في مهرجان الإسماعيلية السادس للأفلام، «الشاطر حسن» و«جنين» يجذبان المشاهدين

ت + ت - الحجم الطبيعي

الاحد 7 شعبان 1423 هـ الموافق 13 أكتوبر 2002 فيلم سويدي إخراج مشترك بين العربي «طارق صالح» والسويدية «إيريك جانديني» عن المناضل تشي جيفارا «ضحية»، فيلم هولندي لمخرج فلسطيني عن مغترب مغربي «الشاطر حسن»، فيلم إيطالي عن القدس «آخر الصور»، أفلام تتخطى حدود البلدان وتتسع اهتمامات أصحابها للتعبير عن قضايا متشابكة بين الدول في إطار طرح إيجابي لمفهوم العولمة. مشكلة المهاجرين العرب في الدول الأوروبية مطروحة بشكل فني بديع في فيلم «الشاطر حسن» للمخرج الفلسطيني محمود المسد عن المغترب المغربي «حسن حمودة» والفيلم يبدأ بأم تحكي بالعربية لطفلها حكاية من حكايات الشاطر حسن، ويدخل التعليق بالإنجليزية للمخرج الراوي يحكي أنه التقى بحسن الحقيقي في هولندا والذي يختلف تماما عن بطل حكايات أمه، نراه في مظهر بائس يصنع مزمارا من «منفاخ عجلة » ويعزف عليه في الشوارع التي يعيش فيها، يحكي عن معرفة الناس له ونحن نراهم يلقون إليه بالفكة ويداعبونه أحيانا، الفيلم يستمر في تقديم حكاية حسن من وجهة نظر المخرج ـ المغترب أيضا ـ وعلى نهر البلد الأوروبي يحكي لنا حسن مأساة حياته، الحديث بالهولندية ولكنه عندما يحكي عن بلده نتعرف بصعوبة على لغة عربية بلهجة مغاربية ينصحنا بعدم ترك بلدنا، يخبرنا عن المرأة التي أحضرته من بلاده وأغرته بالإقامة والعمل فوجد نفسه لا يعمل سوى في التنظيف، بعد أن أنجبت منه طفلا تطلقه ويصبح بلا عمل ويصبح غير قادر على العودة إلى بلده وهو على هذا الحال، يقول لا يوجد أي إنسان سعيد في أوروبا حتى من يعملون بانتظام، المخرج يقترب بحميمية من بطله وهو يحصي البقشيش، أصابع مسودة وسنعرف أنه يستخدم الهيروين ليتغلب على ألم أصابعه بعد أن ألقى عليه أحدهم «الجازولين» وحاول حرقه، شريط الصوت مركب من غناء عربي «يا ليل يا ليل» ممتزجا بأصوات المكان بشكل رائع حيث تتلاشى تدريجيا أصوات السيارات ويتسيد الغناء العربي الشجي ثم يقدم مشهدا لا نسمع فيه صوت الناي بعد أن حلق «حسن ذقنه» وتغيرت هيئته قليلا صوت ضجيج السيارات فقط هو المسموع ثم يخبرنا التعليق أنه أحيانا لا تخرج الموسيقى فقط الصمت، بعده نشاهده في لقطة جانبية مستندا على حائط وتتراجع الكاميرا بينما يسرح ببصره يزحف نحوه طفل وتحدث نقلة فجائية لمشهد عرس مغربي تقليدي، الألوان بهيجة والموسيقى صاخبة ثم لقطة عكسية الكاميرا تقترب منه يعود من التذكر. الشحنة العاطفية التي تخنق حسن في لحظة حنينه لبلده تجعلنا نرتجف ونستريح بعض الشيء مع لقطة هادئة وهو يرسم كالأطفال، ثم يحكي دون أن ينظر إلى الكاميرا أو في المواجهة كمن يتحدث إلى صديق لا نراه أو إلى نفسه، بعدها سيذهب حيث منزل طفله، دون أن يؤكد المخرج على ذلك ويختفي بعدها.