معالم

البراجيل مكيفات الهواء العليل

  • الصورة :
  • الصورة :
صورة
ت + ت - الحجم الطبيعي

كانت »البراجيل« تمثل معلماً معمارياً مميزاً لمساكن الإمارات، حيث كان من الضروري أن يوجد بالمسكن هوائي واحد على الأقل، بينما يزداد عددها إلى اثنين أو أكثر، حسب سعة المنزل والقدرة المالية لأصحابه.

ويتجلى ذلك في المباني القديمة التي لا يزال بعضها موجوداً إلى الآن في دبي والشارقة، خصوصا في منطقة الفهيدي بدبي وسوق المجرة في الشارقة. وأبرز ما يميز تلك المباني القديمة أبراج الهواء أو البراجيل »مكيف الهواء المحلي« الذي تغلب به سكان الإمارات على المناخ القاسي ودرجة الحرارة المرتفعة، وهو خير مثال على إدراك ومعرفة أبناء الإمارات بالأحوال الجوية السائدة في محيطهم من حرارة ورطوبة واتجاه الريح. والبرجيل برج يعلو سطح المبنى، جوانبه وأطرافه ملتحمة، ويتكون من أربعة أعمدة، والهواء يهب على السطح فيمر عبر المنفذ إلى الداخل، بينما الهواء الساخن يرتفع للأعلى، ومع اشتداد حركة الهواء تتم عملية التبريد في الغرفة الخاصة حين تكون الرطوبة مرتفعة وأطراف البرجيل عمودية، وتتم عملية التهوية بغض النظر عن اتجاه الريح.

والبرجيل ينفث الهواء إلى داخل الغرف التي تحته عبر قنوات عمودية، ومع نزول الهواء تتزايد حركة الهواء وتقل درجة الحرارة، وهكذا يتم تبريد الغرفة.

مسرب الريح

والبرجيل ®. كلمة تعني مسرب الريح أو ملقط الهواء، وهو عبارة عن برج طويل مستطيل الشكل يشبه نوعاً من أبراج الأجراس الإيطالية، وله فتحات في كل جانب ليمسك بأي نسيم يهب أياً كان اتجاهه، ويتصل البرجيل بغرفة أسفله مما يجعله يعمل كمروحة فيوفر حركة الريح ويلطف الجو على سكان المنزل.

ومعظم البراجيل في الإمارات أقيمت بشكل مكثف في عام 1930 عندما وصل التجار القواسم وبني ياس من لنجا فجاء الصناع والتجار إلى دبي واستقروا في منطقة الفهيدي التي لاتزال تحتوي على العديد من البيوت المزودة بالبراجيل.

والبراجيل كانت تحتوي على نقوش وزخارف جبسية، وعلى الرغم من اختلاف أشكالها، إلا أن آلية العمل واحدة، حيث يوجد في البرجيل أربع فتحات للاتجاهات الأربعة لجلب الهواء، كما ان هناك بيوتاً بها أكثر من برجيل تبعاً للمركز الاجتماعي للعائلات أو مستوى ثراء الأسرة.

موزع الهواء

تقام البراجيل عادة فوق المنازل على ارتفاع يبلغ حوالي 05 متراً، حيث تكون سرعة الرياح على ذلك الارتفاع اكبر بضعف ونصف منها على ارتفاع متر ونصف عن مستوى سطح الأرض، وينحدر البرج الهوائي عمودياً الى داخل غرفة سفلية، حيث ينتهي عند مترين فوق ارض المبنى.

ومعظم الهواء القادم من البراجيل الى الأسفل ينحصر انتشاره في المنطقة الواقعة اسفل البرج، حيث تكون عادة مكانا للراحة والتسامر وأحيانا للنوم، وذلك لكونها اكثر المناطق برودة في المنزل، كما ان القسم العلوي من البراجيل مجهز بشبكة حديدية، تستخدم عادة لمنع دخول طيور الحمام الى داخل البرج، نظراً إلى ما تسببه فضلات هذه الطيور من مضايقات.

