قصيدة نابعة من وجدان فارس وموجهة إلى فارس

مُهداة محمد بن راشد الشعرية إلى حمدان إلياذة النبل والكمال

ت + ت - الحجم الطبيعي

القصيدة المهداة من سيدي صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم نائب رئيس الدولة رئيس مجلس الوزراء حاكم دبي، إلى نجله ووليِّ عهده الأمين، سيدي سمو الشيخ حمدان بن محمد بن راشد آل مكتوم، قد لا تفيها قراءة حقها من التميز لصدقها، وقوة بيانها، ومتانة عباراتها، وحداثة صورها مع ما تحمله من رؤى علينا أن نتمعَّن فيها جيداً لندرك غاية سموِّه منها.

في هذه القراءة، سأحاول أن ألقي الضوء على بعض ما احتوته من شاعرية ومحاسن عبارات ومفاهيم رجل دولة خبير بحال الدنيا، يعرف كيف يخاطب الفرسان في لحظات انتصاراتهم

قراءة الشاعر: محمود نور

 

نبدأ مع مطلع القصيدة:

الختامي كان ناموسِهْ علامهْ

                           نالِتِهْ تكريم ناموس الختامي

نبل وكمال

حين نقرأ قصيدة مشحونةً بكل هذا النبل والكمال، ندرك أنها نابعةٌ من وجدان فارسٍ وموجهةٌ إلى فارسٍ، له من التشابه مع شاعرها سمات كثيرة، يستهلها صاحب السمو بافتتاحية يبدأها بما يجب أن يختمها به، وهو الذي يدرك بحسه الشعري ما ستؤول إليه الأمور، فالنهاية التي جاءت موافقةً للتقدير، كانت علاماتها واضحةً على البداية، وقد تحقق ما كان يتوقعه شاعرنا وفارسنا الكبير.

وكل شيّ انْ كنت تعطيه اهتمامه

                         تاخذ مْنِـهْ لى تريده بالتمامي

سعة اطلاع

وبحجم تجربته وسعة اطلاعه ورجاحة عقله، يذكر صاحب السمو هنا، أن كل أمرٍ تمنحه حقه من العمل والصبر والاجتهاد، سيأتي حتماً بالنتيجة المرجوة، وهو ما حصل عليه الفارس سمو الشيخ حمدان بن محمد بن راشد آل مكتوم.

والرِّجولِهْ والبطولِهْ والشَّهامِهْ

                            تبغي الأفعالْ ما جَتْ بالكلامي

مصاف الأبطال

ثم يواصل صاحب السمو التنويه بأن الوصول إلى مصاف الأبطال، والتمتع بصفات الرجولة والشهامة، ليست مجرد كلام يقال، بل هي أمورٌ لا تتأتَّى إلَّا بعزيمة أبطالٍ وشهامة فرسانٍ ورجولة شجعانٍ، عملوا بجدٍّ من أجل تقويم وتقييم أنفسهم حتى استحقوا فعلاً ما يلقبون به.

في ميادين التَّحَدِّي والكرامهْ

                            عَ الفعايلْ نعتمدْ مبْ عَالأسامي

اختبار حقيقي

فحيثما يكون الاختبار حقيقياً تظهر معادن الرجال، بعيداً عن الألقاب والأسماء الرنانة، التي لا تجدي نفعاً إن لم تكن محصنة بالجلد والعزيمة لقهر كل صعوبةٍ، ولنيل كل كرامة.

ومن يفوز اليوم زام المَجدْ زامِهْ

                          وفوزك العامي ولو هو فوز عامي

فوز حقيقي

هنا ينطلق سموُّهُ من العام إلى الخاص، فيتوجه إلى الفارس الفائز، سمو المجد الشيخ حمدان بن محمد، مؤكداً له أن الفوز اليوم في هذا السباق، لهذا العام، هو الفوز الحقيقي، وهو ما سيحقق لصاحبه المجد والانتصار، وإن كان قد عهد به الفوز من قبل، كما فعل سابقاً، ولكن يبقى ما مضى لما مضى، ففوزه للعام الفائت، وإن كان فوزاً فهو لوقته، وعليه أن يواكب وقته بدوام الفوز، فهو يعرفه وقد أنشأه على ذلك، وعلى كل ما هو حقيقي وفاعل وصالح وناجح.

