حكاية درامية في عمل جذاب

«الرجل الأول».. سيرة نيل أرمسترونغ المبهرة

  • الصورة :
  • الصورة :
صورة
ت + ت - الحجم الطبيعي

لم يكن أحد يتوقع أن يتمكّن المخرج الأميركي داميان تشازيل، من احتلال القمة قبل تقديمه فيلم «ويبلاش» في 2014، وهو المخرج القادم أصلاً من عوالم الموسيقى، والذي استطاع في «ويبلاش» أن يبرهن على قدرته والاستفادة من خلفيته الموسيقية وتأثره بالجاز وقرع الطبول التي يتقنها، ليعيد تكرار التجربة في أيقونته «لا لا لاند» (2016) التي أهّلته لحمل أوسكار أفضل مخرج، بفضل ما قدمه من سحر موسيقي في هذا الفيلم الذي فتح الأعين على الممثل الكندي رايان غوسلينغ، الذي عاد مجدداً للعمل مع تشازيل في «الرجل الأول» (First Man) ليخرج الاثنان معاً من عوالم الموسيقى التي أحاطت بهما في «لا لا لاند»، للتحليق في الفضاء.

«الرجل الأول» حكاية درامية جميلة، أقرب في تكوينها إلى سيرة ذاتية لرائد الفضاء نيل أرمسترونغ، تلك الحكاية وقبل أن تدخلنا في دروب حياة أرمسترونغ نفسه وإنجازه التاريخي بالهبوط على سطح القمر، استطاعت أن تكشفت لنا عن طبيعة الكيمياء بين تشازيل وغوسلينغ، والتي من دونها لم يكن لهذا الفيلم أن يحقق النجاح.

مجريات

في «الرجل الأول» يعتمد داميان تشازيل على سيناريو جوش سينغر (صاحب سيناريو سبوت لايت)، وفيه حاول تحرير نفسه من كل ثقل غير مطلوب، فالحوارات لديه كانت عند حدودها الدنيا، مستخدماً منها فقط ما يفيد مجريات العمل الذي اكتفى بتقديم شخصياته الأساسية فقط، من دون أن يتطرق إلى إظهار شخصيات ثانوية، من شأنها أن تثقل الفيلم، الذي حاول تشازيل توجيه دفته نحو أرمسترونغ نفسه، فنجده مثلاً لم يركز كثيراً على رائد الفضاء باز ألدرين (الممثل كوري سترول) الذي خطا إلى جانب أرمسترونغ على القمر، وكذلك مايك كولينز (الممثل لوكاس هاس) الذي قاد المركبة المدارية، حيث جاء ظهوره في الحدود الدنيا فقط.

تجربة

ورغم أن تركيز تشازيل في الفيلم ظل منصباً على أرمسترونغ نفسه، إلا أنه لم يسع إلى تقديم خلفية عن حياته الخاصة، مكتفياً بدوره في برنامج أبولو الأميركي، الذي ظل على الدوام أشبه بخلفية للفيلم، وبلا شك أن مضي تشازيل في هذا الطريق كان كفيلاً بأن يقدم لنا فيلماً جذاباً متأنياً، وواقعياً للغاية، يحمل بين ثناياه مشاهد مبهرة، قادرة على تأجيج المشاعر الإنسانية، ليبدو أن تشازيل قد حرص طوال الفيلم على تقديم هذه الصورة، وقد يبرر ذلك عدم التفاته إلى عرض كشهد رفع «العلم الأميركي» على سطح القمر، والذي أثار الأميركيون ضجيجاً حوله، إيماناً منهم بأهمية هذه اللقطة، التي اعتبرها تشازيل ثانوية وليست أساسية في حياة رائد الفضاء.

اختيار تشازيل للممثل رايان غوزسلينغ، كان موفقاً إلى أبعد الحدود، فعدا عن التجربة السابقة التي جمعتهما معاً في «لا لا لاند»، فرايان يتميز بجمود ملامحه، ولذلك بدا مناسباً للعب دور أرمسترونغ، ذلك الطيار الذكي والقادر على ضبط مشاعره وإخفائها، كما في مشهد دفنه لابنته الصغيرة التي رحلت نتيجة إصابتها بورم في الدماغ، وعلاقته الإنسانية مع زوجته جانيت (الممثلة كلير فوي)، والتي جاءت شخصيتها متوافقة تماماً لطبيعة شخصية عوزسلينغ، فهما ثابتان، وبارعان في حركتهما وأدائهما.

صدمات

إتقان تشازيل لقيادة دفة الفيلم ساعد كثيراً في تجنيب الجمهور متابعة أحداث «لافتة» و«محزنة» في الوقت نفسه، وفي ذلك نجده قد اعتمد على «الإحساس» بما يحدث داخل برنامج أبولو، والمآسي التي شهدها برحيل عدد من الذين تقدموا للمشاركة فيه، حيث تشعر للوهلة الأولى أن تشازيل الذي قدم مشهدين فقط لجنازتين، تعمد إلى إقامة عدة جنازات خارج إطار مشاهد الفيلم، وأصحابها هم رفقاء أرمسترونغ الذين لم يتمكنوا من مواصلة العمل مع برنامج أبولو، ليبدو ذلك محاولة من المخرج تجنيب الجمهور التعلق بأي من الشخصيات.

Email