زياد منى: صحراء الجزيرة العربية كنز حافل بالأسرار التاريخية

ت + ت - الحجم الطبيعي

مسيرة البحث عن الجذور ترمي إلى الإضاءة على فروع الحاضر بامتداداتها المستقبلية، التي ليس لها أن تستقيم بعيدا عن معرفة الذات، للتواصل مع هذه الذات أولا ومع الآخر ثانيا، لذلك يحل الدكتور زياد منى الباحث في التاريخ القديم والمتخصص في الدراسات التوراتية، ومؤسس ورئيس "دار قدمس" للنشر ضيفا على قيادة شرطة دبي لمواصلة الجهود، التي تبذلها الإمارة باتجاه توثيق تاريخ المنطقة والإضاءة على مكانتها بين الأمم الأخرى.

 

جهود بحثية

(البيان) التقت الأكاديمي، صاحب كتاب (جغرافية التوراة مصر وبنو إسرائيل في عسير) مساء أول من أمس في أحد أهم معالم دبي المعمارية الحديثة (دبي مول)، وكأن الصدفة شاءت أن توحي بنقطة لقاء بين قديم هذه المدينة وجديدها، وأجرت معه حوارا من تلك الحوارات التي تعرف بداياتها، لكن نهايتها لا تأتي قط في حضرة المعرفة العلمية والخبرة العملية والبحث.

كما أعرب بطي أحمد بن درويش الفلاسي مدير إدارة الاعلام الأمني بالإدارة العامة لخدمة المجتمع عن ترحيب شرطة دبي بالدكتور الفلسطيني زياد منى، الذي جاء إلى دبي بدعوة كريمة من معالي الفريق ضاحي خلفان، وقال إن الهدف من هذه الزيارة هو تقدير جهود الدكتور زياد البحثية وفي كتاباته التاريخية عن المنطقة واهتمامه في اختيار عناوين الكتب التي يطرحها عن المنطقة وما يمس تاريخها، ما دفع القيادة إلى دعوته تقديرا للعلم. وأضاف أن سياسة شرطة دبي معروفة في استقطاب العلماء والباحثين، حيث سبق واستضافت الكاتب حمدي قنديل وغيره من الكتاب والأدباء لتبادل وجهات النظر والآراء التي تهم الوطن العربي عموما.

 

مشاريع ثقافية

الهدف من زيارته إلى دبي، قال الباحث إنه يتعلق بالبحث العلمي وبأبحاث مرتبطة بتاريخ الجزيرة العربية، لا سيما بعد أن أنجز ستة كتب، اثنان منها حول المنطقة، وأول هذه الكتب كان رسالة الدكتوراه الثانية التي حصل عليها الباحث من كلية اللاهوت في جامعة برلين في ألمانيا واسمه (جغرافية التوراة، مصر وبنو إسرائيل في عسير) ويتناول جغرافية التوراة انطلاقا من أطروحة باحث آخر هو كمال الصليبي، أما الكتاب الثاني، فهو (مقدمة في تاريخ فلسطين القديم).

وحول المشاريع الثقافية التي تتصدى لها دولة الإمارات عموما وإمارة دبي على وجه الخصوص، قال الباحث إنه مطلع على الحراك الثقافي والمشاريع الثقافية في الدولة، وعلى رأسها مشروع صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم لدعم الثقافة والذي رصد له 10 مليارات دولار، مؤكدا على أهمية المنافسة في استنهاض مشاريع من هذا النوع لأنها تدفع المؤسسات إلى أن تكون الأفضل في ميدانها، لكنه أكد على

أهمية التكامل بين هذه المشاريع أيضا. وقال: (صحيح أنني لست مطلعا بالتفصيل على الوجه الثقافي للدولة، إلا أني أعرف من خلال باحثين آخرين أن هناك اهتماما قويا في البحث في تاريخ المنطقة وفي البحث عن الجذور، وهذا له علاقة بتاريخ الجزيرة العربية القديم).

 

رصد ودراسة

يرى منى أن منطقة جزيرة العرب قد أهملت كثيرا من ناحية البحث التاريخي، مؤكدا على أن المظهر البحثي الذي يشار إليه بالبنان في هذا الميدان شهدته مملكة البحرين أو منطقة (الدلمون) قديما، وذلك من خلال رصد ودراسة عدد من النقوش القديمة، بينما يعتقد ان منطقة الخليج وشرقي جزيرة العرب كانت منطقة مهمة للغاية لقربها من ثلاث حضارات من العيار الثقيل، الحضارة البابلية والآشورية الجديدة والحضارة الفارسية والحضارات التي نشأت في بلاد الشام عموما، حيث يؤكد الباحث أنه كانت هناك طرق اتصال مباشرة من عدن إلى الربع الخالي وعبره إلى شرق جزيرة العرب، وهذا يبين أن المنطقة ودول المنطقة بدأت تهتم بالبحث عن الجذور بعد أن رسخت دعائمها الاقتصادية والسياسية، وهنا تكمن أهمية الأعمال والمشاريع الثقافية.

 

حفريات أثرية

تجدر الإشارة إلى أن جهود الباحث الفلسطيني ودراساته لا ترصد التاريخ الحديث والمعاصر بقدر ما تسلط الأضواء على التاريخ القديم منذ آلاف السنين، فقصة البحرين والدلمون، على سبيل المثال، تعود إلى عشرة آلاف سنة خلت، وذلك بغية إعطاء أرضية علمية ثابتة لاستنتاجاته بعيدا عن الدعاية، حيث يجب تدعيم تلك الاستنتاجات باثباتات تأتي عبر التنقيب الثري والحفريات الأثرية، الامر الذي يحتاج إلى خبراء وإلى وقت وإمكانيات، لأن عمليات التنقيب مضنية وتستخدم فيها وسائل وأدوات دقيقة.

وإذا أخذنا في الاعتبار أن الآثار القديمة عادة ما تحتضنها التلال لما كانت توفره هذه للناس من عناصر الأمن والسلامة والحماية من الغزوات، حيث يوجد في سوريا نحو خمس آلاف تلة جميعها تغص بالكنوز الأثرية وتحتاج عملية التنقيب عنها جميعا إلى نحو 700 سنة، وفق تقديرات منى، وإذا أخذنا في الاعتبار أن التلال السورية تلك جميعها مكشوف وبادية للعيان، فإن مسألة البحث والتنقيب في الإمارات تبدو أكثر تعقيدا، لكون معظم تلالها القديمة مدفونة تحت الكثبان الرملية بحكم جغرافيتها ومناخها.

 

منهج علمي

وردا على سؤال حول المنهج العلمي الذي يسير على هداه الأكاديمي في أبحاثه التاريخية والأثرية وموقع الأسطورة فيها، قال إن: (الباحث يواجه في عملية البحث التاريخي عدة روايات، منها روايات تاريخية وروايات نصف تاريخية وقصص وحكايات وأساطير وميثولوجيا وديانات، فيعمد إلى محاولة إعادة قراءة النصوص الأصلية.

مع أنه يشك في إمكانية العثور على أشياء تغير من معارفنا حول حضارات المنطقة، فالشيء الذي يشهد تغييرا هو كيفية قراءة النصوص وقراءتها بعقلية منفتحة بعيدا عن الأحكام الدينية المسبقة

Email