المخرج لا يجد «حسن» ليكمل الحكاية يسأل عنه الهائمون في الشوارع يتحدثون للكاميرا بما يفيد أنهم لم يشاهدوا حسن، المخرج يبحث عنه، ثم يجده بعد أن زار غالبا البيت الذي يعيش فيه ابنه واقترب منه من خلف السياج الحديدي، البطل يؤدي بشكل مؤثر يحتار الشخص في كون الفيلم تسجيليا أم روائيا، فبنيته ومدخله ونهايته روائية ولكن الشخصية حقيقية في موقعها الطبيعي، والأرجح أن الفيلم روائيا يستعين بتقنيات الفيلم التسجيلي المعتمدة على التعليق وحكي الشخصية في أفلام التحقيق «ريبورتاج» والعكس أيضا صحيح حيث يمكننا القول أنه فيلم تسجيلي يستعين بكل جماليات الفيلم الروائي لصياغة موضوعه أيا كان نوع الفيلم فلا شك أننا أمام فيلم ممتع مؤثر صاحب قضية واضحة مطروحة بلغة سينمائية راقية. كما بدأ المخرج فيلمه بالتعليق ينهيه بتعليق إنه لا يعرف نهاية حكاية بطله حسن وأنه كان دائما ينام قبل أن يسمع من أمه نهاية حدوتة «الشاطر حسن» التي كانت تحكيها له بصوتها الدافئ والحنون في بلده بالشرق الأوسط. بالمهرجان أيضا مسح شامل لمشكلات القارة الإفريقية من خلال إنتاج مؤسسة «خطوات نحو المستقبل» في عدة دول إفريقية أولها جنوب إفريقيا وفيلم «المخلص» عن مشكلة فتيات صغيرات تحملن خارج الزواج يتركها في الأغلب الرجل المسئول عن الحمل فتجد نفسها أما وحيدة طفلة بلا عمل والأخطر احتمال الإصابة بمرض «الإيدز»، والفيلم لمخرج يعود إلى قريته يتحرك بكاميرا محمولة يدويا، يجري مقابلات مع الشبان والفتيات والجميع يتحدثون بجرأة وصراحة ويشاغبون ابن قريتهم وقد أصبح مخرجا، ينتهي الفيلم بمشهد يتم فيه إجراء تعداد للسكان، فتاة تستنكر هل نحن ماعز ؟ والجدة لا تمانع في التعاون مع الإجراءات وهي محبطة: «هذه ليست بلدنا إنها بلد البيض» والباحث الشاب يصحح «بل هي بلدنا يا جدتي». المخلص«استحق جائزة لجنة التحكيم الرسمية عن فرع التسجيلي الطويل، يتميز بحميمية ونجح صناعه في التخلص من عيوب تكثر في أفلام التنمية مثل توجيه النماذج لأقوال محددة، أو عدم الدقة، وانعدام المصداقية في اختيار النماذج وهي عيوب موجودة جزئيا في فيلم «منزل للحب» من ناميبيا أو فيلم «أطفال الشوارع» من «زامبيا» مع قدر من التدخل الروائي في «الكرة» شديد القصر والطريف أيضا. ومن تراب الأرض الإفريقية الأحمر إلى ثلوج شمال أوروبا البيضاء في الفيلم الهولندي «ملفات العائلة» البديع والهادئ كما الحياة هناك، أسست المخرجة الفنلندية فيلمها على الصور العائلية فاستعرضت من خلالها تاريخ عائلتها الذي يعكس الحالة السياسية بداية من الحرب العالمية الأولى وحتى وقتنا الحاضر، فكرة الموت في وجدان المسيحي الأوروبي تتناولها المخرجة بإيقاع يناسبها. فيلم آخر من دول الشمال يسيطر عليه اخضرار الريف الإنجليزي هو الفيلم الاسكتلندي شديد الإنسانية والتسامح «ليونارد» عن رجل لديه وسواس مرضي في النظافة والنظام يأتي إليه ابنه الشاب، يقدم له نفسه بعد غياب 24 عاما. يغير «ليونارد» من بعض قناعاته الوسواسية فيضطر لقيادة السيارة رغم خوفه من أن يصدم أحدا، ومن تغير طقوس إطعامه للعصفور فيقدم له الطعام بشكل مختلف فيأكل من يده ويشعره بحنانه.