عادات الفلسطينيون في رمضان أكثر تشبثاً بالموروث

عادات الفلسطينيون في رمضان أكثر تشبثاً بالموروث

  • الصورة :
  • الصورة :
  • الصورة :
صورة
ت + ت - الحجم الطبيعي

في فلسطين كل مناسبة تختلف في شكلها قسراً، ليس لشيء سوى الاحتلال الإسرائيلي الذي يحيط بكل ما يأتي هناك، حتى الأعياد لا تبدو كذلك في كثير من المرات.. ورغم كل معاناة يبقى رمضان شهراً يختص بالبركة والعطاء والكرم.. تكثر معجزاته على أرض الرسالات السماوية، ويزدان بجماله في ظلال قبلة المسلمين الأولى، ويمنح الفلسطينيين حساً أقوى للحفاظ على صلابتهم في مواجهة فكر احتلالي عاث في الأرض فساداً.

«وجوه» على صفحات «الحواس الخمس» تستطلع شكلاً من رمضان فلسطيني ينطق بواقع الصائمين هناك، حيث تبقى لذلك الشهر الكريم حكاية تدوم وتدوم على أرض فلسطين.. إنها نبض حس عربي مقاوم.لتسليط الضوء أكثر على واقع من رمضان فلسطيني، تماماً كما يرويه أبناء فلسطين ممثلين بالقنصلية الفلسطينية في دبي والإمارات الشمالية، فالمشهد العام يشير إلى أن الاحتفال بشهر رمضان يبدأ بمجرد رؤية هلاله (سواء في فلسطين أو في بلد مجاور عملاً بمبدأ وحدة المطالع). حيث تصدح المساجد بالدعاء والابتهالات معلنة الصيام، ويتجه المسلمون إلى المساجد لتأدية صلاة التراويح، وتخرج جموع الأطفال حاملة الفوانيس التي تعد من التقاليد القديمة المتوارثة، فعلى مر العصور واختلاف الأزمنة، احتفظ رمضان فلسطين بسمات وعادات ومظاهر ثقافية خاصة تناقلتها الأجيال فظلت خالدة في ذاكرة التاريخ.

وفي فلسطين بمدنها وقراها ومخيماتها المتناثرة في كل اتجاه، تلوح في الأفق عادات رمضانية تندمج مع روح العصر، وتتأقلم معه محافظة على سماتها وأصالتها، ومن بين هذه العادات قيام «كبير العائلة» أو من ينوب عنه بزيارة أرحامه وتقديم الهدايا بمناسبة حلول الشهر الفضيل، وغالباً ما يتم هذا الأمر بعد الإفطار في الأيام الأولى من الشهر الفضيل، وتعرف تلك العادة بـ «الرمضانية».وكغيرها من البلدان تستيقظ فلسطين على صوت «المسحراتي» بطقوسه المصاحبة لقدومه كالنقر على الطبل بقوة، وذكره لله عز وجل، والأناشيد الرمضانية العذبة التي تُوقظ النيام: «اصحى يا نايم.. وحد الدايم»، وتشعرهم بجمال هذا الشهر وأهمية «المسحراتي» بعيداً عن نغمات الجوالات المتعددة والمختلفة، رغم أن ذلك التقليد المتوارث اضطر إلى التوقف كثيراً لظروف الاحتلال والاجتياحات الإسرائيلية، وما يرافقها من خطر قاتل يطال كل متحرك ليلاً ونهاراً.

مفارقة أخرى تجعل رمضان فلسطين يبدو مختلفاً عن مثيله في أي قطر من العالم، هي أن مدفع الإفطار لا يصلح في كثير من السنين لأن يؤدي دوره المعهود في تنبيه الصائمين بموعد الإفطار أو السحور، السبب بكل بساطة، هو تداخل أصوات المدافع والدبابات الإسرائيلية، وصخبها في سماء فلسطين، ورغم ذلك يصر المدفع الرمضاني في فلسطين على إعلاء صوته كل عام.

وفي جانب الأكلات التقليدية، يحتفظ الشعب الفلسطيني ومنذ عقود طويلة بأصناف معينة من الطعام والشراب في شهر رمضان، وتتسم كل منطقة بنوع معين من الأكلات، فالمقلوبة والسماقية والمفتول والقدرة تغزو موائد غزة، بينما يتربع على عرش موائد الإفطار في الضفة الغريبة المسخن والمنسف، ولا تخلو موائد الإفطار الفلسطينية من المتبلات والمخللات بأنواعها والسلطات المختلفة لفتح الشهية بعد صوم عن الطعام طوال النهار.