والزَّعامهْ حتَّى في الذُّود الزَّعامِهْ

                         شيّ شيّ وْشَيّ دايمْ الأمامي

حكمة معهودة

صاحب السمو ينير الطريق بحكمته المعهودة، فيبين في سياق مدحه، أن الزعامة هي أن تكون في المقدمة في كل مجال، بما في ذلك منافسات وسباقات الهجن، بل وينبغي أن تكون في الأمام دائماً، لتكون قدوة لمن يتبعون مشورتك وفعالك، ويسيرون على وقع خطاك نحو الأفضل.

ومِن سَرَبْ للعاصفهْ يا الله السَّلامِهْ

                         طْلَعَتْ حيِّهْ اجلِبَتْ كلِّ النِّظامي

صيغ بديعة

في صيغة بديعة، شبَّه الفارسُ الشاعرُ صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، البكرة الفائزة (تكريم)، التي تنتمي لهجن العاصفة، بالحية التي خرجت من سربها، راجياً السلامة مما قد يبدر منها ومما ستفعله بمنافساتها، وهي تسلك طريقها إلى المقدمة بشكلٍ مذهلٍ، لم يكن في حسبان منافسيها، لتقلب بذلك سير السباق ونظام المنافسة لصالحها.

يوم صَفُّوهنْ بِدَتْ تكريم هامِهْ

                         عاليهْ تِرْفَعْ لأهلْ الهِينْ هامي

صور شعرية

هنا يطالعنا صاحب السمو الشاعر بالصور الشعرية المستوحاة من الحدث، فيرسم بالكلمات لحظة ما قبل الانطلاق، والتي بدت فيها علائم الفوز واضحة في علو وارتفاع هامة (تكريم)، التي رفعت هامات أهل الهجن بفوزها.

كَنِّها ما بينهنْ في الوَصفْ شامِهْ

                          واضحهْ أوْ مثلْ خَرَّتْحِرْ شامي

تميز وتفرد

ثم يصف صاحب السمو البكرة الفائزة وهي بين منافساتها، وكأنها شامة لتميزها وتفردها، ولما تمتاز به من جمالٍ وقوةٍ، كما هو حال الصقر الحر الذي يخر من علوٍّ في عنفوانٍ وتميُّزٍ ورشاقة نحو هدفه لينقض عليه.

رامت اللِّى صعْب شَيْ في الهين رامهْ

                         كَنِّها سَهْم انطلق من كَفّ رامي

حجم التحدي

ينوِّهُ سموُّه إلى أن فوز (تكريم) لم يأتِ هيِّناً، فقد نالت ما لم تستطعه الهجن، رغم حجم التحدي الذي واجهته، حتى لكأنَّها سهمٌ اخترق الزمن حين انطلق من قوس رامٍ خبير لتحل في المقدمة.

كِلْ حَدْ أبدَىَ لها اليومْ إحترامهْ

                       ولي مثِلها يَستحِقْ الإحترامي

جدارة

وبهذا الفوز الباهر الذي حققته بجدارة واقتدار، نالت (تكريم) ما تستحقه من التكريم والإشادة، بإنجازٍ يحسب لها ويمنحها التقدير والاحترام، وكأنِّي بها تستشعر أهمية الفوز، فتتباهى وتتألق بهذا الوصف الذي خلعه عليها سيدي صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، حفظه الله ورعاه.

كنِّه مْفَصَّل لها مِ الرِّيحْ خامهْ

                     عَصفْ عاصفْ جَلَّعْ طنوبْ الخيامي

ثوب الريح

من الصور الرائعة المستحدثة، جاء هذا البيت، الذي شبه فيه الشاعر الناقة وكأنها تسربلت بثوبٍ من الريح، حملها عاصفةً خلفت وراءها من تابعها حائراً، بعد أن اقتلعت بسرعة مرورها حبال الخيام لشدة سرعتها.

