بصخور الأغوار، تستعصي على السحب باليد. يقول بومحمد: الخروج في رحلة الغوص يسمى «المد»، ورحلة العودة تعرف بالقفلة، والرحلة تستغرق أربعة شهور وعشرة أيام.

أدوات مهمة

من أدوات استخراج اللؤلؤ «الخبطة»، وهي أغطية جلدية توضع على رؤوس الأصابع من أجل اجتثاث الأصداف الحادة الجارحة من قعر البحر. وأما الفطام فهو مقبض خشبي للأنف يمنع تسرب الماء إلى الرئة، والحصاة توضع بين أصابع قدم الغواص، وهي موصولة بحبل يصل إلى السيب على ظهر السفينة، والديين سلة يعلقها الغواص على رقبته، ويجمع فيها الأصداف التي تحتوي اللؤلؤ.

أنواع القماش

ومن أنواع اللؤلؤ «بومحمد يقول إن اللؤلؤ يسمى القماش»: الرأس أكبر أنواع اللؤلؤ وتعتبر نادرة، ثم الدانة، وهي أصغر، ولكنها أفخر وأنصع، وهناك لولوة البطن والذيل واليكة والحصباة واللولو الناعم، وهو أصغر أنواع اللؤلؤ وأقله ثمناً، وأما اللولو العالج فهو العالق بجدار الصدفة، ويباع بصدفته بسعر زهيد.

رحلة سعيدة

صباح أبلج والشمس مشرقة، توجهنا إلى مرسى السفن في كورنيش المرفا، قبطان رحلتنا هو ابن جزيرة مروح البحار القديم جمعة محمد بن حثبور الرميثي صاحب الطراد «الخزنة» ذي الماكينتين بقوة 225 حصاناً، فاستطعنا أن نمخر في البحر لمدة نصف ساعة تقريباً، بعد أن طفنا حول عدة جزر، مررنا بها منها جنانة التي يعمرها المواطن ناصر المزروعي، وبها غابة حقيقية من شجر القرم الكثيف المخضل، فرأينا حينئذٍ طائر «اليوة»، وهو الكركي، وانطلقت أمامنا أسماك «السلس» مثل صواريخ أطفال على سطح الماء، وخرجت إلينا من الأعماق دلافين «دخوس» للتحية، ورأينا أعشاباً بحرية «الشبو» تدل على أننا نسير في «رق»، وهو الموضع الضحل من البحر، وليس في «الخور»، وهو البحر العميق.

قضينا سحابة يومنا نتجول بين البيوت شبه المهجورة التي يأتي أهلها للإقامة فيها خلال العطلات والإجازات، ثم عدنا إلى المرفا لتلبية دعوة غداء في بيت هاشم سعيد الرميثي الذي أحاطنا بكرم الضيافة وأطباق السمك والذبائح.. كانت رحلة ممتعة لا تمحي من الذاكرة.

قاموس الصيادين

النبــرة:هي خفقة الحبل إشعاراً بوقوع الصيدة في الشرك.

الحـدق:الصيد بالخيط إذا كان القارب متوقفاً، وأما إذا كان متحركاً فيسمى هذا النوع من عملية الصيد باللفاح.

السِيف:الساحل.

السنيار:فوج الصيد بالقوارب.

السماري:الصيد وفق حركة التيار.

الأنيـــر:المرساة.

السجي:المد

الثبـــــر:الجزر.

نشالي:الصيد نشالي يعني من دون بلد. تقول كلمات «شلة».. سوي لي قرقور نشالي من حديد وعسق باباته.

بومحمد بحار بدأ بوظيفة وليدوه ووصل إلى رتبة كابتن

جمعة بن حثبور الرميثي «بومحمد» شاب نيّف على الثمانين من العمر، ولا يزال حاضر الذاكرة بشوشاً يقود سفينته «الخزنة» بجرأة واقتدار، وتحت إمرته الآن فريق من الصيادين الآسيويين، ويملك عدة مراكب خشبية، ويدافع عن تراث البحر الإماراتي دفاع المستميت. فالبحر ماضيه وحياته، وقد كد فيه ووجد، منذ أن كان «وليدوه»، أدنى وظيفة في فوج الغوص، بحثاً عن اللؤلؤ، وترقى إلى سيب ثم غواص ونوخذة، كما عمل صياد أسماك محترفاً، ولاحقاً أصبح كابتن في ميناء زايد في الفترة من 1971 حتى 2002م.

في بداية حياته، حفظ ما تيسر من أجزاء القرآن على يد درويش بن كرم في أبوظبي وهو يافع خلال الأربعينيات. أسرته تتألف من 48 عضواً من ابن وابنة وحفيد، والمبهج أن بناته الخمس كلهن تخرجن في الجامعة وأولاده الأربعة تقلدوا المناصب في الحكومة. يحفظ من أمثال البحر: «إذا غديت واياك في عشٍ جميع.. أبصر بي كما تبصر بنفسك. وقولهم الحريج ولا الغريج».

وختم بعبارة عميقة مفادها: «هذي بلادنا حاتينا عليها من زمانٍ جديم».

موقف لا أنساه

قال بومحمد: يوماً خرجنا إلى البحر، أنا وأخي وآخرون، شئنا نصطاد القروش في جزيرة بوطينة حيث تتكاثر، وكانت معنا قصبة واحدة «قناة» على رأسها خطاف نريد صيد القرش، فمررنا بأحد القروش العاتية طوله 14 متراً، فشد العصا من يدنا، ما يعني أننا سنعود أدراجنا بلا صيد، لأنها الآلة الوحيدة التي نملكها، فجازفت وتبعت القرش في البحر لأستل منه الخطاف وأسترده، وكانت تلك مخاطرة غير مأمونة العواقب ولا يقدم عليها الصيادون، حيث إنك تذهب بنفسك للقرش ليفترسك ولكن الله سلم.