المخرج المسرحي أحمد عبدالحليم : معهد الفنون بالكويت بوتقة ثقافية للخليج، أنا عاشق للتمثيل وعندي امكانيات لم تظهر بعد

السبت 13 شعبان 1423 هـ الموافق 19 أكتوبر 2002 للفنان أحمد عبدالحليم مسيرة فنية خصبة مخرجا مسرحيا وممثلا، امتدت منذ ستينيات القرن الماضي حتى أوائل القرن الحالي، قدم للمسرح العربي ـ مخرجا ـ أعمالا مصرية وعربية وعالمية.. اثنان وعشرون عاما بالكويت استاذا يرعى المواهب المسرحية الجديدة ومخرجا للمسرح الاحترافي ومسرح الطفل ثم ممثلا في السينما في دور أول بطولة يظل علامة في حياته، وفي مسلسلات تليفزيونية. يعود من الكويت ليخرج عملين ناجحين «الطيب والشرير» 1998 و«الملك لير» للمسرح القومي 2002. أمام هذه المسيرة الحافلة للفنان أحمد عبدالحليم كان لابد من الوقوف عند محطات رئيسية. ـ تخرجت من المعهد العالي للفنون المسرحية 1956.. ثم عملت في مسرح التليفزيون.. جاءتك فرصة الدراسة في لندن لخمس سنوات.. هل نقف قليلا عند هذه المحطة واثرها في تكوينك؟ - كان هذا عام 1962 وكانت البعثة من قبل وزارة الثقافة ودرست في الاكاديمية الملكية لفن الدراما في قسمي التمثيل والاخراج، وكنت قد تخرجت من معهد الفنون المسرحية بالقاهرة ـ 1956. وقد قصدت دراسة التمثيل باللغة الانجليزية حتى استطيع في اخراجي لأي عمل مسرحي أن أكون مدركا للعملية الادائية، وقد أفادتني دراسة علم الصوت، وفي السنة النهائية فوجئت أنني مرشح لدور «عطيل»، وقد اصابني الخوف بل الرعب لأن اللغة الانجليزية هي لغتي الثانية وليست الأولى، فضلا عن أن الدور بطولة يتحمل عبئها الممثل، لهذا تهيبت وقررت ان اذهب للعميد واعتذر، ولكن زوجتي أصرت على أن أقوم بالدور واشترت لي مسجلا وكانت المخرجة استاذة أكاديمية بعد ان تفوقت واشتهرت كممثلة في مسرحيات برنارد شو، وقد جلست إليها لدراسة النطق والاداء وتحليل الشخصية، بل كانت تسجل لي المونولوجات الطويلة حتى اتيقن من وضوح الكلمة وكان بالصدفة من يقوم أمامي بدور «ياجو» دارسا اميركيا وطبعا يتقن الانجليزية ـ وقد عرضت المسرحية لمدة اسبوع في مسرح صغير مقابل مبلغ رمزي ولاقت نجاحا كبيرا، وشاهدها الدكتور محمد عناني وكتب عنها بمجلة المسرح. ونشر صورة لكل ماقيل عني وأذكر ان زوجتي عايدة كانت دائما تصاحبني حيث كان عليها ان تصبغ جسدي باللون الأسود وقد ساعدتني دراسة التمثيل على أن أدخل قسم الاخراج وأنا متمكن، ودرست العملية الاخراجية، من الألف إلى الياء، وهي عملية مركبة وتحتاج الى معرفة بكل تقنيات المسرح. ـ رحلة الازدهار في مسرح الستينيات كان من أهم ما قدم خلالها مسرحية «ليالي الحصاد» لمحمود دياب من اخراجك.. كيف ترى هذه التجربة الآن؟ ـ بعد تخرجي من أكاديمية لندن 1966، عدت الى مصر فبراير 1967، حيث عرض على الدكتور يوسف ادريس الذي كان وقتها مديرا لقطاع الدراما بهيئة المسرح ـ مسرحية «ليالي الحصاد» لكاتب اسمه محمود دياب، ولم يكن هذا الكاتب معروفا بما عرفناه عنه فيما بعد من مستوى وحينما قرأت المسرحية ذهلت لاقتدار هذا الكاتب. تشعر فيها بعبق المسرح، ولأول مرة تقدم مسرحية المفروض ان طبيعتها ريفية بدون ديكورات واقعية وقد كتب احد النقاد وقتها انه شاهد مسرحية رائعة ولكنه لم يستشعر فيها رائحة الريف المصري فقد كان مدخل الاخراج في ذلك الوقت تجريبيا ومستغربا، لقد كان المهم لدي ان تشعر برائحة العمل نفسه حقيقة ان الممثلين ظهروا بثوب ريفي ولكن ماوراء هذا معاني أعمق لأن المسرحية كانت ممتلئة بالالغاز والرموز ومن يشاهدها يجب ان يكون على دراية بعلم المسرح وقد مثل في المسرحية محمود السباع وأنا مثلت دور بدلا من صلاح قابيل وسهير المرشدي وفهمي الخولي قبل اتجاهه للاخراج وقد عرضت المسرحية عام 1968، بعد ان تجاوزنا نكسة 67 حيث كان مقررا عرضها عام 1967 فأعدت اخراجها وكان دياب سعيدا وانني اعتبره من عباقرة المسرح العربي. ـ العمل المسرحي الوحيد عن نجيب محفوظ «تحت المظلة».. كيف قدمته؟ ـ بعد نكسة 67، حاول نجيب محفوظ ان يكتب قصصا ولكن بشكل حواري، ونشر ستة اعمال في مجموعة عمل بإسم «تحت المظلة» وقد اخترت ثلاثة أعمال أو لوحات في الحقيقة انني لم أضف شيئا على الحوار انما قمت بالربط بين اللوحات الثلاثة، فقد كانت هناك ثمة علاقة جدلية بينها، تحس من خلالها بحس الروائي المخضرم ومشاعره كمصري عربي ازاء ماحدث عام 1967 حتى تتحول الى عمل سياسي ففيها تلميحات تدخل في منطقة سياسية وقد مثل فيها عدد كبير من الممثلين محسنة توفيق وعايدة عبدالعزيز وشكري سرحان وجلال الشرقاوي وأنا مثلت فيها.. وقد نجحت المسرحية فنيا وأيضا جماهيريا. الغريب في الأمر أنني طلبت من الأستاذ سعد لبيب وكان المسئول الأول عن التليفزيون ان يسجل المسرحية فاعترض لمضمونها السياسي قلت له ليس المهم أن تعرض بل أن تسجل للتاريخ، ويبدو أنه كان هناك ندرة في المادة الخام، وقد تم تسجيلها فعلا أما الأغرب فبعد سنوات كنت أشرف على تسجيل تليفزيوني لمسرحية صلاح راتب: «صقور وغرباء» فإذا بي اكتشف انها تسجل على الشريط المسجل عليه «ليالي الحصاد» يا للكارثة! وقد اضطررنا ان نستمر في التسجيل وبهذا تضيع ذاكرة المسرح. ـ لابد من وقفة أطول عند محطة الكويت.. لانها محطة طويلة في حياتك.. فماذا تقول عنها؟ ـ ذهبت الى الكويت عام 1974، وكان هناك تحول اجتماعي واقتصادي في مصر وبدأت مفاهيم تتغير فكان من الصعب علي وعلى زملائي ان يتغيروا.. في تلك الفترة عرض علي الاستاذ سعيد خطاب المسئول عن معهد المسرح بالكويت العمل به، ووجدت انني غير قادر على الانسجام مع مايحدث من تغييرات في المجتمع والحركة المسرحية في مصر، فوافقت على أن أنتدب بالكويت لمدة عامين.. وامتد العامان الى اثنين وعشرين عاما، وكنت قد بدأت أظهر في السينما ولكنني ضحيت بها من أجل ابنائي وتعليمهم في اميركا على حسابي. وتعتبر مرحلة عملنا في الكويت مرحلة ثانية بعد زكي طليمات الذي يعتبر زارع المسرح ورامي جذوره في الأرض الكويتية.. وكانت الكويت قد بدأت في مشروع إنشاء معهد عالي للفنون المسرحية يلتحق به حاصلوا الثانوية بعد ان كان من قبل لحاصلي الاعدادية وقد اعتبر المعهد الجديد بوتقة ثقافية لمنطقة الخليج.. حيث جاءه دارسون من السعودية وقطر واليمن والامارات وعمان.. الخ. كنا نستشعر ان المعهد بمثابة جامعة دول عربية كما التحق به دارسون من الجاليات العربية بالكويت من العراق ومن مصر منهم عزة كمال. ـ وعملك كمخرج؟ ـ اخرجت للمسرح المحترف العديد من المسرحيات مثل «رأس المملوك جابر» لسعد الله ونوس للمسرح الشعبي، والمتنبي يبحث عن وظيفة لعبدالسميع عبدالله، انهم يقتلون الحمير للينين الرملي، كما اخرجت لمسرح الطفل للحسين عبدالرضا وهو أكبر كوميديان بالكويت مسرحية «عزوبي السالمية» قائمة على فكرة التقطها من توفيق الحكيم بعد أحداث بعض التغييرات وهي رصاصة في القلب. أما مشروعات التخرج بالمعهد فكنت أشرف عليها وكانت توفر لها كل الإمكانيات الفنية كمسرح محترف، لأضع الطلبة في صيغة إحتراف كاملة وقد زاملني في تلك الفترة كرم مطاوع الذي مكث سنتين قبل سفره الى العراق، وسعد أردش الذي بقي خمس سنوات، وقد أصبحت «رئيس قسم لمدة 17 سنة ثم وكيلا للمعهد ولما جاءت الكوادر الكويتية صارت منهم العمادة والوكالة. وأحب أن أضيف أنني أخرجت لمسرح الأطفال بالكويت الشاطر حسن للسيد حافظ وكذلك عنتر وعبلة و«الطفولة الواعدة» لوزارة التعليم وكذلك «موال الأرض» لمنظمة التحرير الفلسطينية.. خلال سنواتي في الكويت كنت أتنفس نفسي وأقرأ وأقوم بإنتاج مسرحي كبير، وهذه الاعمال إذا كانت قد انتجت في مصر لكانت قد أعطتني قيمتي الحقيقية في وطني الأصلي ولكن مع ذلك أنا راض كل الرضا عما قمت به في الكويت. ولا أنسى شعور التقدير من الأصدقاء والرسميين بالكويت حينما انتهت مدتي، من خلال حفلات توديعية بمشاركة المجلس الاعلى للفنون والأداب ووزارة التعليم العالي، واتحاد المسارح والمسرح الشعبي وجامعة الكويت. ومايثلج صدري اليوم انه في كل منطقة الخليج أجد تلاميذي في كل المواقع. ـ أشعر بأن في داخلك حنيناً الى التعبير عن نفسك ممثلا.. كيف ترى نفسك ممثلا؟ ـ يبدو أن مشكلة المخرجين في المسرح تعطي انطباعا بأنني مخرج أكثر من ممثل، ومن هنا كان عملي كممثل أقل، خاصة ان عمل المخرج مضني ومجهد وقد مثلت في التليفزيون في الستينيات أشعر أن التمثيل في داخلي وفي كياني وأنا عاشق للتمثيل وأعتقد أن عندي امكانيات لم تظهر بعد، وأنا أعرض نفسي كممثل بسيط جدا ومتواضع جدا ولو أنني أحيانا أعزل نفسي عن التمثيل لأن الاخراج يستغرق كل الجهد. ـ دورك الأساسي في فيلم «يوميات نائب في الأرياف» مع المخرج توفيق صالح.. حدثنا عنه؟ ـ لي ذكريات جميلة عن هذا الفيلم.. ولكن ظروف سفري جعلت كأنني ممثل الفيلم الواحد كانت بدايتي قوية في السينما في دور البطل في يوميات نائب في الأرياف وقد اتحفني الفنان الكبير توفيق صالح بهذا الدور رغم انه كان لا يعرفني، ولعله شاهدني في سهرة تليفزيونية أو شاهد مسرحية من اخراجي وكانت عايدة زوجتي تعرفه وعملت معه في فيلم «الأبطال».. ويبدو أنه عرفني من خلال صورة لي شاهدها ووجد أنني أقرب للدور فوجئت