قضايا مختلفة في بانوراما مهرجان برلين السينمائي

ت + ت - الحجم الطبيعي

الجمعة 2 صفر 1424 هـ الموافق 4 ابريل 2003 إذا كانت مسابقة مهرجان برلين السينمائي الدولي الثالث والخمسين (616 فبراير 2003) قد القيت على أفلامها ونجومها وجوائزها الكثير من الاضواء ، فإن المهرجان يضم برنامجا موازيا مهما تحت اسم «بانوراما» قد لا يقل عنها أهمية ، وكان محل إقبال الجمهور وخاصة الشباب الذي كان يلتقي صناع الافلام في مناقشات بعد نهاية العروض مما كان يحقق الدفء في جو برلين شديد البرودة وخاصة أن كثيرا من أفلام البانوراما هذه قد تناول قضايا سياسية واجتماعية مهمة. المخرج الاميركي الكبير أوليفرستون صاحب أفلام علامات مثل سلفادور 1986 ووول ستريت 1987 - ولد في 4 يوليو 1989، ونيكسون 1995 يقدم فيلما تسجيليا طويلا كوماندانتي كإنتاج أسباني وليس أميركيا 2002 يتناول فيه بشجاعته المعتادة في أفلامه السابقة - العلاقات المتوترة بين الولايات المتحدة الأميركية وكوبا - حيث يقيم الأميركيون قاعدة عسكرية - وسجنا ضخما للمعتقلين من «القاعدة» أساسا ، داخل أرض كوبا المجاورة -وحيث تمتنع أميركا عن أي نشاط تجاري مع كوبا - هنا على بعد عدة أميال من ميامي يبدأ ما سماه بوش «محور الشر». يتابع ستون مسيرة كاسترو منذ نجاحه في إزاحة الجنرال باتستا عام 1959 ، ويتوقف عند أزمة خليج الخنازير 1961 ، ومحاولة القوات البحرية الأميركية إسقاط كاسترو ونظامه بسبب رغبة خروتشيف في وضع صواريخ ذرية في كوبا عام 1962 ،وما حدث من صراعات ونزاعات مما جعل العالم على شفا هاوية ، مما يظل عالقا بذاكرة لوبي الكوبيين الذين يعيشون في المنفى. مقدمات اساسية قبل أن يجرى أوليفر ستون لقاءه بالقائد كاسترو الذي استجاب طواعية لكل أسئلة واستفسارات ستون ، يتحدث كاسترو لأول مرة بإفاضة عن علاقته بكل من تشي جيفارا وكيندي ونيكسون بل ينطلق يتحدث عن مواضيع من حياته الخاصة ، دوره كوالد وكزوج وكعاشق في هذا الحوار الشيق الذي يدور في حميمية أو رأسا برأس بين أوليفرستون وفيدل كاسترد يكشف عن هذا الوضع الحساس لوجود كوبا الصلب على حدود أكبر قوة في العالم على مدى اربعة عقود. فيلم سياسي آخر هو «ملاك محلي» إنتاج أميركي إسرائيلي 2002 - إخراج أودي ألوني التي ساهمت في تأسيس حركة الحقوق المدنية والسلام عام 1973 وكانت وزيرة التعليم في حكومة رابين حتى تاريخ اغتياله وفي يناير عام 2002 ذهبت هي وابنها لزيارة صديقة قديمة لها ، محامية حقوق الإنسان الفلسطينية الدكتورة حنان عشراوي التي مهدت لهما لقاء ياسر عرفات يقوم المخرج بحوار مع عرفات بعد رفع الحصار مباشرة عن مقر إقامته كما يحاور المخرج نخبة المثقفين والفنانين الإسرائيليين والفسلطينيين في موضوعات ذات أبعاد دينية وسياسية مرتبطة بالصراع الفلسطيني الإسرائيلي - يتم الحديث باللغتين العبرية والعربية رغم أن موضوع الفيلم سياسي أساسا إلا أنه يعتبر رحلة اكتشاف ذاتية وسياحة عقلية يمزج فيه بين الفن والموسيقى والشعر والصورة لنفس المخرج شريط فيديو قصير في البانوراما بعنوان «مجرمون ابرياء» كإنتاج أميركي 2002 - يقوم فيه ثلاثة من الشباب الفلسطينيين يشعرون بأنهم منفيون في وطنهم