عالم الرسوم المتحركة.. تطور في الأسلوب وانقلاب على ديزني

ت + ت - الحجم الطبيعي

الثلاثاء 2 شعبان 1423 هـ الموافق 8 أكتوبر 2002 يواصل المؤرخ والناقد السينمائي ديفيد روبنسون في كتابه تاريخ السينما العالمية رصده للتطورات التي طرأت على عالم الرسوم المتحركة والتي تبلورت في أعمال يوبي ايه التي تأسست على يد ستفين بوستاستاو عام 1945 بعد ان انشق عن ديزني مضيفاً لمسة جديدة من الاقتصاد والصقل. وقد اتسم اسلوبه بالمرح، كما رصد روبنسون هذه التطورات في كندا وبريطانيا وفرنسا. شهدت الاربعينيات والخمسينيات ردود فعل عنيفة ضد أسلوب ديزني ـ يتزعم معظمها بعض من فناني ديزني السابقين. «تيري تونز» لبول تيري، «أنغام معتوهة» و«ألحان سعيدة» لليون شيلزينجر، «توم وجيري» لبيل هانا وجو باربيرا، مسلسلات «بجيزيني» و«كيكي» و«سلفيستر» لشركة وارنرز (من ابتكار فريلينج وتشارلز جونز وروبرت ماك كيمسون وغيرهم)، «وودي نقار الخشب» لوالتر لانتس، وقبل هذا كله ابداعات تيكس افيري خاصة «تشيلي ويللي البطريق» و«دروبي».. هذه الأعمال جميعها استخدمت اسلوب ديزني في الرسوم المتحركة ـ حيث المفهوم الواقعي الى حد ما في اضفاء الصفات البشرية على الشخصيات ـ ولكن بطاقة جديدة، في اطار كوميدي يتسم بالسريالية والفوضوية والسادية، مخالف تماماً لمسحة التفاهة التي صبغت أعمال ديزني الفاخرة. وفميا يتعلق بالتطور اللاحق في مجال أفلام الرسوم المتحركة عبر العالم كانت الأعمال الأكثر أهمية وتأثيراً في أعمال يو.بي.ايه (الانتاج المتحد الاميركي) التي تأسست في عام 1945 على يد ستيفن بوساستاو. وكان بوساستاو قد انفصل عن ديزني وقدم فيلم كارتون دعائي مناهض للعنصرية هو «أخوة بني البشر». اتسم عنصر الرسوم في أعمال يو.بي.ايه بلمسة جديدة من الاقتصاد والصقل، مشتقة من تراث رسومات الكارتون المرحة التي كانت موجودة وقتها (على سبيل المثال: النيويوركي شتينبرج) وبدلاً من صور مدرسة ديزني المهذبة والطبيعية، والتي كثيراً ما كانت تحاكي الرسوم المقلدة للوحات الألمانية القديمة في كتب الأطفال، استخدمت يو.بي.ايه ألواناً طازجة غير طبيعية وجريئة ورسماً مقتصداً قوياً. كما كانت الشخصيات هي الاخرى جديدة يغلب عليها طابع الابتكار الفكه وغرابة الاطوار مثل «جيرالد مكبوينج بوينج» لروبرت كانون وشخصية الفضولي قصير النظر «السيد ماجو» لبيت بيرنس. ومن الفنانين الآخرين الذين عملوا مع يو.بي.ايه جون هابلي، ارت رابت، ويليام هيرتس، ليو كيللر، ارنست بنتوف، تد بارملي، الذين انتشرت تأثيراتهم منفردين بعد تفكك يو.بي.ايه. أما رالف باكشي فلم تكن نوعية الرسوم في أفلامه متميزة إلا ان أعماله الماجنة «فريتس القط» و«المرور المزدحم» والأكثر ادعاء مثل «السحرة» و«سيد الحلقات» (1979) قد أشارت الى اتجاهات جديدة للرسوم المتحركة في السينما التجارية. في كندا، في الاثناء نفسها، كان نورمان مكلارين الذي انضم الى المجلس القومي للفيلم في 1941، يبتكر خطوطاً متفردة اخرى في مجال تحريك الرسوم، وكان مكلارين الاسكتلندي الأصلي، قد تأثر من خلال وحدة جي.بي.أو للأفلام تأثراً كبيراً بلين لاي النيوزيلندي الذي كان رائداً في تقنيات الرسم على الفيلم مباشرة (صندوق الألوان ـ 1953). كما قام مكلارين نفسه بالتجريب في تقنيات متنوعة خاصة الرسومات التي ترى ثلاثية الأبعاد (الآن هو الوقت، هناك وهناك هو هنا وهناك ـ كلاهما نفذا لمهرجان بريطانيا في 1951) كما جرب لاحقاً في تطبيق تقنيات التحريك على الاجساد البشرية (البيران 1953) هذا وقد ضمنت قائمة زملاء مكلارين وتابعيه بالمجلس القومي للفيلم كل من جرانت مارنو، جيرالد بوترتوت، جيم ماكاي، كولين لو وجورج داننج، كما تعاون أليكسيف هو