«الدراما السودانية» غائبة عن الساحة العربية

كثيرًا ما نسمع عن منافسة بين دراما مصرية وسورية وخليجية، لكن لم نسمع عن وجود دراما سودانية.. فهل هناك دراما سودانية أصلاً؟ وأين هي في ظل تزايد أعداد القنوات الفضائية السودانية خلال الأعوام الأربعة الفائتة؟.

أسئلة كثيرة تتردد بسبب تراجع كبير أو غياب تام تشهده الدراما السودانية حاليًا؛ حيث لم يُكتب لها حتى هذه اللحظة أن ترى النور خارج الفضاء السوداني المحلي، أو أن يكون لها حلم مشروع بمنافسة الدراما المصرية أو السورية أو الخليجية رغم توافر المادة الجيدة والبيئة الخصبة لإنتاج كم هائل من المسلسلات التي تجسِّد واقع السودان وسط توفر كوادر مؤهلة في مجالات الإخراج والتمثيل، إلا أن رأس المال الوطني لم يجرؤ على دخول هذا المجال لعدم ضمان إمكانية الحصول على الإعلان أو تسويق الدراما السودانية بالشكل الذي يضمن استعادة ما تم إنفاقه؛ لذلك اكتفى الجمهور السوداني بمشاهدة المنافسات الدرامية خارج حدوده، ومتابعة الدراما المصرية التي تمثل النوعية الأقرب إليه.

غياب طويل

وفي كل عام ومع اقتراب شهر رمضان تقوم الفضائيات بالترويج لمسلسلاتها التي تم الانتهاء من تصويرها، وتحتل المسلسلات المصرية الصدارة، وتليها السورية والخليجية مع غياب تام للسودانية، الأمر الذي يدعو إلى الدهشة بعد أن كانت القنوات السودانية الأرضية تقوم كل عام بعرض مسلسلين سودانيين أو أكثر في رمضان.

وعدد آخر من المسلسلات في غير رمضان، وكانت هذه المسلسلات تلقى استحسانًا كبيرًا، وتجذب الأسرة السودانية؛ حيث كانوا يتابعونها بشغف وينتظرونها من عام لآخر، إلا أنه في السنوات الأخيرة رغم انتشار الفضائيات، خاصة المتخصصة في المنوعات وهي تزيد على العشرة حاليًا، تجد أن المسلسلات السودانية اختفت تمامًا عن الشاشة الصغيرة، وحلَّت مكانها السلاسل الدرامية التي تختلف كل حلقة عن الأخرى.

وبعض التمثيليات التي تقدم من خلال قناة «الشروق» السودانية، ورغم هذا الجهد الخجول، فإن المشاهد السوداني ينتظر وفرة من المسلسلات السودانية سنويًا تناقش قضاياه الاجتماعية .

كما كان يحدث في السابق؛ حيث كانت المسلسلات تتناول وقائع تاريخية تعرَّض لها شعب السودان أو تتناول الواقع اليومي، الأمر الذي جعل الأعمال القديمة تُخلَّد في ذهن المشاهد السوداني مثل مسلسلات «بيوت من نار»، «السيف والنار»، «أقمار الضواحي»، و«الدهباية».

وأعمال الفنان «الفاضل سعيد» وغيرها من المسلسلات التي لعب فيها المخرج الراحل فاروق سليمان ومكي سنادة وغيرهما دورًا بارزًا، وقام بتجسيد شخصياتها نخبة من الممثلين الأكفاء منهم علي مهدي، الريح عبدالقادر، هاشم صديق، عبدالحكيم الطاهر، ومحمد السني دفع الله، وفرقة «الأصدقاء» المسرحية وغيرهم.

اختفاء الكُتَّاب

لكن كثيرين يردون تراجع الدراما السودانية في الفترة الأخيرة لاختفاء كُتَّاب الدراما المجيدين، رغم ثراء البيئة السودانية واحتوائها على آلاف الحكايات والقصص التي تصلح لكي تكون مسلسلات درامية؛ نظرًا لما تحتويه من قضايا اجتماعية وأحداث تاريخية وسياسية في حاجة إلى من يلتقطها من المتخصصين القادرين على تفسيرها والتعامل معها بوضعها في قالب درامي يجسد واقع الحياة في السودان والمشاكل التي يعيشها.