وثلاثة من الشباب الإسرائيلي في محاولة من أجل السلام. يعرض في البانوراما فيلمان تونسيان يمثلان المشاركة العربية الوحيدة بمهرجان برلين - وكلاهما إنتاج مشتركة هما الروائي الطويل «الكتيبة» إخراج نوفل صاحب إنتاج تونس - فرنسي مغربي 2002 وعرض بأيام قرطاج السينمائية الأخيرة خارج المسابقة بطولة هند صبري وأحمد الحفيد ومارتين جفصي ، يدور حول الشاب جميل الذي يهرب من قيود والده ومجتمعه المتزمت في الريف إلى المدينة حيث يجد عملا في مكتبة يملكها طارق الذي يعيش مع زوجته ليلي تقوم علاقة بين عائشة والده طارق التي تشعر بالملل بعد وفاة زوجها وجميل الذي لا يستجيب لها في البداية ، في حين تحاول ليلى أن تجرب حظها في الغناء في حفلات الزفاف على غير رغبة زوجها. الفيلم التونسي الثاني تسجيلي طويل: «أغنية الألفية» إنتاج مشترك مع فرنسا - 2002- إخراج محمد زران الذي سبق أن حقق فيلمه الروائي الطويل الأول «السيدة 1996»، نجاحا كبيرا ، الفيلم يدور في بلدة سياحية زارزيس قرب جربه مليئة بالفنادق وحمامات السباحة وأشجار النخيل وشاطئ فسيح للاستحمام مما يعطي انطباعا بالسعادة ، وتبدو المناظر ككارت بوستال ، ولكن هناك وجها أخر خلف هذه المناظر المعدة لمجموعات السياح الأوروبيين ، يمثله هؤلاء الناس العاديون من أطفال وصيادين أحلامهم ورغباتهم. في خروجهم للبحر بحثا عن رزقهم ، يعايشهم ويأمنون له يفتحون له صدورهم ويطلبون منه أن يصور حياتهم كما هي في الواقع وأن ينقل عبر الكاميرا آمالهم وتطلعاتهم ومشاكلهم.. التي يريدون توصيلها إلى الرأس العام والمسئولين. أشبلية.. الجانب الجنوبي للمخرجة الفرنسية دومينيك أبل إنتاج أسباني فرنسي مشترك 2002 عن الغجر - الغجر الأسبان بالذات - قصة منفى دائم استمر قرونا عديدة اضطروا خلالها أن يتنقلوا بين أماكن عديدة لم يستقروا بينها على مكان يعتبرونه وطنا لهم بناء الفيلم قائم على أساس تسجيلي - روائي ليقدم أحداث ثلاثين عاما حينما تلقى الغجر أوامر أن يتركوا وطنهم في بلدة تريانا حيث كان أسلافهم قد استقروا منذ 500 سنة ، وعوضوا بمساكن جديدة في الجوار - وتركز المخرجة على إقليم الأندلس بالجنوب الذي كان دائما مكانا للانصهار الثقافي حيث ترك الغجر مؤثرات مهمة، كما في موسيقى ورقصات «الفلامنكو» الفلامنكو تعني الاجنبي يشعر الغجر في هذا الفيلم بأنهم أجانب في بلادهم ،وفي مدنهم حتى في مساكنهم -وقد تأثروا بسلبيات الحياة الحديثة وتزودهم الفلامنكو بشئ من القراءة والراحة النفسية وهم يعزفون ويرقصون ويغنون عن الأيام الخوالي التي عاشوا فيها كرحل ، وعن مسرات الحياة العائلية ومباهج الطبيعة وهم يشعرون أنهم يعيشون بين القضبان. المخرج الجزائري الأصل طارق طاجويا (37 سنة) والذي يعمل مصورا في فرنسا يعرض له فيلم قصير بعنوان «الحاجز» إنتاج فرنسي 2002 ينظر إلى خريطة وطنه الأصلي من بعيد ليكشف فيها عن عناصر متناقضة، في الحياة من خلال تنقل الكاميرا التي يحملها هو نفسه يرى الناس في حركتهم بين حى باب الواد الشهير في غرب العاصمة عبورا إلى بينهم إلى عين بنيان على المشارف - ليظهر العلاقة بين الناس والأماكن التي يعيشون فيها. أرض عارية إنتاج مشترك بين يوغسلافيا