«القناص الأميركي»

شاهد على دموية متوحشة

برادلي كوبر جسد شخصية كريس كايل في الفيلم

ت + ت - الحجم الطبيعي

يبدو أن المخرج الأميركي كلينت إيستوود لم يتمكن من إبقاء فيلمه الأخير «القناص الأميركي» داخل حدود دور السينما، والنأي به عن أروقة السياسة. ففي الوقت الذي لقي فيه الفيلم استحسان المحافظين الأميركيين، كانت ردة فعل الليبراليين أكثر استهجاناً للفيلم، الذي أدانوا فيه شعور السعادة الذي كان يغمر الجندي كريس كايل خلال ممارسته القتل ضد العراقيين.

ورغم الدفاع المستميت الذي أبداه بطل الفيلم الممثل برادلي كوبر عن هذا الفيلم، ومحاولاته العديدة نفي علاقته بالسياسة، إلا أن الخلفية السياسية للفيلم ظلت واضحة تماماً، ليخرج الفيلم من إطار عرض «محنة» جندي خدم في العراق، إلى مجال أوسع يشمل تقديم سيرة قاتل أميركي طالما وصف بالأسطورة، ليتسع المشهد نحو تقديم صورة قاتمة عن العرب والمسلمين، ما أدى إلى إثارة موجة غضب واستياء بين مسلمي الولايات المتحدة الأميركية، ودفع اللجنة الأميركية العربية لمناهضة التمييز بمطالبة إيستوود وبرادلي كوبر بضرورة العمل على «تخفيف حدة الكراهية التي خلفها الفيلم»، ليظل هذا الفيلم شاهداً على دموية الجيش الأميركي في العراق.

الأسطورة

في هذا الفيلم لا يتناول المخرج إيستوود قصة جندي أميركي عادي ضمن سياق الحرب، وإنما يتناول قصة الجندي الراحل كريس كايل الذي يوصف بأنه من أكثر القناصين دموية في تاريخ الجيش الأميركي، والذي ألصق بكايل لقب «الأسطورة»، وبحسب ما يرويه كايل نفسه في كتابه الذي اعتمد عليه إيستوود لتقديم هذا الفيلم، فقد قام بقنص أكثر من 160 عراقياً خلال فترة خدمته في العراق، إلا أن المثير في الفيلم أن كايل لم يبد أبداً ندمه على ما ارتكبه من عمليات قتل في العراق، وإنما كان يفضل أن يصف أعداءه بـ«المتوحشين»، في حين أنه اعترف في كتابه بأن «قتل العراقيين كان متعة بالنسبة له».

وبرغم الجدل الذي أثاره «القناص الأميركي» على الساحة الأميركية، إلا أنه تمكن من اعتلاء سدة شباك التذاكر الأميركي منذ اللحظة الأولى لعرضه، كما تمكن من دخول ماراثون السباق نحو جائزة الأوسكار التي رشح لها ضمن فئة أفضل فيلم، ليظل الفيلم حالياً بانتظار نتائج الأوسكار النهائية التي ستعلن في فبراير المقبل.

الشواء

إيستوود الذي لم يتمكن من إبعاد الفيلم عن أروقة السياسة، بدا خلال تقديمه لهذا الفيلم مغرقاً في عرض تفاصيل حياة كايل، رغم محاولته القفز عن بعض مراحل حياته التي ركز فيها أيضاً على علاقته مع زوجته وعائلته التي تأثرت هي الأخرى بسلوك كايل العدواني، كما يظهر ذلك في مشهد حفلة «الشواء» التي يجتمع فيها كايل مع أصدقاء عائلته، وكذلك طريقة تعاطيه مع أفراد الشعب العراقي الذي لم يفرق بين صغيره وكبيره، وبلا شك أن إيستوود نجح في تصوير مدى قسوة قلب كايل في المشهد الأول الذي يقوم فيه بقتل طفل وأمه بحجة حملهم لقذيفة «آر بي جي».

آثار الصدمة

المتابع لتفاصيل الفيلم يشعر بأن إيستوود حاول جاهداً أن يسير بفيلمه بين خطين، الأول يتصل بحياة كريس كايل الذي قتل برصاصة قناص في 2013 في تدريب على الرماية، في حين أن الثاني حاول فيه أن يستعرض آثار الصدمة التي خلفتها حرب العراق في نفوس الجيش الأميركي، وهو ما يظهره لنا في مشاهد عدة، من بينها لقاء كايل مع مجموعة من الجنود المصابين بإعاقات دائمة.

Email