وفي هذا الإطار يقول د. مصطفى يوسف، أستاذ الدراما بأكاديمية الفنون بالقاهرة، إن الدراما السودانية التي كانت تُعرض سواء في رمضان أم غيره كان لها جمهور يفوق الجمهور الذي يعشق الدراما الوافدة، لكن الجهات المنتجة توقفت عن الإنتاج منذ أكثر من عامين، ما أدى إلى تحول الجمهور إلى الدراما المصرية والسورية والتركية أيضًا، فصار هذا الانصراف خصمًا من خصوم الدراما السودانية؛ حيث تم القضاء على الجزء المتبقي من عشق المشاهد السوداني لرؤية تاريخ بلده وقضاياه الاجتماعية.

وبات يبحث بدأب عمَّن يهتم بتاريخه الثقافي أو موروثه الشعبي، وجاء القرار الذي اتخذه مدير التليفزيون السوداني بإنشاء مدينة للإنتاج الإعلامي على غرار مدينة الإنتاج الإعلامي بالقاهرة ودبي؛ ليعيد الأمل في إمكانية عودة الدراما السودانية بقوة مرة أخرى.

إعادة ترتيب

لكن الناقد السوداني زين العابدين أحمد يرى أن الدراما السودانية في حاجة شديدة إلى إعادة ترتيب وإعادة صياغة مرة أخرى؛ لأن الأمر في حاجة إلى جهد، خاصة أن الأعمال الدرامية التي قُدمت حتى هذه اللحظة ضعيفة جدًا. وبعضها لم يستطع توصيل المغزى منه، ليس بسبب ضعف الممثلين ولكن بسبب التضييق عليهم وإحساسهم بأنهم مراقبون في كل لفظة ينطقون بها وفي المظهر العام لهم، فكيف يقتنع المشاهد بفتاة تعيش في بيت والدها وتنام وهي مرتدية الحجاب؟!.

يضيف زين العابدين: إن المشاهد الرومانسية في الدراما السودانية مرسومة ولا تؤدى بحرفية لإقناع المشاهد، حتى تعبيرات الوجه تسير في وادٍ والحوار في وادٍ آخر، وهذا يدل على أن إحساس الفنان مزيف نتيجة سيف الرقابة المسلَّط على رقبته؛ لذلك انعدمت واقعيته وانفصل عن الفكرة وفشل في توصيلها للمشاهد، والحل الوحيد لأزمة الدراما السودانية يكمن في إخراج المبدع السوداني من عزلته المفروضة عليه.

في ذيل القائمة

وأشار إلى أن ضعف الدعم المادي المتجه إلى العمل التليفزيوني في السودان أدى إلى تأخر الدراما السودانية سنوات طويلة، حتى أصبحت في ذيل القائمة بعد الدراما المصرية والسورية والخليجية؛ بسبب الإنفاق الضعيف.

حيث بلغت أكبر ميزانية لمسلسل سوداني 250 ألف جنيه مصري، في حين أن فيلم «ألف مبروك» للفنان أحمد حلمي تكلّف 25 مليون جنيه مصري، علاوة على أن العرف السوداني والعادات والتقاليد تمنع الفتاة من الظهور بشكل لافت للنظر، كما يمنع تجسيدها أدوار العاهرة أو الفتاة التي حملت سفاحًا كما يحدث في الدول العربية كافة؛ حيث تقوم الدنيا ولا تقعد بالرغم من أنه تجسيد للواقع الذي تعيشه هذه الدول.

كما أوضح أن الحكومة السودانية مطالبة هي الأخرى بتذليل الصعوبات، والإيمان بأن الفن مرآة تعكس الواقع، وينتقد الظواهر بشكل يستطيع المواطن البسيط فهمه، كما فعلت الحكومة المصرية.

حيث أطلقت العنان للمؤلفين لطرح كتاباتهم وتناول قضايا حساسة للغاية لا يمكن تجاهلها، فاستطاع السيناريست بعدها أن يسوق حوارًا مترابطًا بواقعية تعكس بالفعل أبعاد القضايا الاجتماعية، كما لم يبخل المنتج على العمل التليفزيوني، فكانت النتيجة أعمالاً متميزة تجذب جميع أفراد الأسرة المصرية، وهذا ما أدى إلى انتشار الدراما المصرية وتتبعها من قبل المشاهد العربي.

القاهرة ـ دار الإعلام العربية