كواليس

«المدونات الإلكترونية» تعيش حرب عصابات ضد «الصحافة التقليدية»

  • الصورة :
  • الصورة :
  • الصورة :
  • الصورة :
صورة
ت + ت - الحجم الطبيعي

شكَّلت المدونات في الأعوام الأخيرة ظاهرة قوية وفاعلة على المستوى العربي، ساعدها في ذلك فقدان المجتمعات العربية الثقة في وسائلها الإعلامية، خصوصا الصحافة المكتوبة، وينظر البعض إلى «المدونات الإلكترونية» باعتبارها ابنة للصحافة الإلكترونية، وحفيدة غير مباشرة للثورة التكنولوجية، والتي استطاعت أن تنقل الأخبار.

وتعبر عن آراء الشباب بحرية مُفتقَدة في عالمنا العربي، لكن اختلفت الآراء في تصنيفها، فاعتبرها البعض نوعاً من أنواع الصحافة الإلكترونية، بينما اعتبرها آخرون مواقع شخصية للتسلية، وفريق ثالث يعتبرها أشبه بجهات غير نظامية تعيش حرب عصابات ضد الصحافة التقليدية؛ فهل المدونات صحافة بديلة أم تعبير الشباب عن آرائه بحرية في إطار ضيق؟ الدكتور شريف درويش، أستاذ الصحافة بإعلام القاهرة، يؤكد بداية أن الفترة الأخيرة شهدت تطورا هائلاً بسبب الثورة التكنولوجية والتقدم العلمي الرقمي، فظهر ما يسمى «الإعلام البديل»، وكانت المدونات التي اختلف البعض في تعريفها إحدى نتائجه، حيث عرّفها البعض بأنها مواقع إلكترونية للكتابة تتضمن الكثير من الأحداث والسير الذاتية والآراء.

مؤكدا أن دوافع «المُدونين» تحمل في طياتها بوادر منافسة الإعلام التقليدي الذي يُهيمن على العامة؛ حيث شكَّلت المدونات ظاهرة قوية وفاعلة سواء على المستويين الإعلامي أم السياسي بعد الأثر الذي أحدثه المدونون، الذين وصفهم درويش بفئات مُهمَّشة ومحرومة اتصاليا، تلجأ إلى وسائل أخرى بعيدا عن الوسائل التقليدية التي يصعب الوصول إليها. واعتبرها في الوقت نفسه إحدى الوسائل المهمة للتعبير عن هذه الفئات المحرومة اتصاليا، خصوصا في المنطقة العربية التي تُعد في «ذيل» القائمة في التصنيف العالمي لحرية الصحافة. اعترف درويش أن المدونات المصرية والعربية بدأت تنتشر بشكل مُوسَّع في الآونة الأخيرة؛ حيث وصلت في مصر إلى ال5000 مدونة في غضون ثلاثة أعوام فقط، ومن المتوقع أن تتضاعف باضطراد خلال الفترة المقبلة؛ حيث زادت حدة انتشارها بسبب ما نُشر في بعض المدونات ذات الطابع السياسي لنشطاء سياسيين، أو شباب منحوا مدوناتهم لنشر ما تُخفيه وسائل الإعلام الرسمية.

مدونات أسرية... في حين يرى الخبير الإعلامي د.هشام عطية، أن انتشار المدونات السياسية كان سببا في الكتابة بحرية دون معرفة من يختبئ وراءها، إلى أن بدأت تظهر أنواع أخرى من المدونات، منها المدونات الاجتماعية التي تُحررها نساء متزوجات في الغالب أو عوانس أو مطلقات يناقشن خلالها قضايا اجتماعية كالزواج، الطلاق، شؤون الأسرة، الزواج العرفي والسري، أسباب الخيانة الزوجية، العلاقة بين الزوج والزوجة، الحب، مشاكل الأسرة، بأساليب طريفة وهزلية وجدية في آن واحد. واعترف أنه على الرغم من حداثة المدونات العربية بشكل عام؛ إلا أنها أصبحت أداة فعّالة، وقد أجاد المدونون استخدامها سواء في التعبير عن همومهم أم هموم مجتمعاتهم، ولم يكتفوا بذلك، بل أتقنوا استخدامها كوسيلة إعلام حرة متفقة مع نظيراتها التقليدية في أمور متعددة، وتتنافر معها أيضا في أمور كثيرة، ما جعل الصحافة المطبوعة تخسر معركتها مع الوسائل الإعلامية الجديدة، إضافة إلى ظهور أنماط اتصالية أخرى مثل «الفيس بوك»، ومن قبل انتشار الصحافة الإلكترونية.

