فنون

حلمي التوني يرسم «على الشاطئ» الايقونات المصرية

  • الصورة :
  • الصورة :
  • الصورة :
  • الصورة :
صورة
ت + ت - الحجم الطبيعي

يمزج الرسام حلمي التوني بألوانه الساخنة بين الأسطورة والجو الشعبي ورموزه وطقوسه وعاداته متخذاً من المرأة المصرية أيقونة وموضوعاً لمعظم لوحاته، بأسلوبه الذي يحمل بصمة فرشاته، متراوحاً بين هذا العالم الشعبي وبين الحداثة، لا يخفي إعجابه وتأثره بالفنان العالمي بابلو بيكاسو ولا بالفنانين المصريين «المعلمين» كما يصفهم مثل: محمود مختار ومحمود سعيد وعبد الهادي الجزار.

«على الشاطئ» أو المرأة على الشاطئ موضوع التوني في معرضه الجديد المقام بقاعة بيكاسو، حيث يتناول التوني هذا الموضوع الفوتوغرافي الواقعي الذي اعتاده الفنانون، ويقدمه هنا برؤية خاصة به، يوظف الرموز التي ابتكرها خلال سيرته التي تمتد لنحو 40 عاماً مع الرسم كإشارات إلى واقع اجتماعي، ملئ بالمفارقات، يختلط فيه التزمت والتشدد والانغلاق بالفرح والبهجة والانطلاق في قاعة بيكاسو.وفي حضرة الألوان والخطوط والتعاريج والنفحة الشعبية التي تطل منها، كان لـ (الحواس الخمس) هذا الحوار مع الفنان حلمي التوني والبداية عن بيكاسو الذي وضع في أروقة المعرض لوحات له سواء كانت مهداة إليه أو تحية أو من وحي أعماله.

وعن بيكاسو يقول التوني : لا بد أن أعترف، كلما مرت الأيام؛ كلما زاد إعجابي وإكباري واحترامي لبابلو بيكاسو، هذا الكنز المتدفق، المتلون، فهو درس لكل فنان وهو متجاوز لأية أساليب أو اتجاهات فنية. فهو يتقدم ويرتد في سيرته، فمن تدمير المشهد تماماً وإعادة بنائه إلى الارتداد إلى أجواء الفن الإغريقي فيرسم امرأة عارية بنفس المقاييس الكلاسيكية .ولكن على طريقته وبأسلوبه، وإعادة رسم لوحات بيكاسو أصبحت شيئاً مألوفاً عند الفنانين الأسبان عشرات المرات، وبالنسبة لي فقد أعدت رسم لوحات «بنتين صغيرتين» و«وصيفات الشرف» واحدة في جو نهاري وأخرى بالليل.

وأصبح تأدية التحية للفنانين الكبار تقليداً في كل معارضي، وهؤلاء الثلاثة هم أساس نهضة الفنون الجميلة في مصر الحديثة، وعبروا بها وبهذا الفن إلى مدارات الفن المعاصر، يكفي مختار تمثال نهضة مصر الذي ساهم الشعب المصري كله من خلال اكتتاب شعبي في تحمل تكاليفه والزائر لمتحفه لابد أن يشعر بالفخر والمجد؛ تجاه هذا النحات العبقري، المخلص لبلده رغم أنه عاش طويلاً بفرنسا.وأيضاً الرسام السكندري محمود سعيد الذي استلهم لوحاته من الفلاحين والناس البسطاء مثل لوحته الشهيرة «بنات بحري»، وقد قمت برسم إحدى لوحاته «المرأة الجالسة» و«عارية النهدين» ولكن رسمتها بنحو عشرة أضعاف المقاس الأصلي وأضفت عليها شيئاً من أسلوبي.

أما الرسام عبد الهادي الجزار فقد رسمت من أعماله «فرح زليخه» وكنت «وش» السعد عليها إذ بيعت بعدها ببضع سنوات بمليون جنيه مصري وكانت أول مرة نسمع فيها عن هذا الرقم في الستينات، وكان الجزار غارقاً في رسم مشاهد الخرافات والخزعبلات التي تسيطر على عقول بعض الناس في المناطق الشعبية بهدف نقدها.

ورغم أن رساما بحجم محمد ناجي من الأساتذة العظام وتأثر بالأجواء الشعبية في أعماله إلا أن المعيار ليس بالموضوع وإنما باللغة والرؤية المغايرة ولذلك يظل ناجي تلميذاً في المدرسة الانطباعية، ويظل تواصل الأجيال والاعتراف بإسهام كل منها في الحركة التشكيلية المصرية، داعماً وفاعلاً في تجديد شكل ومضمون هوية الفن المصري المعاصر.