يتصل بي تليفونيا ويطلب أن يشرب فنجان قهوة في بيتي. التقينا وتحدثنا طويلا في كل شئ ماعدا السينما. في اليوم التالي اتصل بي وطلب مني أن أذهب الى مدام اسيا دون أن يحدد الهدف أو الدور المطلوب مني، ذهبت الى مدام اسيا التي رحبت بي، وطلبت مني أن أوقع على ورقة وقالت لي «بس مفيش فلوس كتير» - وكنت أتصور أنني سأقوم بدور صغير وإذا بي افاجأ أنني سأقوم بالدور الرئيسي وكيل النيابة وهذا ما أذهلني. ووقعت على العقد بمبلغ خمسمائة جنيه وكان وقتئذ عام 1967 مبلغاً كبيرا. يضيف: لقد استمتعت حقا بالتصوير مع توفيق صالح كان معي توفيق الدقن وشفيق نور الدين، كانت أسرة جميلة بقيادة فنان مبدع أحبه لثقافته الواسعة ودماثة خلقه واعتبر فيلمي هذا بمقام عشرين فيلما. ـ كانت هناك أدوار اخرى في السينما أقل شأنا.. دعنا نتوقف أمامها قليلا؟ ـ مثلت في فيلم «الحب والصمت» أمام نيللي ونور الشريف واخراج عبدالرحمن الشريف وفيلم «عاشقة نفسها» أمام نجلاء فتحي اخراج منير التوني. ـ وفي فيلم «الرسالة» لمصطفى العقاد؟ ـ لم يكن دورا ذا أهمية.. الا أن قيمته انني مثلت دوري باللغة الانجليزية واللغة العربية في نسختي الفيلم. ـ هل كنت تتصور هذا النجاح الجماهيري لمسرحية «الملك لير» كعمل كلاسيكي لشكسبير؟ ـ لا أخفي عليك أنني وأنا أخرج هذا العمل كان احساسي أنه سينجح فنيا، وقابلتنا مشاكل عديدة تتعلق بالانتاج وكان يحيى الفخراني يضحك ويقول لي «ان المسرحية لأن فيها مشاكل كثيرة ستنجح، كما ان الفنانين الذين اشتركوا مثل سوسن بدر، وسلوى محمد علي وريهام عبدالغفور وأحمد سلامة، كانوا يشعرون ان المسرحية ستنجح، كانوا في الحقيقة يعبرون عن مشاعرهم الخاصة. وقد جاء أحد المسئولين قبل بداية العرض بعشرة أيام وقال لبعض الممثلين على مسمع مني أن المسرحية لن تستمر أكثر من أسبوعين أو ثلاثة. وقد تألمت جدا لما سمعت لأن المسئول بدلا من أن يقول كلمات الاحباط كان يجب أن يقول كلمات التشجيع لعل وعسى، ينجح العرض. ولم أكن أتصور هذا النجاح الجماهيري منذ أول يوم رغم انني كنت راضيا عن عملي الفني رغم الامكانيات المتاحة، وقد جعلني هذا النجاح الجماهيري أشعر بالنشوة، وقد خرجت من هذه التجربة بأمرين هامين: أن تختار العمل المناسب الذي يمس وجدان وعقل الجماهير بدون إستعلاء باستخدام الرموز، والأمر الثاني ان ترجمة الدكتورة فاطمة موسى للنص الشكسبيري كانت بلغة عربية بسيطة سهلة، وبالنسبة لي كمخرج كان هدفي أن أوصل العمل للإنسان البسيط المكافح وكذلك للإنسان المثقف، وكنت أريد أن يخرج الاثنان مستمتعين، وحاولت متدخلا اخراجيا حتى لا تصدم المشاهد اللغة العربية الفصحى، فأصبحت الشخصيات قريبة جدا من وجدان الإنسان المثقف. أنا أتعلم من غيري حتى من الشبان استفيد منهم.. إذا أصابك الغرور كفنان من السهل أنا تسقط ولكن اذا ظللت تتعلم وتتعلم من غيرك فإنك ستتطور وأنا أرى أعمالا مبشرة للشباب ولزملائي الكبار والمهم هو حسن اختيار الموضوع الذي يتوجه إلى وجدان الناس. القاهرة ـ فوزي سليمان: