«حقاً لم تكن هنا أبداً».. تحفة الدراما النفسية

  • الصورة :
  • الصورة :
صورة
ت + ت - الحجم الطبيعي

نحو 7 سنوات مرت على تقديم المخرجة الاسكتلندية لين رامزي فيلمها «نحتاج إلى الحديث عن كيفن»، حيث لعبت فيه على ثنائية الخير والشر، بعد أن جاء قوياً في حبكته، ومحيراً في أحداثه، كونه يدور في إطار الدراما النفسية التي اختارتها مجدداً لتضع فيها أحداث فيلمها «حقاً لم تكن هنا أبداً» (You Were Never Really Here)، الذي أثارت به جدلاً حينما عرضته العام الماضي في أروقة كان السينمائي، لما يحمله من مشاهد قاسية على النفس، وقضية تتجاوز العنف ضد الأطفال نحو الاتجار بهم، بين عصابات «الاتجار بالبشر»، لتبدو أن «سينما رامزي» معلقة بالقضايا الإنسانية، خاصة تلك التي تتصل بالأطفال.

حكاية الفيلم الذي تستعد الصالات المحلية لعرضه نهاية الأسبوع الجاري، مأخوذة عن قصة الكاتب جوناثان إميس، وتدور حول «جو» قاتل مأجور، ومزدوج الشخصية، يرعى والدته المسنة، في وقت تعود فيه على تنفيذ عملياته «الاجرامية» بصمت، يتلقى تكليفاً بإنقاذ ابنة «ويليامز»، الذي يستعد لخوض الانتخابات، حيث يتم اختطافها من قبل عصابة تمارس الاتجار بالبشر، وتودعها في أحد بيوت الدعارة، ينجح في إنقاذها، في وقت يكتشف أنه دخل طريقاً مرعباً، كلفه موت والدته وأعز أصدقائه، كون الأمر مرتبط بمسؤولين كبار.

ملامح

في كل مرة يقوم فيها «جو» بتنفيذ عملياته، تأخذنا المخرجة رامزي، نحو ماضيه، وطفولته، لتكشف لنا كم كانت معذبة، معززة ذلك بالندب والجروح التي تملأ جسده، وليتخلص من ذاكرته و«أحلامه»، تعود استخدام «سياسة العد التنازلي» مع نفسه التي يدخل فيها لعبة الموت بعد أن يحبس وجهه في داخل كيس بلاستيكي لفترة وجيزة، ثم يتخلص منه، ليعود إلى واقعه اليومي، من دون أن يتمكن من الإجابة على سؤال «ما الذي أفعله؟»، الذي يطارده من الماضي، فيجبره على ممارسة القتل دون رحمة ضد من يمارسون الإساءة بحق الأطفال.

الفيلم يمكن تقسيمه إلى جزأين، الأول، نتعرف فيه على شخصية «جو» وملامحها العامة، حيث تعود رامزي بنا إلى ماضية عبر «خيالات» وصور متفرقة، نعرف منها أنه كان جندياً في المارينز، وأنه فقد صديقته، ومر بطفولة بائسة، في ظل أب لم يرحم والدته، وساهم في تشويه نفسيته، لتعيش بشكل مضطرب. في حين أن الجزء الثاني، بدا أكثر وضوحاً، وإيقاعه أكثر تشويقاً، مع دخول «جو» في أجواء عمليته الجديدة، وفي كلا الجزأين تمكنت رامزي من تقديم معالجة جميلة لحكاية الفيلم، وأن تقدمها على إيقاع مشدود وموزون.

بناء

أما على المستوى الفني، فقد استطاعت أن تقدم رامزي تحفة فنية، سواء من الناحية الإخراجية الذي ابتعدت فيه عن اللقطات الطويلة، والمشاهد الفارغة، أو على المستوى التمثيلي، حيث قدم الممثل خواكين فينيكس، أداءً لافتاً، بتقمصه لشخصية القاتل المأجور، الذي يسعى للانتقام، مرتدياً وجهاً بارداً وملامح جدية، تفتقد إلى الابتسامة، لا يحفظ سوى أغنية واحدة، تعود أن يرددها مع والدته. رامزي وفينكس أبدعا معاً في بناء شخصية «جو» القاتل المأجور، وإظهار تناقضاتها النفسية، فبقدر قساوته في التعامل مع مضطهدي الطفولة، تظهر رحمته وإنسانيته في تعامله مع والدته، ليبدو المشهد الذي يدفن فيه والدته تحت الماء، عميقاً جداً، مبرزاً العلاقة الإنسانية الجميلة بينهما.

 

Email