المشاكل العربية مطروحة بشكل مباشر في الأفلام الفلسطينية مثل فيلمه «جنين» للممثل «محمد البكري» كمخرج تسجيلي هذه المرة في فيلم يحمل روح المقاومة، ومن الموقع «جنين» الذي أصبح رمزا حديثا لقدرة الشعوب على النضال صور عدة لقاءات مع شهود عيان مختلفي الأعمار، رجال ونساء وبنات، الفيلم مهدي إلى روح المنتج الفني للفيلم «إياد السمري» الذي استشهد بعد انتهاء التصوير، «جنين» فيلم صادق قوي وموجع وهو تسجيلي طويل حصل على جائزة اتحاد السينمائيين التسجيليين المصريين، وتكتمل صورة الحالة الفلسطينية مع الفيلم التسجيلي القصير «ردم» لعبد السلام شحادة عن اقتلاع أشجار الزيتون بمستوى جيد وإن كان لا يضيف جديدا لما نشاهده كل يوم في نشرات الأخبار. المعارض الليبي «محمد مخلوف» مؤسس مهرجان السينما العربية المستقلة يُقدم على إنتاج فيلمه الأول عن شخص إنجليزي يعمل مصورا فوتوغرافياً، اعتنق الإسلام بعد أن طاف في رحلات إلى الهند والصين وبلاد إسلامية آخرها السعودية ووجد راحته «في ظل الشجرة» مع الرسول والدين الإسلامي، تحدث عن الصوفية والراحة في الحياة البسيطة حيث الصلاة في الخلاء والعيش في خيمة.همنا العربي ما بين حسن الحقيقي عازف المزمار المتسول في بلاد أوروبا وما بين «الشاطر حسن» بمغامراته وشجاعته الفائقة التي ما زالت تحيا في ذاكرة المخرج وهو في غربته وبين المشكلة الفلسطينية الصريحة ودورنا في الدفاع عن صورة المسلمين في الغرب، هموم عربية واضحة بينما في أفلامنا المصرية المشاركة في المهرجان نبدو وكأنه يصعب علينا وضع يدنا على المشكلة حيث تتنوع المشكلات ما بين التفكك الأسري ومشكلة الرجل والمرأة في الفيلم الروائي «ولا المواعيد» لعبد الفتاح كمال من إنتاج القنوات المتخصصة، والفيلم التسجيلي «ثلاث حكايات لرجالة وستات» لحسن خان وفيلمه الآخر «تحولات» الذي حصل على جائزتين الأولى من لجنة التحكيم الرسمية عن الفيلم التسجيلي القصير والثانية من اتحاد التسجيليين المصريين، الفيلم يناقش تحولات الشباب وحجاب الفتيات ومخدرات الشباب ومشاكلهم الوجودية، أفلام أخرى تعود بنا للماضي مع ذكريات المثقفين على «مقهى ريش» للمخرج جمال قاسم، ونحو توثيق لشخصية امرأة قوية في «أسطورة روز اليوسف» للمخضرم محمد كامل القليوبي، ومع فيلم تخرج طالب معهد سينما «أكرم فريد» الثلاث ورقات لأجواء حداثية عن ليل القاهرة وصعاليكها، نبدو كمصريين بلا قضية مؤثرة وكأن الهدف تحول إلى مجرد صنع أفلام، بينما رسالة الفيلم التسجيلي والقصير لا تعنينا، وأتصور أنه أحد أسباب عدم الحصول على جوائز رغم حجم المشاركة لأننا لا نملك قضية محددة بالإضافة لعدم خوض الأفلام في مغامرات فنية والاكتفاء بالطرح التقليدي للأفكار دون تجديد في الشكل إلا نادرا. القاهرة ـ صفاء الليثي:

Email