ولهذا السبب وغيره من الأسباب المتعلقة بأمن المنزل، فإن الكثير من الناس يعمدون الى بناء البارجيل فوق »دهريز« يحتوي على عدد من النوافذ الى جانب الباب، حيث يتم توزيع الهواء الى بقية الغرف المجاورة.

البارجيل اليواني

لم يكن بمقدور كل الناس ان يبنوا البراجيل الجصية، حيث كانت مقتصرة على بيوت الوجهاء والأثرياء والتجار، وذلك نظرا إلى كلفتها المادية، لذلك جرى البحث عن أنماط اخرى من البراجيل الأقل كلفة، وهكذا ظهرت البراجيل المؤقتة التي تقام صيفا فقط، مثل »اليواني« المصنوع من الاكياس والأقمشة والحصر وغير ذلك، نظرا إلى قلة كلفتها وسهولة صنعها.

كانت هذه البراجيل المؤقتة تنصب عادة فوق »العرشان« اي العشش المبنية من سعف النخيل، وكانت هذه البراجيل عبارة عن اربعة اعمدة أو مربعات، وكلما كانت مرتفعة كان ذلك افضل، وتحاط من الداخل والخارج بالأكياس او »الطربال« اضافة الى تشبيك سعف النخيل واحاطته بالحصر والسجاد، ويتم تثبيتها بأوتاد من مختلف الاطراف لكي تتماسك في وجه التيارات الهوائية، كما يصنع لها اسقف من »الدعون« اي السعف كمظلات واقية من أشعة الشمس الحارقة.

شاهدة على حقبة زمنية وتراثها المعماري

»على الرغم من الرفاهية التي توفرها المساكن الحديثة، والمكيفات التي تلطف حرارة الجو، وتحيل رطوبته إلى مناخات باردة، إلا أنني احن إلى البراجيل ونكهتها التراثية التي كانت في السابق ملطف الهواء المتاح، فضلاً عن كونها تراثاً معمارياً نتشرف به«، هكذا كان لسان من استطلع »الحواس الخمس« آراءهم حول البراجيل، التي لا تزال موجودة في كثير من إمارات الدولة، وهي تقاوم الاندثار بفضل الجهود التي تعنى بالحفاظ كل ما هو تراثي، وتعريف الأجيال الحالية به. ولمزيد من التفاصيل في السطور التالية.

أنواع البراجيل

بداية يتحدث الوالد حسن جمعة، وهو من سكان الشارقة فيقول: في السابق لم يكن بمقدور كل الناس أن يبنوا البراجيل الجصية، حيث كانت مقتصرة على بيوت الوجهاء والأثرياء والتجار، وذلك نظراً إلى كلفتها المادية العالية، وبعدها قام الناس بالبحث عن أشكال أخرى من البراجيل الأقل كلفة، ثم ظهرت البراجيل المؤقتة التي تقام صيفاً فقط، مثل »اليواني« المصنوع من الأكياس والأقمشة والحصر نظراً إلى قلة كلفتها وسهولة صنعها.

كانت هذه البراجيل المؤقتة تنصب عادة فوق »العرشان«، أي العشش المبنية من سعف النخيل، وكانت هذه البراجيل عبارة عن أربعة أعمدة أو مربعات، وكلما كانت مرتفعة كان ذلك افضل، وتحاط هذه البراجيل من الداخل والخارج بالأكياس او »الطربال«، اضافة الى تشبيك سعف النخيل واحاطته بالحصر والسجاد، ويتم تثبيتها بأوتاد من مختلف الاطراف لكي يتماسك في وجه التيارات الهوائية، كما يصنع لها اسقف من »الدعون« اي السعف كمظلات واقية من أشعة الشمس الحارقة.

الخصوصية والأمان

ويضيف الوالد علي احمد: ان أهم مزايا البيوت القديمة هي الخصوصية والأمان والتهوية، حيث كانت التصميمات الإسلامية والهندسية للأعمدة والأبواب والنوافذ والبراجيل تتخذ شكل النماذج الإسلامية الهندسية.