من الشارع

أضاف عطية أن المدونات تُعد نقلة ديمقراطية في تاريخ البشرية بعد أن واجهت الوسائل التقليدية مشاكل كبيرة في كيفية الوصول إلى القارئ والتواصل مع الجمهور، فالإنترنت ثورة حققت هذا التواصل من دون قيود، كما أن المدونين في استطاعتهم النزول إلى الشارع، والوصول إلى المواطن في كل مكان لإجراء استطلاع للرأي، ما يمكِّن المدون من تعويض أي نقص تشهده الصحافة، وهذا ما حدث مؤخرا.

حيث اهتمت المدونات بصحافة الأقاليم والمحليات والأقليات، علاوة على كونها تمنح القارئ فرصة لتسجيل تعليقه، كما تتميز كتابتها بحس شخصي، ما يجعل هناك فرقا واضحا بينها والكتابة الصحافية الحرفية التي تُكتب في الصحف التقليدية.

قشور صحافية

أما عن منافسة المدونات للصحافة التقليدية؛ فيقول عطية: «إنها لا تعتبر منافسة بالمعنى المعروف، لكنها اجتهادات شخصية لا ترقى، في معظم الأحيان، لتكوين مادة صحافية، لكنها «قشور صحافية» تعبر عن وجهة نظر كاتبها تجاه بعض القضايا، لكن إذا تم إنتاجها بشكل جيد؛ ستقودنا إلى الجدل الدائر حول إمكان اختفاء الصحافة التقليدية أمام نظيرتها الإلكترونية.

وهذا الافتراض غير صحيحٍ على الإطلاق وغير منطقي؛ لأن الصحافة ليست مهنة ورق فقط، لكنها فكرة صياغة أفكار ومضامين، ويمكن أن تُقدم عبر أي وسيط آخر غير الورق مثل شاشة أو إذاعة، ما يؤكد أن المشكلة ليست في الورق فقط، لكنها في العقول والأفكار والمفاهيم، بمعنى أن جوهر المهنة موجود بغض النظر عن الوسيلة».

صوت شخصي

وعن السبب الرئيسي لرفض الصحافيين المحترفين نشر مدوناتهم على الإنترنت، يقول د.شريف اللبان، أستاذ الصحافة الإلكترونية: «إن المدونات تميل في المقام الأول لتشجيع الصوت الشخصي، وهذا أمر غير طبيعي بالنسبة للمهنيين الذين تدربوا على إبقاء أحاسيسهم ومعتقداتهم بعيدة عما يكتبون ويذيعون، إلا أن بعض الصحافيين التقليديين سارعوا إلى كتابة مقالات على الإنترنت بحماس، بينما لم يُعطِ آخرون هذا النشاط أهمية، ورفضوه برمته.

لكن في الوقت نفسه يعتبر اللبان أن التحدي الذي فرضه الإنترنت كوسيط إعلامي اتصالي متعدد المزايا، لا يضاهيه في ذلك وسيط آخر، جعل الناشرين العرب في وضع لا يُحسدون عليه، ولا يُسمح لهم بتجاهل هذا النوع الإعلامي الجديد، ما جعلهم يضمونها لصحفهم، ويفردون أبوابا لكل ما يُكتب في المدونات.

فقد أفردت جريدة الجمهورية المصرية بابا أطلقت عليه «حديث المدونات»، تطرح خلاله ما يتم تناوله على مدار أسبوع كامل، كذلك خصصت مجلة «الشباب» بابا أطلقت عليه «مدونات الشباب»، كما خصصت جريدة «الأسبوع» المصرية بابا أطلقت عليه «مدونتي» ترصد خلاله بعض المشاركات.