الآخر مع مكلارين من خلال المجلس القومي للفيلم بكندا. أما داننج فقد عمل لاحقاً في بريطانيا (التفاحة ـ 1960، الغواصة الصفراء ـ 1969). في فرنسا شهدت فترة الحرب تطوراً في أعمال الكارتون التقليدية الرقيقة لجان ايماج وبول جريمو. وفي انجلترا قدمت أفلام جون هالاس وجوي باتشيلور رد فعل صحي مبكر آخر ضد باروكية والت ديزني الثقيلة، كما حاول الاثنان في الأعوام التي تلت تقديم موضوعات غير مألوفة من خلال الكارتون: «مزرعة الحيوانات» (1954) لاورويل و«راديجور» (1967) لجيلبرت وسوليفان ومن فترة ما بعد الحرب اخذت سينما الرسوم المتحركة البريطانية في الازدهار في البداية لم تنجح محاولات ديفيد هائد لتأسيس ستوديو للكارتون غير ان الخمسينيات شهدت ظهور مجموعة متميزة من الافراد يعلمون بشكل مستقل: بيتر فولدز بعمله الشديد الروعة والتكثيف «رؤيا قصيرة» الكندي ريتشارد ويليامز بمزاوجته بين المرح الحكيم المراوغ والصالة والاناقة العظيمتين في عنصر الرسوم (الجزيرة الصغيرة، اغنية للكريسماس) بوب جودفري بأسلوبه الفريد في تصوير اجواء قاعات الموسيقى وثراء طابعها السوقي (بولونيوس متعدد الزوجات، كاماسوترا ينطلق ثانية)، افلام بايوجرافيك، ستوديو لاركينز، بالاضافة الى الاعمال العرضية المتميزة من مدارس الفن خاصة كلية بريستول للفنون. كما قام منتج الافلام الروائية السابق مارتن روزن بدلا من جون هابلي باخراج «غرق سفينة» المأخوذ عن قصة ريتشارد آدم الرمزية التي حققت اعلى المبيعات والفيلم يعتبر واحدا من افلام الرسوم المتحركة البريطانية الطويلة النادرة وفي اماكن اخرى من غرب اوروبا كان النشاط في مجال الرسوم المتحركة عشوائيا وان كانت اعمال ستوديوهات «دوللى وود» لجوب جيسينك بهولندا وبرونو بوتسيتو في ايطاليا كثيرا ما كانت اعمالا جديرة بالملاحظة. في الاتحاد السوفييتي بدا فنانو الرسوم المتحركة لصيقين بأسوأ تقاليد اسلوب ديزني (يستثنى من هذا «الحمام العمومي» ليوتكيفيتش في 1962 المأخوذ عن مسرحية مايكوفسكي) بينما في اماكن اخرى من اوروبا الشرقية تطورت سينما الرسوم المتحركة تطورا كبيرا في تشيكوسلوفاكيا تحلقت مجموعة مهمة من الفنانين حول جيري ترنكا منذ 1945 وكان ترنكا وهو محرك عرائس ورسام كاريكاتير سابق، قد بدأ العمل في افلام الرسوم المتحركة في العام ذاته ثم تحول الى افلام العرائس في 1947 تنوعت اعمال ترنكا من الفولكور (اساطير تشيكية ـ 1953) والادب القومي (الجندي الطيب تشفيك 1954) الى الشكسبيريات 0حلم ليلة صيف ـ 1959) الى هانزاندرسن (عندليب الامبراطور ـ 1948) اضافة الى الرؤى ووجهات النظر التعلقة بالحاضر والمستقبل (استحواذ ـ 1960 اليد ـ 1965). واستطاع ان يجعل من فيلم العرائس جنسا فنيا جديدا ومستقلا كما قدمت اعماله نموذجا فائق الاهمية لغيره من صناع افلام العرائس والكارتون ـ ادوارد هوفمان، جيري برادتشكا، جوزيف كابرت، فاكلاف بيدريتش، كاريل زيمان (آلة تدمير ـ 1957، البارون مانشوزن ـ 1961) وهيرمين تايرولوفا، وفي يوغسلافيا قدمت ستوديوهات زغرب العديد من صناع افلام الكارتون المتميزين ـ فاتروسلاف ميمكا، دوسان فاكونيش، نيكولا كوستيلاك، وفي رومانيا مزجت افلام ايون بوبيسكيو جوبو بين الرسوم المتحركة والكوميديا البشرية، وفي بولندا ابتكر جان لينيكا وواليريان بوروتشيك استخدامات فوضوية جديدة وشديدة التميز لاساليب ايقاف الحركة (ذات مرة ـ 1957، دوم ـ 1958). وقبيل السبعينيات كان فيلم الرسوم المتحركة ـ اقدم فروع السينما ـ قد اصبح اداة طبعة وقادرة على التنوع بشكل ملحوظ تتراوح امكاناتها من الرؤى الوثائقية الشاعرية عند جون هابلي (عن النجوم والبشر) الى الهزليات الرابيلية عند الياباني يوجي كوري.

Email