الفنان الفطري

وعن مستقبل الاتجاه الشعبي في الفن المصري يوضح قائلا: ينبثق عن ذلك الاتجاه، تياران، أولهما نتاج الفنان المثقف الذي تلقى تعليماً أكاديمياً ويعلم القيم الجمالية والتراثية والحضارية في الشعبيات، والفنان الفطري الذي يتعامل بتلقائية مدهشة مع مفردات الجو الشعبي.

وعامة قد شاع هذا الاتجاه في حقبة الستينات في فورة الحس الوطني والتمسك بالهوية، وهناك من اتجه نحو الفرعونيات واتجه آخرون نحو الإسلامي. ومن أهم الفنانين الذين انغمسوا في الشعبي كانت الفنانة جاذبية صدقي التي استهوتها الألعاب الشعبية البسيطة.

والعمل السياسي للفنانين له إشكال عديدة وينقسم بدوره إلى فنانين لا شأن لهم بتاتاً كأنهم يعيشون فوق السحاب وآخرين يؤمنون برسالة الفن وواجبه تجاه الارتقاء بالمجتمع الذي يعيشون فيه.

وأعتقد أنه تمت الإساءة للمفهوم الأخير في الستينات بسبب ما عرف بالواقعية الاشتراكية التي عملت على تجنيد الفن والفنان لخدمة قيم المجتمع الاشتراكي وتمجيد إنجازات الزعيم.

ومن هنا أسئ إلى فكرة انتماء الفنان إلى قضايا مجتمعه وبدأت تسود نغمة التعميم في حياتنا، فمن يصلي فهو متشدد ومن يقرأ فهو شيوعي، وما زلنا نعاني من عقدة التعميم والحساسية المفرطة تجاه أشياء بعينها.

وعن معرضه «على الشاطئ» وحشده الرموز التي عرف لوحاته يقول التوني: الرموز عنصر مضاف في العمل وليس أساسياً ويفتح باب التساؤلات ويعطي مفاتيح للفهم والإحساس باللوحة، فمثلاً السمكة المأكولة بجوار المرأة على الشاطئ في الكثير من اللوحات، لا بد أن تستوقف المشاهد الجاد وليس العابر، ذلك المعنى بالعلاقات البصرية ومدلولها.

وهناك الوشم، عادة الوشم في الموالد الشعبية لها معان سحرية وأشياء مثل السمكة والمصباح الذي استخدمته في لوحة الجرنيكا يحوطه هالة من الخيوط المتكسرة، بخطوط سوداء في عدة أعمال نهاري، وليلي، وخلوي وليس هناك مصباح في المناطق الخلوية ولكن له دلالة ما، أتركها للمشاهد.

بهجة لونية

وعن اختياره الشاطئ والمرأة موضوعا لهذا المعرض يقول: بما أنني مهتم بالشأن العام فقد لفت انتباهي، وأي شخص له عينان يرى مدى الاضطراب والاختلال القيمي الذي يعتبر الشاطئ، أكثر ما يظهر فيها بوضوح فمن المرأة المنتقبة إلى المحجبة إلى صاحبة المايوه الشرعي كما يقولون إلى المايوه العادي ولكني تناولتها في شكل فانتازي خيالي، واعتبر هذا المعرض كرد بالبهجة اللونية، ضد القتامة والكآبة التي نعيشها ليس فقط على الشاطئ ولكن في حياتنا اليومية في كل مكان.

ويوضح تفاصيل تجربته كرسام كاريكاتير في السنوات الأخيرة بقوله: كانت محاولة من صحيفة الأهرام القاهرية لتجديد شكلها في إطار المنافسة مع الصحف الخاصة التي أثبتت قدرتها أخيرا، ولا أعتبر ما أقوم به «كاريكاتير».

لكنه شكل جديد ومختلف، فإن أكتب تعليقي ربما يكون من نشرة الأخبار أو من وحي التحركات السياسية والاجتماعية مع الرسم وكثيرا ما يتم رفض نشرها تحت ذرائع شتى متعلقة بالحساسية المفرطة لدى النظام السياسي وذلك رغم أنني سألتهم في بداية عملي عن سقف الحرية المتاح لي وأفاجأ برفض رسوم تتعلق بكرة القدم.

القاهرة : دار الاعلام العربية

Email