روائي جزائري يكتب بالفرنسية: كيـف؟

يوسف القعيد

ت + ت - الحجم الطبيعي

الروائي قبل الرواية.الروائي قبل بطل روايته.والروائي له أكثر من اسم. اسم الشهرة الذي ينشر به: ياسمينا خضرا. وهو كما يبدو اسم امرأة وليس اسم رجل. أما اسمه الحقيقي فهو: محمد مولسهول، جزائري يكتب بالفرنسية. سمعت عن روايته الأخيرة: ليلة الريس الأخيرة.

فقررت قراءتها. رغم أن مسيرته وما نعرفه عنه من حكايات قد لا يشجع الإنسان على قراءة نص روائي له. فالوقت أصبح أقل مما يحلم الإنسان أن يحققه فيه. بل ربما يصل لحدود الندرة.

أيضاً فإن ما قرأته عنه يقول إننا أمام كاتب يشكل ظاهرة عامة أكثر من كونها ظاهرة أدبية أو روائية. ربما كان الكاتب المذكر الذي اختار اسم امرأة واعتبره اسم شهرة يعد المقابل الطبيعي لفرانسوا ساجان، الروائية الفرنسية «1935 – 2004»، التي كانت ظاهرة عامة في المجتمع أكثر من كونها ظاهرة ثقافية.

شكلت بنتاجاتها منجزاً ثقافياً يمكن الوقوف أمامه. رغم حالة الصرعة التي أصابت الدنيا عندما نشرت روايتها الأولى صباح الخير أيتها الأحزان. إلا أنها نُسِيتْ بعد فترة ولم يتذكرها الناس إلا عند وفاتها. قبل روايته الأخيرة كنت أسمع عنه أخباراً أقرب إلى الطرائف. لم أستغرب أن يكتب بالفرنسية.

فقد قرأنا لأدباء جزائريين كبار كتبوا بالفرنسية. وعكسوا روح الجزائر الحقيقية وكان لهم موقف ضد الاحتلال الفرنسي لبلادهم رغم استعارتهم للغة الفرنسية باعتبارها منفى أو وسيلة كتابة بالنسبة لهم.

كانوا أصحاب قضية. لكن ليس كل من كتب روايات جزائرية بالفرنسية يمكن اعتباره صاحب قضية. أي إن صاحبنا لا يعد من أحفاد ولا من أبناء جيل الكُتَّاب الجزائريين الكبار. الذي أسس للسرد الجزائري. وجعله يحتل مكانة مهمة على مستوى الأدب العربي.

عندما أذكر أسماء: مالك حداد، مولود فرعون، محمد ديب، لا بد أن أعتذر لأسمائهم وأعتذر لذكراهم وأتذكر ساعات العمر البديعة والجميلة التي قضيتها في قراءة نصوصهم البديعة، مترجمة عن الفرنسية. ومنشورة بالعربية.

لا بد أن أعتذر لهم عن السياق الذي أوردت أسماءهم فيه. ربما شكَّل الأمر إساءة لذكراهم. لكن ما العمل والكاتب المعاصر لنا ينتمي – شئنا أم أبينا – للجزائر الشقيق.

محمد مولسهول، الذي يروج له الإعلام الغربي ويعتبره أهم روائي عربي الآن تحت اسم: ياسمينا خضرا، ولد في 10 يناير 1955، في ولاية بشار الجزائرية لوالد يعمل بالتمريض ووالدة بدوية. يقول تاريخه إنه التحق بمدرسة عسكرية في التاسعة من عمره وتخرج منه 1978، وأنه بدأ النشر باسمه الحقيقي 2000، وله أكثر من نص روائي نشره قبل أن يتوصل لاسمه الآخر.

لا أعرف حكاية الاسم الآخر. هل هي من اختراعه؟ أم أوحى له بها ناشره الفرنسي من باب الجري وراء الشهرة في مجتمع استهلاكي يدفع كُتَّابه لشهرة لها طابع استهلاكي بهدف تجاري بالدرجة الأولى. ولا يعنيه أي قيمة أدبية لهذا الذي يدفعه للصفوف الأولى من الكُتَّاب.

روايته الأولى باسمه المستعار كانت: أين، نُشِرت 1984، وفى العام نفسه نشر رواية أخرى عنوانها: حورية، ولا تستغرب أن ينشر الكاتب روايتين فى عام واحد. فسيتكرر هذا في مسيرته الكتابية.

العام التالي نشر: بنت الجسر، والعام الذي جاء بعده نشر: القاهرة خلية الموت، وبعد ثلاث سنوات نشر من الناحية الأخرى للمدينة، ثم: الجنون، ثم: معرض الأوباش، ثم ينشر روايتين سنة 1998: الربيع الوهمي، أبيض مزدوج.

وفي العام التالي ينشر: لماذا تحكم الدببة. ورواية: الكاتب. وعندما تهل عليه سنة 2002، ينشر روايتين: رجال الكلمات، سنونو كابول. ثم ينشر رواية: حصة الموت، زهرة البلدة، صفارات إنذار بغداد، فضل الليل على النهار، آلهة الشدائد، المعادلة الأميركية، الملائكة تموت من جراحنا، وآخر روايته التي تحملها قائمة مؤلفاته: ماذا ينتظر القردة 2014.

ولم أستطع الوصول ليقين، هل صمت بعد روايته عن القردة؟ إلى أن كتب روايته عن ليلة القذافي الأخيرة؟ أم أن هناك أعمالا منسية نشرها هذا الكاتب الذي لا يمكن وصفه بالغزارة. فهو ما بعد الغزارة. هذه الظاهرة عرفناها في بلادنا، الروائي الذي يمكن أن يحقق معدلات توزيع غير عادية دون أن يقدم منجزاً روائياً بأي معنى من المعاني.

وما زلت أذكر خلال ستينيات القرن الماضي. وهو العقد الذي شهد ثورة كبرى في الكتابة الروائية والنشر. بل وتحويل الروايات لأفلام سينمائية تمثل تراثاً حقيقياً للسينما المصرية. في هذا العقد فوجئنا بروائي اسمه: عزيز أرماني.

نشر رواية عنوانها: خذني بعاري. وعلى الغلاف صورة لقدمين لرجل تركع بينهما امرأة لا يبدو من وجهها سوى الجمال الشديد والخضوع المطلق. يومها قامت الدنيا. تحدثنا عن عزيز أرماني وبطلته التي تطلب منه أن يأخذها بعارها.

أعلنا مقاطعة الرواية. وحتى الذين خرجوا على المقاطعة وقرأوها لم يصرحوا بقراءتها. اعتبروا القراءة سرهم الذي ربما أساء الإعلان عنها لأسمائهم وصورتهم الذهنية عند الناس. أسأل من يتذكر عزيز أرماني الآن؟.

Email