وكرواتيا وبلغاريا للمخرج المقدوني المولد لوبيشا سمرديجيتش - 67 سنة - والذي كان من أشهر الممثلين في السينما اليوغسلافية في العهد الاشتراكي السابق - تدور الاحداث في بلغراد في مطلع خريف 1995 وكان سلوبودان ميلوسيفيتش مازال رجل السلطة القوي في يوغسلافيا - ولكن بعد أسابيع كان عليه أن يوقع اتفاقيات سلام في دايتو وأوهيو مع رئيس جمهورية كرواتيا لتأمين السلام بين الصرب والكروات. على مشارف بلغراد تقيم أسرة أعضاؤها ينتمون إلى جمهوريات مختلفة مما كان يسمى الاتحاد اليوغسلافي ومما لم يكن غريبا في عهد الرئيس تيتو، الأم كرواتية قادمة من دروبوفينك وتعمل عازفة في اوركسترا الدولة زوجها صربيا ويعمل استاذا للموسيقي في الكونسرفتوار ويواجه ابنهما بيتر عمره 9 سنوات في خريف 1995 موقفا صعبا شائكا سواء في المدرسة أو الحي بسبب خلفية والديه الكرواتية - الصربية ، لا أصدقاء له ، يفد إلى الحي مجموعات من الناس من مختلف أنحاء يوغسلافيا السابقة بحثا عن ملجأ ، كل واحد منم مثقل بذكرياته الخاصة وقلقه وسخطة وأحزانه - افتقد أذن هذا المحيط الجديد أي أواصر للمحبة والتفاهم ، ولم يعد الجو يسمح للأطفال أن يستمتعوا بطفولة بريئة بعيدة عن المشاكل. في نوفمبر 1996 يخسر ميلوسيفيتش الانتخابات المحلية في صريبا ولكن يرفض الاعتراف بانتصار المعارضة تتكتل ضده قوى المعارضة تظل فوضى الأمور مما ينعكس على حياة الناس والاطفال هم الضحايا الأساسيون. يتناول الفيلم المجري «متشرد» إخراج جيورجي زومباس 2002 حياة أطفال الشوارع من خلال شخصية الطفل كاريز الذي كان قد نشأ في ملجأ للأيتام ثم انضم لعصابة من الأولاد يعيشون في الشوارع ويتكسبون من تنظيف واجهات السيارات ويتشاجرون فيما بينهم وذات يوم يصادف كاريز فتاة اسمها زوفي يقتض أثرها حتى تصل إلى مركز لموسيقي يتعلم فيه الشباب الموسيقي. والرقصات الشعبية يجذبه هذا الجو ويلتقي بشاب مجري قادم من يوغسلافيا هروبا من الحرب الثانية فيها يتقن كاريز عزف الموسيقي ويتعرف على الآلات الموسيقية المستخدمة ليس فقط في المجر بل في البلقان وكذا على موسيقى الغجر - يتآلف الفتي مع هذه المجموعة ولكن عصابته القديمة تجبره على العودة ومشاركتها في حادث سطو حيث يتعرض لحادث وينقذه رفاق الموسيقي ويأوونه ويتفوق في العزف معهم. يبدأ الفيلم الألماني نساء فارسات للمخرجة باربارا تويفل 2002 يوم عيد العمال أول مايو 1987 حيث تقوم مظاهرة في حي كرويز بيرج ببرلين الغربية - وهو حي له شهرته المريبة بسبب ساكنيه من الاغراب وخاصة الاتراك - يتدخل البوليس لفض المظاهرة في الشارع التي شارك فيها أتراك وألمان وفوضويون وناس عاديون ، تكتل هؤلاء كتفا إلى كتف لمجابهة السلطة والهتاف ضد زيارة ريغان وضد مؤتمر صندوق النقد الدولي وأمام هذا المد تراجع البوليس ووجد مسئولو الأمن حرجا في مواجهة الموقف خاصة بعد اشتعال الحريق في سوبر ماركت ، بين الفوضويين المتظاهرين - كانت هناك مجموعة من النساء يعشن في شارع اسمه الفارسات تأتي المخرجة بعد سقوط سور برلين 1989 لمراجعة ما حدث في الحي ودور هؤلاء النساء في المظاهرات تلتقي بهن وتستعين بمواد أرشيفية لإحياء تلك الحقبة الزمنية.

Email