من تاريخ السينما العالمية «الجذور»، حركات الطائر وراء ابتكار البندقية الفوتغرافية

ت + ت - الحجم الطبيعي

الجمعة 19 شعبان 1423 هـ الموافق 25 أكتوبر 2002 يواصل المؤرخ السينمائي ديفيد روبنسون صاحب كتاب «تاريخ السينما العالمية» سعيه في رصد التطور الاداتي للسينما وسبب ابتكار ماري لما يسمى البندقية الفوتغرافية والمصاعب التي كانت تقابله قبل اختراع هذه الآلة. كان ايتيين، بصفته باحثا فسيولوجيا، مهتما بالتسجيل الفوتوغرافي للكثير من انماط السلوك الحيواني، وكان ثمة مشاكل بعينها لا يجد لها حلا، فهو ، على سبيل المثال، كي يسجل حركات طائر بيانيا اثناء الطيران كان قد ابتكر جهازا دقيقا نجح بالفعل في تسجيل حركات الطائر ولكنه في الوقت نفسه كان يعيقه ويحد من حركته الطبيعية، وطرح ماري المشكلة على ما يبريدج، غير ان الصور الفوتوغرافية للطيور اثناء الطيران التي احضرها ما يبريدج معه الى باريس في 1881 لم تكن مرضية بالمرة لما يريده ماري. إلا ان ماري، عقب ذلك مباشرة، استطاع الاستفادة من تجربة للعالم الفلكي جانسن الذي كان قد ابتكر «المسدس الفوتوغرافي» في 1874، وهو كاميرا كان الغرض منها تسجيل مسار كوكب الزهرة بأخذ سلسلة لقطات متتابعة على لوح واحد، حيث يدور اللوح لتنكشف مساحة صغيرة محددة من سطحه المحسس مع كل مرة ينفتح فيها الغالق. وهكذا استحدث ماري، ما بين 1881 و1882، ووفقا لمباديء متشابهة، «البندقية الفوتوغرافية». وكان هذا الجهاز قادرا على التقاط اثنتى عشرة صورة سريعة التتابع في الثانية الواحدة. ثم راح ماري بعد هذا يتابع لسنوات خطا بحثيا آخرا، مسجلا اجساما متحركة بتركيب عدة لقطات فوق بعضها على لوح واحد ثابت. وبظهور الفيلم الشريط الذي دفعت به الى الاسواق شركة ايستمان كوداك في 1888 تيسر لماري ان يبتكر جهاز الكرونو فوتوجراف وهو كاميرا بمقدورها التقاط سلسلة طويلة من الصور المتعاقبة على شريط فيلم متصل وفي 1893 اقترح ماري عمل جهاز عرض لاعادة تخليق الحركات التي حللها بالطريقة السابقة، غير انه قبيل هذا الوقت كان هناك عدد كبير من المخترعين، اغنياء وفقراء، علماء وهواة، حالمين وواقعين، قد تنبأ بإمكانية وجود كاميرا يمكنها التقاط صور تفصيلية تحليلية وجهاز عرض يعيد تشكيل الحركة المصورة على الشاشة. من بين هؤلاء كان هناك مساعد ماري نفسه جورج ديميني، وفي انجلترا وليم فريز جرين والفرنسي المولد لويس ايميه اجستين ليبرنس الذي كان قد اوشك على حل المشكلات الجوهرية لهذا الموضوع حين اختفى على نحو غامض في 1890. وفي 1888 التقى توماس الفا اديسون (1847 ـ 1931) بمايبريدج الذي اوحى جهاز الزوأوبراكسيسكوب لاديسون بفكرة ماكينة لتسجيل وإعادة انتاج الصور كما يفعل جهازه المعروف بالفوتوغراف مع الصوت. وعلى الفور كلف اديسون رئيس معمله الانجليزي المولد ديكنسون بمهمة تطوير هذه الفكرة، واصدر التحذير الرسمي الأول، ضمن سلسلة طويلة من التحذيرات، بهدف حماية الابحاث التجريبية الجارية بمؤسسته في ويست أورانج ـ نيوجيرسي. واثناء معرض باريس الدولي في 1889 التقى اديسون بماري، ويبدو انه استمد منه فكرة استخدام الفيلم الشريط، وفي تحذيره الرسمي الرابع في نوفمبر 1889 ظهرت لأول مرة فكرة تخريم الفيلم لضمان دقة تسجيل الصورة اطارا عقب الآخر (وكانت هذه مشكلة طالما اعاقت ماري وديميني). وقبيل خريف 1890 نجح ديكنسون في التقاط سلسلة من الصور السريعة التعاقب (بلغت 40 صورة في الثانية) باستخدام جهاز الكاينتوجراف Kinetobraph، الذي سجل اديسون براءة اختراعه في يوليو 1891، وهو عبارة عن جهاز صندوق فرجة لمشاهدة صور الكاينتوسكوب متحركة. من هذه النقطة يؤرخ لبدء انتاج (وليس عرض) شرائط الصور المتحركة. كما تم في فبراير 1893 بناء ستوديو غريب الشكل في اراضي معمل اديسون، وكان هذا الاستوديو، الذي عرف باسم Black Maria، عبارة عن كوخ من الورق المقطرن بسقف يفتح لدخول الشمس، وهو مركب على محور يسمح بدورانه ليمكنه الاستفادة من ضوء الشمس في اي وقت من النهار. وبالداخل نصبت في طرف منه كاميرا الكاينتوجراف الثقيلة وفي الطرف المقابل كانت مجموعة من الموسيقيين فناني السيرك تؤدي مقتطفات مختصرة من عروضها. وهكذا كانت انى اولكي مع غيرها من نجوم سيرك «بافللوبيل»، بما فيهم الكولونيل كودي نفسه والملاكمان المحترفان جيمس كوربت وبيتر كورتني والرجل القوى يوجين ساندو، ضمن اوائل نجوم اول ستدوديو سينمائى في العالم. وفي اغسطس 1894 تأسست «شركة الكاينتوسكوب» على يد راف وجامون لاستثمار هذه الاعجوبة الجديدة نيابة عن معامل اديسون، غير انه قبل هذا التاريخ، وتحديدا في ابريل 1894، كان قد تم في برودواي افتتاح اولى قاعات الكاينتوسكوب التي توالت بكثرة فيما بعد. وكان اوائل جمهور الفيلم هم رواد الملاهي واماكن التسلية الرخيصة (ذات البنس الواحد) ـ بداية في مدن الولايات المتحدة الاميركية ثم في اوروبا بعد فترة وجيزة ـ حيث كان هؤلاء الزبائن يضعون العملات المعدنية الصغيرة بجهاز صندوق الفرجة ليحدقوا عبر فتحات عدساته لمشاهدة افلام لم يكن الواحد منها يستغرق اكثر من اربعين او خمسين ثانية.

Email