ملمح اجتماعي مهم لا بد ذكره في هذا السياق، يتلخص في عادات تبادل الإفطار الأسري بين الصائمين، وذلك برنامج لا يغيب عن أجندة العائلات الفلسطينية خلال شهر رمضان، وتتفنن ربات البيوت في إعداد الأكلات والتباهي بأشهاها.

التمور بمختلف أشكالها وأنواعها تبقى عروس مائدة الإفطار الفلسطينية، وإلى جانب التمور تصطف المشروبات بألوانها، في مقدمتها شراب «الخروب» وهو يباع عادة في الساحات العامة والأسواق على امتداد المدن الفلسطينية، وخلال شهر رمضان الكريم يبدو الأمر مختلفاً، إذ يتواجد هذا الشراب في غالبية المنازل الفلسطينية وإلى جانبه (عرق السوس، وقمر الدين، والكركديه، والعصائر بأنواعها)، أما الحلويات مثل الكنافة النابلسية الساخنة وفطائر «القطايف» فلا تكاد تخلو منها أي مائدة فلسطينية طيلة ليالي رمضان، وفي النهاية يبقى الطعام اللذيذ مطلباً فلسطينياً لا غنى عنه في رمضان، وذلك بغض النظر إن كانت العائلة تملك قوت يومها أو لا، لأن القناعة الفلسطينية تقول دائماً «رمضان كريم».

وبالعودة إلى الشكل اليومي لرمضان، فهو يبدأ بمزيد من الحرص على العمل بين كافة شرائح المجتمع، لأن نسبة كبيرة من الشعب الفلسطيني تعتاش على قوت يومها وتأكل مباشرة مما تجني، فكثيراً من الناس هناك يضطرون للسعي طلباً للرزق بعد صلاة الفجر مباشرة، لا سيما المزارعين والعمال والبائعين والتجار، وتلك الشرائح تشكل الغالبية من الشعب الفلسطيني المقسم وفق ثلاث فئات، المدينة والقرية والمخيم، والجميع بلا استثناء يدفع كل يوم فاتورة المرور عبر الحواجز الإسرائيلية التي لا تدرك معنى لرمضان.

وفي ظروف عصيبة يتقاسم الجميع رغيف الخبز لتأمين إفطار عادل بين الصائمين، فيما تكثر موائد الرحمن في المدن الكبيرة والمخيمات، لا سيما التابعة لجهات خيرية خارجية، مثل الهلال الأحمر الإماراتي وموائد الرحمن التي يتبناها كل عام في باحات الحرم القدسي الشريف وفي مدن ومخيمات قطاع غزة.

ونظراً لكون أن نسبة كبيرة من الفلسطينيين تعتمد على الزراعة، فإن رمضان يعتبر بالنسبة لهذه الفئة على وجه الخصوص مناسبة مختلفة، حيث تجد أبناء القرية الواحدة يغدقون بيوت الآخرين بكميات كبيرة من الخضار والفواكه المتوفرة لديهم، وفقاً لتقاليد متعارف عليها كثيراً من المزارع لسد حاجة الآخرين، ولا ضير في أن يتوجه أي كان إلى أي مزرعة لقطف ما يحلو له من الخضار والفواكه، فالشعار في رمضان «كل يسامح الآخر».

في رمضان فلسطين تزداد حدة التعاطف والتواصل والشعور مع الآخر، وتكثر الأسباب المؤدية إلى الرزق، وعلى قلة الدخل المتوفر إلا أن شمس رمضان لا تغيب على صائم حيران، وفي ذلك إشارة قوية إلى شعور صادق تجاه الآخرين، اعتاده الفلسطينيون منذ القدم.

حيث الاحتلال يأبى أن يترك لفلسطين متنفساً. في مدن وقرى ومخيمات فلسطين، تنار الشوارع ببهجة رمضان، وتزدان الأسواق بليالي الشهر الكريم، والأعياد تظل الزائر المنتظر بلهفة أقوى، لذلك تجد الفلسطيني رغم الحواجز والآليات الإسرائيلية المتناثرة في كل مكان، يصر على اغتصاب فرحة لا تتكرر بروحانيات مناسبة دينية لها امتداد خاص في فلسطين، إنه «الإسراء والمعراج.

دبي - عنان كتانة

Email