أوْ شبيه البرْق يبرقْ في غتامهْ

                     بارقَهْ البرَّاقْ جلاَّيْ الظَّلامي

يسلب الأنظار في لَمعِهْ صرامهْ

                    لمعتِهْ يا كَنَّها لَمعْ الحسامي

أوْ مثِلْ موج البَحَرْ وقت التطامِهْ

                   ومنْ بَيتحَدَّىَ البَحَرْ والموجْ طامي

استشراف الصورة

ثم يعود سموُّهُ ليشبه البكرة الفائزة (تكريم)، بالبرق الذي يجلو العتمة ويحيل الليل نهاراً، إنها اللمحة القادرة على استشراف الصورة وإعطائها مغزاها ومعناها العميقين، إن ما رسمه الشاعر في عباراتٍ أخَّاذةٍ، يؤكد على أن تلك الناقة سلبت الأبصار بقدرتها وتفوقها، وبدت كالتماع السيف حين يُجرَّدُ من غمده وقد حسن صقله، واستوى حده.

أو كأنها موج البحر حين يهدر وتتلاطم أمواجه، فلا يجرؤ أحدٌ على تحديه أو المغامرة بخوض عبابه، وهي صورٌ احتشدت في مخيلة الشاعر، حصيلة خبرته ونفاذ بصيرة ودقة تصويره واتساع رؤاه.

في وَصِفها يعلن الوَصف انعدامه

                  عَنْ عديمَةْ وَصف ما تبغي محامي

وصوف

ثم يعلن سموُّه في هذا البيت، أن لا وصف يمكن أن يفي هذه الفائزة حقها من الوصف، ويرى أنها ليست بحاجةٍ إلى من يصفها، وكأنها ببراءتها من أي شائبةٍ لا تحتاج إلى من يثبت حصانتها وأهليتها للفوز، كما لا يحتاج البريء لمحامٍ يثبت براءته.

والنَّصِر لوُ ينشَرَىَ كلْ حَدّ سامهْ

                  بسّ دومْ النَّصْر طِبعِهْما يسامي

مكارم الفرسان

يعود سموُّه إلى الحكمة، ليرينا كيف يصوغ الخبرة صوراً شعريةً يريد من خلالها إعطاء العبرة لمن يعتبر، فالنصر لدى سموه لا يُشترى بالمال، مهما كان الثمن المبذول، لأن النصر بطبيعته لا يمكن أن تتم المساومة عليه، باعتباره من مكارم الفرسان وعنواناً من عناوين الأبطال.

فزْت يا حمدان بالرِّيس وْختامِهْ

                 وما يجيب الحَظّ إلاَّ ناب دامي

عادة النجاح

يتوجه سموُّه أخيراً إلى الفارس الفائز قائلاً، لقد أصبت يا حمدان الهدف، وهي عادتك في أن تكون السبَّاق دائماً إلى الفوز، لأنك تجهد وتتعب وتدرب وتتابع وتخطط للنجاح الذي لا يأتي بالتمنِّي، بل بالتمسك به والعض عليه حتى تدمى الأنياب.

وصْف سيفكْ مشبهٍ سيف الغمامهْ

                 سيف جَدِّكْ ساميِ فيكَفّ سامي

مآثر الأجداد

إنَّه لأمرٌ يبعث على الفخر، حين يمتثل الأحفادُ بمآثر الأجداد، وهمتك يا حمدان بن محمد، يا أيها الفارس وسيفك عاليان، كما كان وسيبقى سيف جدك ساميَ المقام، فهو اليوم في كف سامٍ، وأنت اليوم بت تشبهه بوفائه وشجاعته ونبله وكرمه.

خذتَها منِّي أنا الأوَّلْ غَرامي

                 فارسٍ دايمْ علىَ الأوَّلْ غرامهْ

المركز الأول

ينهي فارس العرب، سيدي صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، قصيدته متوجهاً إلى سمو الفارس حمدان بن محمد، حفظهما الله ورعاهما، بقوله لطالما كنتَ مغرماً بالفوز يا حمدان، كما هو حال أبيك الذي لم ولن يرتضي بغير المركز الأول بديلاً، وقد منحتك تلك العلامة الفارقة، كي تظل تتشرب من معينها دائماً وأبداً.

* مدير عام مجلس العويس الثقافي

Email