أما د. ماجد سالم، أستاذ الصحافة الإلكترونية بإعلام القاهرة، فأكد أن الصفحات الشخصية أو المدونات العربية لا تُمثل أي نسبة تُذكر مقارنة بالمدونات الأجنبية، خصوصا الأمريكية؛ حيث يعتبرها الأميركيون هواية، وليست وسيلة لتحقيق هدف، وهذا ما يؤكده أحد التقارير الصادرة في مارس 2010، والذي يؤكد أن 77% من المدونين الأميركيين يكتبون للتعبير عن أنفسهم بصورة إبداعية دون سعي وراء مكسب مادي أو شُهرة.

وأوضح سالم أن المدونات نوع من الإبداع الأدبي والصحافي المتعارف عليه، تنظم لها دور النشر والصحف - من خلال إصداراتها ونسخها الإلكترونية - مسابقات لاختيار أفضلها من حيث أسلوب الكتابة، والجرافيك، واختيار الموضوعات وتبويبها.

منافس حقيقي

بينما ترى د.ليلى عبدالمجيد، أستاذ الصحافة الإلكترونية وعميد كلية الإعلام بجامعة القاهرة، أن المدونة في المشهد الإعلامي العربي لا يمكن تجاهلها، والدليل على ذلك تنظيم مسابقة خاصة لأحسن أسلوب مدونة عربية، كما تم تأسيس رابطة «مدونون بلا حدود» تحت رعاية قناة «الجزيرة» الفضائية، كذلك تحتل المدونات صفحات بعض الصحف العربية كصحيفة «الشرق الأوسط».

تؤكد عبدالمجيد أن المدونين أثبتوا في أول حفل أقاموه بنقابة الصحافيين المصرية تحت شعار «غني يا بهية» أنهم فكرة إعلامية حقيقية مُنظَّمة بشكل يُمكِّنها من منافسة الصحافة الرسمية المطبوعة وحتى المعارضة، ما يؤكد مدى العلاقة الوثيقة التي بدأت ملامحها تظهر بين المدونات والصحافة المطبوعة.

؛ لأن كل واحدة منهما مُكمِّلة لصحافة الخبر على الرغم من قيام بعض المدونين المصريين باتهام الصحف الرسمية والمستقلة بسرقة أعمالهم، ونشرها على صفحات الجرائد دون الإشارة إلى اسم صاحبها، والاكتفاء بذكر أنها نُقلت عن مصدر من الإنترنت.

الحب والحرية

وهذه هالة صبيح، صاحبة مدونة «الحب والحرية»، تؤكد أن المدونات في مصر تلقى إقبالاً لا بأس به، مشيرة إلى أنه من أشهرها مدونة «الوعي المصري»، والتي يكتب فيها ويحررها المدون الشهير وائل عباس، بالإضافة إلى مدونة «علاء ومنال» التي تتناول قضايا سياسية وشخصية متعلقة بالواقع، وتعد من أنجح المدونات المصرية.

واعتبر عمرو سلامة، مصمم مواقع إلكترونية، أن المدونات مُتنفَّس لعدد كبير من الشباب، بغض النظر عن كونهم محترفين أو مبتدئين؛ لأنها تتميز بالبساطة وتناول جميع الموضوعات التي تعالجها الصحافة؛ حيث تتيح للقارئ موضوعات متعددة سياسية، اقتصادية، اجتماعية، وأحيانا شخصية.

وتوقع سلامة أن تطغى الصحف الإلكترونية على الورقية خلال الأعوام العشرة المقبلة؛ لكون الأولى تمتاز عن الأخيرة بسرعة الانتشار، وعدم التكلفة، ولا تخضع لمقص الرقيب، ما يتيح لكُتَّابها التحدث في جميع الموضوعات التي تمس كل قطاعات الدولة بلا تكليف أو تخوُّف، علاوة على إتاحة الفرصة لبعض المحترفين لإظهار إبداعهم وفق رؤيتهم، ما يسهم في صناعة الرأي، وإن بدت - حاليا - في شكل عشوائي، لكنها في الأساس تستند إلى مبدأ الحرية.

Email