وتعتبر البراجيل مظهراً مميزاً حيث تقوم بمهمة التهوية والتبريد بدوران الهواء داخل الغرفة، وشكل البرج يساعد في دخول أي نسمة هواء من الزوايا الاربع، ويدخل الهواء الى الغرفة من خلال البرج من جانب ويخرج بعد دورة كاملة في الغرفة من الجانب الآخر. ينهي حديثه قائلاً: »راحت ايام أول وايام الهوا النقي وجاء دور المكيفات«.

تجميع مياه الأمطار

من جهته يقول ابراهيم موسى، موظف: بنى أجدادنا في المنطقة بيوت العريش، التي كانوا يصنعونها من خير النخلة المفعمة بالفوائد. كانت غرف العريش تتخذ شكل المربع، وأحياناً المستطيل، ولها باب صغير للدخول إليها ونوافذ صغيرة. وكانت تغطى شتاءً في قماش »الطربال« المصنوع من القطن والنايلون لمنع تسرب مياه الأمطار.

والبراجيل كانت تحتوي على نقوش وزخارف جبسية، وأنه على الرغم من اختلاف أشكالها إلا أن عملها واحد حيث يجلب الهواء، كما ان هناك بيوتاً بها أكثر من برجيل تبعاً للمركز الاجتماعي للعائلات أو مستوى ثراء الأسرة. وبسبب إيقاع الحياة السريع بدأ الناس في استخدام المكيفات الصناعية التي تعطي أثراً أكبر في زمن أقل.

مستطردا: كما كانت البراجيل تستخدم لتجميع مياه الأمطار في براميل وذلك بفتح البراجيل مع إهمال أول مطر لأنه كان بمثابة غسيل وتنظيف للأسطح ومع انتشار البراجيل في الامارات أصبحت من أبرز المعالم العمرانية في الدولة.

ويقول المهندس رشاد بوخش، مدير إدارة التراث العمراني، ورئيس مجلس إدارة جمعية التراث العمراني في دبي: المدن الساحلية تتأسس على الخيران أو الأخوار وأقدم هذه المدن هي (جلفار) رأس الخيمة، ومثلها المدن الساحلية الأخرى في أبوظبي ودبي وعجمان والشارقة وأم القيوين، وهذه المدن تأسست لتكون موانئ بحرية ترسو عندها السفن التجارية، وتخطيط المدينة يعتمد على ارتباطها بالخور.

وعادة تكون البيوت التي تطل على الخور هي بيوت الشيوخ والتجار والأثرياء، وقد صممت البيوت لتستقبل الهواء من أربع جهات، فعلى الرغم من أن الرياح المعروفة هي الرياح الشمالية الغربية، لكن البراجيل صممت لتكون مفتوحة من كل الجهات للتخفيف من حدة الحر.

وتكون تلك البيوت كبيرة تضم العائلات الممتدة، وتكون مبنية من طابق واحد أو طابقين من الحجر المرجاني الذي يؤتى به من البحر والحجر الصدفي الذي يستخرج من الخور، ويكون أقوى ويمنع تسريب المياه والرطوبة، ويستخدم في أساسات البيوت وفي بناء القلاع، كما تستخدم مادة الجص في البناء، وهي تستخرج من الأحجار الجصية التي تكون عبارة عن كبريتات الكالسيوم المائية.

حيث تحرق وتفتت وتستخدم في البناء، أما السقوف فكانت تبنى من جذوع النخيل ثم دخل خشب الكندل الذي يستورد من الهند ولا يتجاوز طوله أربعة أمتار، لذا نجد مساحات الغرف عندنا لا تتجاوز الأربعة أمتار طولاً وعرضاً، وبعد البيوت المواجهة للخور تأتي البيوت الطينية الصغيرة أو العرشان التي استخدمت فيها براجيل »اليواني« وهي مؤقتة وتكون مصنوعة من سعف النخيل ويكون الهيكل من الكندل والقواعد من الخيش، وهي تركب في فصل الصيف وترفع في الشتاء لعدم وجود الحاجة إليها.

دبي- مريم إسحاق

Email